ولدت الأديبة البولندية المعروفة أولغا توكارتشوك في سوليخوف، غرب بولندا، عام 1962. لم ترتبط دراستها بالأدب، بل بعلم النفس الإكلينيكي الذي درسته في جامعة وارسو، التي تخرجت فيها عام 1985. عملت أولغا لفترة غير قصيرة، في أثناء وبعد دراستها، في عيادات مُختلفة للصحة النفسية. وذلك إلى جانب مُمارستها للكتابة الأدبية، إلى أن صار بإمكانها الاستغناء عن العمل، وتكريس نفسها للأدب فقط. لا شك في أن دراستها وعملها في مجال الطب النفسي أكسباها دراية واسعة بالنفس البشرية وتركيباتها وتعقيداتها. يتضح هذا بجلاء في كتاباتها، ورسمها لشخصياتها الروائية، وتشريحها البارع والمتقن والعميق لدواخلها.
الآن، إلى جانب امتهانها للأدب، والانخراط في الأنشطة التوعوية والبيئية والمناخية المختلفة، تعقد أولغا باستمرار ورشات فنية وأدبية ودورات للكتابة. كما تُشرف على مهرجان أدبي قرب محل سكنها في فروتسواف، غربي بولندا. في رصيد أولغا 10 روايات، ومجموعتان قصصيتان، و5 كتب غير روائية، وديوان شعر، وكتاب أطفال. وتُعتبر، حتى قبل فوزها بجائزة نوبل، من أشهر وألمع كتاب وأدباء بولندا المعاصرين، وأكثرهم إثارة للجدال والاستفزاز، بسبب آرائها وأنشطتها وطروحاتها، سواء المُتعلقة بأوروبا والعالم، أو بولندا بصفة خاصة.
نُشرت القصة الأولى لأولغا توكارتشوك عام 1979، ولم توقّعها باسمها الحقيقي، بل باسم مُستعار، هو ناتاشا بورودين. استغرق الأمر عدة سنوات، حتى نشرت أولغا عملها الأدبي الأول، وهو ديوان شعر بعنوان "مدن في المرايا" (1989). بعد ذلك، أصدرت روايتها الأولى "رحلة أهل الكتاب" (1993)، ونالت عنها جائزة الناشرين البولنديين. ومنذاك، تسارعت وتيرة الكتابة والنشر، وحتى نيلها للجوائز داخل وخارج بولندا. إلى أن جاء عام 2019، حيث أعلن عن فوز أولغا توكارتشوك بجائزة نوبل في الأدب لعام 2018.
لدى توكارتشوك أسلوبها الأدبي الأصيل اللافت. وتتمع الكاتبة بخيال خصب، متنوع وجامح، وثقافة عريضة تميزها عن غيرها. وبخلاف ملكتها القوية في بناء ووصف شخصيات عميقة ومقنعة للغاية، تحتوي أعمالها الأدبية على ثنائيات جد ثرية، زاخرة بالكثير من الأضداد الخالقة لتوترات خصبة فعلًا، مبعثها تعقيدات البشر وعلاقاتهم بأنفسهم أو العالم أو البيئة من حولهم. مثلا، الطبيعة مقابل ثقافة البشر، العقل مقابل الجنون، التاريخ مقابل الحاضر، الدين مقابل الفكر، الإنسانية مقابل الحيوانية، وغيرها. تعقيدات تضرب عميقًا، في النهاية، في صميم الوجود وماهيته وفلسفته. والمُلاحظ على بنية أغلب أعمالها أنها لا تخضع لنمط أو لنوع أو لهيكلية جامدة ثابتة، إذ تنفتح أعمالها على كافة الأنواع، وأحيانًا، تأبى التصنيف المُعتاد، أو تشذ عن التنميط المعهود.
المُثير للدهشة أن أولغا توكارتشوك، النباتية ذات الجدائل الأفريقية المميزة، بعيدًا عن أعمالها، لا تتمتع كثيرًا بالحب والتقدير اللازمين في بلدها. ولو بصفتها آخر بولندية حاصلة على نوبل، بعد الشاعرة فيسوافا شيمبورسكا، عام 1996. نظرًا لأن توكارتشوك، اليسارية المتلزمة سياسيًا وبيئيًا، لا تتردد أبدًا، ودائمًا، في الإعراب عن آرائها المُناهضة لمواقف الحكومة البولندية اليمينية المُحافظة، أو للقوميين والنزعات القومية في بلدها. ومواقفها ضد الكنيسة والعنصرية وعادات وتقاليد المجتمع، وغيرها، معروفة بصداميتها وراديكاليتها.
مثلًا، تصريحها كثيرًا بأن بلادها ارتكبت أعمالًا فظيعة عبر تاريخها، واستعمرت دولًا اخرى. وأنها كانت ساذجة جدًا عندما اعتقدت "أننا بتنا قادرين على مناقشة الصفحات السوداء في تاريخنا بكل صراحة وجرأة"، وأن الحرية لا تتعلق فحسب بتغيير الأماكن التي تعيش فيها، ولكن أيضًا بتغيير ثقافتك وهويتك، وأن أعمق مستوى لحريتنا هو القدرة على تغيير هويتنا. هذه التصريحات، وغيرها، في ظل مُجتمع مُتدين جدًا ومُحافظ للغاية كالمجتمع البولندي، اضطرت ناشرها لتوفير حراسة شخصية لحمايتها، رغم أن رواياتها لا تزال من بين الأكثر مبيعًا في بلدها، ونالت عنها جوائز رفيعة جدًا.
كتب أولغا والترجمة:
المعروف عن أولغا توكارتشوك أنها كاتبة غزيرة الإنتاج، وأن اللغة البولندية من أصعب اللغات في العالم، والقليل جدًا من المترجمين يجيدون البولندية. لذا، لم تُترجم كل أعمال توكارتشوك إلى لغات العالم المُختلفة، حتى بعد فوزها بنوبل، بما في ذلك اللغة الإنكليزية ذاتها. أغلب الترجمات الإنكليزية لأعمالها صدرت حديثًا فحسب. حتى روايتها الأخيرة، "التمكين" (2022)، لم تُترجم بعد إلى الإنكليزية. وإن كانت أعمالها، إجمالًا، قد ترجمت إلى أكثر من 25 لغة. ومن ثم، ليس بمقدورنا لوم المترجمين العرب كثيرًا على تقصيرهم، سواء في الترجمة عن الإنكليزية أو البولندية مُباشرة. لكن، في النهاية، وبعد ترجمة روايتين فحسب من أعمال أولغا، فنحن إزاء مجهودات غير كافية بالمرة لتعريف قراء العربية بكاتبة نوبلية مُعاصرة مهمة للغاية، تستحق أعمالها القراءة والمتابعة فعلًا.
العمل الأولى المترجم لتوكارتشوك إلى العربية، رواية "رحالة"، الصادرة عن دار "التنوير"، (2019). والرواية الثانية، الصادرة حديثًا عن نفس الدار، "جُرَّ محراثك فوق عظام الموتى"، (2022)، ترجمة إيهاب عبد الحميد، عن الإنكليزية. المُؤسف أنه ما من أخبار عن ترجمات أخرى أو مشروعات قيد الإنجاز. وكم من المُلّح، وبشدة، ترجمة روايتها الرائعة "كُتب يعقوب" (2019). وهي رواية تاريخية أسطورية ملحمية، بمعنى الكلمة، في 900 صفحة. بالغة الأهمية، ولا تقل قوة عن مثيلاتها من الأعمال الخالدة في الأدب العالمي. تستكشف فيها توكارتشوك حياة جاكوب فرانك، الزعيم البولندي لمجموعة من المنشقين اليهود المهرطقين (الفرانكيين)، وتحولهم إلى الإسلام، ثم إلى الكاثوليكية. وانتشارهم، بشكل بدائي، غير منتظم أو ممنهج، خلال القرن الثامن عشر، عبر الإمبراطوريتين الهابسبورجية والعثمانية، قبل سقوطهما. في هذا العمل الخالد، المُتعب في قراءته جدًا، نجد الاحتفاء بالتنوع الثقافي، والتسامح، والغوص في النفس البشرية، والطبيعة، والحدود، واللاجئين، والهجرة، وغيرها من التيمات المُعتادة في أعمال الكاتبة.
فوق عظام الموتى:
نُشرت "جُرّ محراثك فوق عظام الموتى"، عام 2009، وتُرجمت للإنكليزية في 2019. يمزج أسلوب الرواية الرائع بين روايات التحري، واللغز، والكوميديا السوداء، والطبيعة، وتحليل النفس البشرية وسلوكياتها. وكانت الرواية خير تقديم لاسم أولغا توكارتشوك، وتكريس حضورها في الأدب المعاصر. تُفتتح الرواية في نهاية شتاء قارس، فوق هضبة بولندية نائية، على حدود جمهورية التشيك. نتعرف على الراوية، يانينا دوشيكو، المسؤولة عن الاعتناء بالمنازل الصيفية السبعة، المنتشرة في الهضبة، والمملوكة لأثرياء من وارسو. يانينا، بالأساس، مهندسة جسور، تقاعدت وذهبت إلى تلك القرية بإرادتها. تمارس تدريس اللغة الإنكليزية، عرضًا، في مدرسة القرية. مُكرسة نفسها لترجمة شعر وليام بليك. وأيضًا دراسة الرسوم البيانية والتقاويم الفلكية، بغية تحليل البشر وتصرفاتهم وطبائعهم ومصائرهم.
الطبيعة الغريبة الانزوائية ليانينا جعلتها تُفضل رفقة الحيوانات على البشر وعلى العلاقات الاجتماعية. من هنا، ينظر إليها أغلب سكان القرية كامرأة عجوز، وخرقاء، وعديمة الفائدة، ومزعجة. بدورها، لدى يانينا عادة إطلاق الأسماء على الأصدقاء والجيران، وفقًا لطبيعتهم. مُتجنبة الأسماء الرسمية الأولى والأخيرة، لأن الأسماء العادية تفتقر إلى الخيال. أسماء مثل، "غريب الأطوار، القدم الكبيرة، الأخبار الجيدة"، من بين أبطال الرواية.
صوت الراوية السردي المتميز في "جر عظامك" يُبرز شخصيتها التي تمنح الرواية سحرها. فهي صريحة، وصدامية، وعنيدة، وذكية، وساخرة، وكئيبة. ومُضحكة، أحيانًا. امرأة تجمع بين العقل الاستثنائي والإحساس الفوضوي. مُنزعجة بشدة بشأن العالم من حولها، ومكانتها فيه، والتسلسل الهرمي للبشر بين أقرانهم من الحيوانات. أيضًا، مريضة بمرض لم يُذكر أبدًا، ويبدو أنه يحرك جزءًا أساسيًا من شخصيتها. لكنها لا تشعر بالشفقة على نفسها. تقول: "أحيانًا أعتقد أن المرضى فقط هم من بصحة جيدة حقًا". تدرك يانينا أنها مُحاصرة، ولا حول لها كامرأة وحيدة ومريضة ومتقدمة في السن، لكنها، بصلابة وعناد بولنديين صميمين، ترفض أن تكون سجينة مُطيعة لمُجتمع وجنس وأعراف وتقاليد وعادات، وحتى جسد واهن مريض.
ذات مساء، يُعثر على جارها وقد اختنق بسبب عظمة غزال علقت في حلقه في أثناء الطعام. كانت تلك بداية لموجة من الوفيات أو جرائم القتل. تعتقد يانينا أن مفتاح اللغز يكمن في جنون قريتها بصيد الحيوانات المشروع، وغير المشروع تحديدًا، وأكل لحوم الحيوانات بصفة عامة. مع تكرار حوادث القتل، وتراكم الشكوك، تنخرط يانينا في التحقيقات، وتحاول العثور على الفاعل، لكنَّ لا أحد يهتمّ بما تفعله أو تقوله أو تدعيه وتعتنقه من أن الحيوانات تنتفض لحالها، فتقتل وتثأر لنفسها.
تمضي الحبكة ببراعة، وبدهشة صادمة، نحو خاتمة تُثير الإعجاب قليلًا. كان يُفضل تركها مُعلقة. في النهاية، الخاتمة أو حل اللغز ليس الهدف الأساسي للعمل، إذ الانشغال الرئيسي متعلق بأسئلة غير قابلة للإجابة حول الإرادة الحرة، مقابل الحتمية والهم الوجودي. وماذا يعني أن تكون إنسانًا، وماذا يعني أن تكون حيوانًا، وما هي الفروق الموضوعية أو الجوهرية بينهما؟ لماذا قتل غزال مجرد رياضة وقتل بشري ليس مُماثلًا؟ وإذا كان ممكنًا القول بأن حيوانًا قَتَلَ، فهل يمكن أن يُتهم بالقتل إذًا؟ وعندئذ، هل سيخضع للقانون الجنائي البشري أو ماذا؟ ومن بين الأسئلة المُبطنة، والمثيرة للكثير من التفكير والاستفزاز، وربما الإزعاج، أن التوافق مع الطبيعة عقلانية. في حين أن التوافق مع الإنسانية حماقة. وأن الحزن الدائم بسبب قسوة الإنسان إزاء الحيوان ليس كراهية للبشر.
رغم موسوعية الكاتبة فيما يتعلق بعلم التنجيم، وقراءة الأبراج والمنازل والطالع، إلا أن المقاطع المُتناثرة في الرواية والمرتبطة بعلم التنجيم، بالنسبة لغير المهتمين أو العليمين، مُربكة أو غير مُفيدة. لكن، المُشكلة الكبرى هي حشر وليام بليك وأشعاره كثيرًا جدًا، لدرجة تُعرقل القارئ، وتُفسد التشويق والمتعة أحيانًا، رغم أن لها ما يبررها في السياق. لكن التبرير حجة أو ذريعة مُفتعلة بعض الشيء. بالأساس، عنوان الرواية أُخِذَ من قصيدة "زواج الجنة والجحيم" لوليام بليك. والاقتباسات من بليك تتصدر فصول الرواية أيضًا. وبعض الفصول لا تخلو من محاولة الراوية وصديقها ترجمة بليك، والتغلب على صعوبات ومشاق ترجمته العسيرة إلى البولندية.
كانت الرواية قد تحولت إلى فيلم بعنوان "تقفي الأثر" (2017)، للمخرجة المخضرمة أجنيشكا هولاند، صاحبة المسار السينمائي الطويل، والأفلام المتميزة، في تاريخ السينما البولندية. بعد مُشاهدة الفيلم، في "المسابقة الرئيسية" لـ"مهرجان برلين السينمائي الدولي" آنذاك، لم يثر الفيلم إعجابنا بالمرة، فنيًا، وسينمائيًا، وحتى فكريًا. ورغم فوزه بجائزة "ألفريد باور" الفرعية، إلا أنه سقط من ذاكرتنا النقدية، ومسيرة هولاند الإخراجية. الآن، بعد قراءة الرواية ومشاهدة الفيلم مُجددًا، يمكن القول، بإيجاز بسيط، إنه رغم احترافية مخرجته، لم يستطع تجاوز قوة وإقناع وسحر الرواية وشخصية الراوية تحديدًا. يُذكر أن الرواية والفيلم تعرّضا لحملة نقدية من قبل الحكومة والصحافة، وصلت لدرجة وصفهما بالعداء للمسيحية، والدعوة إلى الإرهاب والقتل باسم البيئة.
رحالة أو مُتجولون:
حافظت بعض الترجمات على العنوان الأصلي لرواية "بيجوني"، وتعني بالبولندية "الرحالة"، أو البدو الرُحل، ويُطلق على مجموعة سلافية صغيرة عاشت في الماضي حياة الترحال أو التجوال، رافضة الاستقرار في مكان واحد. أسلوب حياة اتبعته بعض الفئات من العالم الإسلامي، ومن الرهبان البوذيين كذلك. في الكتاب بعض التلميحات إلى هذه الفئات المُتباينة. والرواية، الصادرة في بولندا عام 2007، والحائزة على "جائزة مان بوكر الدولية" (2018)، بعد ترجمتها للإنكليزية مُباشرة، جعلت توكارتشوف أول بولندية تفوز بالجائزة، وكانت من ضمن حيثيات منحها جائزة نوبل، أيضًا.
في هذا الكتاب/ الرواية، مجموعة من العوالم المُتباينة. وشخصيات رئيسية، وفرعية، وثانوية. فالرواية مكونة من شذرات مُتصلة أو منفصلة تمامًا. من القرن السابع عشر، وغيره، وحتى الوقت الحاضر. الرابط بينها هو السفر، والحیاة والموت والحركة والتنقل والترحال والھجرة، والتشريح البشري. تسرد الراوية خبرات مُنفصلة عن بعضها البعض، لكن لا يزال من الممكن ربطها على مستويات نفسية وجسدية وسياسية مُختلفة. تروي فصول الكتاب مُسافرة لا اسم لها، تتعامل مع السفر أو التنقل كتجربة جسدية فريدة. وذلك عبر 116 لوحة قصيرة أو متوسطة الطول. خيالية تمامًا أو غير خيالية، تجنح نحو العلم الجاف. وأحيانًا، نطالع في الكتاب خرائط أو رسومًا بيانية أو لوحات غامضة.
تتراوح اللوحات بين بحث زوج بولندي يائس عن زوجته وطفله بعد اختفائهما من على متن جزيرة في أثناء عُطلة في كرواتيا. أو سرد تاريخي عن قلب الموسيقار المعروف فريدريك شوبان الذي تم تهريبه عبر الحدود، في رحلة تحفها المخاطر إلى وارسو تحت تنورة شقيقته. أو امرأة تعود إلى مسقط رأسھا، بعد عقود، لتحقن حبيب صباها بالسم بينما يحتضر. أو اكتشاف عالم التشريح الهولندي، فليب فيرهاين، وتر العرقوب بينما يُشَرِّحُ ساقه المبتورة. أو سائق عبّارة، مُدمن على الكحول، يرتكب حماقة عبثية، تنطوي على حكمة ومغزى وفلسفة، عندما يحيد بالعبَّارة عن مسارها اليومي المعتاد. أو أم عزباء محمومة تقرر التخلي عن منزلها وزوجها وطفلها المُعاق. وبطبيعة الحال، فإن "رحّالة" مليئة أيضًا برحلات رائعة إلى متاحف ومعامل الشمع المُغبرة. حيث تُعرض الجُثث المُتناثرة أو الأطراف أو الأعضاء المبتورة، وأشكال الحياة البشرية الشاذة، وحيث يبرز تاريخ علم التشريح.
شخصیات القصص الخيالية مرسومة ببراعة وتكثيف للألم الإنساني. أما حبكاتها فجديدة وصادمة، مؤلمة ومشوقة. بعكس السرد غير الخيالي، والتأملات التشريحية الجسدية. إذ رغم انطوائها على تأملات وتفاصيل ومعلومات علمية مُهمة، جافة أحيانًا، إلا أنها موحیة وذات دلالات في السياق العام. من هنا، تستكشف "رحّالة" معنى أن تكون مسافرًا أو طوافًا أو جسدًا في حالة حركة دائمة، عبر المكان والزمن، بحثًا عن الأنا، والهوية والكينونة وعلة الوجود، حتى داخل تشريح أعضاء الجسم البشري.
الرواية التي تتقاطع وتتشابه لوحاتها وكتاب أولغا توكارتشوك القصصي التأملي المُصَوَّر، بعنوان "الروح المفقودة"، الصادرة ترجمته الإنكليزية عام (2021)، تتجلى فلسفتها على لسان إحدى الشخصيات قائلة: "عندما نتوقف عن الترحال نصبح أصنامًا ... لذلك يُضمِر الطغاة بكل أصنافهم، وعبدة الجحيم، كرهًا عميقًا للبدو والرُحل ... يرغموننا على الإقامة واتخاذ مكان ثابت لنا كي نقضي فيه أحكام سجننا".
عن (ضفة ثالثة)