يكشف هذا الحوار مع كاتب تلك الرواية المهمة أن المدينة هي شاغلة في أكثر من رواية، وعن أهمية مفهوم «التجريب» كرؤية جماليّة، ومفهومٍ فكريّ يُوجّه فعل الكتابة من الداخل من منطلق الوعي بمحتوى الشكل. ويجعلها تفتح لنفسها آفاقًا تخييلية جديدة، مفعمة بتشذيرٍ بصريّ قوي،ّ يستلهم تقنيات أجناسٍ فنّية متعددة.

طارق إمام: في «ماكيت القاهرة»

انحياز لـ"التجريب" كموقفٍ تنويري

أشرف الحساني

 

يتمتّع الروائي المصري طارق إمام (1977) بقُدرةٍ مُلفتة على حكي الجسد وسرد أحداثه بطريقة متناقضة، تجعله يتدخّل في عملية تركيبها والسخرية منها، انطلاقًا ممّا يُحدثه من شرخٍ في عملية تشييدها. لذلك تبدو روايته الأخيرة )ماكيت القاهرة( نصّا غامضا، لا يُقدّم للقارئ إلاّ أوهامًا سعيدة، سرعان ما يتكشّف له حجم جرحها داخل واقعٍ مصري متصدّع. وإذا كانت الرواية تحبل بصنوف شتّى من الإبداع والابتكار، فلأنّ إمام عمد منذ كتابة عمله الروائي إلى مفهوم "التجريب" لا باعتباره رؤية جماليّة، وإنّما كمفهومٍ فكريّ يُوجّه فعل الكتابة من الداخل ويجعلها تفتح لنفسها آفاقًا تخييلية جديدة، لا تقف عند المُتعارف عليه من أنماط الحكي وتقنيات السرد وفتنة الشكل، بقدر ما تُكسّر فتنة الشكل الروائي وتفرض مُعاينة جديدة في تشريح الواقع المصري وفق زمنين مُتباعدين وشخصياتٍ يائسةٍ تعيش على حافّة البؤس والتّرحال. يكتب صاحب (مدينة الحوائط اللانهائية) رواية عالمة مُتدثّرة بمزاجٍ ثقافيّ أصيلٍ في المعرفة، إذْ يمزج في نصّه الروائيّ بين أسلوبٍ أدبيّ بنفسه الشعري أو السردي، وبين طباقٍ بصريّ يُحوّل فيه إمام المَشاهد اليوميّة إلى صُوَرٍ مُتخيّلة. هذا الاشتغال على مفهوم التصوير الروائي يبدو جديدًا في الرواية العربيّة المعاصرة، وإنْ حضر في بعص النصوص الروائية الحديثة، فقد ظلّ مجرّد صدفةٍ جماليّة يقودها فعل الكتابة. لكنْ في (ماكيت القاهرة) نعثر على تشذيرٍ بصريّ قويّ وبشكلٍ دائمٍ ومُكثّف، ما يُفسّر الوعي الرائق عند إمام بالثقافة المعاصرة وفي استلهام تقنيات أجناسٍ فنّية وتوظيفها داخل العمل الروائي، سيما حرصه الشديد على مفهوم التصوير والعمل على بلورته داخل نصّ أدبي مكتوب.

عن السر الكامن في نجاح روايته (ماكيت القاهرة) وعوالمها الفكريّة وأساليبها الجماليّة، كان لنا مع طارق إمام هذا الحوار:

(*) أوّلًا، ما السرّ الخفيّ الذي دفعك إلى كتابة "ماكيت القاهرة"؟

كتبتُ "ماكيت القاهرة" مرةً بعد مرة انصياعًا لنداءٍ يائس: أن أنهيها كما أردتُ لها حين داعبتني فكرتها لأول مرة قبل عشر سنوات من إتمامها. لم أنتظر من هذه الرواية أكثر من أن أتمكن من الوفاء بعهدي لها، جماليًا ورؤيويًا، والاثنان وجهان للعملة ذاتها: "التجريب"، الذي أنحاز له كموقفٍ تنويري أبعد من ألاعيب الشكل، وأدعم تقدمه البطيء في سياق خلق ذائقة جديدة تكافح المرجعيات التقليدية والمحافظة والمرتعدة من التغيير.

أعترف لك أنني فكّرت كثيرًا في هذا السر الذي منح "ماكيت القاهرة" هذه "الطفرة" في سياق مشروعي قبل أن يكون في سياق التلقي العربي الذي استقبلها بهذه الحفاوة الاستثنائية. ثمة في الطفرات دائمًا ما لا يُفسر حتى لو أجهدنا أنفسنا في تعديد الأسباب. لكن، ربما كشفت لي "ماكيت القاهرة"، لي قبل أي أحد، عن وجود قارئ "جديد"، عثر عليها مثلما عثرت عليه، محطمًا الكثير من المقاييس فيما يخص قدرة عمل تجريبي أو طليعي، أو سمه كما شئت، على أن يتصدر المقروئية.

(*) هل كُنت تعتقد لحظة كتابتها أنّها ستخترق السوق الثقافيّة المصرية وتتنزّل منزلة رفيعة داخل وجدان القارئ بمُختلف دول العالم العربي؟

سأكون كاذبًا لو ادَّعيت أنني توقعت لها هذا القدر "الطوفاني" من النجاح والانتشار. "ماكيت القاهرة" ليست تلك الرواية التي تُقرأ في ليلة، وليست صغيرة الحجم (عدد صفحاتها يتجاوز الـ من 400 صفحة) بحيث تُحتمل في جلسة، وفوق ذلك هي مشبّعة بالتجريب. ما حدث هو مفاجأة سعيدة وتفوق أي توقع، وأجمل ما فيه أنه استمد وقوده ممن نطلق عليه "القارئ العادي"، فنجاح هذا العمل لم ينطلق من منصة النقد أو الجائزة، بل العكس هو الصحيح، حيث كانت "ماكيت القاهرة" قد أصبحت رواية عالية المقروئية عربيًا بالفعل، وتتصدر لوائح الأعلى مبيعًا في المكتبات والمعارض، قبل شهور من ظهورها في اللائحة الطويلة لجائزة البوكر العربية. لكن أكثر ما أسعدني في هذا النجاح أنه تتويج لفعل "التجريب" بغض النظر عني، حيث قوض المعادلة التي كانت "بديهية" بأن هناك رواية تقرأها "النخبة" وأخرى تقرأها "الجماهير". أنا سعيد بكشف زيف هذه المقولة التي ارتكن لها الجميع وأولهم الكتاب أنفسهم كعزاء غير قابل للمناقشة.

(*) تتمتّع "ماكيت القاهرة" بسردٍ سلسٍ ومُخاتلٍ، لا يلهث وراء خطّية الزمن، وإنّما عملت على تكسيره لإقامة تناظُرٍ بصريّ بين أحداثٍ وقعت في أزمنة متباينة ومتباعدة قليلًا. كيف اهتديت إلى فكرة تكسير حدّة الزمن، حتّى تُقارب من طبيعة بعض الأحداث؟

أن تكون سلسًا ومخاتلًا يعني بالنسبة إليّ: أن تكون قادرًا على سرد حكاية لا تفقد حيويتها، بلغةٍ قادرةٍ طوال الوقت على اكتشاف الشعري في طيات السردي، كعنصرين ممتزجين في خطابٍ واحد، لا كثنائيةٍ مدرسية. هذا أحد رهاناتي، فالرواية لا تبحث فقط عن حكايتها، بل عن قصيدتها أيضًا.

الشكل الروائي عندي هو انعكاس للمقولات الروائية للعمل، أو لما ندعوه بـ"المضمون"، بالتالي فالشكل هو نفسه جزء من الدلالة وهو "مظهرها" الذي ينبع من قوانينها. أحد أسئلة "ماكيت القاهرة" الملحة يخص فكرة التاريخ الذي يعيد نفسه، فنتوهم أننا نسير في خط مستقيم للأمام فيما ندور في قوس دائرة لنكتشف مع كل نقطة نهاية أننا لم نغادر نقطة البداية بل كنا نرتد باتجاهها. أليس هذا، "مضمونيًا"، هو "الزمن المصري/ العربي"، ذلك الزمن الذي يبقى دائريًا مهما أوهم بخطيةٍ منطلقةٍ نحو الأمام؟ بنية الرواية جاءت دائرية الزمن والمكان، لتترجم ذلك المعنى انطلاقًا من الشكل، وبداخلها فكرة "التكرار"، التي اتخذت منها الرواية ثيمة رئيسية.

مِن هنا يمكن لثلاث لحظات تاريخية أساسية (2011، 2020، 2045) أن تتوازى عوضًا عن أن تتعاقب، في مكان هو بدوره صورة من مكان أكبر فأكبر، كدمية الماتريوشكا التي كلما فضضتها وجدتَ نسخة طبق الأصل تختلف في المقاييس لكن وفق نفس الشكل والكتلة.

بصريًا، وهو جانب شديد الأهمية أشرتَ أنت إليه، فالـ"كود البصري"، إن جاز التعبير، لـ"ماكيت القاهرة"، كان صورة مدينة، بقاطنيها، متدرجة بين الصغر المتناهي والضخامة، تعيش الأحداث نفسها بتكراريةٍ محسوبة مع اختلافات طفيفة لكن حاسمة، وكل منها تطل على الأخرى داخل الحيز ذاته.  كأن المدينة نفسها تقف أمام ثلاث مرايا، واحدة مستوية تكشف جسدها "الطبيعي" أو الواقعي، وأخرى "محدبة" وثالثة "مقعرة". وهذا نفسه يعكس صور الواقع حين يقف أمام مرايا الفن، سواء ادّعت محاكاته أو تحريفه، تلك الصور التي تتدرج من الواقعية الكنائية إلى الفانتازيا الاستعارية.

(*) لكنْ، على مُستوى السير ذاتي، كيف جاء اهتمامك بنحت شخصيات الرواية وتجذّرها داخل القاهرة في علاقتها بهذا التعدّد الزمني الذي عملت على بلورته سرديًا؟

كان يمكن لأي شخصية في الماكيت أن تكون، بتعديلات طفيفة، أنا، لو انحرف مساري قليلًا لأصير رسامًا مثلًا أو صانعًا للأفلام أو كاتبًا للكوميكس بدل أن أكون روائيًا. "الفنان" هو بطلي الروائي، وأسئلته، بداهةً، انعكاس لأسئلتي، وفي "ماكيت القاهرة" تحضر بكل تأكيد جوانب من سيرتي في المدينة، ومن أسئلتي حول دور الفن في التغيير والمقاومة وبخاصة مع هبوب ثورة يناير وفي أعقابها. لكن، كيف يمكن أن يتوزع الجانب السيري على شخصيات مختلفة دون أن يحول تشابهها الظاهري دون كشف التباين العميق الذي يخلق الصراع؟ كيف يمكن أن يتحول السؤال المركزي إلى حوارية أصواتٍ متجادلة وليس إلى غنائية مونولوجية؟ كيف تتمكن اللغة السردية من احتضان الأسى كي تعيد تقديمه لصالح لغةٍ شعرية تُكثِّر الظلال وتُجرِّد التشخيص إلى عمق مقولاته وأفكاره دون أن تقع في فخاخ "التخييل الذاتي" المباشر؟ هذه هي أسئلتي التي أحاول ترجمتها روائيًا.

فيما يخص "التعدد الزمني"، عملتُ بالمنطق نفسه مع أزمنةٍ أعرفها كونها مضت (2011، 2020) وأخرى لا أعرفها كونها لم تأت بعد (2045، وزمن مستقبلي أبعد يحضر في نهاية الرواية). من هنا قررتُ أن أرى المكان ليس كـ"زمان متجمد"، بل كأزمنة سائلة، تتحقق جميعها على شرفه وأمام ناظريه "هنا والآن"... وحيث "كل الأزمنة هي الحاضر" كما تُعلن الرواية. حسب تصوّري، لا يختلف الاستشراف في الفن كثيرًا عن الاسترجاع، فكلا الماضي والمستقبل زمنان مجهولان، والذاكرة تتوهم الماضي مثلما يتوهم التخييل المستقبل.

(*) في نفس الطرح، ما حدود التقاطع السردي والتلاقي الجمالي بين "ماكيت القاهرة" و"مدينة الحوائط اللانهائية" و"طعم النوم"؟

المدينة في الأعمال الثلاثة هي الشخصية الرئيسية، هي "الذات" الكُبرى. وسواء كانت مدينة "مخترعة" تسدر في زمن غير متعيّن مثل "مدينة الحوائط اللانهائية"، أو مدينة "حقيقية" تنهض في أزمنةٍ محددة كقاهرة الماكيت أو إسكندرية "طعم النوم"، فالمدينة في الحالات الثلاث، وفي مجمل نتاجي الروائي ربما، ليست مجرد مسرح للحدث أو خلفية للإنسان، بل بطل حقيقي وخالق للحدث بل وللذات الإنسانية نفسها. ربما من هنا جاء تصدير "ماكيت القاهرة": "الأمكنة تخلق قاطنيها. إن نشأت نسخة جديدة من مكان، ستنشأ نسخة جديدة من ساكن".

هناك أيضًا، وبلا شك، امتزاج الواقعي بالميتافيزيقي، كسمة مهيمنة في نظرتي للواقع والفن معًا، واتصالًا بذلك الجوهر العميق في الذهنية العربية لدى التصدي لتفسير العالم. أيضًا، أنا مشغول في النصوص الثلاثة باختبار الشعري داخل السردي، حيث لا أعترف بهذه الثنائية المفتعلة التي تتعامل مع الأنواع الأدبية كمناطق محررة أو هويات مغلقة تأبى الخلخلة وإعادة التعريف. نحن نكتب ضمن مقتضيات النوع لتوسيعها واختبار وليس انصياعًا لقالب، فهذه هي الأصولية الفنية، ولا أرى أبدًا أنه من الممكن أن تكتب خطابًا تثويريًا أو تقدميًا ضمن شكلٍ تقليدي.. وهنا أؤكد على ما قلته آنفًا: الشكل بالنسبة لي جزء من الرؤية.

الرواية والواقع:
(*) تبدو "ماكيت القاهرة" مشغولة بمفهوم الواقع المصري وتحوّلاته، لذلك أخذ تعاملك مع براديم التاريخ صبغة عرضية، جعلته مجرّد مُحرّكٍ للأحداث الروائية، بدل أنْ يكون صانعًا لأفقيها السياسي والاجتماعي. إلى أيّ حدّ يُشكّل التاريخ المعاصر مسرحًا لشخصيات الرواية وأفقًا تخييليًا لأحداثها السياسيّة والاجتماعية؟

الفن يعيد اكتشاف التاريخ، في ظني، عبر "العارض" بالذات في مدونته، فالعارض هو المهمش، والمسكوت عنه، وقد عاد إلى الواجهة بقوة التخييل وبثورة الرؤية المتمردة على السلطة. الجمالي أو الاستطيقي وجه للسياسي، وهو ما حاولت مناقشته في "ماكيت القاهرة"، بحثًا عن الاجتماعي والطبقي وبالضرورة الفكري. الرواية في تقديري تنتج الأفكار أيضًا، وأنا أكتب عامدًا وفق هذا النزوع للتعرية بحيث تحضر الأفكار المجردة نفسها داخل السياق الفني لتخلخل ما ينطوي عليه مفهوم الإيهام الكامل من خطورة، ذلك أنه يجعل الروائي، من حيث لا يدري، محتكرًا للحقيقة، حتى لو كانت حقيقة نصه الفردي. نزوع الرواية للديمقراطية، بتعرية التقنيات، وبجعل المتلقي شريكًا في بناء الإيهام وفي الوعي بأنه إيهام حد تقويضه، هو فعلٌ سياسي أيضًا، يخلخل السلطات كافة، بحيث يصبح المتلقي في لحظة هو المنتج والمنتج هو المتلقي. وهذا في ظني هو الدور الأهم للنص الروائي في توظيف التاريخ، بتنحية دوره المطلق كصانع، لحساب اختباره عبر أثره في الفرد المنسي والمهمش والمنبوذ.

(*) هل تعتقد أنّ هذا الجنس الأدبي قادرٌ على ترميم الفراغات المهولة التي يُعاني منها التاريخ المصري المعاصر؟

الرواية وحدها قادرةً على مناطحة هذا المتن المهول الثبوتي الذي ندعوه "التاريخ"، ذلك أنها تجادله بأدواته نفسها: هي، مثله، سردية، وهي مثله، كذبة تقبل التصديق. لكن، من داخل الجوهر المشترك، ينهض الفارق الحاسم بين خطابين: واحدٌ يؤكد امتلاك الحقيقة، وآخر يؤكد على عدم امتلاكها. لذلك، أرى أن دور الفن الروائي مواجهة التاريخ. النص التاريخي ينطلق من الكلي باتجاه الجزئي، وغالبًا ما يُنهي عمله قبل الالتفات إلى نبض هذا الجزئي، ذلك أن في الوقوف عند الكليات إرضاء للسلطة. دور الفن في تقديري هو النفاذ من الثغرات، القادرة على تقويض الجبل الراسخ مثل نملة تقتل فيلًا. ما هي ثورة يناير؟ هي عين مفقوءة لرسام، أداته أن يرى. يمكن لعبارة كهذه بالنسبة لي أن تكون بالنسبة لي تلخيصًا مأساويًا للحظةٍ تاريخية مزلزلة، ذلك أنها ذاهبة مباشرة للفرد. الرواية تمنح أسماء لمن لا أسماء لهم في التاريخ، بينما التاريخ ينزع الأسماء عن كل من أدوا أدوارهم في الظلال.

سؤال النقد:
(*) كيف تتأمّل طبيعة هذه العلاقة داخل مُنجزك الروائي؟ ولماذا في نظرك ظلّ النقد المعاصر بمنأى عن مقاربة هذه المفاهيم التي تتعلّق بالتاريخ والجسد والذاكرة في علاقتها بالكتابة الروائية العربيّة المعاصرة؟

الرواية شكلٌ تاريخي، بمعنى أنه يستحيل التعامل معها كنص مغلق على شروطه، وهنا تكمن محنة النقد البنيوي الذي ما يزال مهيمنًا على الذهنية النقدية العربية فيما تجاوزه الغرب منذ عقود في اتجاهات أكثر رحابة تعيد النص لتاريخيته هذه. الفن الروائي لم يتخل يومًا عن النظر إلى خارجه والإحالة إليه حتى في أشد النصوص التجريبية انكفاء على ذاتها، بعكس أشكال فنية كالشعر الذي يستطيع إن أراد ألا يحيل سوى لنفسه. أستطيع أن أدّعي أن الفن الروائي هو فن مجبر على الإصغاء لتاريخيته، من هنا فرواياتي هي جدل دائم بين الداخل والخارج، بعيدًا عن سذاجة الثنائيات، التي أرى أن أحد أدواري تقويضها كلها. هذا الجدل قادرٌ على التعامل مع الواقع الخارجي والسياق التاريخي كنص، بقوة قدرته على التعامل مع الواقع الداخلي (الفني) كواقع. الواقع، أو التاريخ، يتجادلان مع النص، لا أحد تابع للآخر، وبقدر ما يصنع العالم النص، فالنص أيضًا يعيد صناعة العالم، بتحويله من "سيل من الوقائع" إلى "سيلٍ من المفاهيم".

 

عن (ضفة ثالثة)