تقدم الكلمة في هذا العدد ديوانا شعريا من تونس لشاعر جمع بين الفلسفة والقصة، وردت أشعاره في أكثر من أنطولوجيا شعرية، في ديوان يستقي سؤالي الوجود والعدم كي يجعلهما موضوع هذه المقاطع الشعرية المترابطة والتي تبدو نصا شعريا بنفس واحد حيث الخلاص في العشق كما تحلل في الخطاب الصوفي.

ديوان العدد

عزيزي النفري

أحمد عمر زعبار

 

قال لي:

يا عبدي

لا يُغسلُ الدمُ بالدّمِ

ولا تُطفأُ النارُ بالنّارِ

 

وقال لي:

الحرْفُ:

إخفاءٌ وكشْفُ

صخبُ الدّاخلِ صمتٌ

صخب اللّسان غيبة الرؤيا

صخب الجسدِ ضُعفُ

 

أوقفني في الرّجاء

وقال لي:

لك الحلُمُ

الحلُمُ أنت الآخرْ

 

وقال:

الدّعاء: غيبٌ لا طريق

مرآةُ الضّيقْ

وصلاة القاصرْ

 

وقال لي:

أنت الحُرُّ

إن شئتَ, كنتَ

لا الطّينُ طينٌ

ولا الرّوح روحٌ

هما الواحدُ

والواحدُ أنتَ

 

وقال:

هم صغارٌ وإن كبَّروا

همُ الأسرى

الحياة: رحلتكَ, رؤيتكَ

هي بعضك وأنت بعضها فتزوجها

ولا تتركها لآخرة وأُخْرَى

هم الأسرى ..... هم الأسرى

 

وقال لي:

معي

أنت, أنت لا غيري

أنا, أنا لا غيرك

اثنان في فردِ

القلب قلبُك

والنبض عندي

 

وقال:

يا عبدي

أنا الوجودُ وما وراء الوجودْ

ما حاجتي لغزاةٍ ودعاةٍ

ما حاجتي لحرّاسٍ وجنود؟

وانا لا جهات, لا حدود

 

وقال:

يا عبدي

أنا الحياةُ, أنا الحيْ

لا تنشر الموت وتنسبه إليْ

 

وقال لي:

في السعة وفي الضيقْ

الجسد طريقْ

منه تعبر إليَّ

منه تعبر إليكْ

 

وقال:

يا عبدُ

لن تعرفني حتى تراني ولن تراني حتى تراكَ

ولن تراكَ حتى تفرغ منكَ ولن تفرغ منك حتى تمتلئ بي فلا تسمع كلاما ولا تسمع صمتَا

يا عبد

إن فرغتَ منكَ كنتُ أنا أنتَ

 

يا عبدُ

من وصفني اختطفني

ومن اختطفني ما عرفني

يا عبدُ

من أسكنني قلبه محوت ذنبه

 

يا عبدُ

عقلُ المؤمن قلبُه

دمع المؤمن ذنبُه

فرح المؤمن ربُّه

يا عبدُ

صلاة المومن بكاؤه ثم فرحه

يا عبد

بكاء المؤمن رجاءٌ لا ندمُ

يا عبد

في اللقيا لا وجودٌ ولا عدمُ

 

وقال لي:

العقل لا يحميك منك

والإيمان لا يحميك منّي

تعصيني وتدّعيني

تجهلني وتُخبرُ عنّي

 

وقال:

الإيمانُ سجنٌ ...

والنّاسُ

سجناءٌ وحرّاسُ

 

وقال:

الرّؤيا شوقٌ ما بين النّور وبين نار تضيء ولا تحرقْ

والرأي ضيقٌ وحصارُ المُطلقْ

 

وقال:

لا تثقلك بورائك فإنه غشاوة

ولا تبحث عن ورائِكَ أمَامَكَ

من سار إلى ورائه لا يصلُ

البصرُ مطفأٌ والعينُ تشتعلُ

وقال: من تقمّص غير روحه ... لا مطلقٌ ولا أملُ

 

وقال لي:

من عاتب خلقي

وعدّد حسناته

ما عبَدَني

إنّما يعبدُ ذاتَه

 

وقال:

 يا عبدُ

ما في قلوبهم شوقٌ ولا وجدُ

نورهم نارٌ

سكينتهم رعدُ

يا عبدُ

لا يجتمعُ في قلب المؤمن إيمانٌ وحقدُ

وقال 

يا عبدي

من أحبّني لنفسه

ضيّعهُ الطريقُ ولم يصلْ إليَّ

 

وقال لي:

القاتل ليس مني ولا أنا منه

وإن كبّرَ

يذبح خلقي والروح روحي

خَلقتُ من الرحمة قلبه

فصيّرَهُ حجرَا

 

وقال:

يدعونني ولا يسلكون طريقي

يطلبون خيري ولا يطلبوني

 

وقال:

أَمُدُّ لهم رحمتي وأبسطُ خيري

ويسعون عند غيري

 

وقال:

يَدَّعون قربي ولا يعرفون إلّا رنين أسمائي

هم أسرى ما سواي

 

وقال:

للجهل ألف فقيه

للخرافة ألف عالم

وطرقي مهجورة ... مهجورة

 

وقال:

لهم بدع في الإيمانِ

يحفظون قولي

يصلّون

ويرفعون راياتي في معابد الشيطانِ

 

وقال:

خطاهم منفى

وشمسهم لا تُشرقْ

الماضي حطبٌ ميّت

وأنت حيٌّ ترزقْ

 

وقال:

خطاهم إلى الوراء

فلا تمش الى ورائك

اتبع خطاك إليك تراني

 

وقال:

نفوسهم حرائق

وأرواحهم دخانْ

لسانهم لي

والقلب للشيطانْ

 

وقال:

 إيمانهم صراخٌ

والصمت أتقى وأنقى

وقال: يذكرونني بجهلهم لا بعلمي

 

وقال لي:

لا تطرق الغيبَ ولا تسكن الميّتَ

فالأقدارُ لعبةُ الصّدفْ

لا تقتف لهم أثرا

هم الهدفُ .... وأضاعوا الهدفْ

 

وقال:

العابر من تفاصيله إلى تفاصيله

يلهو به أملُ

يمضي ولا يمضي

يسعى ولا يصلُ

 

وقال لي:

يا عبد

الصمتُ وضوء الروحِ

الصمت صلاةُ المعنى

يا عبدُ

صلاتُكَ مرآتُكَ

فيها تراك فيها تراني

 

وقال:

 يا عبدي

دعك من المرايا فإنها حجاب

يا عبدي

إن أردتَ ذاتكْ

جعلتني مرآتكْ

 

وقال:

يا عبدي

أسكنتني قلبكْ

فأحببت قرْبكْ

وأضأت دربكْ بنورِ لا آمُرُكَ ولا تأمُرُني

يا عبدي

أَأُقيم عندك وتهجرني؟

 

وقال:

يا عبدي

إن جعلتَ قلبَك بيتي

رأيتَ صوتِي

وسمعتَ صمتي

ونجوت من الحياةِ

ونجوتَ من الموتِ

 

وقال

يا عبدي

أُهجُرْكَ وابتعد عنكَ

لا بماءٍ لا بنارٍ

لكن

تطهّر بي منكَ

 

وقال لي:

الذي لا يرى روحه في مرآته

يغرب عن ذاته

يعيش منفيا, قريبا/بعيدا عن حياته

 

وقال

الغربة أن تبحث عنك فيك ولا تجدك

والمنفى أن يصبح حزنك وطنك

 

وقال لي:

أَقِمْ عندي

ولا تنزل على رحمتي ضيفَا

سر إليَّ حبًّا

ولا تُطعني خوفَا

 

وقال لي:

لا تسأل يا رب أينكْ

لا واسطة بيني وبينكْ

لا حجاب, ولا كتاب

تراني بي

وأكون عينكْ

 

وقال:

لبيكَ , لبيكْ

انا الطريق إليَّ

انا الطريقُ إليكْ

 

وقال لي:

لا روحٌ, لا جسدُ

لا كثرةٌ, لا عددُ

أحدٌ  أحدُ

أحدٌ, أحدُ

 

وقال لي:

العشق كينونة الكون وفيض الكيان

الروح تُنفخُ فيها الروح

وقال: هو الصمت مرتديا ثوب الوجود

منتشيًا ولا ينطقْ

العشق كل الكلّ

الإيمان عشقٌ مُغلقْ

 

وقال:

إن عشقتَ

مالكون إلاّ....... أنتَ

 

وقال لي:

العاجز عن الحب عاجز عن الحياة

لا يَرى ولا يُرى

تمرُّ به الدنيا ولا يقطف الا الجسدْ

 

وقال:

أنثاك أنتَ وأنتَ أنثاكْ

لا ملك لا امتلاكْ

 

وقال:

إن كنتما اثنان فلا عشق حتى تفنيا في واحدْ

وقال: لا عشق إن كان بينكما شاهدْ

 

وقال لي:

العشق فناء والجسدُ ضيق

وقال: أنا الطّريقُ وغاية الطريق

 

وقال:

 إن فاض بك العشقُ ... تراني وأراكْ

 

وقال:

لا تحبّني خوفا ولا رعبَا

الخوف فتوى العاجزْ

الحبُّ جسرٌ والخوف حاجزْ

 

وقال لي:

لا تحلمُ بالسّماءِ وأرضك مقفرهْ

الدنيا فضاء لك ... وإن شئت مقبره

 

وقال: الحقد مقبرة الروّح

 

  وقال لي:

لا تكن ضدّين, نصفٌ أنت ونصف غيرك

فالأمر أمركْ

النبعُ نبعكَ والطيرُ طيركْ

 

وقال:

لا تقبل سوى كلّكْ

ولا تسعى الى ظلّكْ

ولا تقف بين لعلّي ولعلّكْ

 

وقال:

الندمُ: وجعٌ, نزيفٌ لا يسيل منه دمُ

لا توبةٌ, هو وجع الروح المعطوبة

هو بعض ما يُلقي لك العدمُ

 

وقال

معرفتي أرحب من الإيمان

الإيمان ضِيقٌ مُسيّجٌ بالخوفِ

معرفتي لا تُحاطُ

تسيرُ إليَّ شوقًا ولا ترتد للخلفِ

 

وقال:

العقائد شَرَكٌ وشِركٌ بالحياة

 

وقال:

رأيت المعابد ملأى

والقلوبَ فارغةً

رأيت شعائرا

ولم أر دينَا

 

وقال:

معابدهم زحامُ

قلوبهم رُخامُ

وأرواحهم ركامُ

وقال

إن خلا قلبك منّى

أحرقَتْكَ الشعائرُ وما لروحك مأوى

 

وقال:

يا عبدي

شغلتك الشعائر عنّي

يا عبدي

أنت منّي

لا تكن لي وكُنِّي

 

وقال:

أنا في قلب كل سائل عنّي

 

وقال لي:

شعائرهم رشوةُ من يُرتجَى ولا يُرتشَى

شعائرهم زيفُ

وعبادتهم خوفُ

يا عبدي

طريقك إليَّ الحب لا السيفُ

 

وقال:

يا عبد

من طريقه الدّمُ

حصاده النّدمُ

 

وقال:

ما بال العباد

يحرقون أثر الله فيهم

ويطلبونه في الرّماد؟

 

وقال:

يا عبدي

طريق الضمائر

لا طرق الشعائر

 

وقال:

عبادتهم صراخٌ وخُطبُ

 ايمانهم حريقٌ

وعبادِيَ الحطبُ

 

وقال:

يا عبدي أما عَلِموا؟

الدنيا هديتي لهُمُ

لكنهم ضاقوا وما اتسعوا

سعيهم أنفسهم

فحياتهمْ وجعٌ

 طلباتهم متعٌ

ايمانهمْ جوعٌ

ودعاؤهم طمعُ

 

وقال:

بئس ما سنّوا وما فرضوا

في كل سعيٍ لهم غرضُ

كلّما سطع نوري بقلب عبدِي اعترضوا

وقال يا عبدي

أنا العافية

وإيمانهم مرضُ

 

وقال:

الكون روحي

والرحمة أنفاسي

الشعائر إرهاق الجسدِ

والقسوة خلل في النّاسِ

 

وقال لي:

الواقف عندي لا يحتارُ

الحب نور والإيمان نارُ

يا عبدي

 بئس ما أفتوا وما اختاروا

اعتَنقوا فافترقوا فاحترقوا

 

وقال:

يا عبد الطين

لا تعبأ بما كَلِفوا

اتفقوا أم اختلفوا

يا عبد الطينِ

الرّوح روحي

لكنك مُختطفُ

 

وقال:

في الكِبْرِ والتفاخرْ

حربك ضدّك\ضدّي

لا ضدّ الآخرْ

 

وقال:

يا عبدي

إن تهتَ عنك لا تقصدني

من أضاع نفسه لا يجدني

 

وقال لي:

قل لعبادي القاتل والمقتول أنا

 

وقال لي:

يا عبد الطّينْ

إن أضعتَ الدّنيا

ما نفع الدّينْ

 

وقال:

الدّمُ لا يُشفي

والدّمعُ لا يكفي

والرّوحُ قد تُبدي وقد تخفي

الموتُ وجهٌ آخر لذواتنا

يخفيه عنّا حاجبُ الخوفِ

 

وقال لي:

يا عبد

أهديتك الدنيا فأهملتَ هديتي

يا عبد ما خلقتها لك عبثَا

إن أهملتها أهملتَ نفسك

وإن أهملت نفسك أهملتني

يا عبد

لن تحميك آخرةٌ في دنياكَ

 

وقال:

أهديتك الدنيا

إن أهملتها أهملتني

وقال:

من عمِيَ عني في الدنيا

لم يرني في الآخرة

وقال:

الدنيا أنا

والآخرة أنا

إن أضعتني في الدنيا

ضاعت عليك الآخرة

 

يا عبد

لا حاجز بين موتك وحياتك

يا عبد

دنياك مرآتك

وذاتٌ في ذاتك

 

وقال لي:

يا عبدي

لا موتٌ ولا موتى

بل حجاب هو أنتَ

 

وقال:

 يا عبدي

لا نأي ولا تحدّي

النفْسُ عندكَ

والنفَسُ عندي

 

وقال

الجوهرُ

ما يُحسُّ

ولا يُمسُّ

ولا يظهرُ

وقال

الظاهرُ حجابٌ لا مرآةْ

غبارٌ, حصارٌ, نزقٌ يسجن  الذاتْ

الظاهر يلهيك, يخفيك

يسرق منك أنتَ ويعطيك وهْمَ حياةْ

 

قلتُ:

 يا رب ما خطيئتهم؟

قال:

 تركوا الوجودْ إلى السجودْ

 

قلت: وما الحياةُ؟

قال:

الحياةُ أنتَ

ما ستكونُ وما كنتَ

وإلاّ

ظلُّ الظِلِّ

وظلُّ الموتى

 

وقال لي:

الخلاص في سطوة العشق لا في الرصاص

وإلاّ ... الكلُّ حرٌ

لكن

حرّية الأقفاص

 

 

هامش:

أحمد عمر زعبار، شاعر تونسي من مدينة الوردانين ولاية المنستير

مواليد مدينة سوسة فىي22\05\1963

زاول تعليمه الابتدائي بالمدرسة الابتدائية بالوردانين وتعليمه الثانوي بالمعهد المختلط بالوردانين ثم بالمعهد التقني بالمنستير

حاصل على شهادة الباكلوريا شعبة الآداب

درس الفلسفة بكلية الآداب بمنوبة ولم يكمل تعليمه الجامعي

حاصل على الجائزة الأولى للقصة القصيرة في مهرجان سيدي بوزيد للأدباء الشبان سنة 1984

نشر اشعارا وقصصا قصيرة ومقالات نقدية بمجلات وجرائد عربية متعددة

وردت أشعاره في أكثر من أنطولوجيا شعرية

شارك في عدة مهرجانات عربية وعالمية للشعر

عضو اللجنة التنفيذية ورئيس اللجنة الإعلامية بالنادي العربي في بريطانيا

الرئيس السابق للجنة الثقافية بالملتقى الثقافي العربي في بريطانيا

نشر مجموعة شعرية واحدة (تفّاح المحبّة) ويجهز لطباعة ونشر ديوانيين آخرين بالقاهرة وبيروت

له مختارات شعرية مترجمة الى الإسبانية ومختارات شعرية مترجمة الى الفرنسية

يعمل بالمجال الاعلامي ومقيم بلندن منذ سنة 1992 ,قدم وأنتج برامج سياسية ويعمل حاليا منتجا للبرامج الفكرية والثقافية والسياسية