هو أقرب الى ديوان قصير وفيه قصائد تلتمع من ثنايا الشعر استعارات، الشاعر المصري حسن شهاب الدين وهو يختار التكثيف والقصائد القصيرة التي تلتقط تفاصيلها واليومي المرادف لانشغالات البصري وهو يرى ما يربط الأشياء "المعتادة" بالمجازات، محاولات تعيدنا الى أنماط الكتابة الشعرية كيف ما كانت رؤاها عمق الشعر في أسرار ما يكتب وفي لغته.

ديوان قصير

محاولةٌ لإمساكِ برقٍ

حسن شهاب الدين

 

اصْطِفَاء

تختارُ شاعرَها القصيدةُ

مثلما..

يختارُ بَحْرٌ للنجاةِ غريقا

 

ليذوقَ طعمَ الموتِ

ثمَّ يردَّه

فيعود..

لا تدري خُطاه طريقا

 

ظَمِئًا..    

غريبًا

ذاهلا عَنْ نفسٍه

يحتاجُ موتًا ثانيًا

ليُفيقا.

 

قصائد ليست شِعرًا

اقْرَأْ مَعِي الأشجارَ..

إذ وقفتْ هنا صَفًّا

على شرفِ الزحامِ السائرِ

 

وَاقْرَأْ شوارعَ تستحمُّ بشمسِها

وَاقْرَأْ رصيفًا..

ذاتَ يومٍ ماطرِ

 

وَاقْرَأْ نوافذَ

علَّقَتْ مصباحَها

كَفًّا تلوِّحُ للغريبِ العابرِ

 

هيَ ذي قصائديَ التي

أتقنتُها حِفظًا

روايةَ

شاعرٍ

عن

شاعرِ

 

الشِّعْر.

اكْتُبْه هَايْكُو

أو مُعلَّقةً لها سبعونَ بيتًا

أو رُباعيَّاتِ

 

اكْتُبْه حُرًّا

أو على ( مُتفاعلنْ فعلنْ..)

أوِ انْثُرْه على الصفحاتِ

 

اكْتُبْه فُصْحَى

أو بلثغةِ طفلةٍ

وَ بغيرِ نَحْوٍ

أو بلا كلماتِ

 

الشِّعْرُ مِرْآةٌ

بعدَّةِ أوجهٍ

والسِّرُّ خلفَ زُجاجةِ المِرْآةِ

 

حياة

هِيَ كِلْمَةٌ..

كبرتْ فصارتْ وردةً

فَشُجَيْرةً

فحديقةً

فقصيدَه

 

فإذا القصيدةُ عالمٌ

صخَّابةٌ فيه الشوارعُ

والوجوهُ عديده

 

طوبَى لصَوْتي..

وَهْوَ يغرسُ نبتةً من أحرفٍ

فإذا الحياةُ جديده

 

فَوْضَى

هيَ غُرفتي..

كتبٌ..

ونافذةٌ تُثرثرُ للطيورِ

وَ لَوْحتانِ

وَ مَكْتبُ

 

وَرَقٌ هُنا وَهناكَ

بابٌ نافذٌ للقلبِ

مِرْآةٌ لنا تترقَّبُ

 

أهلا قصيدتيَ الجديدة

إنَّني..

 - مِنْ ذي التفاصيلِ الصغيرةِ -

مُتْعبُ

 

رتَّبْتُها ألْفًا..

وَ حينَ دخلْتِها..

هبَّتْ بأجمعِها إليكِ

تُرَحِّبُ

 

عاشقٌ..

كُثْرٌ نسائي..

أيّهنَّ سأنْتقي

- ليلا -

لتصْحَبني إلى أُمسيَّتي

 

شقراءَهنَّ..

أم الطويلةَ..

أم تُرىَ تلكَ ابْنةَ العشرينَ

أم تلكَ التي..

 

أنا غارقٌ في الحُبِّ

كلُّ قصيدةٍ أُنثى

ولستُ بعاشقٍ مُتَزَمِّتِ.

 

رغيفُ شِعْرٍ طازج

الشِّعْرُ أسمرُ..

مثلَ سُمرةِ أرضِه

وَ كَقَمْحِها

وَ كأَوْجهِ البُسطاءِ

 

بالشمسِ نازفةً

على جبهاتِهمْ

والأرضِ..

في أيديهم الخشْناءِ

 

يأتي..

بِجِلْبابِ القصيدةِ

طارقًا أبوابَهمْ

في وَحشةِ الأبناءِ

 

يأتي..

شَهيًّا كالرغيفِ

وَ طاهرًا كَقلوبِهم

ليَلِيقَ بالفقراءِ.

 

طفولةً

في الأربعينَ الشِّعْرُ يبلغُ رُشْدَه

                             ويشيخُ في الخمسينَ ثوبُ مجازِه

 

فترَى قصيدًا لا يفارقُ أمسَه

                               وَ يسـيرُ مُـسْتـنـدًا على عُـكَّازِه

 

وأنا بلغتُ الأربعينَ..

وَ جُزْتُها

- وَقصيدتي للآنَ -

طفلٌ عابثُ

 

يلهو بقافيةِ ( الخليلِ )

وَ وَزْنِه

- عمْدًا -

ويُخْرِجُ للحياةِ لسانَه.

 

سهرةٌ

بودليرُ

أورْهانُ

ابْنُ بُرْدٍ

صاحبي الكُوفيُّ

نيرودا

وَ طاغورُ

 

الآنَ..

نقسمُ خُبْزَةً

وقصيدةً

والشايُ..

يُسكَبُ ساخنًا

وَ يدورُ

 

ومعًا ..

نُعنِّي ضاحكينَ

وَ رُبَّما ..

نبكي

وَ نشتمُ بعضَنا

وَ نثورُ

 

وَ نُديرُ ظَهْرًا للحياةِ

وَ ما بها

وَ بِأُفْقِ غُرْفتيَ الصغيرِ نطيرُ.

 

متاهة

الأمسُ بعدَ غدٍ

وَيَوْمي..

عشتُه من قبلُ

وَالغَدُ في انْتِظَارِ إيابي

 

دقَّاتُ ساعةِ حائطي ارْتَبَكَتْ

على أَثَري

فَسَالَ الوقتُ في أعقابي

 

لم يَكْفِني زَمَني الرتيبُ

فَزِدتُه

بالشِّعْرِ أزمانًا

بَغَيْرِ حسابِ

 

الوقتُ بابُ متاهةٍ

قد جُزْتُها بقصيدةٍ

وسوايَ خلفَ البابِ

 

 

بلا مجاز

الآنَ..

تُشْبهُني القصيدةُ

قامةً

وَ ملامحًا

وأنا أراكَ شبيهي

 

حرفًا

فحَرْفًا

كنتُ أُكْملُ صورتي

فإذا وجوهُ الناسِ

وَهْيَ وجوهي

 

انْزَعْ عن الشِّعْرِ المجازَ

ولَنْ ترى إلاكَ

تلكَ

( براعةُ التشْبيهِ )

 

دُمْيةٌ

قالوا..

له جِنٌّ يُعَلِّمُه

فَأَجَبْتُهمْ..

لي عَبْقَرٌ وَحْدي

 

قالوا إذَنْ يُوحَى له

فيرَى

ما لا نَرى

في صَعْقَةِ الطَّوْدِ

 

فَأَتَى بِه شِعْرًا لَدُنّيًّا

ما للقصائدِ فيه

مِنْ عَهْدِ

 

قلتُ : القصيدةُ دُمْيةٌ

وَ أنا حَطَّمْتُها

مُذْ كنتُ في المَهْدِ

 

فإذا مَلَلْتُ

نَثَرْتُها كِسَرًا

وَ تَرَكْتُكُمْ..

تَلْهونَ مِنْ بَعْدي.

 

هروبٌ

في اللَّيْلِ أهربُ والقصيدة

- تاركًا ظِلِّي على المِرْآةِ

حيثُ أكونُ -

 

إذْ سِنْدريلَّا

وَهْيَ - دونَ حذائها - تَعْدو

وَ قلبي خلفَها مفتونُ

 

وَ كَسِنْدِبادَ..

أجوبُ بَحْرَ حكايةٍ زرقاءَ

عُمْري..

ساحلٌ وَسفينُ

 

وأكونُ عُقلةَ إصبعٍ

في قصَّةٍ

أو ساحرًا..

أخْفَى بها

وَ أبينُ

 

في الليلِ..

تختارُ القصيدةُ وِجْهتي

حيثُ الأساطيرُ العِذابُ يقينُ

 

وَ أعودُ..

ها هيَ غُرْفتي

وَ أنا هنالكَ لم أزلْ

وَ العالمُ المجنونُ.

 

تَحْلِيقٌ

لا تَكْتُب اسْمَكَ

تَحْتَ كُلِّ قصيدةٍ

دَعْها تُحَلِّقْ..

فالسَّماءُ لَدَيْها

 

إنْ لَمْ تكُنْ فيها بروحِكَ ماثلا

هَيْهات لاسْمِكَ

أنْ يُضيفَ إلَيْها.