يبدو أن "الباص" الذي ينتظره الشاعر السعودي لن يصل، أو كما عهدنا يتأخر عن مواعيده التاريخية. تاركا شاعرنا يخطط جسرا آخر للحياة في هذا الزمن الردئ، مستندا على تفاصيل الكتابة الشذرية بعمقها الدلالي.

رجل في انتظار الباص العربي

زياد آل الشيخ

( 1 )
يهطلُ الغيثُ على عشب الزوايا من جديدْ
يحتمي الناس بأوراق الجفافْ
يرتوي كفي السعيدْ
يلمع الإسفلت كالزئبقِ في ليلٍ وحيدْ

( 2 )
ساعتي تحفظُ وجهي بعدَ تحديقي الطويلْ
وأنا وحدي على هذا الطريقْ
فوق ظلٍّ بارد يلتحفُ اسمنتَ الرصيفْ
وهمومي تحتَ إبطي كجريدةْ
وضبابٌ لندنيٌّ يكتسي نظارتي كالأوكسجينْ
يلعب الماءُ على كفي كثعبان أليفْ
أحسب الوقتَ بخاراً أو قصيدةْ
حاملاً فوقي الجريدةْ
وهي تبكي تحت زخاتِ المطرْ

( 3 )
ساعتي مبلولةَ العقربِ تزهو بشعارِ الانتصارِ المستحيلْ
عربيٌّ سيدُ المنفى عميد الانكساراتِ وأستاذُ الرحيلْ

( 4 )
كلما مرَّ سحابٌ في بوادينا ظنناهُ خلاصَ البشريةْ
نُخرج الأغنام والماعزَ والتبنَ وأنسابَ الخيولِ العربيةْ

( 5 )
كم مضى من عمرنا نحملُ نفسَ الأسطواناتِ ونفسَ الأغنيةْ
كم بقينا لقرونٍ نرتوي من فضلةِ الكأس وظلِّ الأحجيةْ

( 6 )
في مكانٍ واحدٍ تحت النيونْ
في انتظار الباص كم نحتاج من عمرٍ ونحن الواقفون الحاقدونْ...

( 7 )
ينتهي الرمل الذي في ساعتي
وأنا لازلت أمشي داخلي

( 8 )
ليتنا نقرأ في الخبز أغانينا ونمضي
أو نرى في المجد ماضينا ونمضي
ليتنا نعبر ميناءً ونمضي
ليتنا فينا لنمضي

( 9 )
عندما ترسم زورقْ
لا يكن حبرُك أزرقْ
انتبه قد يغرق الزورقُ في الحبر وتغرقْ

( 10 )
لو رميتِ القلبَ بالأحجار لو ترمينني كالطفلِ، كالطفلِ
الفلسطينيِّ في ثورة عزٍ لو تعاملتُ كجنديٍّ يهوديّ لأطلقتُ
عليك النار حالاً ولكنتُ الآن حراً ولما خفتُ من الجيرانِ أو منكِ
ولا خفتُ من اليوم الذي تلقينني فيه إلى البحرْ

( 11 )
كلما يضرب فينا المطرُ
صخرةً نصمدُ لا ننفجرُ
بينما ننتظر الباص الذي
ينتظرُ الباص الذي ينتظرُ...

( 12 )
قبل أن أقتل نفسي بالدخانْ
أقذف العلبة من شباكها

( 13 )
يستمر الغيم في عزم بكاء أسطوانيّاً حزينْ
وهيَ في ظلي بدتْ تنظر يابانية تنوي الحديثْ
(واضحٌ في وجهها آثار آلاف السنينْ
رغم ما للزي من لونٍ حديثْ)

( 14 )
رئتي تشرب من عطر النَّدى بعد الهطولْ
وإلى أنْ يستعيدَ الوقتُ منِّي ما عسى أنْ يستعيدْ
يهطلُ الغيثُ على عشبِ الزوايا من جديدْ

شاعر من السعودية