في هذه القصة القصيرة المكثفة التي تخلص فيها القاص من الوصف لصالح السّرد يؤنسن القاص (الرصاصة) ويجعلها الرّاوي المشارك، لتتحدث عن نفسها، وعمرها، ومكانها، ولتفصح لنا في البداية عن جهلها بالمَهمّة التي صُنعت من أجلها! لكنها مع حركة الحدث السريع تعرف أنها صُنعت من أجل القتل.

سيرة رصاصة

مهند يحيى حسن

 

 اسمي رصوصة، أعيش في مخزن صغير، في بندقية حاملي، عمري ثلاثة عشر أسبوعا. كنت أقطن سابقا في علبة كارتونية مع العشرات من رفيقاتي، في صفيحة معدنية تضم علبًا كثيرة، مثل لعبتي، وقد صنعنا لأغراض مجهولة، ثمّ صُدرنا لنكون وسائل لهو بيد من سيمتلك ناصية أمرنا.

تعيش معنا – حاليا – في المخزن، ثلاثون رصاصة، وأنا أحرص على ممازحتهم، على الرغم من الكآبة التي تحيط بوجنة كلّ منهم. المكان هنا مزدحم ومظلم وخانق، وتمازجه الأنفاس البارودية لقاطنيه.

لا يوجد متنفس ما لنا؛ لضيق فسحة المكان الذي نقطنه، لكنّني أمتلك شيئا استعمله للهروب ... اقتربوا ... اقتربوا ...

سأبيح لكم بسرّ، ولكن احذروا أن تكشفوه لحاملي، فيلقيني خارج المكان الوحيد الذي آوي إليه حاليا.

لديّ رصوص صغير، هرب من مسدس حامله ليختبئ معي في هذا المكان المظلم، اسمه ننوس، لونه فضيّ، وله عنق صغير، وقدرة عجيبة على إضاءة ما حوله، وإظهار مشاهد تبدد لي العتمة، حين أهمس في أذنيه: يا ننوس، يا متعوس .. يلله نور لي الفانوس، فينير ما حولي، ويطير بي إلى عوالم تخرجنا من ظلمة الملل، ووحشة مستودع الأسلحة التي تنام فيه بندقيتي، بعد أن يتركها صاحبها فيها قبل أن يذهب إلى منزله، وفي آخر رحلة لي مع ضوئه زرت مخيم جنين.

وهناك التقيت بشيرين أبي عاقلة، وهي تنقل آخر أخبار اقتحام هذا المخيم من قبل، أصدقاء صاحب البندقية التي ننام فيها، أنا وصديقاتي.

ورأيت رصاصة تشبهني وهي تستقر في جبهتها، وحالما أصابني الهلع، وجدت روحها ترفرف بجانبي وتطمأنني بأن كل شيء قد انتهى.

أردت أن أنضمّ إليها، لكنها رفضت، وأخبرتنا أن نعود إلى منازلنا ونخبر اصدقاءنا بالغرض الذي خلقنا لأجله.

سأقول لكم سرا ً:

لا تزال روحها تزورني، وتلاطفني، وتحاول أن تبعد عني وحشة المكان والموقف، وتشجعني دائما بالتمرد على أقدارنا التي جُعلت أداةً بيد من لا يحترم الحياة، ولا يقدسها.

لكنني لا أخفيكم سرًا، إنّني لا أعرف كيف أصارحها بأنّ تجهّم رفيقاتي بالسكن ينبئني أنّ المسكن الذي اقطنه حاليا قد تحول إلى قذيفة مدفع كبير ينتظر زنادا يراود شهوة وأنانية من يضغط عليه؛ لاستلاب المزيد من الأرواح البريئة التي ترضي شهوة مطلقينا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • شاعر وقاص من العراق، فاز بعدة جوائز في مجالي الشعر والقصة.