الجلسة الافتتاحية: مراكش الأيقونة الممتدة في الزمن
المدينة المبدعة والثقافية
احتضن مدرج الشرقاوي إقبال (بفضاء كلية اللغة العربية بمراكش)، على امتداد يومين (7و8 مارس) تظاهرة أدبية كبرى احتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024. هذه التظاهرة، والتي نظمتها منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) ودار الشعر بمراكش بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش، شهدت تنظيم ندوة علمية ضمن محورين إذ اختصت الأولى بصورة مراكش في السرد العربي المعاصر، فيما قاربت مداخلات الجلسة الثانية حضور مراكش في الشعر العربي المعاصر. وشهدت مشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين: أحمد قادم، وردة البرطيع، عادل عبداللطيف، محمد زهير، ثريا إقبال، وعبدالكبير الميناوي.
وتواصلت الفعاليات، الجمعة 8 مارس، بتنظيم لقاء شعري وفني عرف مشاركة الشاعرة المرموقة مليكة العاصمي، والتي اختارتها التظاهرة "قصيدة 8 مارس" للدورة، وأحيت جمعية عبدالله الشليح لهواة الملحون حفلها الفني، احتفاء ب"ديوان المغاربة" والذي أمسى تراثا كونيا إنسانيا. وقدمت الشاعرة مليكة العاصمي عرضا شعريا استثنائيا، عبر سفر في نصوصها الشعرية والتي استدعت "الضمير الإنساني"، احتجاجا على الصمت. وخصصت هواة الملحون أغانيها لنصوص خالدة في التراث المغربي، تحتفي بالمرأة (الأم والحبيبة)، في تأكيد على غنى هذا الموروث الفني المغربي، والذي صنفته منظمة "اليونيسكو" تراثا إنسانيا.
وشهد مدرج الشرقاوي إقبال، صباح يوم الخميس 7 مارس، الافتتاح الرسمي لهذه التظاهرة، من خلال تقديم كلمات كل من: الايسيسكو ودار الشعر بمراكش وكلية اللغة العربية بمراكش، الجلسة التي سهر د. أنس حسام النعيمي (من مركز اللغة العربية للناطقين بغيرها في منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة( إيسيسكو)) على تسيير فقراته، مفتتحا بمقطع شعري وسمه ب"عاصمةُ النَّخيلِ والمدينةُ الحَمراء :"مدينةُ النَّخيلِ يا مراكشُ/أصابَ قَلبِي مِنكِ سَهمٌ طائشُ// وقعتُ في شِباكِها مُتيّم/ وفي الحَشا ضِرامُ عِشقي جائشُ// كزهرةٍ جميلةٍ تزيَّنتْ/ وقد علَتْ مِن فوقها العرائشُ (...)".
وقدم د. مجدي حاج إبراهيم، رئيس مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها، كلمة "الإيسيسكو" والتي نوهت بمكانة مراكش ودورها الحضاري عبر التاريخ، ولطالما "مثَّلت للأدباء من ساكنتها أو ممن زاروها أو سمعوا بها أو قرؤوا عنها؛ صورة فاتنة للمدن التاريخية التي خلَّدت دولاً عظيمة في تاريخ المغرب العربي، (...) مراكش مدينة عظيمة هي قاعدة بلاد المغرب وقطرها ومركزها وقطبها، وإلى هذا الأساس، استندت (إيسيسكو) في اختيار عواصم الثقافة في العالم الإسلامي، أي ضرورة الاحتفاء بمدينة إسلامية عتيقة في الدول الأعضاء - هي اليوم مراكش - تزخر بتاريخ ثقافي متنوع بارز، وذلك من أجل إحياء أمجادها الثقافية والحضارية، وتعزيز الحوار الثقافي والحضاري، وترسيخ قيم التعايش والتفاهم بين الشعوب".
وفق هذه المعطيات، وبرعاية سامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، كان اختيار إيسيسكو للمدينة الحمراء لنيل لقب "عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي" للعام 2024، ممثلةً المنطقةَ العربيةَ، ضمن "برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة في العالم الإسلامي". وذلك اعترافٌ بتفوُّقها مركزًا حضاريًّا يعكس تلاقي الفنون والعلوم والتاريخ، يشير الأستاذ مجدي حاج إبراهيم، ف "عروس الصحراء على امتداد ألف سنة تميزت من سائر المدن المغربية بعطاء أكثر للحضارة المغربية بخاصة، والحضارة العربية الإسلامية بعامة، وقدَّمت للتاريخ أعلامًا في الأدب والعلوم، وقادة في الفكر، مبدعين في شتى صنوف المعرفة، (...) ومن ثم كانت مراكش مَوْحى الأدب، ومَحَلَّة الثقافة، ومَعْلمة العمران، .." ليختتم بمقطع شعري من قصيدة د. سالم بن محمد المالك، المدير العام للإيسيسكو، والذي قال في مطلعها: "أتيتُ أسأل عن أمجاد ماضيها/أم أن حاضرها يزهو بما فيها؟// هذي مراكش نبع الحسن زاهية/والحسن منها تجلَّى في مراقيها"
وأوضح الناقد الدكتور أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، "أحقية المدينة الحضارية مراكش بأن تكون عاصمة للثقافة بالعالم الإسلامي، لما تزخر به من تاريخ عريق وتراث غني، كما أعرب على اعتزازه بالشراكة النوعية التي تجمع الكلية بدار الشعر بمراكش والتي أفضت الى إطلاق مبادرات ثقافية متنوعة، تحتفي بالمنجز الشعري المغربي وبذاكرته، مؤكدا على تميز الدار بما تقوم به من تشجيع على المقروئية واستنبات مهارات الكتابة الإبداعية لدى الفئات الصغرى والشباب، كما توقف الأستاذ قادم، عند مكانة كلية اللغة العربية بمراكش، وخصوصيتها في الانفتاح على لغات العالم والتشجيع المعرفي والأكاديمي، الى جانب فتح التسجيل أمام الطلبة المنحدرين من الدول الافريقية، وهو ما يشجع اليوم أن يكون هذا المحفل العلمي، منارة أكاديمية بامتياز".
وأشار ذ. عبدالحق ميفراني، مدير دار الشعر بمراكش، أن الدار ثمرة تعاون ثقافي بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل بالمملكة المغربية ودائرة الثقافة في حكومة الشارقة، بدولة الامارات العربية المتحدة.. مدينة مراكش، أيقونة المدن الكونية، كما تسمها دار الشعر بمراكش، "بمكانتها التاريخية وواجهة ثقافية عالمية والتي اشتهرت بإنتاجها الثقافي والتراثي والأدبي، معززة صورتها كواجهة لتعزيز قيم التعايش والحوار. وهي أيضا مدينة الشعر والشعراء، من خلال قدمته من تجارب شعرية أغنت شجرة الشعر المغربي الوارفة، بل هي المدينة التي شهدت إصدار أول ديوان شعري مغربي، وهو ديوان «أحلام الفجر» للشاعر عبد القادر حسن العاصمي الصادر سنة 1935..".
كلمة الدار، "مراكش .. قصيدة مبللة بمجازات الدهشة"، كانت قصيدة أخرى مهداة لديوانها.. في تظاهرة "تحتفي بأيقونة المدن الكونية، والتي افترشت قرب "أطلس" ترقب ندف الثلج على قممه، وتسرد محكياتها وفرجاتها ونظمها.. بين مجازات المكان وبهارات الأزمنة العابقة في جدرانها ومآثرها، تفتح المدينة في كل مرة، ديوانها الأبدي بسحر ما تفتحه من استعارات حيث "الفضاء ينسج التآويل"، كما يسمها أدونيس..". ف "سرود وأشعار مراكش لا تتوقف ولا تنتهي، بعض من تفاصيل الحب وهي تنكتب بين حدائقها الخالدة، وهي أيضا سحر المكان الذي يفتح كوة على الجنوب. ملهمة الأدباء والشعراء، ألم يسأل "الحسن البونعماني السوسي" "ماذا تخط يراعة الشعراء/ألوصف فوق بلاغة الفصحاء"، "مراكش مهد النبوع".. ولأنها كذلك، التئم رموز الأدب والفن، من كل بقاع الكون، كي ينسجوا ديوانها الشعري..".
مراكش في السرد العربي المعاصر
خصصت الندوة العلمية "مراكش في عيون الأدب العربي المعاصر"، والتي احتضن فعالياتها مدرج الشرقاوي إقبال (بفضاء كلية اللغة العربية) يوم الخميس 7 مارس، ضمن تظاهرة أدبية كبرى احتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، والتي نظمتها الإيسيسكو ودار الشعر بمراكش بتنسيق مع كلية اللغة العربية بمراكش، لمقاربة واستقصاء حضور مراكش في الأدب العربي المعاصر، من خلال محوريين أساسيين، الأول تقصى هذا الحضور في سرود ومحكيات وخطابات التذكر، والثاني لامس استعارات هذا الحضور في المنجز الشعري العربي.
وقاربت مداخلات الجلسة الأولى، والتي ترأس أشغالها ذ. عبدالحق ميفراني، "صورة مراكش في السرد العربي المعاصر"، وشهدت تقديم أوراق نقدية لامست هذا الحضور المركب والمتعدد. قدم الناقد أحمد قادم، عميد كلية اللغة العربية بمراكش، ورقة وسمها ب "هوامش مراكش في رواية "بلاد بلارج" لأحمد لويزي"، معتبرا "هوامش مراكش تسع كل من يعيش على الهامش وكل حكاية هي في الأصل جزء من واقع مرير. لكن مراكش عصية على الزوال، ولمَّا تزل تتمدد ويلتهم الإسمنت ما كان يسمى في المدينة حدائق وعرصات".
و"عندما يستولي عليك الهامش في الرواية ويأخذك في جولة رهيبة بين المتناقضات حتى تنسى أنك تقرأ من هامش كتاب آخر، يرجع بك السارد إلى المتن. حينها تحس بالغدر الفني في أبهى صورة وأنك أمام عرضين لنص واحد: رواية "بلاد بلارج" وكتاب "مراكش بين التحلي والتجلي". يتجاذبانك فلا تدري أي منهما المركز والهامش في تصدير ملتبس يمارس الغواية والتضليل بمزجه بين نصين متوازيين موضوعهما مراكش ومقاصدهما من المدينة مختلفة، لكنهما يتكاملان لدرجة يتيه فيها القارئ بين المتن والهامش في الرواية وبين المركز والمحيط في المدينة".
وخص الناقد عادل عبداللطيف، أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب في كلية اللغة العربية، المدينة باستدعاء "مراكش في خطاب التذكر"، "على غرار مدن كبرى مثل بغداد وأثينا وروما والقاهرة وباريس، طبعت مراكش بقوة التاريخ والمخيال الإنسانيين بعمرانها وحمولاتها الحضارية وبالتعبيرات الثقافية التي نشأت فيها وبالفنون التي احتضنتها، وبالشخصيات ذات القيمة الاعتبارية التي سكنتها أو هاجرت إليها أو مرت بها... لذلك، لا غرابة، أن تحضر مراكش بشكل بارز في الأدب العربي المعاصر، وأن تشكل موضوعا إبداعيا وقادحا رمزيا، ومولدا للمعاني وللامتدادات الثقافية في الشعر والرواية والرحلة والسيرة...هكذا صاغ العديد من المبدعين مراكش تذكرا في أفلامهم وسيرهم وتقاريرهم وأشعارهم ورواياتهم..."
وقاربت الباحثة وردة البرطيع، أستاذة البلاغة وتحليل الخطاب، "مراكش في السرد الروائي".. مقدمة ورقتها بالعديد من المقولات لأعلام كتبوا على "سحر مراكش" ومكانتها الحضارية.. لتحاول الناقدة البرطيع الإجابة على سؤال "كيف برزت مدينة مراكش في السرد الروائي"، متخذة رواية "جيران أبي العباس" أحمد توفيق أنموذجا. كثير من هذه الملامح المرتبطة بمدينة مراكش التاريخية الحاملة لأحلام الماضي والحاضر موجود في الرواية، وأضاف لها الروائي ملامح أخرى جعلها ترتقي لمستوى النموذج والرمز وبذلك قدمها لنا أحمد توفيق باعتبارها نسقا سرديا يحمل الكثير من الأبعاد والدلالات.
وقاربت مداخلات الجلسة الثانية حضور مراكش في الشعر العربي المعاصر، وشهدت مشاركة ثلة من الأساتذة والباحثين: محمد زهير، ثريا إقبال، وعبدالكبير الميناوي، وقام بتأطير جلساتها الناقد محمد العوادي. وقدم الناقد والكاتب محمد زهير مداخلة خص موضوعها ل"مراكش في الشعر العربي المعاصر"، باعتبار "مراكش أبدية الإلهام للشعراء والكتاب، ومختلف المبدعين، وغيرهم.. فلمراكش نداء، انجذاب، شغف يساكن كل متأصل من تربتها الخصيبة، وكل من أقبل عليها وتعرّف على مظاهر من تاريخها وثقافتها، و ما تزخر به من أرصدة تاريخية وثقافية واغلة في الزمان.. ومن الشعراء المعاصرين الذين أبدعوا قصائد علامات من وحي مراكش الملهمة، الشعراء: أدونيس، سعدي يوسف، عبد الرفيع جواهري.. ومدارات قصائدهم عن مراكش، هي محط النظر في هذه المداخلة، للوقوف على حالات دالة من التفاعل المبدع مع مراكش، المدينة المفتوحة على عوالم لا تني تتجدّد دون حدود.."
واستغور أستاذ الأدب الحديث بالكلية متعددة التخصصات بأسفي، الباحث عبد الكبير الميناوي، مراكش .. "نص يتناسل في نصوص"، حيث المدينة "مفتوحةٌ على شعريتها كلٌ يكتبها بحساسيته. كلٌ يفهمها ويعيشها على طريقته.. ليس شرطاً أن تكون مغربياً، لتعشق مدينة يكشف تعدد ألقابها عن تفرد باذخ وتميز جميل. وليس شرطاً أن تكون مغربياً حتى تعشق مراكش، يشير الباحث الميناوي، لذلك تحول عدد من زوارها أو ممن اختاروها مكان إقامة، إلى حراس لتراثها المادي وغير المادي؛ (الإسباني خوان غويتيصولو إلى الألماني هانس فيرنر غيردتس، وقبلهما الفرنسي جاك ماجوريل والبلغاري إلياس كانيتي والفرنسي كلود أوليي وغيرهم، من دون نسيان عشاق آخرين، اختاروا الإقامة والاستثمار الثقافي، أمثال الهولندي بيرت فلينت، والأميركية باتي كود بي بيرش، والسويسرية سوزانا بيدرمان إليوت، والفرنسي إيف سان لوران).
"مراكش: برج النيِّر الجلي"، هي نص مفتوح على التأويل قرأته الشاعرة والباحثة ثريا إقبال، حيث "مراكش اسمها، البهجة طبعها، رجالاتها حرّاسها، الأرجواني إزارها ؛ الإبهار و الدهشة ساحتها... ومراكش :التقاء الأضداد، استحالة الممكنات ،حضور باذخ ، كثيف و لطيف، موغل في الروحانية... ومراكش: برج النير الجلي، هكذا وصفها لسان الدين بن الخطيب مستفيضا في ذكر مناقبها. مراكش الملهمة، فمنذ نشأتها افتتن بها العديد من الرحالة من أهل الفن والأدب، فشدوا إليها الرحال وخلدوا ذكرها في إبداعاتهم الأدبية والفنية. ومن أشهر هؤلاء إلياس كانيتي في كتابه " أصوات مراكش"، وكريستوف لايستن في كتابه "مراكش ، جامع الفناء" وخوان غويتصلو في كتاب " المقبرة "، وكذا الفنان جاك ماجوريل الذي ألهمته المدينة جل أعماله ولا سيما اللون الأزرق الذي أصبح يسمى باسمه فأهداها أحد أجمل بساتينها وهو "حديقة ماجوريل" . ومن أشهر الرحالة القدامى الذين مُّروا بمراكش وأتوا على ذكرها في كتبهم : أبو عبيد البكري في كتابه "المسالك والممالك"، أبو الحسن محمد بن جبير في كتابه الشهير برحلة بن جبير والمسمى ب"تذكرة بالأخبار عن اتفاقية الأسفار".
مليكة العاصمي: قصيدة 8 مارس 2024
واحتضن مدرج الشرقاوي إقبال (بفضاء كلية اللغة العربية بمراكش)، مساء يوم الجمعة 8 مارس في اختتام تظاهرة أدبية كبرى احتفاء بمدينة مراكش عاصمة للثقافة في العالم الإسلامي لعام 2024، لقاء شعريا وفنيا تزامن مع الاحتفاء العالمي بيوم المرأة. واختارت الشاعرة المرموقة مليكة العاصمي "قصيدة 8 مارس لسنة 2024" في لحظة وفاء بتجربة مائزة في مشهدنا الشعري العربي. كما أحيت فرقة عبدالله الشليح لهواة الملحون، الحفل الفني الختامي في اختيار واعي لفن تراثي مغربي متأصل في الوجدان المغربي، وتوجته اليونيسكو تراثا إنسانيا كونيا.
وقدمت الشاعرة مليكة العاصمي عرضا شعريا استثنائيا، عبر سفر في نصوصها الشعرية والتي استدعت "الضمير الإنساني"، احتجاجا على الصمت. وخصصت هواة الملحون أغانيها لنصوص خالدة في التراث المغربي، تحتفي بالمرأة (الأم والحبيبة)، في تأكيد على غنى هذا الموروث الفني المغربي، والذي صنفته منظمة "اليونيسكو" تراثا إنسانيا. قرأت الشاعرة مليكة العاصمي ديوانا مصغرا من تجربتها الشعرية، كما اختارت نصا طويلا في ختام قراءتها "كسرت جدار" التلقي، لتقترب من جمهور القاعة وهي تخاطب "الضمير الإنساني".. سؤال أبدي لهذه "القرية" والتي تنتظر من يرفع عنها البلاء.
افتتحت الشاعرة مليكة العاصمي لحظة القراءة بنداء مفتوح الى العالم، الشاعرة/ المرأة وهي تطالب الإنسانية، في يوم المرأة العالمي، أن يوقف صوت الحرب والعدوان لأطفال ونساء تم تجريد حقهم الإنساني والكوني في الحياة والحرية، نساء فلسطين واللواتي يتعرضن لأعنف انتهاك صارخ لحقوقهن. لتبحر الشاعرة بين ثنايا القصائد، بين قصيدة "الذات" ودماء الشمس: "يطل القهر القاتم/ من عينيك/ يفز القهر الغاشم/ من عينيك/ وأنت تضيء بشمعتك الوقادة/ أطراف الليل/ المتحكم فيك/ دعتك الى الحلبة/ أيد سافلة/ تجترح خطاياها/ دون حياء/ وتعج كما الأفعى/ برحيق السم/ وتنقض على الكون/ فتغمر أمواج البحر/ دماء/ ويشيب/ الولدان/ وتسيل/ دماء الشمس".
وعن سؤال كيف "تصبح فرسا"، في نداء المسؤولية الجماعية أمام الهدم والعصف.. صوت الشاعرة، الذي يأتي "حبوا.. أجيء القدس وإخوتها"، يقول: "أسرجك الليل/ وعاجلك الخيل/ ودوت أرضك بصهيل الويل/بصليل المطر الأسود/ ملعون/ من يسمع طول الدهر زعيق الفرسان/ ولا يصبح فرسا". وعن "مراكش" القصيدة الكونية الأبدية، والتي ألهمت الشعراء من كل بقاع العالم، تنشد الشاعرة: "تخرجين من الليل مثل اليواقيت والجنيات/ أنت مثل الصبايا الخرائد/ تستترين بما تزدهي به أعطافك المثقلات/ بنضج التسابيح/ بالمهج الراقصات على رعشة اسمك/../ أيا جنتي / هل تجيئين".
في اختتام ديوانها الشعري، والذي سافرت من خلاله الشاعرة مليكة العاصمي بين ثنايا القصائد، في اختيار موضوعاتي ينصت لنبض اللحظة ومفارقاتها.. اختارت من نص شعري طويل "مدائن عاد/مدائن ثمود أو هوج منتصف أبريل"، مقاطع تستدعي نصوصا تراثيا متعددة، قصيدة مركبة ومفتوحة على "الزمن" وتتراكم فيها أولنا من التراث والرموز والإحالات، تبدأ الشاعر في المفتتح بالسؤال كي تعرج على المشهد المؤلم بجميع تعرجاته، لتنزل الى المتلقي حيث يجلس وتسأل: "ما بال القرية حق عيها القول؟/ وأهلكها الطاغوت؟/ ما بال القرية ذاقت طعم الخزي؟/ وجاس بها جالوت؟؟ (...)/ أسألكم/ ما بال القرية حق عيها القول،/ وحدث/ فأهلكها الطاغوت؟؟!/ أجيبوني/ ما بال القرية ذاقت طعم الخزي، وجاء/ يجوس بها جالوت؟؟!".
ظل صدى صوت الشاعرة يتردد في قاعة مدرج الشرقاوي إقبال، سؤال الشعر في اختياره قيم الإنسان وإنسانيته. ووضعت فرقة عبدالله الشليح لهواة الملحون "مسك ختام" هذه التظاهرة الثقافية والشعرية والتي امتدت يومي 7و8 مارس، قدمت خلالها مداخلات نقدية حول صورة مراكش في الأدب العربي المعاصر، سردا وشعرا، واختار ديوان المغاربة قصائد المرأة إهداء وامتنانا، وأفردت هواة الملحون في النهاية إهداء خاصا للتظاهرة، من خلال تقديم أغنية جديدة خصيصا ل"لالة مولاتي".
التظاهرة التي تحظى بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ضمن اختيار إيسيسكو للمدينة الحمراء لنيل لقب "عاصمة الثقافة في العالم الإسلامي" للعام 2024، ممثلةً المنطقةَ العربيةَ، ضمن "برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة في العالم الإسلامي". وذلك اعترافٌ بتفوُّقها مركزًا حضاريًّا يعكس تلاقي الفنون والعلوم والتاريخ. ويسعى برنامج الاحتفاء بعواصم الثقافة في العالم الإسلامي إلى التعريف "بالمخزون الثقافي الإسلامي لعدد من عواصم الدول الأعضاء، وإبراز تنوع وغنى وجمالية مكونات تراثه المادي وغير المادي، وإسهامات علمائه وفنانيه ومبدعيه، رجالاً ونساءً، في مختلف مجالات المعرفة والبناء الحضاري للأمة وللإنسانية جمعاء".
مراكش في عيون الأدب العربي المعاصر
مجدي حاج إبراهيم
مراكش، أرض الله، والمدينة الحمراء، وعروس الصحراء، وعاصمة المرابطين والموحدين، قاعدة بلاد المغرب التي تسمَّت كلها باسمها يومًا، جمعت بين عذوبة الماء واعتدال الهواء، وطيب التربة وحسن الثمرة، وسعة الحرث وعظيم البركة، هكذا رآها المتقدمون، ولا زالت، نراها كما رأوها وأبهى، أسرت القلوب بعبق الماضي، وتأسرها بريحان الحاضر، فإليها تميل، وبها تتغنَّى، وفي مشاهدها تتنقَّل، وبين أهلها تسعد.
واليوم تنضاف مأثرة جديدة إلى مآثر مراكش الكثيرة، فهي - بالرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله - عاصمة الثقافة الإسلامية للعام 2024، ممثلةً المنطقةَ العربيةَ، ضمن "برنامج الإيسيسكو لعواصم الثقافة في العالم الإسلامي".
وتستدعي هذه الاحتفالية عدة نشاطات ثقافية وتراثية وفنية وفكرية بالتنسيق مع المجتمع المدني الثقافي المراكشي، لتزيد ما تضطلع به المدينة الحمراء من مسؤولية في الإشعاع الثقافي للمملكة المغربية، وإغناء النقاشات الثقافية في العالم الإسلامي، ومن ثم انعقدت هذه الندوة الأدبية الموسومة "مراكش في عيون الأدب العربي المعاصر"، وذلك تعبيرًا عما تعنيه مراكش للأدباء الذين سحرهم جمالها وتعلَّقوا بحسنها، حتى استحقت أن تكون مدينة ثقافية بامتياز، وقد شارك في الندوة نخبة من الأدباء والمفكرين، ليُتحفوا الحاضرين بمداخلاتهم العلمية ولقطاتهم الأدبية التي تمثل استمرارًا لحراسة هذه المدينة الخالدة بالأدب العربي سردًا وشعرًا، وتهدف إلى بيان ما تمتاز به من سائر المدن المغربية من خلال خصوصيتها التاريخية ومكانتها المعاصرة.
الأستاذ الدكتور مجدي حاج إبراهيم، رئيس مركز الإيسيسكو للغة العربية للناطقين بغيرها، منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة.