ينضم كتاب «أبصرت بعينيها، المرأة في حياة طه حسين وأدبه»، الصادر عن مركز أبوظبي للغة العربية، للشاعرة والإعلامية بروين حبيب، إلى قائمة من الكتب التي صدرت في عام 2023، في مناسبة مرور 50 عاما على رحيل عميد الأدب العربي، ليكون بمثابة تحية لصاحب "حديث الأربعاء"، الذي كان نصيرا للمرأة. دافع عن حقها في التعليم، ودعا إلى حريتها. من هذا المنطلق مضت المؤلفة باحثة عن الدور الذي أدته المرأة في حياة طه حسين وأثرها في إبداعاته الأدبية. كانت توقعات الكاتبة وهي تقدم على هذا البحث، تشير إلى أن هذا الموضوع قد تمت معالجته بصورة مكثفة في الدراسات السابقة، غير أن تتبع المسار البحثي في الكتب والمصادر المتنوعة حول العلاقة بين طه حسين والمرأة، جعل الكاتبة تتبين، أن على رغم وجود أعمال مفصلة حول المرأة في أدب معاصريه مثل "المرأة في أدب العقاد، و" المرأة في حياة توفيق الحكيم"، فإن الأدبيات النسائية المتعلقة بعميد الأدب العربي، تقتصر على بعض المقالات في الصحف، أو على بحث فردي في كتاب جماعي، أو رسالة ماجستير تناولت صورة المرأة في إحدى رواياته.
انطلقت حبيب في رحلتها لاكتشاف هذا الموضوع، ومضت في تحليل تمثل المرأة في حياته، مع التركيز خصوصاً على زوجته سوزان بريسو، من خلال سيرته الذاتية ومذكراتها في كتابها "معك" الذي سردت فيه حياتها مع طه حسين، إضافة إلى شهادات معاصريهما. وقد وجدت الباحثة صعوبة في العثور على معلومات تفصيلية عن علاقته بوالدته، ابنته، وتلميذته المفضلة سهير القلماوي، وشخصيات نسائية أخرى مثل أمينة السعيد أو هدى شعراوي. تقول "لقد حاولت تعويض هذا الشح في المعلومات بدراسة حضور المرأة في أدبه من خلال رواياته وقصصه، بل ومن خلال بحث مطول له عن المرأة عند فولتير. فتتبعت نماذج النساء في كتاباته، وبعضهن يعرفهن المتابع العادي من خلال تجسدهن في السينما. وشخصياته الأدبية تراوحت ما بين نموذج المرأة الشرقية والمرأة الغربية. طه حسين خبير بالنموذجين، إذ هو ابن مجتمع شرقي، ولكنه عاش سنوات طويلة في الغرب، فكان "أزهرياً سوربونياً".
دور النساء
ينقسم الكتاب إلى فصلين، تناولت حبيب في الفصل الأول دور النساء المقربات في حياته، أمه، زوجته، أخواته، ابنته. اعتبرت بروين حبيب أن قصة طه حسين مع زوجته سوزان، وهي العلاقة الأقوى تأثيراً على الإطلاق في حياته، لا تقل روعة وخلوداً عن قصص الحب العظيمة التي خلدها التاريخ الإنساني على مر العصور. أما حضور الأم فيحمل أكثر من وجه في الكتاب، وهنا تكمن أهمية البحث في تقديم أكثر من رؤية. بدت والدة طه في كتابة سوزان عنها "حماة" لطيفة، حنونة، متفهمة لطبيعة وجود زوجة أجنبية في الأسرة، بل نراها تسأل ابنها طه عن نوع النبيذ المفضل لزوجته، وهذا ما قدرته سوزان جداً، في أنها أعلت محبتها لابنها وزوجته على التزاماتها الدينية، لكن هذه الأم في عين ابنها تبدو مختلفة تماماً، إذ يعتبرها قاسية، ولا تمتلك وعياً كافياً، وبسببها حدث له فقدان البصر، وبسببها ماتت أخته.
تتماهى الباحثة في التحليل بين واقعية رؤية طه حسين لأمه، وللمرأة في الريف المصري، وبين رؤيته للمرأة الغربية وشخصيتها المؤثرة. وبين النساء الريفيات اللاتي كتب عنهن، ألم تكن والدة هنادي في "دعاء الكروان"، هي من تسبب في قتلها؟ أليست المرأة في كثير من الحالات، حين تخضع للعادات والتقاليد القاسية، ولا تتعاطف مع بنات جنسها، تتصرف بذكورية أكثر من الرجل؟ أما علاقة طه حسين بتلميذته سهير القلماوي، فإنها من العلاقات التي تبدو جديرة بالتأمل، إذ تتخللها وشائج وصلات حساسة، لا تخلو من مغالاة وجدانية تتداخل فيها مقامات عدة كما هي علاقة الشيخ والمريد والتلميذة والأستاذ، لكن هذه الصلة ظلت محاطة بالنسبة لكلا الطرفين بحاجز منيع في وجه التورط العاطفي المقلق.
في الفصل الثاني من الدراسة اعتمدت الباحثة، كما ذكرت، بصورة كبيرة على الاستشهاد بنصوص طه حسين نفسه، مما سمح بتخصيص جهودها للتحليل والتعليق. وتم تتبع كل شخصية نسائية ظهرت في أعمال طه حسين، مع الإشارة إلى الابتعاد عن التركيز على الشخصيات النسوية في كتبه الدينية مثل "على هامش السيرة" و"الفتنة الكبرى"، نظراً إلى أن مجال هذه الأعمال ينتمي أكثر إلى البحث التاريخي وليس الأدبي. أما الشخصية الأسطورية "شهرزاد"، التي ظهرت في كتاب "أحلام شهرزاد" و"القصر المسحور" الذي شارك في تأليفه مع توفيق الحكيم، فلم تتم دراستها نظراً إلى كونها خارج نطاق هذه الدراسة، إذ تركز الدراسة على قضايا المرأة الاجتماعية في أعمال طه حسين.
قدمت حبيب تعويضاً عن النقص في المعلومات، عن دور المرأة في حياة صاحب "الأيام"، ودمجت بين الرؤية الواقعية والتحليلية للشخصيات النسائية في أعماله الأدبية، بما في ذلك رواياته وقصصه، ثم تتبعت النماذج النسائية في كتاباته، بعضها معروف للقارئ العادي من خلال تجسيدها في السينما. فنجد رؤية شاملة ومعمقة لتصورات طه حسين حول المرأة، مثلاً في روايتي "دعاء الكروان" و"شجرة البؤس"، فهو قدم الصعوبات والتحديات الاجتماعية والنفسية التي تواجه المرأة في المجتمعات الشرقية، مثل القمع والظلم وقسوة الأعراف والتقاليد التي تؤدي بها إلى الموت. في المقابل، نجد في تقديم طه حسين للمرأة الغربية، بخاصة في رواية مثل "الحب الضائع"، فروقاً واضحة في رؤيته للاختلاف بين المرأة الشرقية والغربية من حيث الاستقلالية، والحرية، ودورها في تحقيق تفردها الذاتي، والمساهمة في قضايا مجتمعها.
ويتعمق الفصل في التحليل النقدي لأدب طه حسين، مشيراً إلى العناصر الأدبية والثقافية التي تؤثر في صورة المرأة. تتوقف بروين حبيب أمام نقطة في غاية الأهمية، حول تأثير الخلفية الشخصية والثقافية لطه حسين، مع التركيز على تجاربه الذاتية ورؤيته الفكرية، التي جاءت نتاج حياته بين الشرق والغرب، وتأثير زوجته والنساء الأخريات في حياته.