ديوان الشاعر العراقي سوران محمد غوص في عوالم الشعر اللانهائية وسعي لاستغوار بداهة الأشياء في تكثيف بليغ للغة ووعي بانزياحاتها واستدعاء لغربة الشاعر عن هذا العالم المتشظي وهو ما يجعل من هذه الرؤى عن "بعد" تنزاح كي تصل الى "قرب" الأشياء ودلالاتها وإدراك بقدرة الشعر على الوصول الى استعارات الحياة بحس أنطولوجي يدرك كنه المعنى ولعبة الأضداد وانخراط جلي في "حقيقة" الشعر حيث تتعدد الأوجه وتكتفي القصائد بإضاءة الطريق نحو العتمة وفتح كوة على مرارة الحقيقة حيث يظل الشاعر وحيدا أمام وجع البداهة حيث لا "شعر يهدأ من روعة هذا العصر".

ديوان العدد (2)

من بعيد

سـوران محـمد

 

1

(مرؤة )

كم هي جذابة رائحة القرنفل!

تستيقظ وهي تمسح قطرات بكاء السماء

علی خدها

وليس بوسعها العيش

 في روضتين معا

ولكنها أينما تواجدت

  تفوح منها رائحة الحياة  

*

عندما يوازي كيمياء الجسد

الإيقاع الكوني

وتدور الكتل منسجما في مدار آمن

 تجنح السعادة بظلالها علی الوجود  

كلاعب سيرك

يزين الوجه

يحتل الكيان طولا وعرضا

أو ربما أكثڕ..

فهذه الموسيقى الجاز؛ نسبة توافقية

كأثنان وعشرين علی السبعة

لا يمكنه تحمل أي انحراف

وإلا فإن السعادة ستختفي فجأة

*

هكذا تلتقي الطفولة

في بيجامة مخططة

علی رأس حي خال

يصافح الشيخوخة

هل يتعرفون على بعضهم البعض؟

*

اكتب بخط عريض على غلاف

دفتر الرياضيات

لا تنخدع بعد

بضجيج أضواء الصباحات الناعمة،

فلربما تتذكر في نهاية المشوار

 ذاك المساء الرمادي الذي

    نظرت فيه إلی ابتسامة وجه متجعد

  لشمس قد تحولت الی صفراء خافت

ثم عبرت من شوارع ضيقة لليل حالك

مفزوعا نحو محطة فجر قديم

دون النظر الى الوراء

  وقد انصدمت!

*

يا لها من أزهار منفتحة

هذا الربيع الكاذب

ليس لك حظ فيها الا مشاهدة عابرة

ولا يزال قطار الزمن يسير

وسيتركك في الوراء مهرولا

ناهيك عن انتظار

بتلة  متساقطة

  تخطيء الطريق  

    و تنمو علی صدرك!

*

ما هذه الشاشة العين المستشعرة؟

تمر عبرها الجمرات الخبيثة

والاشباح المقززة

 وسراق الطرق

كلهم معا

يودون الاستلاء علی كرسي هذا القصر المغلقة

بعضها مدمرة

والبعض الاخر

كدودة مساخة

الام نرفع رأسنا و نبصر؟

الی عناصر الحداثة المعکوسة

أم الی أنياب وجوه غير مستكشفة؟

***

2

(مختفي)

بالبکاء

ولدت

وهم ضحكوا

*

لقد كبرت

ومارست الحب،

لم تكن تبالي

سرعان ما أتی شبيهك

سوف يتكرر قصصك..

في حفل زفافه

ضحك الجميع

*

تركتهم خاطفة

بابتسامة خفية

وهم يبكون

*

هذا ما احتوته

  سر مثلث اضلاع

فلسفة الحياة

***

 

3

(لا تمشي)

رغم كل ما يحدث

أنك لم تغادر بعد،

مازلت في بدايات الوصول

إنهم يكررون أنفسهم دائمًا

في الذاكرة

. . . .

الضحك والدموع و....

ماذا عنك؟

هذه المتاهات

شرر الدنيا السطحي وكفى

سرعان ما تجرنا مستنقع

إلى غرق كثيف

زوبعة

يبقينا بعيدًا

عن ضفاف الطمأنينة

عاصفة متحركة

تبددنا في سهول الاضطراب

. . . .

لا شعر

يهدأ من روعة هذا العصر

باستثناء لطف مفقود

أو دموع سحب صادقة

في جمل كان

. . . .

زمهرير ذات بينكم

تحت الأشجار اللوز

يشحذون الخناجر

و تلك المشاعر في الغبار

يبدو وكأنه شاهد قبر من بعيد...

. . . .

ماذا عسانا أن نفعل

فجأة

مع وميض قصير

بين جنبات سحب شاحبة

يقهقهون 

وينسون ظلال الكوابيس الآتية

أو عن طريق خلق سعادة زائفة

  يجهلون طوفان الحقائق المريرة 

. . . .

من يثق بابتسامة الظالم؟

باستثناء الأقنعة المستعارة

تتجمع في الضباب

ولا يبق الا

الوجوه الحقيقية

بلا ابتسامة،

دون التلفظ بحرف،

و دون النظر...

مع انحناءة رأس يغادرون

لا يودون النظر 

من جديد

***

 

4

(أربعة – أن)

....

 في البداية كان نسيما

تلك الصاعقة المجنونة

 التي أرادت الليلة الماضية

اجتثاث الأبواب من الأطر

كي لا تنس القلوب الانسداد

دون أن تعرف

بأن الحب والوفاء والانسان

أصبحوا مثلث برمودا

. . . .

في البدء، كانت دمعة صغيرة

تلك العاصفة الصيفية المجنونة

دمرت أكواخ الثقة

وانطفأت فوانيس البصر والبصيرة

اذاً من أي اتجاه

ستعود الطاقة- الضياء

إلى مدينة الروح العتيقة؟

وقد انكسرت اعمدتها برهة من الزمن

. . . .

اذا لم يبق شيء للقول،

إذا يسكر أهله لم ألومه"١"بعد قول الشاعر

اذاً لم تمر من هنا

و تری الموت طالع رأسه

من شباك آخر طابق بناية المعرفة

وهو يدع المسافرين واحدا تلو الآخر

لتقبيل رأسه

*

كان لونه أزرق داكن، كلون السماء

ذاك الصديق الذي

أبی أن يرتدي قمصان هذا الموسم

غادر عاريا

وحقيبة العمر محمولا علی كتفه

*

في البداية كان ضوء مصباح،

هذا البرق الغاضب!

حرق حقول الكرم الجافة والرطبة معا

لقد دمر مروج المعارف

اذاً أنی تعود أصل هذه الخربة المظلمة

الی نسل النور؟

وساعاتها خاطئة 

وتقاويمها غريبة علی ذاكرتك

في حين ان نرجس العمر القصير 

توجد في مزهرية أمام مرآة

غرفة النوم تنظر إلى نفسها

ولا تری شيئا!

.....

1 . محوي: شاعر عرفاني ١٨٣٠    

***

 

5

(ت ر/ و ث)

رغبة مجنونة في العيش

 تقول: اكتب

دع الذئاب

ينتظرن

سفك قطرة دمك الأولى

دع أنيابها تسطع

أيان أن تجمد دفء روح ملتهبة

في آخر ليلة الموت القارسة؟

هذا مصنوع من رماد الميتافيزيقا

والآخر نفخة من الميتافيزيكا 

بينما عبئت الكذب

شرايين المدينة مدی البصر

لا أعرف

إذا كان رامبو التاجر

قرأ الشعر أم لاء؟ 

ولكن لحماية القبيلة من النمور

اقترح الشعر لأميرهم بدلاً من الأسلحة

وهنا يعود التجار من

علی شارع الموت

بهذه العملة القديمة! 

++

رغبة مجنونة في العيش

يدفعك نحو الازدحام

تفاهات الظلام أيضا

تسترجع خطواتك الی الوراء

ارجع أيها الطائر المستاء

هناك على هذا الشجر السرو المرتفع

  عش متبقي

مليء بالإيمان والثقة

*

أيها الشاعر المصدوم

ماذا ستكتب هاهنا

بعد ولا أحد يمر بمجمع الشعر

مستمرون في المضي قدمًا

 ولا يصلون إلى أي مكان

من أربيل إلى بغداد

او من بغداد الى اربيل

هنالك العشرات من الجزر المرجانية

تظهر وتختفي

دون أن يعيش فيها مخلوق

  مثل شجرة برتقال لوركا الاجدب

++

رغبة مجنونة تجعلك تكتب وتعبر

لتغيير الأوضاع المتعاكسة

انقطاع صمت الغرف المقفولة

أو تهدئة الحشود الفاضية!

*

زعيم ذو قلم

يظهر من أزقة ضيقة

ودود، متواضع، مستقبلي

يجمع كل الكلمات المجزأة

علی الشوارع العامة

استمعوا الی تلك النغمة الهادئة

يشرق الأمل في قلوبكم

ينعكس ضوئها

علی التواقيت الصحيحة..

لا أعرف

هل يتعرف أحد على شيء

من هذه الموسيقى الهادئة؟

*

أيها الشاعر المبدع!

لا تنسى أحاديث القلوب الصادقة

هي وحدها لا تعرف لغة الخداع والخيانة

++

لن نستطيع توقيف ثانية واحدة

من الأيام

اذاً كيف تنتظر الحياة

حصاد رغباتنا اللا متناهية؟ 

في الليل نمتزج مع حلم

بعيدًا، بعيدًا، بعيدًا عن كل الأيام

نسقط من المرتفعات باستمرار

أو مع الطيور المغردة وئام

إلى متى صولجان صراعات عمياء

تستنزف طاقات النفوس؟

وما تزال

رغبة مجنونة في العيش

 تقول لك: اكتب،

لا يزال هناك الكثير لقوله

***

 

6

الانفصال عن الذات

الوقت يشبه الشريط المطاطي

ينكمش ويتمدد   بعض الأحيان

تشعر بقوة الجذب في الدماغ،

والوجود....

                ..             و الضياع

 

كقشعريرة ليال الحمى

يمتد إلى أقصى الحدود

وتعظم الجمجمة بحجم الكون

ثم تصغر تدريجيا 

وفي النهاية يبقى منه حجم بيض

إلى أين تذهب؟

و العين تنظر إلى الروح

لا تستطيع أن تخبرها

إلى أين ستذهب..

 المشي اصبح تلك الجنية

لم تكن تعرف كيف تسبح

ومع ذلك عبرت المحيطات وحيدا

وقطعت الجبال في لمح البصر

مرورا بصحار قاحلة

دون الغرق في الرمل الساخن

ولولا ان رجعت إلى طفولتك

ما تزال تصاحبك

وكلما تتذكر

لم تتركك، متلاصقة كيدك اليمنى..

لحظة وصولك إلى المبتغی

استرجعتك

احيانا جعلك تحلم مع الرؤساء

لم تتركك تتنفس صعداء حينا

*

بعد طول انتظار

وتعب من التكرار

يأتي الخريف ويغطينا بالثلوج

وفي الربيع تتفتح الزهور

وكأنها لم تعذب قرصا

وبنات الرعد كاليواقيت أو النوارس

لن يهبطن على غصن

كي تستلم منهن رسالة

وتأخذها الی مدينة الغارقة

 في النفايات

*

تصيبك ‌هذيان و حيرة في قلبك

وكأنك شممت  رائحة تفاح حلبجة الزائفة

لحظة البعد عن الذات

نحو عالم الاشباح

تأتيك في صورة فشل ما بعد كل الخيبة

مستيقظة مع كل حركة

تسحبك إلى باحات سجن الحياة

علی الوجه

الصراخ هو فقط لسرد القصص

وإلا فإنه لا ينفع شيئا

فقد قال "قانع"١:

انتقم الله من مسببي

الذي لم يسمح لي أن أكون

نجارا وإسكافيا أو صانع لبوس..

وأخيراً ان الحروب والسلام

كثير منها كانت للحياة

والقليل جدا منها للموت

لكن النتيجة عكسية

ولكي نجعل أنفسنا سعداء

حفرنا على خشبة نعش الحياة الامل

ولكن سرعان ما غطتها الغبار

عندما تركونا الأصدقاء

في منتصف الطريق وحيدا

....

1.قانع: شاعر المضطهدين:١٨٩٨

***

 

7

(المصراع)

منذ أمد بعيد والمصراع 

  يستدير

لقد التبس عليه عمره الان

مع كل دورة،

وانتهاء حقبة

  يذهب أبعد إلى ما هو خارج الزمن.

*

هنالك العديد من حركات الدوران.

تتباطأ في قمة السرعة،

ثم تموت..   

كالصيف بعد الاورجازم

يتنزل من جبل الخريف مسرعة.

فتزل قدمه عند صخرة 

ثم يصبح ريشة تلعب بها رياح الأفق

*

و هكذا تقول كل مرة    

هذه آخر قصيدة أكتبها،

و سوف أفك هذا الطوق حول العنق

لكنه سابق لأوانه .

مازال قضايا الوجود تتحرش بالشعر،

تلك القصائد التي

تغضب  كراسي الاغلبية

فيتدفق مزيد من الدم

في العيون الحمراء للرأسمالية القابعة  

 في احضان الديمقراطية

مع ان الشعر لا يحرك أحدا 

  هذه الأيام...

*

تهاجم الغربة الشاعر

من كل الاماكن و في كل الاتجاهات

وحتى ان كلمة (الغربة)

لا تعني  لغربة الشاعر شيئا

لأنها عاجزة عن تحديد الكم والنوع 

 والكيفية  مع الأسباب!

تماما مثل دوران المصراع

لا نعرف كم ومتى وكيف؟

ألقته الايادي أرضا...   

ولو انه دوما

كان يدور بنفس اتجاه اجرام السماء 

مع وجود ظله الخفيف

وقد امتزج نفثه

مع ايقاع خرير الماء 

و تغاريد العصافير

لكن مع كل هذا

 لقد امتلئت  نفسه المنكسر 

 ملء الكون حزنا. 

*

تأوهات الحق وضحكة الأبله

عزلة شاردة ،

و حشود فارغة..

يتحولون الی  جلادين متوحشين

في أحلام الشروق يرمون الروح 

بأسلحة فتاكة و يقتلونها

ثم تنهض تارة أخرى

و تحدق في آخر دورة المصراع

حين تستكن

.............

ملاحظة: المرصاع أو الدوامة: لعبة يتخذها الصبيان، وهي قطعة من الخشب مخروطية الشكل تشبه الكمثرى مفلطحة أحد اطرافها وحادة الطرف الآخر.. العراقيون يسمونها المصراع وهي تصحيف المرصاع بتقديم الصاد على الراء. والكلمة اسم آلة مشتقة من رصع الشيء: إذا ضربه بيده.

 

8

(عندما يموت شاعر)

عندما يموت شاعر

 يختفي سربٌ  من الطيور البيضاء

داخلَ الغيوم

و الغسق النعسان وحيدا

يحمل جثةَ الليل على كتفه

*

لن تنكسَ الاعلام

ولن يعزفَ النشيد ُالوطني  

 سيصبح الشاعر رمزا

في آخر مقطع قصيدة 

دون ان يجتاز القراء

هذه العتبة

 *

عندما يموت شاعر

تشتعل حرب جديدة

ترتبك الخطوات، فتتعثر

لا ترغب العنق

بحمل رأسك المثقل 

عندما ترى

فراشة روح شاعر

تشع باهتا

داخل أشعة غروب برتقالية

لى خطى دودة القز

***

 

9

(طقوس الاغتراب)

أسمع خشخشة النعال

تهرول ورائي

ترى مَن هو

سلك معي طريق الفراق؟

ألتفت وأتحدق

فلا أرى سوى

وريقات  ناشفة

تبحث عن قدرها

بعد توديع الأشجار

*

الأشجار صامتة

والأرصفة مجمدة

والشوارع خالية

في حيرة تتساءل:

 أين ستودعنا هذه

السُبل الضيقة؟

*

والكل على وتيرة

الأشجار الصماءة

غرقى في التأمل

الا تلك الوردة البنفسجية

على مدار الفصول

تبتسم لهمهمة النحل

و لا تأبه بالموت

*

إنها أمل

لاتزال تسري في عروقها

الحياة

***

 

10

( وجوه الذكريات )

بيني وبين الأيام الخوالي

جدار على وشك الانهيار.

أرى من خلالها

 أرواح الأسْوِجة المجتثة

التي لم تصمد

 أمام  رعونة الراع  المتهور.

هنالك لا أرى

سوی قطا حزينا متحيرا

يبحث عن الماء

دون جدوى!  

*

تعصف الفصول بألاعيبها

نحو السهول الجرداء

وقد أومأت الأيام المتعبة رأسها

لمنحدرات ضيقة جبلية،

دون انهاء.

الى أن غرق  النهار

في عتمة الليل الحالك

مستسلما ،

فلا نغمة تسمع

من العندليب المختبئ

بين أوراق  الشجر الجوز

المجروح الساق

على هذه الخربة النائية!

*

كان الأمس فراشة

لم تتلقن لغة الآلام.

تعلمت دروس المحبة

من ضوء الشمعة .

عشق  القبلـة، قد أطارتها

فأحرقتها اللهيب؟!

حيث أصبحت دخنة بيضاء

غطت وجوه الذكريات

***

 

11

(أجزاء مبعثرة للذات)

للغربةِ مقام

وللوحدةِ مقام

تستولي على الروح قبلَ الجسد،

نظرة أفقية في

الآفاق

ونظرة عمودية الى

 الاعماق

يكفيك التمعّن في قراءة الأبراج!

هو ذا أنت

تدور حول العالم دون الكلأ

والنجوم من حولك بلا حراك

متی تفيقُ من هذه الهَجْعَة العبثية؟

وكأنّما تحلم بمفقود 

دون الازدراء

و كل هذه الاسماء المتشابهة؟

لا تعرف منها أحدا

فتلقي السلام على الذكريات-

مع قبلة الوداع،

لا يفهمها الا الأموات..

أيها الغرباء!

هل  تتيقنون قواعد الأصقاع؟

حينما يستيقظ الفجر من جوف الليل

تنتظر العصافير من اشراقاتها هبة

وليس في خاطرها

وجهة أو لقاء...

أين تغادر

مع كل هذا الود بين جنباتك

والعالم ينطوي على ذاته

يتمادى في الشقاء

يبتعد بعضها عن بعض

شروخا

        و ثغورا

                و استعلاء

***

 

12

(سبعة أيام الشعر

1

 

مررت تحت زخات المطر

نصب عينيك

لم تكن تراني!

أيها المکان

لقد كنت تسمع

خفق النعال!

**

2-

 ضجيج

..

عندما يغشی الليل

الأبطال الحقيقيين

بلحاف السكينة،

تتناثر ضوء الشمس

مع صباح جديد

بضجيج أبطال مزيفيين..

**

3 –

 الوعي

اخلعوا تلك الأجنحة

لــــــــــــــــــــــــــــاـ حاجة

للتحليق الى ذلك العالــــم

ورؤية كل هذه الاشباح

خلف ستائر

الوجوه!

**

4-

 أربعين فما فوق

..

انتبه

أيها الأربعين فما فوق!

رامبو 37

آلان بو 41

كافكا 43

بودلير 46

عاشوا فقط!

**

5-

؟

قالت:

 "كل ليلة

يرفعني و يرميني

مارد"

لكنك كنت طفلا

لم تكن تفهم حينها

**

6-

 منطق الطير

قد طارت القماري بعيدا

من جور الفصول

رأيت احداهن اليوم

على طريق الغربة

وكأنّها هي التي

كانت تهبط كلّ صباح

على شبابيك القلب المنكسرة

و تغرد لي بسجعها

أنشودة الاغتراب!

**

7–

 وصية الكَهْدَل

قال لي الكَهْدَل يوما

أكتب – شاعرا

ولا تعش – شاعرا

والا

كيف تتحمل قساوة الأحباب

وخيانة الأصحاب

آه… وا أسفاه

عندما هب نسيم الشعر

نسيت غلظة الاعاصير

***

13

(شيزوفرينيا الطواطم )

آن الأوان

لتخطي حاجز

الخمسين + واحد

واذ حالف الحظ الشركسي

يصبح المختل علما

والمشاكس بيدقا

أما الشاهين

يهبط من برجه العاجي

فيبدل السماء أرضا

للتونس بالسنجاب المجروح

وهكذا

ديدن العشاق

لو اضطرب الحال

لا يبقى معنى للمحال

وقد قاله السمعان١

الدهر يومان:

يوم مشي مع الدواب

و ليل طائر مع الْإِجْنَانِ

ولو تغيرت دفة الاحوال

لربما قالوا

لقد كتب التأريخ دما

لكنه قد غدرە الرفاق

أو الزمان!

هيهات هيهات لهذا الندال٢

خربشة عند البعض

وعلى صدور الآخرين

شارة أو ميدال٣

طور بعد الطور ردفا

الى ان تكتب الحضارة

بقلم كهل ختاما

ولا يرجع الوشق الهائج دوما

محمر الأنياب

لكن السدود خارج الامصار

يغير جغرافيا الانداد

ويبعثر خرائط الكهان

بل التذمر

لعنة تتنزل على الاصقاع

لا جمود يعكر صفو

الأحباب

بل زيفا

يظهر بطلان الأرباب

هكذا يهرول العالم

نحو جهل معمم

وقلما٤ الاصغاء

لنداء وجدان مكمم

…………… 

  1. النواس بن سمعان
  2. ألندال جذر (دال) الحَرْفُ الخَامِسُ مِنْ حُرُوفِ التَّهَجِّي ، دَالَ ، يَدُولُ ، دَوْلَةٌ. “دَالَ الدَّهْرُ بَعْدَ عِزٍّ” : دَارَ، اِنْقَلَبَ، اِنْتَقَلَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ. *. “دَالَتْ دَوْلَةُ الاسْتِبْدَادِ
  3. medal-  ميداليا- ميدال
  4. قلما: كلمة مركبة من الفعل ( قل ) و ( ما ) الكافة عن الفاعل.

طواطم في العنوان: جمع طوطم

 

14

(رباطة جأش النخيل)   

أواه ..

هذا التشرين الرمادي

صاح السنونو بوتر خافت

في زقاق صاخب

لا أريد أن أغرق معكم

في غروب سرمدي

هناك

عند مساءاتكم الطويلة الباردة

نداء لم يفهمه

الا الحلزونات الصغيرة!

برودة على أوجه المارة

وخلف الأبواب المقفلة

يا حبذا تفتح لە شبابيك الشعر

سرعان ما يطير الی عشبه

خائفا متحيرا:

هل تذكرون أنفاق المدينة المظلمة

مكسوة بطحالب مذ عهود

تطير الخفافيش

فوق رؤوس ساكنيها

ليلا

بينما ترفرف طيور الأماني

فوق باحات القصور

بلا هوادة

تحميها صناديد كرتونية

أواصل بقارب الزمن

نحو جزر خاوية

لا شيء فيه يشبه صور الذاكرة

كل الطرقات تؤدي الى نقطة الصفر

لا الملامح ولا الشخصيات تشبه أصولها

هل تتعرف علی نفسك بين تلك الحشود؟

هنالك من دون رأس

يغازل الشمس لطول غيابها

وهناك من دون قلب

يود العودة لأيام الخوالي

عله يستعيد فيها رتم أنفاسه الهادئة

لكن الماضي محو في الوجود

هذه هي فصول مسارح الغياب الدرامي

تحوير وتقلبات وشهادات بلا توقيع

سفر متردد ورحلة دون تحضير

أو مد-جزر الصراعات

قد تحدث مرة في الحياة

وانعطافة بلا ترجيع

هلا أصغيتم لنداء السنونو الطليق

أم مازال اليقين

أضغاث أحلام وأحاديث نفس ملتوية

يغتال ويهين؟

***

 

15

سموم الحب القاتلة  

 

(1)

رقصة الزرازير

.........

اجمعوا من البديع في أشعاركم

فلعل فصله علی مشارف الانتهاء

كما للرمان والتين و الشمام

خريف وانقضاء.

*

متدنية سحب تمر

فوق هضاب العناوين

كأنها تود تقبيل الوداع

وقد جابت البيوت الخاوية

والبساتين المهجورة

دون ان تشق السماء برعدها

أو تأتي بأنباء غدها

كأم تجزم آخر لقاء فلذة كبدها

وتكتم انفاسها مع نبوءة موتها.

*

يا امرأة سومرية ظللت الطريق الينا

مازال تنورك دافئا

ورائحة الرغيف تنبعث من روحك

أين تستدير والاتجاهات كلها دائرية

هل تلتفت الى جواميسك النافقة؟

أم أسوار بيوتك الملغمة؟

أم لوحة سمائك الرمادية؟

أم تستكملين آخر كلمة كتبها لأحفاده

جندي مجهول في ساتره

قبل ان يخر صريعا على تلال خربتك

*

هو ذا قدر الأرامل

يستردن حب العذارى

دون الوقوع في آبار ضحلة

بدايتها ابتسامة و ارتواءه

ونهايتها الانزلاق في طينة الأنسال

انهضي بمشيئة الغفران

لا يخدعنكِ رقصة الزرازير

و جوفك أنقی و أطيب

من ورد الزعفران

هكذا ألمح الفجر

في اشراقات أفقه

و صفاء الدجى

يتشعشع في سمائها بدران

 

(2)

ظلال الأيام

أيتها الروح المذبوحة

خلف أبواب الأهازيج

ضمّدي جراحاتك

و اجمعي قطعاتك المتناثرة

هنا و هناك

ربما لا يتوقف نزف هذا الدم الداكن

بمجرد الصياح

سهام و سكاكين و طلقات و صمت

تشلع و تمزق كسوتك و ترميك عارية،

تحوم و تجول دون المنايا

تنوي خروج دوائر فارغة دون معرفة الوجهة

تطرق أبواب الأماني غير مستيقن بالردود

تنتظر نهاية الأحلام لتخوض في التأويل

لكن حلقات الكوابيس بلا حدود و معان..

*

أيتها الروح المرهقة!

حليتك ليست هذه الاتربة المتعفنة

هي لقتلة القوافي مبتغى و ملاذ

كم من طيور مصابة طارت عالية

ودماؤها على اليباب رسمت خارطة الأوجاع

سافلة، يتقاسمون المطر والنسائم والضياء مفرحا

وأنتِ ترين كل هذه الأكاذيب المزخرفة

تغطي الشرور و الزور و الهراء ...

دون أن تتلفظ بكلمة أو تلوح بإيماءة و تخبرنا ....

يا له من بون شاسع بين تلك العوالم

لغتك صمت ويداك تقيدهما سلاسل الزمكان

***

 

16

اللامكان

في اللامكان

صباح باكر

لا يصل الصوت لأحد

ينس الديك الصياح

و تنس قناة تي.في

ان لا تذيع خبر الانقلاب على المكان

ريثما تخلع الحلزونات

اغطيتها وتعطي معنى آخر للصمت

*

في هذا اللامكان

يوما بعد يوم

تزيد تشققات الجدران

تصبح الشرخ أكبر..

في الجزر

الفزاعة غريبــة عن وطنها

اصبحت ظلال بستاني خامل

وهي تحرس موسم جديد..

المكان

! والذي لا يتضمن مساحة كل شيء

أيان  للشعراء أن يتحملوا

رحلة الشمال والجنوب؟

لم تكن تعلم سيأتي يوم

ينتحرون الشعراء كلهم تباعا

تنديدا بوحشية الريح،

وغفوة أغصان الزيتون العالية

واحدا تلو الآخر

سوف يصابون بالجنون

*

إذا كان هناك شيء في الداخل

يقول أسرع

ثم هناك أشياء في الخارج

تتقيد اطراف الايام

لا تقلق

لا يوجد شيء سوى

ضجيج بوق تذروه الرياح

بيد فزاعة  الحقول المهجورة

طيرت النوم عن عيون القمر

أو كسراب شمس عديم الرحمة

  تلفه مساء برتقالي

تحت سترته ويخفيه

*

في هذا اللامكان !

لم تكن تعلم لماذا قال الشاعر الحزين

لم تعد الأرض مكانا هادئة

وقد أراد أن يملئ تشققات الجدران بالشعر

  ختاما تكشر الأبنية وجهها

و ما تلتفت للوراء

نظروا إلى بعضهم البعض تباعدا

سدت أبوابها بقوة

ثم عادت الى حضن اللامكان..

   معا وتم اقفال آذان الأقنعة

  وقررن

ان لا يسمعن إلى الكلمات فيما بعد..

اذن لا تسأل بعد الآن

لماذا شعر قطران الليل

تغطي وجوه الاماكن؟

*

روح...

تستوعب الأماكن كلها

في امعاء قصيرة لشحرور

ولا تقول للغابات المضطربة،

والبرك الجافة وداعا

لا يمكنهم الإجابة.

كذابة الأماكن

لا يفهمن معنى للوفاء

 

17

(موسم من الطقوس الأبدية)

من نمط قمصانكم

نحو الانماط داخل النفس-   

اترك الألوان..  

للون جديد

*

يطير الذباب نحو الحلاوة

و الأسماك إلى الطحالب- 

دروبها تقودها إلى

بنتاغونات العقل والنفس...

وأنا أعود إلى جدران الخيال المنهارة

التي تشم منها بنية اللون الجديد.

*

خلف تلك الفيلات الهادئة ، وأمام أبوابها ،

هنالك معرض التسول وعالم لفات الفلافل ،

وغرف مظلمة للغاية

نوافذها مصنوعة من حديد-

كي تستلقي السعادة داخلها هادئة

لا أنوي دخول هذا العالم الفضفاض- 

غريبا

*

كيف يصفر هذه الألوان الجذابة؟

ولا تكون الأوراق ضيوفا علی الأشجار في الربيع القادم.

اتجاه السحب

يكشف غناء الارتفاع-

كما تظهر هذه الحقيقة

في عين موحلة

*

بحسب هذا الطقس

تأكل الفراشات بعضها البعض-

ولا تشبعن

تنفصل أرواحها مرة أخرى

و تهبط على أزهار ذابلة

*

قلق الوجوه اليائسة ،

أصفاد الكلمات المضطربة ،

منافي الرواد المنسيين-

كل شيء في مدرسة بلا صبورة

تعلمنا دروسا قديمة

*

تفوح ريحة التروز

من سفوح النهار وتختفي داخل جيوب الليل

والأضواء الساطعة

تنحني من عيون آذار

إلى مداخن الشتاء.

*

ماذا تجني؟

من جمع الابتسامات البريئة التي

تشكلت علی وجوه الازمنة الغابرة

*

الكل يستعد

لأمس جديد

لكنهم يضحكون

عندما أكتب في غد قديم

لأمس جديد

*

خشخشة الدنانير

لا تعكر صفو الصمت

و وميض السراب

لن يبهرني

كلنا نسير في طريق واحد

لكنه يؤدي إلى عوالم مختلفة!

*

خذ قسطا من الراحة أم لاء ،

ستشعر بالتعب عما قريب- 

ها‌هي لحظة الصمت

تجمع ضجيج الأصوات

ثم ترميها خارجا..

لكنك هو الأنت

وحيدا

تسقط من فضاءات العقل-

ثم تستيقظك

همسات الحياة من جديد..

***

 

18

(خواطر على قدر الالتقاء)

مثلكم يا رفاق

اغترفت غرفة بيدي

من نفس الينبوع الملوث

وقد جنن البعض شربه.

و تسمم البعض بە

وضع البعض في السرير و

ونفى الآخرين بعيدا...

*

لم يكن سحر هاروت وماروت هذا

كل ذلك العمى الليلي

و كذا في النهار!

ما كان كل هذه القساوة والنُّصْب؟

كل هذە الصعاب والأنقاض؟

*

الذين مروا على هذا الينبوع قبلنا

وضعوا الحجارة فيه

والبعض الآخر بقايا العقل المتعفن

ثم غسلوا أياديهم فيه

أي مأساة كانت؟

هذە العدمية

كل هذا الهراء

وكل هذه المنافي؟

*

أراكم اليوم يا رفاق

تعرفت على قصاصات أوراقي العتيقة

في جيوبكم الممزقة

و قد تذكرت نفسي

لقد مر وقت طويل

رغم انحناءة ظهر قدركم البائس

كعكازة متروكة

وخطوات متواترة غريبة

على طرق قاسية

صم ، بكم، عمي

في أمسية اليأس

متشردا دون مأوى

الا انني أرى صفاء حدقات عيونكم

تسطع الغدوات

خارج تقويم الفصول

***

 

19

(النجوم التائهة)

 

1

هنالك عديد من النجوم التائهة

تبحث عن المدار..

هلا أصبحت مركزا؟

يجتمع حوله الأنوار

 

2

أينما تذهب بعيدا أو قريبا

في الصحاري والجبال

البراري والوديان

تجد العصافير

لغة مشتركة للطبيعة في الأصقاع

لكن الغريب الوحيد

هو الانسان!

 

3

رقد صاروخ غير منفجر

في حديقة مزدهرة

بضواحي ماريوبول

وقد غطته أزهار اللوءلوءة

من كل مكان...

هلا سترت الشرور بجمالك؟

حين ينفجر الكبرياء

داخل الوجدان!

........

 

20

(مذهب الماء)

في زمن الانحياز والأوبئة

و الانتماءات

قالوا: كيف أن الماء

عديم اللون-  

لا منتميٌ؟

لكنه يسقي

و يزين الأوراق والأزهار

بل الحياة برمتها

بأجمل الـحُـلي

*

قلت: ان الماء حر!

لكنه عندما يحبس

يركد و يتعفن

وان ترك طليقا

لا يتوقف عن الجري

في المسيرات

*

يغسل أوساخ متراكمة

عن وجوه سنين عجاف

و ينجرف أشواك

و حشائش جفاء

نحو  محيط  النسيان

*

و هكذا..

 كلما يقول لي

الأبيض و الأسود:

انك لست على شاكلتنا

و لا تنتمي الينا

: أقول لهم

هل نسيتم حقيقة الماء

هنالك تجدونە

على مذهبه

انتمائي

***

 

21

(المخلوقات العلمية)

ذات يوم

دخلت نفقا مظلما

رأيت بشرا

علی أشكال قردة

أصيبوا بسلاح فتاك

حولتهم الی مخلوقات جديدة

يتقاتلون الآن مع كائنات علمية

نصفها خنزير

والنصف الآخر ذئب

للسيطرة على حقل تفاح-

كل تفاحة فيها

بحجم بطيخ ،

معدل جينيا

ويسقی بماء أسود!...

*

أما المدراء

فيحلقون في السماء

باستخدام ألواح نفاثة

ويسكنون الفضاء..

*

في هذا العالم الجديد

شعرت بغربتي

وعلمت انه ليس لي وطن هناك

سرعان ما خرجت منها

و وجدت نفسي

تائها

علی مشارف القرن العشرين

ثم اخذت بيدي الطمأنينة

من جديد

وانقذتني

من رعب هذا الکابوس اللعين

خلف قضبان الحديد!

***

 

22

(ظل)

عندما يحل الليل

في صمته

   يمتلئ القلب الايقاع

انظر خلف النافذة:

هناك ظل

يبدد الوحدة

لا ينام:

حتى بعد استسلام اليقظة

…..

اشراقة الصباح

تبتسم  بين التلال

تجعل ظلك طويلا

على السبل

يمشي ورائك

لكن...

عندما تظل الطريق

سيختفي هو

…..

قبل الوصول الى كمين العناكب

تصبح الشمس في الخلف

و الظل أطول

يمتد أمامك

…..

قبل الوصول إلى الحشد

يختفي تارة أخرى

لا تعرف

 ربما هناك

من زاوية بعيدة

ينظر إليك خلسة.

…..

حينما

تتعثر قدمك،

فتقع

لكنه لا يزال واقفا ولا يسقط

…..

يجعل الليل الفرسان

 ينامون من جديد

لكن الظل وحده لا ينام

………

نم تلك اللحظات التي

يوجد خلف النافذة ظل

يبدد الوحدة

***

23

(إنشطار)

بين الحياة الموت

هنالك شعرة غير مرئية

يهطل أمطار السأم

علی سبل متلاشية

 دون فك شيفرات أحلام متعرجفة..

أما آن الأوان للمسامير

 ان لا تدنو رأسها

للمطرقة الهوجاء!

ريثما يذوب الكابوس

قبل أن يقطع بأنيابه الحادة

كل  شرايين الأمل،

مرة تلو الاخری

قرفصاء جالس

علی كل أنفاس فجر جديد

تهرب منه  و صوتك لايخرج

تسأل عن کراج وجهة الطفولة

يجاوبك جندي هارب

ليس من هنا

موقعك ليس في وسط الكون!

الا تعلم بأن شمس الوجود

علی حافة الاضمحلال؟

لقد كسرت أياد الأحقاب الخشنة

تلك المرآة التي كنت

تشاهد فيها بؤس البلوغ

مستردا فيها شيئا من الوجود

لا مكان بعد للالتقاء بالذات

كي تسألها عن أخبار تلك السنين  العجاف

بعدما تركتها حائرة في مثلث الذئاب

حين  كانت الحياة تساوي الموت

لا تفكيك لشيفرات أحلام اليقظة كذلك،

و الكوابيس

 تنتقل خلسة بين طرفي الليل والنهار

ولا نداء يعلو

 فوق أصوات طلقات طائشة

تختتم فصول هذه الرواية المأساوية

***

 

23

(ميتافيزيقا التآويل)

أيتها الروح المذبوحة

خلف أبواب الأهازيج

 تضمدي جراحاتك

و اجمعي قطعاتك المتناثرة

ههنا و هناك

ربما لا يتوقف نزف هذا الدم الداكن

بمجرد الصياح

سهام و سكاكين و طلقات و صمت

تشلع و تمزق كسوتك و ترميك عارية،

تحوم و تجول دون المنايا

تنوي خروج دوائر فارغة 

دون معرفة الوجهة

تدق باب الأماني غير مستيقن بالردود

تنتظر نهاية الأحلام لتخوض في التأويل

لكن حلقات الكوابيس بلا حدود و معان ..

أيتها الروح المرهقة!

حليتك ليست هذه الاتربة المتعفنة

هي لقتلة القوافي مبتغى  و ملاذ

كم من طيور مصابة طارت عالية

ودماؤها على  اليباب رسمت خارطة الأوجاع

سافلة، يتقاسمون المطر والنسائم والضياء معا

وأنتي ترين كل هذه الألاعيب الصبيانية

تحت طائلة الشرائع

تغطي  الشرور و الخداع و الزور و الهراء ...

دون أن تتلفظ بكلمة أو تلوح بإيماءة

خلسة أو جهارا

يا لها من بون شاسع بين تلك العوالم

ولا يداك تقيدهما سلاسل الزمكان

***

 

24

(قريحة الأدغال)

وقد  تآمرت العاصفة

لاغتيال  الوردة الزاهية

في جنان الختام

ثم بكت عليها غيوم  السماء؟

لست أدري...  

لكنني متيقن بأن الدموع

اختلطت بدماء

فأصبحت بركة

شربوا منها قاطبة دون النسيان ..

مذ ذاك الزمان

اتفقت النسيم و الريح و العاصفة

على ان لا يتفقن...

لا أدري

أيها أذبلت الزهرة؟

لكن البراعم لو تفتحت تارة أخرى

ستعيد العاصفة الكرة

اذاً لا داع للنَحِيب

مادامت الزَوْبَعَة تضمر في الاعماق

لأطفاء الشموع المضيئة

ليالي شتاءاتنا الطويلة

و لا بأس !

الرأفة سجال الأنداد

والروح تطفأ غليلها بالنار...

لا تعلم

لم أطعمت الذئاب الجياع؟

دون ان تأبه

بموت العصافير والجداول

وفسائل الرمان

ريثما تتساوي الحياة والموت

عندهم في الاضلاع ...

أليست خربة الأمس

 أصبحت قصر اليوم

متعجرفا يستلق فيه الكبرياء بِرِهان..

كل شيء لها رتم وطقوس

لكن أيا عجبا

لا تفتح

أبواب ضمائر مؤصدة

مفاتيح البيان

***

 

25

(تناغم الماء والنار)

عندما تبدأ النار

بحرق الأشجار بيديها

وتنفخ فيها بفمها

يختفي الماء من الوجود

ويموت،

لا أحد يفكر

بمصير أعشاش الطيور،

ولا أحد يتذكر

الموقد المريح في الشتاء

عندما غطی الثلج الأشجار خارجا

 *

كلما غضبت النار

يهرب الناس من

شراستها

نحو الأمان

*

عندما تغضب قطرات الماء

تصبح تيارًا ضخما وجارفا

حتى التربة ستكون عاجزة

للدفاع عن هيمنة جفافها

في تلك الاثناء لا أحد يفكر

بكوب ماء بارد في  صيف حارق

*

كلما يهيج الماء

لا أحد يريد السباحة

في التيار السريع

كل يركض نحو الأمان

*

لکنە قليلا ما يهيمن التناغم علی الارجاء

فسيلفت الانتباه:

تغرد الطيور

- وطقطقة المطر

والناس يزرعون الشتلات

لتلوين الحياة

ويتذكرون الموقد في ليلة شتاء مثلجة

*

عندما يفهم لغة انسجام الماء والنار

الناس يبنون منازل على مسافة من البراكين

ويسافرون رحلات بحرية هادئة

للاستمتاع بسحر المحيطات

***

 

25

(ما وراء اللغة)

............

کعاشق يائس

منطو علی نفسه،

منکسر بين أصابع

الزمن-  

تميل العاصفة

الی السکون

وتنتحر

مع کل من ابتلعتها

لحظة الکمد..

**

وهكذا الشاعر

يهرب من لغته التي

لا تنجذب

البراکين الخامدة

الی أزقتها المتشابکة

و أبواب  بيوتها

المفتوحة...

**

فيکتب بلغة الشعر نفسها

التي يفهمها

الفلامنجو الحزين

 علی برج بيزا

واللقلق التائه

علی منارة الحدباء !..

الا الجماجم المتحرکة !

*

قصيدة...

مکتوبة بريشة الألم

ودماء قناديل منطفئة

علی أعمدة

الزنازين النتنة..

ذكريات لأحذية ممزقة

رحلت مع الشمس

في غروبها السرمدي

**

 هنا

بدء التأريخ

 كتابة انهيار البلاط

قد بنی بأنامل أشاوس الاساطير

سكنته اشباح قدر المساء

وفتحت أبوابه‌

ظلال أيادي الفجر الكاذب

دون ان يخرج منه أحد !

**

بلاط

تناثرت فيه

كلمات قصيدة

حكمت بالمؤبد سهوا

ولم تقرأ

بد ...

***

 

27

(من أشراط الساعة)

حشرات

خرجن من باطن الصحراء

ينتشرن بسرعة البرق

لكن دقائقهن سنين

ولون دمائهن سوداء

حينما يقتحمن الاماكن بالألوف

تتحول النهار فيها الی ليل قاتم

يعبرن النيل حفاة

فيتغير لونها

الی احمر داکن..

يتسلقن الجبال قبائلا

فلا تبقی شجرة خضراء

واقفة علی ساقها هناك

وتغادر الغيوم و تختفي القمم معا

لكنهن لن يتجرئن

اقتحام  مواطن الثلوج

سرعان ما يذبن داخلها

راياتهن ثالوث سميك

رمزا للجهل والظلم و الغرور

هن لسن  من سلالة اليأجوج و مأجوج

بل انما حشرات

في أشکال  بشر

خرجوا من باطن الصحراء

ولون دمائهم سوداء

***

 

28

(لغة الصمت)

هنالك أعواد ثقاب

جاهزة للاحتراق

ذرها  في سباتها تحلم

*

کي تستمر

أسفار الينابيع البيضاء

فی أحضان الانهار الصماء

*

حيث تجد وجهتها الجديدة

و تكون بمقدورها اقلاع سواد الاشباح

علی أسطح مخيلتها

*

كي تحول الاحجار الضجيج

الی سكينة وقورة- 

في هذه الطقوس الازلية ...

*

عندئذ، تسمع التراب أنفاس السماء

وعلی الأنغام الهارمونية للشواطيء

يجمعن الكل

قطع متناثرة من أرواحهن

*

الی أن تسكت البنادق

مازال  الألتقاء يكتنفە الغموض:

لنهار ممل،

ليل بلا ارادة،

شتاء مفزوعة،

وردة حزينة

تحت خيمة  لقصيدة مهاجرة!

***

 

29

(ظلام و نور)

يبطل سحر الحياة

سوف ينفد

ميراث معارك إبليس وآدم

*

هنالك بين:

النور والظلام

الليل والنهار

الطفولة والشيخوخة

الولادة والموت

خط رقيق

سريع الذوبان

في فضاء الزمكان،

عندما تزول من الوجود

كوميديات الحياة و مآسيها

برمتها

*

لحظات السعادة الخاطفة

مثل ضياء الشموع على الكعكة

تمر بلمح البصر

ثم ترتجف الأرواح المتجمدة

حولها سرمديا

.

أولئك الذين رحلوا

تم دفنهم مستعجلا

وتركوا وحيدا ...

صرخات صامتة

تغلب علی الاستغاثات

*

سيخرج صوت قريب

من صمت الليل

کالناقوس :

حجر أصاب قنفذ بريء

أو يد قطعت أغضان شجرة مسنة

تلك اللحظات اللاتي ترتفع فيها

آهات المستضعفين

مطالبة بحقوقهم

في الظلام الدامس

حيث الأيادي عاجزة

عن الوصول لمبتغاها

*

في وضح النهار

تحت أشعة الشمس الحارقة

أضواء على وجوهنا

مثل الصقر ينحدر من العدم

أو وطواط أطرش

في الليل الحالك

يقبض فريسته

ثم يختفي

*

هنا يتدخل الوعي

من باب الفجر

مع بعض التأني

لشرح حلمنا السريالي

في لحظة انقلاب سلمي

يقلب الأمور رأسا علی عقب

ويضع الأشياء

في أماكنها المحذوفة

***

 

30

(كل شيء من أجل النصر)١

سنظلّ نتوارثه جيلا بعد جيل

نصر

مازال ايقاعه يعصف بالكوابيس

نحو الأذهان

وقد سمعته عرائس الربيع

حينما طارت بهم شظايا الراجمات

في جبهات الأخذال،

أرواحهم بقت صامدة

تنتظر الآذان

آذان، لمجيء نصر أم قحط!  

لم يره قبل انس ولا جان

*

كل شيء من أجل النصر

جعلتنا نسمي الأسماك بالسمتيات

ومجمعات، بالنصر والصمود

ومركبات فارهة

بالأشباح...

هكذا قواميس الحروب

جزر مهجورة و أهوار مجففة

و جثث متعفنة

تتغذى عليها الديدان

*

جماجم مكسورة

ومخلفات أعتدة متهالكة

أجمل ذكريات

يلعب بها الأطفال..

لم نكن نعرف النصر

الا من خلال أهازيج مبتورة

وأقلام مشلولة

كتب أسماء ضحاياها

السجان.

نصر أبدي يتخلله

عناقيد الدموع لأوجاع الثكلى

ويتامى في انتظار رغيف-   

جوعان و نعسان...

*

هذه هي رعونة الصخور

وذاكرة الأحجار البليدة

تعيد الكرّة للأوطان

***

 

  1. كل شيء من أجل النصر: شعار ثمان سنوات عجاف.