يتابع الكاتب العراقي هنا متغيرات الساحة العراقية وما يدور فيها من تجاذبات تتسم في كثير من الأحيان بطابع من العنف والدموية، وتحكمها المحاصصات الطائفية منذ الاحتلال الأمريكي البغيض، الذي تحتاج إلى التخلص منه، ومن آثاره الباقية في العراق.

السياسة تتدحرج نحو الهاوية.. ومصير العراق على المحك!

عصام الياسري

 

على ما يبدو أن التداعيات السياسية في أنحاء البلاد سيما منذ إزاحة الحلبوسي عن رئاسة البرلمان العام الماضي، مرورا بانتهاء انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة في العراق وإقرار المناصب في أغلبها، ولا زال البعض الآخر يراوح في مكانه، انتهاء، بتداعيات حرب غزة والصراع العراقي الأمريكي حول قوات التحالف. ستجعل العراق أن يتجه نحو تحول سياسي كبير ربما يشكل مستقبل العراق، وسوء الأوضاع السياسية والمجتمعية والاقتصادية واشتداد الصراعات ما بين القوى العراقية ذاتها.

يذكر أن توزيع مقاعد الحصص (للأقليات العرقية والدينية) بسبب نظام الكوتات، يتم بين المحافظات على أساس التوزيع الجغرافي للأقليات. وقد تم تخصيص مقعد واحد في بغداد للمسيحيين والمندائيين والشبك على التوالي، بينما في نينوى تم تخصيص مقعد واحد لكل من المسيحيين والإيزيديين والشبك. وأخيرا، تخصيص مقعد واحد للمسيحيين في البصرة، والأكراد في واسط، والمندائيين في ميسان، والمسيحيين في كركوك.

ويتمتع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني كما تشير المعلومات بشعبية لا بأس بها. إلا أن الأحزاب التي دعمته ذات يوم تنظم صفوفها لإسقاطه. فالائتلاف الحاكم في العراق يعتزم الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة في محاولة لإقصاء رئيس الوزراء السوداني. رغم أنه ينتمي إلى إطار التنسيق، وهو تحالف من الأحزاب الشيعية الموالية لإيران. لكن بعد توليه رئاسة الوزراء، غير السوداني نهجه تجاه الأحزاب، واختلف مع الكثير من مواقفها السياسية.

وعلى ما يبدو أن أحزاب الإطار التنسيقي تخطط منذ حوالي خمسة أشهر لإجراء انتخابات. ويتداول بين الأوساط والمحللين إلى أن الخطة هي احراج رئيس الوزراء والتقليل من إنجازاته شعبيا وخلق المزيد من المشاكل السياسية والاقتصادية وبعدها سيخرج الشارع العراقي يطالب الحكومة بالدعوة إلى انتخابات مبكرة. وتقول بعض المصادر، إن السوداني لن يرشح من قبل الإطار مرة أخرى أو يمنح أي منصب. إلا أن "تحالف الإطار" يخشى من أن يعلن السوداني تشكيل حزب أو تحالف سياسي جديد ويخوض الانتخابات المقبلة ويصبح الأغلبية السياسية الحاكمة في العراق.

وترتكز الخلافات بين الإطار التنسيقي والسوداني في جوهرها كما تشير بعض المصادر، بموافقته على سياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لمنع تهريب العملة. مما أدت هذه الإجراءات إلى خفض تداول الدولار الأمريكي في العراق وزيادة سعره. ايضا تنفيذه السياسات التي عززت شعبيته، حيث قام بزيادة الرواتب الحكومية وأجور المتقاعدين، وأطلق مشاريع تنموية في العاصمة والعديد من المحافظات العراقية، وأعلن عن خطط لتحسين البنية التحتية وتوسيع شبكة الطرق في البلاد. ووفقا للإحصاءات الرسمية، نجح السوداني أيضا في خفض معدلات البطالة وإصدار قانون الضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع الخاص ووضع خطة لبناء المدارس والوحدات السكنية...

وبينما يمر العراق بأوضاع سياسية وأمنية واقتصادية غير مستقرة، والسوداني لم يتمكن وحكومته الالتزام في البرنامج الحكومي الذي أعلنه بعد حصوله على ثقة البرلمان. ستواجه الانتخابات فيما إذا تمت، العديد من التحديات السياسية واللوجستية والفنية. أحد التحديات البارزة هو مقاطعة التيار الصدري، بقيادة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، إلى جانب العديد من القوى المدنية التي انبثقت عن احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019. وبالإضافة إلى تصاعد الأوضاع في البلاد عقب قرار الحزب الديمقراطي الكردستاني مقاطعة الانتخابات، والتهديد بالانسحاب من العملية السياسية، هناك قوى شعبية أخرى تعرب عن عدم ثقتها بنزاهة العملية الانتخابية.

الإعلام بين صنف السياسة والرقابة المشددةّ!
في أغلب الدول المتحضرة ينص القانون الأساسي ساري المفعول على ما يلي: «تكفل الدولة حرية الصحافة والنشر والإبلاغ السمعي بصري ـ الإذاعة والتلفزيون، أيضا المقروء والصورة». إنما في بلد كالعراق لا يجد مئات الصحفيين الذين يعملون على هذا المبدأ، مكانا لمهامهم الحقيقية بين أوساط المجتمع، بسبب حركة الرقابة المتشددة لمنع انتشار الحقيقة.. والسؤال: متى يأتي اليوم الذي كان أصحاب المهنة يحلمون بحرية المهنة واحترام القانون؟

يبدي العديد من الخبراء القانونيين والإعلاميين وآلاف القراء العراقيين من الصنف المتابع لمجريات الأحداث والأزمات وتداعياتها التي لم تتغير في بلادهم لأكثر من عقدين، امتعاضهم من استخدام صاحب القرار الرقابة المفرطة بحق الصحفيين وتقييد حريتهم الإعلامية بموجب قوانين قديمة التاريخ وتقارير كيدية مطيعة. وفيما هناك وسائل إعلام لا تلتزم الشفافية في أداء واجبها الصحفي ولا تخضع للرقابة الذاتية التي تشترط الحقيقة والأمانة والصدق. أصبح مبدأ، "الصحافة لأجل مصالح الحزب" منهجا، يقتضي لأن تتدبر وسائل الإعلام ذات التبعية السياسية بيئة غالبا ما يكون فيها الوعي الإخباري محدودا بشكل حاسم. بذلك يتم وأد كل دفعة توجيه أو انتقادات من لدن المعارضة الشعبية وبعض وسائل الإعلام لأصحاب السلطة في مهدها.

وإذا ما تحدثنا عن حرية التعبير والرأي بموجب الأحكام والقوانين، "شبه العرفية" التي تطبق للأسف في زمن السلم، يشعر الصحفيون وأصحاب الفكر دائما وكأن الرقابة جاهزة على وضع "المقص فوق الرأس" مع إنتقاص للتوصيات والمبادئ التوجيهية التي ينص عليها أحكام الدستور والقوانين التي تحرم حظر حرية التعبير ومصادرة الرأي، أو سوء سلوك من أي نوع يهدد بالسجن أو الشطب المهني.

منذ تأسيسها بعد احتلال العراق، تعكس بعض وسائل الإعلام "المرئي والمسموع والمقروء" التابعة للأحزاب، في المقام الأول، مصالح أحزاب السلطة وتكتل النخب السياسية والطائفية وشركائهم التجاريين. مسلك مثير للقلق، لكنه بالتأكيد يجسد إشكالية الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام "التابعة" تلك، لتضليل الرأي العام. والأخطر الدور الذي يمكن أن تلعبه باسمها لتصعيد الأزمات وإثارة أفراد المجتمع سياسيا وعقائديا. في ظل هكذا معايير وسلوكيات ونظام التعتيم الإعلامي واحتكار الأخبار وعدم وجود مؤسسات بحثية يرجع إليها الإعلامي خلال أداء عمله المهني. لم يبق أمام الصحفي سوى أن يفكر في النتائج الوظيفية الاجتماعية السلبية، خاصة وأن العراق لا زال يعاني من سلبيات التحول السياسي، ومجتمعاته المتنوعة لم تجد لنفسها مكانا بين أصحابها المعنيين على مستوى الانتماء "العرقي والطائفي والقومي" وحتى أحيان في مثالية المصالح والحقوق الشخصية والتطبيق الفعلي لممارسة العمل والتدرج الوظيفي والتكيف مهنيا ومعيشيا مع المحيط المجتمعي.

نعتقد أن الكثير من الصحفيين ووسائل الإعلام العراقية لا زالت غير مؤهلة لأن تحسن الفعل فيما يخدم المصالح العامة للدولة والمجتمع. وعلى ما يبدو أن الكثير من الصحفيين لا يضعون مكانة لازمة في محيطهم المهني للجزئيات المجتمعية ومحرماتها السياسية. والأسوأ، أن أغلب الإعلاميين

ليسوا سوى أداة طيعة في يد كبار رجال الأعمال والنخب السياسية، الذين ليس لديهم فقط، الأدوات العقائدية، إنما المال والسلطة، لكن أيضا، الترويج عبر وسائل إعلام متطورة وأبواق إعلامية مأجورة. يتأكد من ذلك، أن بنية ونشأة هذه الطبقة هي المشكلة التي تواجه التحول الديمقراطي. وإن التوازي الإعلامي المباشر، هو مزيج من جماعات سياسية ذات مصالح فئوية مشتركة، تروج لها بشكل واضح أبواق يمولها القطاع الخاص ويتم تشغيلها في الغالب من قبل رجال الأعمال، حيث كثيرا ما تتداخل المصالح السياسية والاقتصادية.

من جانب آخر، ليست هناك ضمانات لأن تكون وسائل الإعلام العراقية غير الحزبية والمملوكة للدولة، حرة. لكن من الواضح هناك ضغوطات تتعرض لها، ويحتمل أن تشكل بعض المحرمات فزاعة لملاحقة محرريها وتعرضهم لقانون (المستوى الهابط) سيئ الصيت. وفي أكثر الأحيان لا يفهم بأن وسائل الإعلام أجهزة عامة للتعبير والتوعية المجتمعية، يوضع لها في الدولة المدنية معيار مجتمعي وثقافي خاص، على أساسه يحرم مساءلة أو اعتقال أو ملاحقة الصحفي سياسيا، إلا في العراق ديوان القسوة والظلم مفتوح على مصراعيه طالما الصراع لأجل الحقيقة لم ينته بعد.!

العراق وعودة الاغتيال السياسي من جديد!
فيما يطالب الرأي العام العراقي، إلى ضرورة تقارب الفعاليات السياسية للتفاعل مع جهود الحكومة لإعادة الإعمار وتحقيق السلم المجتمعي والاستقرار الاقتصادي والأمني. أيضا، تسريح ودمج الميليشيات الشيعية القوية، التي تشكلت خلال القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، في قوات الجيش والأمن العراقية، يواجه العراق توترات مستمرة بين قوى الإطار التنسيقي و "الحكومة المركزية" من جهة، وبينها وحكومة إقليم كردستان شمال العراق، التي تضغط لتحقيق ما تم الاتفاق عليه مع الإطار قبل تشكيل حكومة السوداني من أجل قدر أكبر من المكاسب والحكم الذاتي. كما يواجه منذ بدء حرب "الإبادة الجماعية" التي يمارسها الكيان الإسرائيلي على قطاع غزة واستمرار قتله للأبرياء في الضفة الغربية، تحديات بشكل كبير، بسبب استهداف القوات الأمريكية في غرب وشمال البلاد، من قبل الجماعات المسلحة الموالية لإيران، وتصعيد القتال ضدها والمطالبة بطرد التحالف والقوات الأمريكية من العراق. وكان الجيش الأمريكي قد قام رسميا في أواخر أبريل 2018، بحل القيادة التي تشرف على القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، معلنا انتهاء العمليات القتالية الكبرى ضد الجماعة. وبقي ما يقرب من 2500 جندي أمريكي في العراق بدعوة من الحكومة العراقية كجزء من مهمة لتدريب وتقديم المشورة ومساعدة الجيش العراقي في مكافحة الإرهاب المحلي. إلا أن ما يسمى بفصائل المقاومة العراقية تعتبر الوجود الأمريكي في العراق مدعاة لعدم الاستقرار.

وفيما تشهد الساحة العراقية إلى العديد من التوترات الطائفية المستمرة بين المنظومات السنية والشيعية والكردية من جهة، فضلا عن توتر العلاقة بين القوى الكردية في شمال العراق والحكومة المركزية في بغداد من جهة أخرى. يتعرض العراق إلى التفكك وتفاقم الوضع وصعوبة إيجاد حلول موضوعية للازمة العراقية برمتها. بيد أن تفاقم التوتر الطائفي سوف يبتلي المنطقة لسنوات قادمة، وربما يتوسع إلى صراع بالوكالة بين مختلف المجموعات الدولية، يهدد الاستقرار في المنطقة والعراق إلى تحديات خطيرة.

وكان السوداني قد وعد بإعادة البلاد إلى الحياة الطبيعية واتخاذ نهج مدروس من خلال التعبير عن رغبته في مكافحة السلاح المنفلت ومحاربة الفساد وتطبيق العدل والقانون مع تحقيق سياسة "التوازن والانفتاح" المجتمعي بما في ذلك تأمين حقوق المواطنين وحرية التعبير والرأي. لكن وللأسف لم يجر تحقيق شيء من هذا القبيل... قد يكون السوداني وحكومته، معذورا، في ظل تراكم التحديات والتوترات الداخلية والخارجية. لكن العراق مع عودة جرائم القتل السياسي من جديد: يبدو لا عدالة فيه لمقتل متظاهري تشرين، ولا لغيرهم من المواطنين الأبرياء. فيما يتم انتهاك وعود المساءلة مع إطلاق سراح القتلة المرتبطين ببعض الفصائل المسلحة والقوى والأحزاب السياسية...

منذ مجيء طبقة سياسية عام 2003 لاستلام السلطة والدولة معا، لا زال العراقيون يحلمون بالأمن والاستقرار والحياة الفاضلة بعد أربعة عقود على نظام حكم بعثي ديكتاتوري، كانوا يعانون من ويلاته وحروبه والظلم والتشريد والتمييز... ستة عقود عجاف "نام القانون وصانع القرار" على أنقاض ماض لم يتسامح مع مواطنيه وإنصافهم، على الأقل، تحقيق الأمن والاستقرار ونكث دوامة الرعب والخوف عن كاهل مواطنيه. أو العمل على إنشاء عقد اجتماعي يرتقي بمستوى الاحتياجات العامة للدولة والمجتمع ويلغي عقدة تأنيب الضمير في عصر جديد. لكن على ما يبدو، أن حالات محددة من جرائم الاغتيال والخطف والاعتقال تعود من جديد إلى الواجهة السياسية في العراق، استهدفت نشطاء مدنيين وشخصيات وطنية وديمقراطية ومثقفين وإعلاميين وأصحاب فكر، دون معرفة المنفذين ومن يقف ورائهم، وغالبا لا يخضع الجناة للمساءلة.

فما أن تتوقف جرائم قتل سياسي على يد أفراد وتنظيمات مسلحة، وتهدأ لفترة قصيرة الأزمات المعيشية التي يعاني منها المجتمع العراقي، إلا وتعود أعمال العنف والقتل والتفجير والهجمات الصاروخية من جديد، مستهدفا بالدرجة الأولى المدنيين. وليس خافيا أن القسم الأكبر من هذه الأعمال تقوم بها عصابات منظمة، تهدف إلى تعميق الشرخ الطائفي، الذي نشأ مع فشل تام للتجربة السياسية واشتداد الصراع على السلطة وغياب القانون وانتشار الفساد وانهيار شبه كامل للخدمات، مثل الماء والكهرباء والقطاع الصحي، وتدهور القطاع التعليمي وتفشي البطالة والفقر واستمرار مخيمات المهجرين. فيما شجع الإفلات من العقاب القتلة ومن يقف ورائهم على المضي في جرائم القتل السياسي والتمادي في زرع الفوضى وانتهاك القانون وتهديد أمن المواطنين، وفتح الأبواب على مصراعيها لارتكاب المزيد من الفساد وسرقة المال العام وممتلكات الدولة والاستحواذ على عقارات المواطنين تحت أساليب التهديد والابتزاز والقتل.

لكن السؤال: ليس، لماذا وكيف عادت القوى الظلامية لأساليب القتل من جديد؟. إنما السؤال من يقوم بتحريض هذه القوى المجهولة مدفوعة الأجر، على تنفيذ جرائم اغتيال سياسي في العراق!. على الحكومة العراقية برئاسة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تقع مسؤولية نشر معلومات لجان تقصي الحقائق في عمليات القتل والاختطاف والترهيب التي تطال العديد من المواطنين، ووضع خطوات واضحة تقلل من العقبات البيروقراطية التي تحول دون الوصول إلى المعلومة. أيضا، حث السلطات القضائية على نشر معلومات حول وضع التحقيقات الجارية لملاحقة مرتكبي أعمال العنف التي تعرض لها المواطنون. وبالتالي فإن هذه الجرائم البشعة، هي امتداد لكل جرائم القتل المنظمة بحق العشرات من الأكاديميين والمثقفين والإعلاميين العراقيين، مما يتوجب على رئيس الوزراء، أن يعمل على تحقيق العدالة التي لم يحققها أسلافه.