يعمد الشاعر المصري في قصيدته هنا إلى انتهاك المحرم، وتكسير حاجز التلقي بلعب مجازي على التمويه البليغ. وقدرة على صياغة المفارقة من خلال حس شعري مختلف على ما عهدناه اليوم في المشهد الشعري العربي.

Necrophilia

محمد عيد إبراهيم

كأني هنديٌّ أحمر، علامةُ
استفهامٍ. وهي داعرةُ البياضِ.
درَجتُ يوماً على دربِها
فاشمأَزّت من طَلعَتي ليلاً.

حذاؤها شهوانيٌّ،
وهي تسهر إلى الفجرِ، مع الغرباءِ
كثمرةٍ تفتّحت بُذورُها،
حتى تنامَ رغبتُها على البلاطِ.

ومرةً، رأيتُ ذيلَها
مُتّسخاً من البيرةِ، بينما فَحلٌ
يتابعُها بعربتهِ، كنَجّارِ الأَجَل
من هنا وهناكَ. فهل تلينُ؟

لم أدرِ أني سأرفعُها
من الرصيفِ كالسُخرةِ، على يَدَيّ
وأحضنُ جسمَها الدافئ
إلى قلبي المُهرّجِ، وهو يبكي!

مدهشٌ، طعمُ المرأةِ
شكلُها الكُرويُّ الطويلُ،
في يأسِها المشعِّ من عمقهِ
بصحراءَ حيّةٍ، إلى الأبَد.

ستُعلنُ الصحفُ رحيلي،
هناكَ، وقد مَدّدتُها فوقَ فَخذِي
لأفحَصَها عن كَثَب، وأحاولَ
أن أبتلع خجلي كمفتوحِ الخيالِ.
كهاربٍ من قَمرٍ، كلُّ رغباتي
أن أستريحَ إلى غِناءِ
بوضعيةٍ الفرسِ على قيلولةٍ،
كالمُعذَّبِ من رُعبهِ، في أمان.

أتعلّقُ في فراغِ العسل
وأنمو بحياتيَ العاديةِ، أبترُ ذكرياتي
وفاتَ أوانُ الصلاةِ
على موتيَ القادمِ، عندَها، كطُرفةٍ.

لا تصدّقوا، سادَتي
السُمّارَ، أحلامَ الليالي وإن ولَدَت
يا من تتبعونَ آثارَها
وهي حبّةُ قلبي السوداءُ، قد وقَعَت.

هذه فُلفلُ القدَر، آهِ يا روحي
هذه حُرقةُ البطنِ التي لا تنام،
هذه قديسةُ المعبدِ المومس، معي
الآنَ، نحو الشكِّ والإلحادِ.

أُنيمُها، لترتاحَ
أميرةً كالضِفدَعِ. وحدي مع
الموجودِ. أمٌ لحناناتٍ دَهَستُها
وأحازينُ لا تنفكّ إلا بسيفي.

على شفةِ الصحراءِ، من نورِها
أُطالعُ، تحتَ ثديِها الأيسرِ
وحمةً كالصليبِ، فأركبُ عُريي
وهي تغطُّ في غيرِ عالمٍ أنيس.

قشّرتُ عنها الثيابَ، كأني الأمل
قشّرتُ عنها الحياةَ، كأني ميتٌ يتعرّق
قشّرتُ عنها السفرَ، كأني ريشةٌ حَطّت
ومِلتُ إلى فتحةِ الأرضِ، فانفتَحَت.

لا تسألوني أينَ كلبُ السعادةِ
لا تسألوني متى يُجرّبُني،
فالزمانُ كصفحةٍ أولى من حياتي،
والقبرُ حيٌّ، هوائي معي ـ هي.

لا تتقلّبُ من لوعةٍ، أو تنفَرِج
لا تصدُّ ولا تعترض، من حِيلتي
وأنا أنقع عجينَ الناهِدَين:
في صحّةِ روحي!

عدمٌ لذيذٌ، وأدخَلتهُ كأسي،
صوتي مُحايدٌ، هل أخنقهُ؟
وفي ملحميّةٍ أتوتّرُ:
قد يجتبيني اللهُ صَفِياً عندهُ.

قلتُ: قوّتي كمِجَسٍّ إلى الأرضِ.
قلتُ: الحياةُ مِلاحةٌ ضدّ موتي.
قلتُ: من عادتي أنّ جسمي وداعٌ
وما الحبُّ إلا مِرانٌ على الضجَر.

أنطفئ فيكِ ـ
أميرٌ فاحمُ السوادِ على بيضاءَ
كالنردِ. لم يتأخّر الوقتُ، بل
يتطلّبُ الوقتُ أن ألتهم عَظمةً يابسة.

قطيعُ ثيرانٍ، وآكلُ ثديَكِ.
حَجّارٌ، أُفكِّكُ مِسمارَ فَخذَيكِ
مُسالِمٌ، أتنفّسُ في عِفّةٍ حافية.
فاتّخذي قراراً، لأني أستسيغُ الجِيَف.

أستعيضُ من اللهِ عُطلِيَ
كخروفِ الأُضحيةِ، وهَبَّ ذهابي
على إيابي، لكن الماءَ طأطأَ رأسي:
قادمٌ، أدلُق عليكِ مشاغلي.

يدِي تتلمَّسُ، سُكّرُ الجَفنينِ مالحٌ
وتَسلُونيَ حَبّةُ قمحِ الشَفَةِ.
رُخامٌ بفضّةِ شمسٍ من حمحمة
رغباتٍ. ولم تُشفِني مثلَ قَطرةِ دم.

المحكُّ أن أُحبَّ وأهجو حبيبي،
المحكُّ أن أَتسلَّمَ ثورةَ حياتي بمِلزَمَةٍ،
المحكُّ أن تلتفَّ عليّ حينَ أُدبرُ
وهي لا تلتفُّ عليّ.

لوِّحي، وإن بدمعةٍ.
قَبّلِيني، وإن بحِقدٍ دفين.
واستعذِبيني في سَريرِ الأرضِ
كغَمسِ أصابعكِ في النارِ.

سأقُصُّ قدَميكِ، لأصلَ بأسرعَ.
أُهدّمُ عجينةَ كِتفيكِ، فهي فَضلةُ لحمٍ.
أَشرَسُ من فمكِ، عَضّتي في فمكِ
وأُلاغيَ عُريَكِ، حتى يصيرَ نِقاباً لعُريي.

لا ضَيرَ أن تسافري في الألم،
لا ضَيرَ أن تصُبّيَ في القبرِ نفسَكِ،
لا ضَيرَ أن تكيديَ في حَمأةٍ باردة.
وكنتُ أظنّها وَصَلَت، فواصَلْتُ.
أَلعَقُ رِيقَ عِظامكِ، أَعلِفُ صمتَكِ
أفتحُ بلسانيَ بَرقاً من الديدانِ،
أدعكُ خاتَمكِ فلا يظهرُ الجِنيُّ ـ
حَريرٌ كثيرٌ، ولا أحَد.

شاعر من مصر