ذكرت جريدةُ التحرر في مطلع أخبارها الأسبوعية، أن قطةً من قطط الميدان تركت قطها الرمادي وانطلقت بين السيارات والباصات المكدسة بالبشر المتلاحمين ثم وصلت كوبري قصر النيل.. يذكر الخبر انزعاج القطة من أسديْ قصر النيل حتى وجدت في اَخر الكوبري أسديْن اَخرين شامخين. ركضت بكل قوتها وفي ركضها هذا لمحت فأرًا، يُحاول الاختباء داخل إحدى فتحات الكوبري. ركضت خلفه لعل وعسى، ولكن دون جدوى.. دخل في أضيق فتحةٍ، حاولت مدَّ البوز لم تصل حتى لأول مدخل الفتحة.. عادت القطة في محاولةٍ منها للوصول لقطها الرمادي القابع على حشائش ميدان التحرير.. لمحها كلبٌ ضال يجوب الشوارع المحيطة بالميدان، عندئذ بدأ الكلبُ ينبح ثم وضع في قلبه رأس تلك القطة البيضاء.
كشَّر عن أنيابه وثغره المتلون بالبمبي. بدأت المطاردة ظلت تبحث كسمكةٍ خرجت لتوها من الماء، تبحث عن مياه تردُّ إليها نفسَها. المحلاتُ مغلقةٌ، الفتحاتُ تكاد تكون منعدمةً، كل الأشياء مغلقةٌ بإحكامٍ، تلامست أقدام الكلب مع أطرافها الصغيرة. جرت بعضُ الصور في مخيلتها عن أحداثها مع القط الرمادي، وضياعهما من بعضهما فترةً من الفترات، ثم التقيا من جديدٍ، وأنجبا قططًا، تفرق معظمها عنهما ورجعا معًا بمفرديهما. اصطدمت بقاعدة تمثال طلعت حرب.. المواء القطي يزداد مواءَ، يتسرسبُ إلى مسامع ساكني الميدان، مواء لم يكن عاديا، مواء مَن تستغيث. مرَّت القطةُ بين صفين من البشر، صفٍّ مرتدٍ خوذاتٍ ممسكٍ بعصيٍّ مرتدٍ اللون الأسود، وصفٍ اَخر من البشر من رجال ونساء وبعض الصبية. مرقت القطة بينهما، لكن الكلبَ عاد عندما استشعر التهاب الأوضاع وتأهب الطرفين للاشتباك. ركضت القطة وقبل اَخر قدمٍ لها عبورًا بينهما وقع الاشتباك، وانهالت العصي على الصف المتنوع.
القطةُ ما زالت تهربُ من دهس الأقدام، حتى نجت من الدهس بأعجوبةٍ. خسرت بعضًا من طرف ذيلها، بينما لوَّنت القنابل المسيلة للدموع لونها الأبيض بلون رمادي يقترب من السواد.
القط الرمادي لم يكتف بالندب أو المواء المتقطع، أخذ على عاتقه البحث، وما زال البحث جاريًا عنها حتى الاَن. انتهى الخبر، وطويتُ الجريدةَ وأكملت السير…