الإبادة الجماعية التي تتم اليوم أمام أنظار المنتظم الدولي وبمباركة الغرب، والذي طالما ظل ينظر بمعاييره المزدوجة كشفت الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني لمن لا زالوا يرون فيه شريكا مفترضا لأي سلم على الأرض، في الحرب الهمجية والتقتيل اليومي أظهر هذا الكيان ساديته المتعطشة للدم بل وتتنمر على سلوكه الدموي عبر احتفاء مريض بالقتل والتدمير والتباهي أمام العالم، هنا في مقالات الباحث الفلسطيني نقترب من اليومي الفلسطيني ومعاناة الناس اللذين تركهم إخوانهم العرب والمسلمين، في حين ظلوا هم يرسمون أقوى عملية صمود في التاريخ.

طوفان الأقصى

مصطفى يوسف اللداوي

 

رفح محافظة الأنصار حاضنة الأطهار
لا تزيد المساحة المأهولة من محافظة رفح عن 20 كليو متراً مربعاً، من أصل 63 كيلو متراً مربعاً تشكل مساحة المحافظة الجنوبية الخامسة لقطاع غزة، حيث يقيم فيها قرابة 1.4 مليون مواطن فلسطيني، جلهم من النازحين إليها من مدينة غزة والشمال، ومن مخيمات المنطقة الوسطى وبعض سكان محافظة خانيونس، من الذين ظنوا أنها ستكون منطقة آمنة، لا خطر فيها ولا حرب عليها، بعد أن أعلن جيش الاحتلال أنها مناطق آمنة، ولن تشهد عملياتٍ عسكرية، ودفع المواطنين الفلسطينيين بقوة السلاح وكثافة القصف والغارات، إلى الانتقال إليها والإقامة فيها، بعد أن قصف مناطقهم ودمر بيوتهم وخرب مناطقهم.

اليوم تستهدف هذه المحافظة الفلسطينية الجنوبية الكريمة الشهمة النبيلة، التي استضافت أبناء شعبها، واحتضنت أهلها، وكانت لهم كأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، بشاشةً وترحاباً، وحسن استقبالٍ وكريم وفادةٍ.

قاسمتهم البيوت والمساكن، وأفردت لهم من الأرض ما يسعهم ويؤيهم، ويسرت لهم سبل الإقامة فيها، والعيش بين أبنائها، رغم ضيق المكان، وقلة ذات اليد، وانعدام الطعام والشراب ومختلف سبل العيش ولوازم الحياة البسيطة، وتعذر الإقامة فيها في ظل القصف والغارات الإسرائيلية الكثيفة.

إلا أنها رحبت بهم واستضافتهم، وأكرمتهم وآوتهم، وقاسمتهم كسرة الخبز إن وجدت، وشربة الماء التي يتعذر الحصول عليها، ولم تبخل عليهم بشيءٍ مما بقي لديها، ولا من النزر اليسير الذي يصلها، رغم أن الذي يصلها لا يكفي سكانها الأصليين فضلاً عن إغاثة وتموين الوافدين إليها، ممن لا يملكون غطاءً أو ثياباً، ولا خيمةً أو مكاناً للإقامة.

اليوم يروم بها العدو الإسرائيلي شراً، ويستبطن لها أمراً، ويتهيأ لاجتياحها والهجوم عليها، وهو يعلم كما العالم كله، أنها باتت مكتظة باللاجئين، ومزدحمة جداً بالمقيمين، وأنه لم يعد فيها متسعٌ لقدمٍ تمشي ولا لجسدٍ يرتاح، فالخيام متراصة، والأكواخ متلاصقة، وما بقي من البيوت والمنازل تغص بالمقيمين فيها، الذين شغلوا الغرف والمحال والمخازن والمستودعات ومرائب السيارات وأمام المستشفيات وفي المدارس والساحات وكل شبرٍ من الأرض، ولعل الصور الفضائية تظهر الواقع كما هو، بما لا يستطيع أن ينكره أحد، أو أن ينفيه ويتجاهله عدو، فليس في الصور مبالغة أو تهويل، ولا تزوير أو تدليس.

يعلم العدو الذي يحشد قواته شرق المحافظة وقبالة شواطئها، ويتهيأ لاجتياحها والدخول إليها، أن صواريخه المدمرة قد تودي بحياة آلاف الفلسطينيين، وأن حجم المجازر التي قد يرتكبها بعدوانه ستكون مهولة، وأكبر من أن يستوعبها العالم، ولعله لا يبالي بحجم المجازر التي سيرتكبها، ولا المذابح التي سينفذها، فهي جزءٌ من مخططاته، وهي تعبيرٌ عن سياساته، وبيانٌ عن جبلته التي فُطِرَ عليها وغَذَّاها بأفكاره العنصرية ومعتقداته الفاسدة، التي تدعو للقتل والحرق والتدمير والإبادة.

كان الفلسطينيون يعلمون أن العدو الإسرائيلي كاذبٌ ومخادع، وأنه خبيثٌ ماكر، وأنه لا يصدق في أقواله ولا يفي بالتزاماته، وأنه لا يلتزم بوعوده أبداً، ولا تعنيه حياة المواطنين الذين قتلهم، ودمر مقومات حياتهم، وخطط لإخراجهم من مناطقهم، وتهجيرهم من أرضهم، فقد كان يمارس عدوانه ضمن مخططاتٍ مدروسةٍ، وبرامج معدة، وونوايا مبيتة، وكان الفلسطينيون الذين يدركون طبيعته ويفهمون سياسته، يعلمون أنه سيواصل عدوانه، وسيستمر في عملياته العسكرية، وأنه لن يستثني منطقة ولا مدينة، ولن يحترم ميثاقاً أو يلتزم نظاماً، ولن يضمن أمناً أو يحفظ حياةً، كما لن يصغي لناصحٍ ولن يخضع لتهديدٍ بالكلام أجوفٍ.

ربما تعطي الإدارة الأمريكية الحكومة الإسرائيلية الضوء الأخطر لتنفيذ عمليتها العسكرية في محافظة رفح، بعد وعودٍ كاذبةٍ مكرورةٍ، وتعهداتٍ وهميةٍ غير حقيقية، لا قيمة لها ولا وزن، ولن تتمكن من حماية المدنيين أو تجنب قصفهم، لكن هل يستمر الصمت العربي المشين إزاء هذه المذبحة المرتقبة والمجازر المتوقعة، ولا يحركون ساكناً أو يهددون فعلاً، أم أنهم سيهبون هذه المرة بعد مضي أكثر من أربعة أشهرٍ على العدوان، لنجدة من بقي من أهل غزة وحمايتهم، ونصرة من لجأ لهم وانتسب إليهم، ويكون لهم موقفٌ ولو أنه متأخر، يكبح العدو ويلجمه، ويرغمه ويردعه، نصرةً لشعبٍ مظلومٍ وأطفالٍ يقتلون، واستجابةً لأهلٍ يستصرخون وشبانٍ في الشوارع يعدمون.

غزة محرومة من السحور وموائدها خالية من الفطور
إنه اليوم السابع من شهر رمضان الفضيل، المتمم لليوم ألـــــ 163 للعدوان الإسرائيلي الهمجي المتواصل على قطاع غزة، وما زالت آلته الوحشية، الأمريكية الدولية، في ظل شهر الصيام المعظم، كما في الأشهر الخمسة التي مضت، تقتل وتدمر، وتفتك وتخرب، وتحرق وتهدم، ولا تراعي حرمةً لشعبٍ أو احتراماً لدين، ولا تقديساً لشعائر أو تقديراً لطقوسٍ وعبادات.

بينما تقف دول العالم وحكوماته متفرجةً على ما يقوم به الجيش الصهيوني الذي سلحوه ودربوه، وأهلوه ومكنوه، وما زالوا يمدونه بالذخيرة والسلاح، ويزودونه بالآليات والطائرات، ويرسلون له المساعدات بالسفن وأسراب الطائرات، وهم يعلمون أن القتل الذي يمارسه جيشهم، إنما يتم بسلاحهم وبعلمهم وبأمرٍ من قادتهم.

استجاب الفلسطينيون في قطاع غزة، رغم المحنة القاسية والحرب الضروس، والقتل المستشري والعدوان الهمجي، لنداء الله عز وجل في كتابه الكريم، وقد حل شهره  الفضيل "فمن شهد منكم الشهر فليصمه"، وقد شهدوه ورأوا هلاله وهم تحت الحصار فصاموا، ولكنهم صاموا عن الطعام غير الموجود، وامتنعوا عن الشراب الذي ليس إلا الماء على ندرته وقلته، وعجزوا عن شراء ما يحتاجونه من أسواقهم المدمرة ومحالهم التجارية التي باتت خاوية، فلا شيء بقي فيها ولا جديد بسبب الحصار يدخل إليها.

لكنهم أصروا على تعظيم شعائر الله عز وجل، صياماً وصلاةً، على الرغم من أجسادهم النحيلة التي أصابها الوهن، وأضناها الحصار وأوجعها ألم الفقد وحر القتل، فصاموا نهارهم، وأقاموا الليل وأدوا صلاة التراويح في بقايا المساجد المدمرة، التي لم يعد فيها صحنٌ ولا فناء، ولا منبرٌ ولا محراب، ولا مئذنة ولا مذياع.

في غزة التي يسكنها اليوم أكثر من مليوني فلسطيني، يصوم أطفالها الصغار وشيوخها الكبار، ونساؤها الحوامل وجرحى العدوان، والمصابون بالأمراض المستعصية والأوبئة التي سببها الحصار والعدوان، وغيرهم ممن نجوا من نيران القصف ولهيب الغارات، إلا أن عصف الحصار قد طالهم، وناب الجوع قد قرصهم، فأصابهم ما أصاب أهلهم من الجوع والحرمان، فغدوا جميعاً في مركب الجوع القاتل، وباستيل الحصار المذل، يصومون النهار وهم يعلمون أنهم لن يجدوا شيئاً يفطرون عليه في المساء، كما لم يجدوا شيئاً يتسحرون عليه قبل الإمساك، ورغم ذلك فإنهم يصرون على الصيام، ويعتقدون كما أنه شهر القرآن فإنه شهر الانتصارات، وشهر الفتوحات والمعجزات، وأن الله عز وجل لن يتركهم في شهره الفضيل فريسةً لعدوهم، يستفرد بهم ويقتلهم، ويستقوي عليهم ويعذبهم.

الفلسطينيون عامةً وأهل قطاع غزة خاصةً، مشهودٌ لهم بالجود والعطاء، والكرم والسخاء، ويعرفهم أهلهم ويشهد لهم ضيوفهم بأنهم كرامٌ كما الندى، وأسخياء كما الريح المرسلة، ويغدقون على ضيوفهم كما السحب المثقلة، ولا يخشون من كرمٍ فقراً ولا إملاقاً، ولا يترددون في إتلاف أموالهم وتقديم أفضل ما عندهم ليرضى ضيفهم، ويسعد زائرهم، ويهنأ من نزل عندهم، وهم في شهر رمضان أكثر جوداً وكرماً، وأوسع عطاءً وسخاءً، ويعلم الغريب والقريب أن موائدهم عامرة، وبيوتهم زاخرة، وأنهم يتبادلون أطباق الطعام ويتزاورون ليلاً حتى وقت السحور.

في غزة اعتاد أهلها على نصب الموائد العامة وإقامة المآدب في الشوارع والطرقات، وفي الحدائق والساحات، وفي المدارس والمساجد، فيرتادها من يريد، ويتناول فيها طعام الإفطار الغني والفقير، والغريب والمقيم، فلا يشعر ساكنها بفقرٍ أو حاجةٍ، ولا يشكو زائرها من غربةٍ أو وحدةٍ، فكل سكان غزة هم أهله ومضيفوه، بيوتهم له مفتوحة، وقلوبهم به مرحبة، فهو كما يقولون عنه، ضيف الرحمن ساقه الله عز وجل إليهم أجراً، ليكون لهم يوم القيامة ذخراً.

اليوم غزة أيها المسلمون جائعة فقيرة، كسيرةٌ معدمة، تشكو وتعاني، وتقاسي وتتألم، وهي في أمس الحاجة إلى لقمة العيش وكسرة الخبز وشربة الماء، فقد حرمها العدو الإسرائيلي وحلفاؤهم من الغرب وإخوانهم من العرب وغيرهم، كل أسباب العيش الكريم والحياة الحرة الآمنة المستقرة، فجففوا مياههم وخربوا زروعهم وحرقوا بيوتهم، وقتلوا رجالهم، ووأدوا أطفالهم، ولم يستثنوا من القتل نساءهم وحتى الأجنة في بطون أمهاتهم، والخدج في محاضنهم، وما زالت آلة قتلهم تعمل، وجيش كيانهم يعتدي ويقتل.

أيها المسلمون ويا أيها العرب، ويا أحرار العالم ودعاة الإنسانية في كل مكانٍ، لا تنسوا اليوم غزة وأهلها في معاناتها، ولا تتركوها وحدها تواجه مصيرها، وكونوا معها بسيوفكم قبل ألسنتكم، وبمالكم قبل دعائكم، وبحراككم قبل استنكاركم، واعلموا أن أهلها ولو بقوا وحدهم، فإنهم لن يتخلوا عن واجبهم، ولن يلقوا البندقية من على أكتافهم، ولن ينفضوا من حول مقاومتهم، فهي عزتهم وشامتهم، وهي التي رفعت رايتهم وأحيت قضيتهم، وهي التي ستستعيد مجدهم وستحرر أرضهم، وهي من قبل ومن بعد تنافح عن دينكم، وتحمي قدسكم، وتقاتل من أجل الأقصى والمسرى وكذلك الأسرى. 

عودٌ بعد غياب واستئنافٌ على أعتاب النصر
مضى شهرٌ كاملٌ بالتمام والكمال، لم أكتب خلاله كلمةً واحدةً، ولم أنشر مقالاً أو أعقب على حدثٍ، ولم أشارك في برنامجٍ تلفزيوني أو إذاعي، ولم ألبِ أحداً لندوةٍ أو لقاء، اعتذرت عنها دون إبداء الأسباب، ولم أرد على كثيرٍ منها قصداً خشية الإحراج، إذ آثرت الصمت والعزوف، وفضلت العزلة والوحدة، والنأي بالنفس عن القريب والبعيد، والاكتفاء بالمتابعة ومشاهدة الأحداث، والتنقل بين المحطات الفضائية التي تنقل الصور والمشاهد، ومتابعة المواقع والمراكز التي تحلل وتناقش، وتتابع وترصد، وتتوقع وتتنبأ، رغم أن أغلب مشاهدها باتت متشابهة، وأحداثها متكررة، وما يحدث قد حدث مثله وجرى ما يشبهه، في المكان نفسه أو في أماكن أخرى كثيرة، والقاتل نفسه بسلاحه وسلاح غيره، والمقتول شعبي وأهلي، وبعض أهل بيتي أو جيراني.

شعرت خلال الشهر الذي انصرم بألمٍ ووجعٍ كبيرين، وبالكثير من الحزن والأسى، وبغير قليلٍ من العجز والضعف، الذي ربما ترك آثاره على الجسد والنفس معاً، علةً وحسرةً، ومرضاً ووهناً، واعتزالاً وانطواءً، وقد انتابتني خلاله موجاتٌ متباينة من المشاعر المختلطة، التي لم أعرف سبيلاً للخروج منها أو التعامل معها، فشعبي يقتل، وأهلي يشردون، وبيوتنا تدمر، ومعالم الحياة في أرضنا تعدم، وأطفالنا يموتون جوعاً وآباؤهم قهراً، حيث لا يجدون لقمةً تحفظ حياتهم، أو شربة ماء تروي ظمأهم، بينما يقتل يومياً المصطفون في الساحات العامة وهم ينتظرون المعونات والمساعدات، ولا أعرف ماذا أقدم لهم لأخفف عنهم وأساعدهم، أو أنقذهم وأحميهم، وأرد الموت عنهم أو أصد الجوع عن صغارهم.

لعلها المرة الأولى التي أتوقف فيها عن الكتابة واللقاءات الإعلامية منذ سنواتٍ طويلة، إذ اعتدت الكتابة يومياً، والمشاركة في مختلف البرامج السياسية المتعلقة بقضيتنا الفلسطينية، تعقيباً وتحليلاً وقراءة واستطلاعاً، وكنت لا أقصر ولا أتردد، ولا أمل ولا أتعب، ولا أقنط ولا أيأس، ولا أرد سائلاً ولا أعتذر عن برنامج، بل كنت أتهم دائماً أنني أُكثر وأسهب، وأفرط في التفاؤل وأستبشر، وامتدح من غيرهم بأنني غزير الكتابة سيال القلم، حاضر الفكرة جاهز الكلمة، التي أراها دوماً طلقةً سريعةً وقذيفةً مؤثرة، لا تقل عن سلاح الميدان أثراً وفعلاً، إلى جانب غيرها من مختلف الوسائل والأدوات التي تفضح جرائم العدو وتكشف طبيعته، وتظهر مظلومية شعبنا ومعاناته جراء الاحتلال وعدوانه.

لست يائساً ولا محبطاً، ولا أشعر بالعجز ولا بالهوان، ولا بالضعف أو الضعة، بل لعلني أنا المسكون يقيناً وأملاً، الواثق نصراً وعزةً، أرى تباشير النصر وأمارات الفتح، وأسمع أهازيج النصر وتكبيرات الفرح، رغم الجراح والآلام، وآلاف الضحايا والشهداء، ومشاهد الدمار والخراب، وتآمر العالم الحر ضدنا، وتكالب الحلفاء مع الكيان علينا، وتخاذل الأنظمة العربية وصمتها عن الجرائم التي يرتكبها العدو في حقنا، فهذه المحنة ستنتهي، وهذه الغمة وإن طالت فإنها ستزول، ومن بين الركام سيخرج شعبنا عملاقاً كالطود، ومن تحت الرماد ستتقد جمرتنا لاهبةً كقطعة نارٍ، وحينها سيعلم العدو ومن تحالف معه أو تآمر ضدنا، أي منقلبٍ ينقلبون.

اليوم الخامس من شهر رمضان المعظم، الذي يصوم أيامه القاسية شعبنا الجائع في قطاع غزة، أعود فأستل قلمي من جديد، وأبريه وأحده، وأغمسه بمدادٍ من الدم، لأكتب به ما أستطيع دفاعاً عن شعبي، ومساهمةً في نضاله، وتخفيفاً من معاناته، وتسليطاً للضوء على تضحياته وعطاءاته، فشعبنا العظيم في قطاع غزة خاصةً، وفي القدس والضفة الغربية عموماً، يستحق منا أن ننصره دائماً، وأن نقف إلى جانبه، وأن نؤيده في نضاله ومقاومته، وأن نقوم بغاية ما نستطيع دفاعاً عنه، فقد أرانا من صبره وثباته، وتضحياته واحتسابه، وأظهر لنا من قدراته وإمكانياته واستبساله وعناده، ما جعلنا نفخر بالانتماء له والانتساب إليه، فاللهم وفقني وغيري في أن يكون لنا دورٌ وسهم، وأن ينالنا شرف المقاومة والعمل معها، وأن يظللنا نصرك الذي وعدت.

العملية البرية في رفح ضوابطٌ ومحاذيرٌ
ما زال العدو الإسرائيلي يصعد في خطابه ضد الفلسطينيين مهدداً باجتياح محافظة رفح، والدخول البري إليها بعد أن قصفها بالدبابات والطائرات والبوارج الحربية على مدى الأشهر الأربعة الماضية، وحشر فيها أكثر من 1.4 مليون فلسطيني، ودفعهم إليها من الشمال والوسط دفعاً بحجة أنها منطقة آمنة، وأنه لن يقصفها ولن يجتاحها، ولن ينفذ فيها أي عملياتٍ عسكريةٍ ولن يدخل إليها قوات برية، التزاماً منه باتفاقية السلام "كامب ديفيد" الموقعة مع مصر، التي يخشى خرقها وانتهاكها، ويتحسب من نكث بنودها ونقض شروطها خوفاً من إلغائها، ولهذا اعتاد أن يرسل إلى الحكومة المصرية تطميناتٍ كاذبةً ووعوداً زائفةً، بأنه لن يجتاح محافظة رفح، ولن يعرض اتفاقية السلام الموقعة معها للخطر.

إلا أن المخاوف من اجتياحها لم تتراجع أبداً خلال أيام العدوان الطويلة، التي بلغت حتى الساعة 131 يوماً من الحرب المتواصلة، والقصف المستمر، والحصار الخانق، والتجويع القاتل، والتدمير الممنهج الواسع، فما زالت المخاطر قائمة، والاحتمالات كبيرة، إذ لا أخلاق تحكمها ولا قوانين تضبطها، رغم الأصوات الدولية المتعالية، التي تحذر وتخوف من عواقب اجتياح محافظة رفح، التي تغص شوارعها بالمواطنين اللاجئين إليها، ورغم الدعوات الأمريكية والأوروبية التي تدعي أنها تحاول كبح نتنياهو ومنعه من تنفيذ تهديداته.

فالعدو الإسرائيلي قرر منذ الأيام الأولى للعدوان التدخل البري في كل مناطق القطاع، وتدرج في عدوانه واجتياح جيشه في الجنوب والشمال، وكثف عملياته وركز على أهدافه، ظناً منه أنه سينجح في فرض التهجير على الفلسطينيين، وسيدفعهم لمغادرة القطاع واللجوء إلى مصر، وهو الهدف الأسمى الذي عمل لأجله وما زال، ولا يبدو أنه تخلى عنه من تلقاء نفسه، أو اعترافاً بالخطأ الذي ارتكبه، لولا أنه أدرك أن سكان غزة قد خذلوه وأحبطوه، وهزموه وأفشلوه، وأنهم يصرون على البقاء رغم التدمير، ويتمسكون بالأرض رغم القصف، ويرفضون اللجوء والرحيل رغم القتل الذي يتربص بهم، والغارات التي تلاحقهم.

لكن أهداف العدو لم تقتصر على التهجير المستحيل فقط، بل يتطلع جيشه وحكومته إلى تحقيق نصرٍ في آخر منطقةٍ يخططون لاجتياحها، إذ فشلوا حتى اليوم في إحراز نصرٍ أو تحقيق أيٍ من الأهداف التي أعلنوا عنها في المحافظات الأربع التي اجتاحوها، فظنوا أن المحافظة الأخيرة هي الكنز الذي ينتظرهم، والمكافأة التي منوا أنفسهم بها، ووعدوا مستوطنيهم بالحصول عليها، وأن فيها جنودهم الأسرى ورفات قتلاهم، ومقار قيادة المقاومة، وربما الأنفاق الاستراتيجية التي تدار منها المعارك، وتتخذ فيها القرارات، وهي ذات المزاعم التي أعلنوا عنها عندما اجتاحوا الشمال ومدينة غزة والمخيمات الوسطى.

إلا أن محافظة رفح الجنوبية كما شقيقتها خانيونس، لن تكون لقمةً سائغةً وصيداً سهلاً لجيش الاحتلال، الذي يعلم أن كتائب المقاومة في رفح ما زالت بكامل جاهزيتها، ومعها عدتها وأسلحتها، وقد أعدت خطتها وهيأت نفسها، واستعدت لمواجهاتٍ عنيفةٍ، وتعلمت الكثير من تجارب غيرها واستفادت منها، وخبرت العدو وعرفت طريقته، ولهذا فلن تكون مهمته فيها سهلة أو ميسرة، الأمر الذي يجعله يتردد ويتهيب، ويتقدم ويتقهقر، ولو أنه يستخدم تهديداته في مفاوضات التهدئة الجارية، إلا أن تردده ينبع من خوفه من الخسائر المتوقعة والنتائج المرتقبة، التي أعلن رئيس أركان جيش العدو أن على رئيس الحكومة أن يتخذ قراره بنفسه، ويتحمل وحكومته تبعات المعارك البرية في رفح.

ومما يزيد من تردده ويفاقم تعثره، إحساسه أن هذه هي المعركة الأخيرة، التي إن فشل فيها وهو سيفشل، وعجز عن تحقيق أهدافه وسيعجز، فستنكشف بعدها عورته، وستظهر سوأته، وسيعلم مستوطنوه يقيناً أن جيشهم قد عجز عن استنقاذ أسراهم، وأن رئيس حكومتهم قد قتل أبناءهم، وقصر في استعادتهم، وأنه سيكون مضطراً بعدها للجلوس على طاولة المفاوضات، والقبول بشروط المقاومة والاعتراف بها والنزول عند إرادتها، إذا أراد أن يستعيد من بقي من أسراه أحياءً، ويضمن عودة مستوطنيه إلى مستوطنات الغلاف جنوباً وشمالاً، واستعادة دورة الحياة الطبيعية التي خسروها.

قد لا تكون مصر هي الضامنة لمنع العدو من اجتياح رفح، وقد لا تكون بنود اتفاقية كامب ديفيد وشروطها هي التي تحول دون قيامه بتنفيذ تهديداته، كما قد لا يكون الرأي العام الدولي ومحكمة العدل الدولية، هم الذين يخيفون الحكومة الإسرائيلية ويمنعون رئيسها من الإقدام على مغامرته، كما أن الإدارة الأمريكية لا تريد كبح العدو ومنعه، ولا تسعى لوقف العدوان وإنهاء الحرب، بل تريد تنظيم الحرب وإدارتها، وتركيزها وتوجيهها، والاستمرار فيها والدقة في تنفيذها.

ولا يمنع العدو من القيام بمغامرته خشيته من مقتل أعدادٍ كبيرة من المدنيين الفلسطينيين، أو تدهور أحوالهم المعيشية وتعذر حياتهم في مناطقهم التي باتت تفتقر إلى كل مقومات الحياة، إنما الضابط لسلوك العدو وضمانه بعد الله عز وجل، والمحذر له من عواقب مغامراته ونتائج سياساته، ثبات الشعب وصبره، وصموده واحتماله، وقوة المقاومة وبسالتها، وقدرتها وإرادتها، وجاهزيتها ومصداقيتها، فهي التي تفرض عليه قواعد الاشتباك، وتخضعه لمعايير وضوابط لا يتجاوزها، وتلزمه بشروطٍ كان يرفضها.

ثلاثية التجويع والقتل والتدمير لفرض التوطين
فرغ العدو الصهيوني أو قارب على الانتهاء من تدمير كل مقومات الحياة في قطاع غزة، فبعد أن قتل وأصاب بجراحٍ بالغةٍ في معظمها، ربما أكثر من مائة ألف فلسطيني من سكان القطاع، أغلبهم من النساء والأطفال وكبار السن، عمد إلى تدمير البيوت والمساكن وسَوَّى أغلبها بالتراب، وقصفها على رؤوس ساكنيها بالصواريخ المدمرة وبقذائف الدبابات الضخمة، وحطم السيارات والآليات بدباباته التي داستها وسحقتها، وأتلفت في طريقها كل ما تجده من ممتلكات وتجهيزاتٍ.

وقام عامداً وقاصداً بصورةٍ ممنهجةٍ ومنظمة، وفق خططٍ مرسومة وخرائط موضوعة، إلى تدمير المساجد والمدارس والمعاهد والجامعات، والأسواق والمحال التجارية، ومخازن الأغذية والأفران والمخابز، وخزانات المياه ومحطات التحلية، وأخرج عن الخدمة نسفاً وتدميراً المستشفيات والمراكز الصحية والعيادات الخاصة والصيدليات ومخازن الأدوية، وهئيات الدفاع المدني الصحية وسياراتها وطواقمها ومعداتها.

ودمر البنى التحتية كلها، فلا شوارع ولا طرقات، ولا مجاري ولا كهرباء، ولا مياه صالحة للشرب ولا أخرى مخصصة للخدمة، ولا قدرة على جمع النفايات والتخلص منها، حيث تراكمت في الشوارع والطرقات بصورةٍ مهولةٍ ومخيفة، مما تسبب في انتشار الروائح الكريهة والأمراض والأوبئة، فضلاً عن السيول التي أغرقت الشوارع ودخلت إلى الخيام ومناطق الإيواء، بسبب الأمطار الغزيرة وتعطل آليات الصرف الصحي.

تعمد العدو الإسرائيلي القيام بكل ما سبق ذكره وغيره مما لم آت على تفصيله لكثرته وتكراره كل يومٍ وفي كل مناطق القطاع، رغم النداءات الدولية، ومساعي التهدئة ومحاولات فرض وقف الحرب وإنهاء العمليات العسكرية، إلا أنه لا يصغي للمواقف الدولية، ولا ينصاع للقانون الدولي، ولا تعنيه قرارات محكمة العدل الدولية، ولا يخشى أن يوصم بالإبادة الجماعية وبالجرائم ضد الإنسانية، ولا توقفه جرائمه البشعة وانتهاكاته الخطيرة في حق الفلسطينيين، وهي التي يشهد عليها العالم كله، ويراها بأم العين موثقةً مسجلةً، بالصوت والصورة والمكان والتاريخ، ورغم كثرتها وتكرارها، وتنديد المجتمع الدولي بها، إلا أنه يصر عليها ويواصل تنفيذها واقترافها بأبشع السبل وأسوأ الوسائل.

يعلم العدو الإسرائيلي ما يريده ويخطط له، ويسعى إليه حثيثاً ولا يتعب، ويصر عليه ولا ييأس، ضمن منهجيةٍ واضحةٍ لا تخفى على أحد، وسياسةٍ عنصريةٍ لا يعترض عليها أحد، فغايته التي يتطلع إليها ويخطط لها هي تهجير سكان قطاع غزة، وإخراجهم من أرضهم بكل الوسائل الممكنة، قسراً إن استطاع من خلال دفعهم خارج الحدود خوفاً من العمليات الحربية نحو مصر، وهي المهمة التي يبدو أنه فشل فيها وعجز عن تنفيذها، أمام إصرار الفلسطينيين الرافضين للهجرة والعازفين عن اللجوء الجديد، وبسبب الموقف القومي المصري الرافض لتهجير سكان القطاع إلى صحراء سيناء.

أمام عجزه عن تحقيق هدفه بالوسيلة الأولى، عمد بالتظافر مع الجهود الدولية برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومعهما عددٌ غير قليل من الدول الأوروبية المتوافقة معهما والملتزمة بسياساتهما، القائمة على حماية المشروع الصهيوني، وضمان أمن واستقرار "الدولة الإسرائيلية"، والدفاع عنها تجاه الأخطار المحدقة بها، والتي تهدد استقرارها ووجودها، إلى الوسيلة الثانية التي تحقق الغاية نفسها، وتحقق أهدافهم المنشودة، وهي التهجير الطوعي الإرادي.

ترتكز الوسيلة الثانية على سياسة التجويع المذل والمميت، والحصار الخانق القاتل، التي تخيره بين الموت قتلاً أو الفناء جوعاً، حيث عمد إلى حرمان المواطنين الفلسطينيين من مياه الشرب والخبز والغذاء وكل أشكال الطعام، إلى الدرجة التي باتوا فيها يأكلون نبات الأرض وأعشابها، وعلف الحيوانات وطعامها.

كما حرمهم من الملبس والمأوى والفراش والغطاء، إذ أتلف موجوداتهم وحرق ثيابهم وملابسهم، وفراشهم وغطاءهم، وضيق عليهم في خيامهم، وقصفهم في أماكن إيوائهم، وتعمد ملاحقتهم إلى الأماكن التي أشار عليهم بالانتقال إليها والإقامة فيها، ليجعل حياتهم بؤساً وعيشهم في قطاعهم مستحيلاً.

وبهذه السياسات الجائرة، والممارسات العنصرية المدمرة، والتي أضيف إليها مؤخراً وقف الدعم المالي لمؤسسة الأونروا، وهي التي يستفيد من خدماتها مئات آلاف اللاجئين الفلسطينيين في غزة خصوصاً، وفي عموم سوريا ولبنان والأردن ومصر، تكون إسرائيل وحلفاؤها قد أطبقوا على الشعب الفلسطيني خاصةً في غزة، واستكملوا الحلقات الثلاث المطلوبة لتنفيذ مشروعهم واستكمال مخططهم، الجوع والحصار والحرمان، إلى جانب التدمير والخراب والقضاء على كل عوامل الصمود والبقاء، وثالثها القتل الممنهج والإبادة المقصودة والمجازر المتعمدة، التي من شأنها في حال تظافرها وتآمر الدول الكبرى على فرضها، أن تحقق للإسرائيليين حلمهم القديم، وتوصلهم إلى الغاية المنشودة، في الأرض الأكثر والسكان الأقل.

لكن الذي يبدو في الأفق ويظهر، أن الشعب الفلسطيني ثابتٌ في أرضه وصامدٌ على حقه، وأن مقاومته شرسةٌ عنيدةٌ، وهي في الميدان قوية، وفي القتال شديدة، تكبد العدو خسائر فادحة، وتجبره على التراجع والانكفاء، والتنازل وتغيير الأهداف، ما يعني أن مشاريعهم ستفشل، وأن مخططاتهم ستحبط، وأن أحلامهم ستبدد، وربما تصبح أحلامهم كوابيس ترعبهم من الغد الآت، وتخيفهم من المستقبل القادم.

تجريد المقاومة وتجفيف الأونروا هدفان أجوفان
بات الإسرائيليون والأمريكيون وحلفاؤهم يدركون أن قهر الفلسطينيين غيرُ ممكنٍ، وهزيمتهم مستحيلةٌ، وكسر إرادتهم صعبٌ، وإجبارهم على ما لا يريدون ضربٌ من الخيال، ومحاولة خداعهم والتأثير عليهم سفهٌ وقلة عقل، فهؤلاء يصرون على حقوقهم، ويضحون في سبيل قضيتهم، ولا يبالون بقوة عدوهم، ولا يترددون في مقاومته، ولا يجبنون عن مواجهته، وهم في بلادهم وشتاتهم يتمسكون بوطنهم، ويثبتون على أرضهم، ويرفضون الحلول الجزئية، ولا يخضعون لما يسمى بالواقعية السياسية التي يغلفون بها الهزيمة والاستسلام، ولا يقبلون بما يلقى إليهم أو يعرض عليهم، إن كان لا يوافق رأيهم ولا يلبي طلباتهم ولا يحقق شروطهم، أو يتعارض مع معتقداتهم ولا ينسجم معها، التي هي معتقداتٌ دينية وقومية ووطنية.

لكن هذه الثوابت القطعية والقناعات الراسخة، وتصورهم الكامل عن طبيعة الفلسطينيين وعقليتهم، ومعرفتهم بهم وبعقيدتهم، لم تمنع الإسرائيليين والأمريكيين وبعض دول أوروبا الغربية وكندا، من معاودة التفكير في أفضل السبل لكسر الفلسطينيين وإخضاعهم، ولَيِّ أعناقهم وتغيير مواقفهم، وتأمين الإسرائيليين وحمايتهم، وضمان عدم تعرض الكيان الصهيوني إلى مخاطر جديدة وتحدياتٍ صعبةٍ، والتخلص وإلى الأبد من أزمتهم المستعصية وقضيتهم الشائكة، التي كانت ولا زالت هي السبب الأساس في اضطراب المنطقة وعدم استقرارها، واندلاع الحروب فيها ونشوب المعارك تحريكاً لها أو تضامناً معها.

يرى العدو الإسرائيلي وحلفاؤه أن أهدافهم هذه قد تتحقق، بعد ضمان تفوق كيانهم وتسليحه، وتأمين حدوده وسلامة مستوطنيه، بتجريد الفلسطينيين من قوتهم، ونزع سلاحهم، وتدمير أنفاقهم، وتصفية مقاوميهم، ومنعهم بعد ذلك من امتلاك وسائل قتالية خطرة، وحرمانهم من أي فرصة قد تمكنهم من تشكيل مجموعاتٍ عسكرية أو خلايا مسلحة، أو استعادة قدراتهم القتالية وإمكانياتهم العسكرية التي من شأنها تهديد أمن الإسرائيليين وتعريض حياتهم للخطر.

وفي الوقت نفسه يتطلع الأمريكيون وفق مخططاتٍ وبرامج إلى عزل الفلسطينيين الطامحين إلى استعادة أرضهم وتحرير بلادهم، وطرد الإسرائيليين المحتلين منها وعودة أهلهم إليها، عن محيطهم العربي وإقليمهم الجغرافي، ليكونوا فيها غرباء منبوذين، وضعفاء وحيدين، لا يقف معهم أحدٌ، أو تؤيدهم في سياساتهم دولةٌ، ولا يدعمهم في توجهاتهم أو يساعدهم في تحقيق أحلامهم أحد، مما قد يدفعهم إلى اليأس والقنوط، والواقعية والخضوع، والقبول بالمضي في مسارات السلام والمشاركة في قطار التطبيع الذي يعترف بالكيان الصهيوني ويقر بحقه في الوجود، والتمتع بالشرعية والسيادة والأمن والسلام.

وحتى يتحقق هذا الهدف ويصلون إلى الغاية المنشودة، ينبغي تجويع الفلسطينيين وحرمانهم، وتجفيف منابعهم ووقف الدعم عنهم، ليقلعوا عن تأييد المقاومة وانتخاب رموزها، وتبني أفكارها وتأييد شعاراتها، والقبول بها قيادةً لهم وممثلةً عنهم، فعندما يدرك الفلسطينيون أن مقاومتهم هي سبب فقرهم، وأن وجودها يجوعهم، وبقاءها يحرمهم، فإنهم قد يختلفون معها وينفضون عنها، وقد ينتخبون غيرها أو يدعون لاختيار سواها، أو تجربة غيرهم والرهان على فريقٍ آخر قد يكون قادراً على حمايتهم وتحسين ظروف عيشهم.

وضمن هذه الجهود والمحاولات، قاموا بوقف دعمهم إلى مؤسسة الأونروا، وعمدوا إلى اتهامها وتشويه دورها، والتهديد بشطبها وإنهاء مهامها، وهي المؤسسة الأممية التي أسست خصيصاً من أجل اللاجئين الفلسطينيين، لرعايتهم ومساعدتهم وتعويضهم، تمهيداً لعودتهم إلى بيوتهم وقراهم التي أخرجتهم منها العصابات الصهيونية، ظانين أن وقف خدماتها سيكسر ظهر الفلسطينيين، وسيشعرهم بالعوز والحاجة، أو بالفقد واليتم، وسيجبرهم على التخلي عن سياساتهم وإعلان البراءة عن منظماتهم، والانفضاض عن مقاومتهم، طمعاً في إعادة تقديم الدعم لها واستئناف تقديم خدماتها.

تعلم الولايات المتحدة الأمريكية وعواصم القرار الغربية، والدول الغنية المانحة، أن وقف تقديم الدعم إلى الأونروا، الذي اتخذوه مؤخراً، يعني المزيد من جوع الفلسطينيين وحصارهم، والمزيد من تردي أوضاعهم وسوء أحوالهم، وإحكام الحصار عليهم، خاصةً أن مئات آلاف الفلسطينيين في فلسطين المحتلة وسوريا ولبنان والأردن ومصر يستفيدون من الخدمات التي تقدمها لهم الأمم المتحدة عبر مؤسسة الأونروا، ومع ذلك فقد أصروا عليه ودعوا دول العالم إلى تقليدهم وتأييد قرارهم.

إلا أن الفلسطينيين في الوطن والشتات، رغم فقرهم وسوء أوضاعهم، ورغم تردي أحوالهم المعيشية وتراجع قدراتهم الذاتية، فإنهم بثباتهم على الأرض، وتمسكهم بالحقوق، وإصرارهم على المقاومة، يصفعون العدو على وجهه، ويردون عليه بطريقتهم، عله يستيقظ ويعي، ويدرك أن مسعاه لتحقيق أهدافه فاشلٌ، وأن محاولاته تنفيذ مخططاته بائسة، وأنه لا يكسر ظهرهم جوعٌ، ولا يخرس أصواتهم عطشٌ، ولا يقعدهم حصار، ولا تعجزهم قوة، وما يقوم به ليس إلا نفخاً في رمادٍ، وشعاراً أجوفاً لا رجيع له ولا صدى، ولا رجاء فيه يحيى أو أمل يرتجى.

كالأغبياء سنستدرجكم ورمال غزة ستبتلعكم
الأولى قالها بخبرةٍ ودرايةٍ أبو حمزة، الناطق الرسمي باسم سرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والثانية رددها بثقةٍ ويقينٍ أبو عبيدة، الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح المسلح لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وكأنهما كانا عارفين بما سيجري على الأرض، وبالأحداث التي ستقع في شوارع قطاع غزة، وبالمعارك التي سيخوض غمارها رجال المقاومة، والملاحم البطولية التي سيسجلونها في الميدان، والفخاخ التي سينصبونها، والكمائن التي سيعدونها.

كما كانوا عالمين بسلوك جيش الاحتلال المغرور بالقوة، والمدعي التفوق، والمستند إلى غطاءٍ جويٍ كثيفٍ، وقصفٍ مدفعي بعيدٍ من البر والبحر، والذي يتقن جنون الخراب وسعار التدمير، ويهوى القتل ويستعذب حروب الإبادة، وينفذ أبشع المجازر وأفظع المذابح، التي لم يشهد التاريخ الحديث مثلها، ولم تعهد البشرية جرائم تشبهها، في محاولاتٍ يائسةٍ منه لتحقيق نصرٍ على المدنيين، وغلبةٍ على المواطنين، في الوقت الذي عجز فيه وما زال عن مواجهة المقاتلين، وتجنب اقتحامهم المفاجئ وهجومهم المباغت، والنجاة من كمائنهم المتقنة، وفخاخهم المموهة، التي ألحقت بجنوده وضباطه خسائر كبيرة، شهد عليها إعلامهم، وفرضت تعتمياً عليها قيادة أركان  جيشهم.

كأن ما يجري على أرض قطاع غزة جزءٌ من مقولتهما، ومصداقٌ لتوقعاتهما، فقد أظهرت الأحداث على مدى الأيام، وليس آخرها ما جرى في منطقتي خانيونس والوسطى، أن المقاومة برعت في استدراج جنود الاحتلال، وعرفت كيف تسوقهم إلى مضاجعهم، وتقصفهم في مكامنهم، وتقنصهم في مواقعهم، ودأبت على نصب الفخاخ لهم، ونجحت في الإيقاع بهم واصطيادهم مرةً تلو أخرى، وكأنهم لا يتعلمون من أخطائهم، ولا يستفيدون من تجاربهم، ويعيدون تكرار الأخطاء ذاتها في صيرورةٍ لا تفسير لها إلا الغباء أو العمى، والجهالة أو ضحالة التجربة، والغرور القاتل أو الاستعلاء المميت.

ظن جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي تدرب طويلاً وتأهل كثيراً، وأجرى المناورات ونفذ السيناريوهات، أن مهمته في قطاع غزة ستكون سهلة، بعد أن دمر مبانيه وقتل عشرات الآلاف من أهله، وقصفه بآلاف الأطنان من المتفجرات، وأطلق عليه آلاف الصواريخ وألقى على ساكنيه آلاف القنابل، فاعتقد واهماً أن الطريق ستكون أمامه سهلة معبدة، وآمنة رخوة، وأنه لن يجد أمامه صعاباً ولا عقبات، ولن يواجه تحدياتٍ ولا مواجهاتٍ، وسيتمكن من تحقيق أهدافه بسهولة، والعودة بجيشه وأسراه من قطاع غزة إلى ثكناته ومستوطناته، ولن يكون مضطراً للقتال كثيراً أو البقاء في القطاع طويلاً.

لكنه أدرك بعد فوات الأوان أن أرض القطاع سبخةً وليست لينة، وأنها عميقة وليست ضحلة، وأن رماله الناعمة تسوخ فيها الأقدام، ويدفن تحتها الجنود كما تهوي الجيوش في أعماق البحار وتغرق، وأنه كما وعدهم أبو عبيدة في أكثر من كلمةٍ وخطاب، أن رمال غزة ستبتلع جنودكم، وستبدد أحلامكم، وستطوي ملككم وستنهي كيانكم، وأن ما بعد طوفان الأقصى ليس كما كان قبله، وما رأيتموه ليس إلا بداية النهاية، ولن تكون لكم القدرة على طي الصفحة والانتقال إلى اليوم التالي إلا بإرادة المقاومة وشروطها.

كما أدرك أن الفلسطينيين رجالٌ شجعانٌ، ومقاتلون أشداءٌ، وأنهم صُبرٌ في المعارك، وأُسُدٌ في الميدان، وأنهم يعرفون كيف يستدرجون فريستهم، ويصطادون طريدتهم، ويوقعون بعدوهم، وينالون منه وهو يظن أنه الأقوى والأكثر تحصيناً، ولعل مناطق الشمال التي أعلن أنه "طهرها" وسيطر عليها، و"نظفها" وقضى على المقاومة فيها، واعتقد أنه لم يعد لها فيه وجودٌ، فلا سلاح ولا أنفاق، ولا صواريخ ولا منصات، قد أذاقته المر صنوفاً، وجرعته السم زعافاً، وانطلقت الصواريخ من مناطقها المختلفة وأحيائها المدمرة، وطالت شماله البعيد في تل أبيب، ووسطه في أسدود وعسقلان، كما أطرافه في الجنوب ومستوطنات الغلاف.

رغم أن الجرح غائرٌ، والدم النازفَ ناعبٌ، والخسائر كثيرة، وأعداد الشهداء في تزايدٍ مستمرٍ، والدمار شامل والخراب كبير، والعدو كما الفيل الأعمى يدوس ويدمر، ومثل الثور الأهوج يجوس ويخرب، والعالم معه يصطف ومعه ينحاز، إلا أن هذا الشعب الصابر المعطاء، البطل المقدام، المضحي المحتسب، سيؤتى أجره، وسينال حقه، وسيصل إلى مبتغاه، وستتحقق نبوءة رجاله ومقولة رواده، أن المقاومة ستستدرج العدو إلى مضاجعه، وأنه سيدفن في رمال غزة جنوده، وستبدد شواطئه أحلامه.

عنصريةٌ إسرائيلية وبذاءاتٌ لفظية ودونيةٌ أخلاقيةٌ
جَرفَ طوفان الأقصى الهادر العدو الإسرائيلي وأغرقه، وصدمته المقاومة وأربكته، وهالته الخسائر وأرعبته، فخرج عن طوره وفقد أعصابه وبانت حقيقته وبرزت عيوبه، وعرف العالم نقائصه وأدرك طبيعته، حيث أظهر الطوفان الفلسطيني ضعفه الأخلاقي وخواءه القيمي، وكشف عن مدى انحطاطه وسوداوية أفكاره ودونية سلوكياته.

ودفع مسؤوليه وقادته، ورموزه وعامة مستوطنيه، الذين راعهم ما حدث وهالهم ما أصابهم، إلى نزع القناع الذي غطوا به وجوههم، وخدعوا به أنفسهم وغيرهم، وزوروا به حقيقتهم، وزينوا به سوء أخلاقهم وعنصرية سياساتهم، فعبروا بتلقائيةٍ عن معتقداتهم، وأعلنوا بصفاقةٍ عن مخططاتهم، وأطلقوا العنان لنعوتهم وأوصافهم، التي يتعالى عليها الحضاريون، ويربأ بنفسه عن مثلها الإنسانيون.

لم يستطع الإسرائيليون امتصاص الحدث أو الصمود أمامه، ولم يتمكنوا من استيعابه وتحدي تداعياته، فكشفوا بسرعةٍ في سرديةٍ مُختَلَقةٍ كاذبةٍ، وروايةٍ مُظَلِّلةٍ مُظَلَّلةٍ، عن ظلامية معتقداتهم، ودموية مخططاتهم، وعنصرية سياساتهم، وعادوا بالأحلام إلى نصوص توراتهم ووصايا تلمودهم، التي تدعو إلى قتل الأطفال قبل المحاربين، والنساء كما الرجال، وإبادة السكان وتدمير بيوتهم، وحرق الأشجار وقتل البهائم والدواب، وإعمال السيف وقطع الرقاب، وعدم الالتفات إلى دعوات التهدئة وضرورة ضبط النفس، وعدم الاهتمام بالشكاوى الدولية أو الإصغاء إلى النصائح والتوجيهات المختلفة.

إلا أن قادة دول العالم وحكوماتها قد أصموا آذانهم واستغشوا ثيابهم، وكأنهم لم يسمعوا شيئاً يعيبونه، وأصروا على تصديق رواية الكيان ونشروها، واستكبروا الخضوع للحق واستعظموا التراجع عن الباطل، وضاعفوا بمواقفهم المنحازة حجم الظلم وعمقوا الجرح الفلسطيني، وسكتوا عن التصريحات العنصرية أو أغمضوا العيون عنها، رغم أنها كانت صاخبةً ومدويةً، وصريحةً واضحةً، ولو أنها صدرت عن غير الكيان لضجوا بها ونددوا، واستنكروا دولها وشجبوا قادتها، ودعوا إلى مقاطعتها وفرض العقوبات عليها، إلا أن إسرائيل مبرأةٌ عندهم من كل عيب، ومغفورٌ لها كل ذنبٍ، ومعفوٌ عنها وغير مسؤولةٍ عن كل جرائمها.

فهذا وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو يدعو حكومته وجيش كيانه إلى "إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، ولو أدى ذلك إلى مقتل الإسرائيليين الموجودين في القطاع"، والتي تعني الدعوة الواضحة والصريحة لإبادة سكان قطاع غزة، فضلاً عن الاعتراف الصريح بامتلاك الكيان الصهيوني لقنابل نووية، وجهوزيته لاستخدامها في أي وقتٍ وضد أي هدفٍ ولو كان مدنياً.

وكان وزير الحرب الإسرائيلي يؤاف غالانت قد وصف الفلسطينيين بــــ"الحيوانات البشرية" في معرض تبريره للحصار الخانق الذي فرضه جيشه على قطاع غزة وسكانه، "نفرض حصاراً كاملاً على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقا لذلك"، وكأنه بتصريحاته يبرر ارتكاب مختلف المجازر وعمليات الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة، ويجيز العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين، والتي تشمل الأطفال والنساء والمرضى والمسنين وعموم المدنيين.

كما أن حزب الليكود الحاكم، الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، يؤمن بإبادة سكان قطاع غزة والتخلص منهم، وفق ما صرح به عضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود ناسيم فاتوري، الذي دعا جيش كيانه إلى حرق قطاع غزة بالكامل، وحرق سكانه والتخلص منهم إلى الأبد.

ولا يتوقف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير عن الدعوة إلى التضييق على الفلسطينيين وجعل حياتهم في الضفة والقطاع مستحيلة، وجعلهم أقرب إلى الموت منهم إلى الحياة، تمهيداً لهجرةٍ طوعيةٍ أو قسريةٍ تفرض عليهم، وهو الذي دعا وما زال إلى إعدام الأسرى، ومصادرة حقوقهم وأملاكهم، وتحويلها لحساب المتضررين الإسرائيليين، ولعمليات توسيع وتطوير المستوطنات في القدس والضفة الغربية.

وقد رأى العالم كله مشاهد وصور الأسرى الفلسطينيين من قطاع غزة، بينما يسوقهم جنود الاحتلال إلى مراكز التحقيق والاعتقال، وقد نزعوا عنهم ثيابهم، وأجبروهم على القرفصاء لساعاتٍ طويلةٍ في أجواء البرد والمطر والصقيع، وقد استشهد عددٌ غير قليل منهم سواء جراء التعذيب والمعاملة القاسية، أو أثناء التحقيق وعمليات الإعدام والتصفية الميدانية خارج القانون.

لا تنطلي علينا أكاذيب رئيس الحكومة الإسرائيلية وبعض المسؤولين الإسرائيليين، الذين يسارعون إلى تكذيب التصريحات ونفيها، أو إعلان البراءة منها واستنكارها، والادعاء بأنها لا تمثل الحكومة ولا تعبر عنها، ولا محاولات إقصاء الوزراء أصحاب التصريحات المتطرفة عن جلسات الحكومة أو منعهم من التصويت والمشاركة في المداولات الحكومية، فهم جميعاً حكومةً وجيشاً وكنيست شركاء في هذه السياسة، التي تعبر عن حقيقة كيانهم وفلسفة وجودهم، ومخططات بقائهم، ولكنها أدوارٌ تُوزع، ومهامٌ تُقسم.

إدارة الحرب وتنظيمها مطلبٌ أمريكي وتنفيذٌ إسرائيلي
مخطئ من يظن أن الإدارة الأمريكية تريد وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أو أن ضميرها قد استيقظ من سباته واستفاق من غفلته، ولم يعد منحازاً كما كان، أو متواطئاً كما عرفنا، أو شريكاً كما ظننا، وأنها أصبحت إنسانية عاقلة تشعر بالآخرين وتحترمهم، وتعترف بالأعراف والقوانين، وتلتزم العهود والمواثيق، وترفض الظلم وتنشد العدل، وتسعى جادةً ومخلصةً لإنهاء الحرب التي يشنها الكيان الصهيوني على الفلسطينيين في غزة والضفة والقدس، وتعتبرها حرباً ظالمةً تستهدف حياتهم، وتنتهك سيادتهم، وتنتقص حقوقهم، وتهدد مستقبلهم، وتحرمهم من الحياة الآمنة المستقرة.

 ويخطئ كثيراً من يظن أن الإدارة الأمريكية تدعو إلى وقف الحرب كلياً، وإنهاء كافة العمليات الحربية ضد الفلسطينيين، والسماح لهم بالعودة إلى مناطقهم وبيوتهم، واستئناف حياتهم، وفتح طريقي الشمال والجنوب على طول القطاع، وعدم تهديد حركة المواطنين أو عرقلة انتقالهم، وإعادة إعمار ما دمرته الحرب وخربه العدوان، وعدم التدخل في شؤونهم الداخلية وحياتهم اليومية، والسماح لهم بمباشرة التفكير والحوار الوطني الداخلي المستقل في كيفية إدارة شؤونهم وتنظيم أمور حياتهم، واختيار شكل وهيئة حكومتهم.

الإدارة الأمريكية لا تفكر في الشعب الفلسطيني ولا تعبأ به، ولا يعنيها أبداً ما أصابه وما لحق به، وهي غير باكية أو آسفة على الضحايا الذين يسقطون، واللاجئين الذين امتلأت بهم الشوارع والمدارس ومقار الإيواء، ولا يحرك ضميرها أطفالهم الرضع والخدج والصغار، الذين يقتلون قصفاً أو تحت الأنقاض، أو جوعاً وعجزاً عن العلاج، وهي لا تأسف لجوعهم وعطشهم، ولا لتدمير بيوتهم ومؤسساتهم، ونسف مدارسهم وجامعاتهم، وأسواقهم ومساجدهم، وهي لا تشعر بتأنيب ضميرٍ لتدمير مستشفياتهم، وحرمانهم من العلاج والدواء، وفرض الحصار المشدد عليهم ليموتوا خنقاً وجوعاً وعطشاً ومرضاً وبرداً وقهراً.

الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم الكيان الصهيوني في عدوانه على قطاع غزة، بكل الوسائل السياسية والعسكرية والأمنية والمادية والإعلامية وغيرها، تشاركه في الجريمه، وتتحمل معه كامل المسؤولية، وقد هبت لنجدته منذ الساعات الأولى لصبيحة يوم السابع من أكتوبر، ليقينها أن الكيان قد اهتزت أركانه، وتصدع بنيانه، وتفككت جبهته الداخلية، وأصبح آيلاً للسقوط والانهيار، فغدا في أَمَسِ الحاجة لقوةٍ تحميه، ودولةٍ تدعمه، وحلفٍ يسانده، قبل أن تنهار المنظومة الأمريكية وتسقط بانهيار الكيان، إذ أنه عمدة نفوذها في المنطقة وعمادها، وناظم وجودها فيها ومبرر بقائه، وركيزته التي تبني عليه استراتيجيتها في المنطقة.

الحقيقة التي يجب ألا تغيب عن أذهاننا، أن الإدارة الأمريكية لا تريد للكيان الصهيوني أن يسقط وينهار، أو يضعف وينكسر، ولا أن تتراجع قدرته ويفقد هيبته، ويخسر تفوقه ويتلاشى نفوذه، فهذا يعني انتصار المقاومة ومحورها، وعلو رايتها وسيادة فكرها، ونجاح سياستها وتوسع قوتها، وانتقال تجربتها وتكرار فعلتها، وتشجيع الآخرين مثلها وتضامنهم جميعاً معها، وهو ما لا تريده الإدارة الأمريكية أبداً، وما لا تريده أنظمةٌ أخرى كثيرة، دولية وإقليمية، ممن يستشعرون الخطر من انتصار المقاومة الفلسطينية، وثباتها أمام الغارات الإسرائيلية الأمريكية المهولة، فقد يهدد انتصارها أنظمتها الحاكمة، ويعرضها للفوضى أو الثورة عليها من جديد.

لكن الإدارة الأمريكية باتت محرجة وقلقة من ضراوة الغارات الإسرائيلية، وحجم الدمار وعدد الضحايا، وبشاعة الصور المتناقلة عبر الوسائل الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي تفضح الممارسات الإسرائيلية، وتكشف عن جرائمها ضد الإنسانية، ومجازرها الدموية وعمليات الإبادة الجماعية لشعبٍ بأكمله.

وزاد في حرجها الحراكُ الشعبي الأمريكي والدولي الواسع المناهض للحرب، والرافض للسياسة الأمريكية المؤيدة لها والداعمة للكيان، وبروز أصوات مؤثرة في مجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، تدين سياسة الرئيس بايدن، وتدعوه لمراجعة قراراته وتغيير سياساته، فضلاً عن دخول محكمة العدل الدولية على مسار الحرب، والتي قد يكون قرارها الذي سيصدر اليوم الجمعة، نقطة تحول وعلامةً فارقةً في مسلسل العدوان والجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني.

وأمام عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق النصر وإنجاز الأهداف التي أعلن عنها، وأكد عليها وجدَّدَها وغَيَّرَها أكثر من مرةٍ، أمام صمود المقاومة الفلسطينية واستبسالها، وثباتها على الأرض وقدرتها الفذة في الميدان، فإن الإدارة الأمريكية تخطط للخروج من مأزقها الأخلاقي والإنساني، وتجاوز تحدياتها الداخلية والخارجية، وذلك من خلال إصرارها على مواصلة الحرب وتشديد الضغط وعدم التراجع، لكن على أن تأخذ الحرب شكلاً آخر وأسلوباً مختلفاً، فتنتقل إلى المرحلة الثالثة التي بشرت بها ودعت الحكومة الإسرائيلية للقيام بها، والتي تقوم على تحسين الصورة الخارجية، وإدخال المؤن والمساعدات، والتخفيف عن السكان، في الوقت الذي تتركز فيه العمليات وتتكثف، ضد أهدافٍ معينة وشخصياتٍ محددة، ومقار ومراكز وقواعد خاصة بالمقاومة، وهذا يعني أنها تريد تنظيم العمليات الحربية وإدارتها، وتوجيهها وترشيدها، بما يعني استمرار الحرب وإطالتها، وإشراك دول العالم والإقليم فيها، وصولاً إلى تحقيق الأهداف التي تريدها، وهي بقاء الكيان وهزيمة المقاومة.

محكمة العدل الدولية عنوانٌ صائبٌ وسهمٌ غيرُ خائبٍ
رغم أن البعض يرى أن محاكمة الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية محاكمة صورية شكلية لا أكثر، وأنها لن تفضي إلى أي قرارٍ يدينه أو يمهد لمحاكمته أمام محكمة الجنايات الدولية والمحاكم الوطنية الأوروبية وغيرها، كما أنها في حال إدانته فإن قراراتها ستسقط وستنهار في مجلس الأمن الدولي، المخول باتخاذ قرارات تحت مختلف البنود، وذلك أمام الاستخدام الأمريكي والبريطاني المؤكد لحق النقض "الفيتو"، الذي سيحول دون تحويل قرارات المحكمة إلى قراراتٍ دوليةٍ ملزمة، وسيمنع المجلس من اتخاذ قراراتٍ عقابية ضد الكيان في حال إصراره على مواصلة جرائم الإبادة ضد الفلسطينيين، وعدم امتثاله لقرارات المحكمة بوقف العدوان وإنهاء حالة الحرب المعلنة على قطاع غزة.

علماً أن بعض المهتمين يشككون بخوفٍ وقلقٍ، أو بظلمٍ وبغير حقٍ، أو بجهالةٍ وسوء نيةٍ، في نوايا لجوء دولة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل العليا، ويرون أنها قامت بهذا الدور بالتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لإخراج الكيان الصهيوني من مأزقه، وفتح آفاق له آمنة لينزل عن الشجرة التي تسلقها ولم يعد قادراً على النزول عنها، أو تحقيق الأهداف التي أعلنها، ولعل القائلين بهذا الرأي الذي يفتقر إلى الحكمة والعقل، ويعوزه الإنصاف والشكر، يفتئتون على دولة جنوب أفريقيا، ويعتدون عليها، وينتقصون من دورها الرائد الشجاع والمميز، الذي انبرت للقيام به في ظل عجز وتراخي أو تخاذل الآخرين.

الحقيقة أن دولة جنوب أفريقيا قد قامت بهذا الدور إيماناً منها بعدالة القضية الفلسطينية، وحرصاً منها على الشعب الفلسطيني ومصالحه، وإدراكاً لحجم الظلم الذي تعرض له على أيدي الكيان الصهيوني العنصري البغيض، الذي ساندت حكوماته نظامهم العنصري السابق، الذي فرق بينهم وظلمهم، واضطهدهم وصادر حقوقهم، وبغى عليهم وقتلهم، ومارس حروب الإبادة ضدهم، وكان سبباً في محنة أجيالهم وعذاب أبنائهم، ولعله أصابها وسيصيبها غضبٌ أمريكي وربما عقوباتٌ أمريكية على ما قامت به وأقدمت عليه.

أكاد أجزم أن المحكمة الدولية قد حققت منذ أن قبلت الدعوة ضد الكيان، وحددت موعداً للنظر فيها، أهدافاً كثيرة كنا سنكون عاجزين عن تحقيقها بأنفسنا، لولا هذه المنصة الدولية الأممية العالية، التي تمتلك قدراتٍ وإمكانياتٍ وفضاءً لا نملكه، ووسائل وأدواتٍ وأبواق ومنصات وأنظمةً وقوانين نفتقر إليها، وسوابق قضائية وسجلاتٍ حقوقية، يمكنها المساهمة في عزل الكيان وحلفائه، وفضح ممارستهما وتعرية سياساتهما، وما كانت دولنا العربية والإسلامية لتقوى، ولو تجرأت وأرادت، على القيام بما قامت به المحكمة ويسرته، رغم أنها خافت وامتنعت، وتخاذلت وقصرت، أو رفضت قصداً وعطلت عمداً، وبعضها رفض تأييد الدعوة، ونأت بنفسها عن الانحياز للحق العربي الفلسطيني.

فأن يساق الكيان الصهيوني إلى المحكمة الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وهي جريمة ضد الإنسانية، تتنافى وقيم الحضارة ومفاهيم التقدم والحداثة، وتتناقض مع دعاوى المظلومية والاضطهاد، يعتبر كسبٌ جديدٌ في مضمار الصراع معه، وتأكيد على إجرامه المبيت وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني.

وأن يرى المستوطنون الإسرائيليون أن كيانهم الذي يدعي الأخلاق، ويقاتل من أجل قضايا الحق، حمايةً لهم ودفاعاً عن العالم كله في وجه الداعشية الفلسطينية التي ادعاها رئيس حكومتهم، وضد قوى الدولة الإسلامية الجديدة التي وصفت حكومته حماس بها، يساق إلى المحاكمة من قبل المجتمع الفلسطيني، بذات التهمة التي صدع بها رأس حكومات العالم وأنظمته، وهو الذي ما فتئ يبتزها ويجبرها على الاعتذار والتعويض.

وأن تقوم المحكمة الدولية بالاستماع إلى مرافعة دولة جنوب أفريقيا في جلساتٍ علنيةٍ مكشوفة، تستمر لأكثر من ثلاثين ساعة متوالية على مدى يومين كاملين، تبثها آلاف المحطات الفضائية الدولية، مترجمة بكل اللغات العالمية، وتنقل خلالها بالصوت والصورة والدليل والبرهان الجرائم الإسرائيلية، وحرب الإبادة الشاملة التي تشنها ضد قطاع غزة، في ظل محاولات التعتيم المقصودة التي يقوم بها العدو، ومحاولات التشويه وطمس الحقائق وتغيير الوقائع التي يتعاون فيها العدو مع الإدارة الأمريكية وحلفائه في المنطقة.

وأن ترى دول العالم بأم العين عبر فضائياتها الوطنية ووسائل إعلامها الخاص، حجم الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، وتعرف يقيناً بالأدلة والشواهد التي لا تقبل التزوير والتزييف، أن حكومة الكيان الصهيوني قد قامت بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وسلطانها بحصار الشعب الفلسطيني وتجويعه، وأنها تعمدت قتله وتعطيشه، وأنها دمرت مستشفياته ومدارسه، وأسواقه معامله، ومخابزه ومخازن مياهه، وأنها تعمدت قتل الأطفال والنساء والمدنيين الآمنين اللاجئين إلى مراكز الإيواء والمدارس والمؤسسات الدولية المحمية بالقوانين المرعية الإجراء.

لن يصدق أحدٌ الرواية الإسرائيلية، ولن ينفع كيانهم دعم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لهم، ولن تجدي محاولات ألمانيا الانضمام إلى فريق الدفاع عنهم، ولا انضمام غيرها من الحكومات والأنظمة المتواطئة، وستكشف مداولات المحكمة وجلساتها أن "إسرائيل" كيانٌ عنصريٌ مجرمٌ قاتلٌ، وأن محاكمته واجبة، ومعاقبته ضرورة، والتصدي له حق، والوقوف في وجهه خُلق، وأن من يقف معه شريكٌ له في الجريمة، ومدانٌ مثله في العدوان، ويتحمل معه كامل المسؤولية، ويستحق مثله المحاسبة والعقاب، فلا نستخف بها ولا نكسر قوسها، ولا نثلم سيفها، فقد يصيب وسهمها.

الكيان الصهيوني أمام منصة القضاء الدولي
قد لا يؤمن البعض بالمؤسسات الدولية، وقد يستخفون بمحكمة العدل ولا يرجون منها خيراً، ولا يتوقعون منها عدلاً، ويعتبرون اللجوء إليها مضيعةً للوقت واستنزافاً غير مجدٍ للجهد، وقد يكونون على حقٍ في رأيهم، فهي في نظرهم لا تختلف عن أيٍ من مؤسسات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، التي تخضع كلها للنفوذ والهيمنة الأمريكية البريطانية، التي تتدخل في قرارتها وتعيين قضاتها، وتفرض أجندتها، وتثبت فيها وتشطب منها ما تريد، وتمارس الضغوط على قضاتها، وتتحكم في مسارات القضايا قبولاً أو رفضاً للشكل والمضمون، وتبتزها بالمساهمات المالية لترغمها على الخضوع لها والالتزام بسياستها ومحدداتها.

لكن على الرغم من النماذج السيئة التي تظهرها المؤسسات الدولية بما فيها محكمة العدل، والقرارات الاستنسابية التي تصدرها، والازدواجية الفاضحة في قراراتها وسير تحقيقاتها، وغياب المهنية والشفافية في الملفات المرفوعة إليه، وخضوعها للسياسة على حساب القانون، فإن لمحكمة العدل الدولية التي يعترف بها الكيان الصهيوني، سابقة قضائية مهمة ولافتة، إذ دانته في تموز من العام 2004، عندما نظرت في شرعية جدار العزل الذي بنته الحكومة الإسرائيلية وفصلت بين مناطق الضفة الغربية والقدس، واعتبرته شكلاً من أشكال العنصرية، وطالبت بإزالته، كما اعتبرت المستوطنات الإسرائيلية المشادة على أراضي الضفة الغربية مستوطناتٍ غير شرعيةٍ، ودعت إلى تفكيكها، والانسحاب من الضفة الغربية التي اعتبرتها أرضاً محتلة.

وانطلاقاً من قاعدة أنه ينبغي أن نقاوم العدو الإسرائيلي بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، وألا نستخف بأي وسيلةٍ مهما كانت بسيطة أو شكلية، وألا ندخر أي شكلٍ من الأشكال التي من شأنها فضح العدو وكشف حقيقته، وتسليط الضوء على عدوانه وإبراز جرائمه، فإنه من الكياسة والحكمة والعقل المضي في هذه المحاكمة ودعمها ومساندتها، وتأييد دولة جنوب أفريقيا في خطوتها الرائدة الشجاعة، فقد يصدر عن هيئة المحكمة سابقة قضائية قانونية جديدة، نستطيع أن نبني عليها، وأن نواصل محاكمة الكيان الصهيوني بموجبها، علماً أن الذي يمثل تحت قوس العدل الدولية، ليس فقط الكيان الصهيوني، وإنما يمثل معها حلفاؤها الكبار كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الذين سيدانون بإدانة ربيتهم المدللة وصنيعتهم المضلة.

بعيداً عن قرار المحكمة وأياً يكن، مؤيداً القضية الفلسطينية أو ضدها، ومنصفاً للشعب الفلسطيني أو ظالماً له، فإن مجرد مثول الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة الجماعية أمام المحكمة التي يفتخر بأنها أنصفت الشعب اليهودي وأيدته، وناصرته في قضيته، وحاكمت المتورطين في محرقته، ونظرت في نفس المسألة المرفوعة اليوم أمامها، وهي الإبادة الجماعية التي يدعي أن اليهود قد تعرضوا لمثلها وعانوا بسببها، فوقف المجتمع الدولي معهم وأيدهم، وما زال يدفع لكيانه تعويضاً لهم وتكفيراً عما ارتكبه بعض قادتهم ضدهم، إلا أنها اليوم تمثل أمام ذات المحكمة وبذات التهمة التي حاكمت بها المجتمع الدولي.

كما أن جلسات المحكمة تبث على الهواء مباشرة لأكثر من ثلاثين ساعة متوالية بلغات العالم أجمع، وهي تستمع إلى مرافعة محامي دولة جنوب أفريقيا الذين أعدوا عدتهم، وحضروا ملفاتهم، واستعدوا لجلسات المحكمة بالصوت والصورة التي حاول قادة الكيان الصهيوني أن يخفوها ويطمسوها، وأن يغيروها ويزوروها، مما سيتيح للعالم كله أن يرى الجريمة الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بالصورة الموثقة والصوت والدليل والبرهان، ليقف العالم الذي يدعي الإنسانية والحضارة على مسؤولياته القانونية والأخلاقية والإنسانية.

ولولا أن العدو الصهيوني يدرك أهمية هذه المحكمة وخطورة قراراتها، ومدى تأثيرها على صورته ومصداقيته، وأنها قد تكشف للعالم كله ولمستوطنيه حقيقة جرائمه، وفداحة ما ارتكبه جيشه ضد الشعب الفلسطيني، وأنه فعلاً قد ارتكب مجازر جماعية ونفذ جرائم إبادة ضد البشرية بقصدٍ ونيةٍ مبيتة، وأنه تعمد تنفيذ جرائمه وفق مخططاته القديمة والجديدة، وأنه قد يدان ويفضح، ويقدم للمحاكما ويعاقب، ولهذا قرر تكليف عددٍ من كبار محاميه ورجال القانون الإسرائيليين والدوليين للدفاع عنه، ورد الاتهامات الموجهة ضده.

كما أن حلفاءه الدوليين كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، بدأوا يتحسسون الخطر من قرارات المحكمة، ولهذا صبوا جام غضبهم عليها، واتهموا قضاتها، وشككوا في اختصاصاتها، ونفوا التهمة ابتداءً عن الكيان الصهيوني، واعتبروا أن هذه المحاكمة باطلة قانوناً وفاسدة حكماً، وأنه لا يجوز محاكمة الكيان الصهيوني بتهمة الإبادة وهو الذي يدافع عن سلامته وأمن مستوطنيه ويتعرض من محيطه لها.

في الوقت الذي نشكر فيه جميعاً دولة جنوب أفريقيا، ونشيد بشجاعتها وجرأتها وأخلاقها وإنسانيتها، فإننا نهيب بكل الأنظمة العربية والإسلامية، والمؤسسات الدولية والأممية الحقوقية، أن تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في هذه القضية، فهي لا تكلفهم دماً أو مالاً، ولا تضحيةً أو عناءً، وإنما تكلفهم دعماً ومساندة، وثقةً وإيماناً بعدالة القضية الفلسطينية ومظلومية شعبها.

إن أي سلاحٍ يوجع العدو الإسرائيلي ويؤلمه هو سلاحٌ جادٌ وفاعلٌ، فلا نفرط فيه ولا نستهين به، فقد تكون آثاره المرجوة ونتائجه المأمولة نقطة تحولٍ في الضمير الدولي نحو وقف الحرب والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، ومحاكمة الكيان الصهيوني وقادته كمجرمي حربٍ، وإنصاف الشعب الفلسطيني وتعويضه عما أصابه ولحق به.