إنّ فنّ الكلام على اختلاف منابته البيئية ومنابعه الاجتماعية متّصلُ بالذّوق اللساني، واللسان مأخوذ بالنقلات والتلاعّبات التي تشبه الذبذبات المدغدغة للمشاعر، ولهذه المزيّة الإيقاعية صلة وطيدة بمفهوم الوزن الشعري ونشاطة الإيقاعي الذي هو عبارة عن تركيب نظام لساني يقوم على خصائص بنائية تولّد السرور والراحة في نفسي المتكلّم والمتلقّي معا. معنى الهايكو في الأصل الياباني: طفلُ الرماد وكذلك تعني كلّ كلام ممتع لائق بالحال،وهايك بمعنى مضحك أو ممتع، ومعنى : كو : الكلمة أو العبارة أو التعبير القصير على العموم.
المرجعية الفطرية للشعر الهايكو في البلاغة العربية:
أشار ابن سلام الجمحي إلى البدايات الشعرية المجتزأة وربطها بالانفعال العربي بحادث. كأن يكون متح الماء على رأس بئر أو رعي الإبل فيقول الشاعر البيت أو البيتين دون زيادة عليهما، ونرى في هذا الشكل الشعري ما يشبه بنية الهايكو من حيث التقاصر في القول وخلوه من موضوع التقصيد، فأوليات الشعر العربي كانت عبارة عن تسجيل لحظة معايشة للحياة، يقول ابن سلام الجمحي "ولم يكن لأوائل العرب من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حادثة وإنما قصدت القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم ابن عبد مناف"[1]ـ وهذا دليل على أن الاوائل من الأعراب كانوا ينفعلون بما يعايشونه من تجارب الحياة اليومية فيأتي كلامهم كتوقيعة متقاصرا، أما من الناحية الاجتماعية فإن المكون الثقافي العربي كان ما يزال في أدراجه الأولى وبدل ذلك كان التركيز على الغنائية أي التعبير عن الذاتية، ومن الشعر الذي يمكن اعتماده في هذه الخاصية نسوق النموذج الشعري التالي الذي يشبه بنية الهايكو الوترية تقريبا.
ومن قديم الشعر قول دويد بن زيد بن نهد حين حضره الموت[2]
اليوم يُبنى لدويد بيتُه لو كان للدهر بلًى أبليتُه
أو كان قرني واحدا كفيته يارب نهْبٍ صالح حويته
وربَّ غيل حسنٍ لويْتُهُ
ينبني شعر دويد على التخميس وعلى البساطة والوضوح والتعبير عن الذاتية، بحيث لا يحتكم إلى غاية موضوعية، وهذه بنية تسطيرية تتشكل من خمسة أسطر وهي بنية وترية بالإضافة إلى إيقاع تبسيطه والمجئ به على وزن الرجز والرجز ليس شعرا أو لنقل هو وزن يستطيع إليه العام والخاص.
فبنية هذا الشعر مشطّرة غير مبيّتة ودلالة هذا الشعر هي توجّه انطباعي أي التعبير عن شيئ أحسّ به بعيدا عن غاية موضوعية.
كما يبنى الموقف التعبيريّ السابق على إثارة جزئيّة ممتّنة بقوة انفعال القائل بالتعبير، ولو طال الخطاب ودخل في التكرير والتوكيد انحلّت قوة القول وجمالية الهَجس والهزّة، وإن هذا النموذج من الانفعال بالقول يمكن أن يوافق الفطرة الإنسانية على اختلاف بيئاتها الاجتماعية، ومن الظاهر للفكر أنّ الفاعليّة الاجتماعيّة في مثل هذا التّعبير تبدو ضعيفة التّفاعل الاجتماعيّ هل سيتحول الانفعال بالهايكو الياباني إلى خطاب شعري مطوّل كما صار الهاجس الأعرابي خطابا شعريّا مقصّدا بعد تحوّلات اجتماعية استدعت ذلك؟.
وممّا يدلّ على رسوخ بنية الاجتزاء في أوّليات الشعر العربي احتفال المدوَّنات الشعرية العربية القديمة بالبيت المفرَد يورده قائلة بمثابة انفعال لغوي بقيمة تعبيريّة معيَّنة:
عوجا على الطلل المحيل لعلنا نبكي الديار كما بكى ابنُ حذام[3]
يبدو أنّ امرأ القيس نحا منحى الإقلال في هذه الهجْسة الشعريّة، لذلك نحسب أن هذا البيت مستمدّ قيمته النقدية من إفراديته فهو يخاطب ويسمّي ابن حذام مع ترسيم لقيمة البكاء على الديار الفنّية التي أضحت مسطرة يعوج عليها ويتبعها كل شاعر.
وقد جاء شعر الهايكو بنسخته العربية على البنية السطرية الوترية الثلاثية ويعدّ الشاعر معاشو قرور[4] رائد هذه نحسة الهايكو في الجزائر بلا منازع .
يقول وامضا:
غربال أمي
من ثقوبه يسرب شمسا
بين يديها يرتجف
ينبنى هذا الشعر على التثليث، كما يخلو من الموضوعية وهو تصوير للحظة انفعال الشاعر بمشهد إمساك الأم للغربال، أي تسجيل لحظة آنية ليست لها علاقة بالماضي ولا بالمستقبل، إلاّ أن الشاعر يتطلع إلى الازورار بوظيفة الغربال التي انحسرت في غربلة القمح أو الدقيق لتتجاوزها إلى أفق جديد يكون قمينا بإقحام الشمس لتجديد وظيفة الغربال فتضحي ثقوبه مسرّبة للأشعتها ونورها المخترق لثقوب الغربال.
ويبدو كأن هذ الشعر قد اقتطع من كلام بقي مكتوما في النفس الشاعر أو هو كلام ظهر عليه البتر والاستئناف والاجتزاء دفعة واحدة، كلماته بسيطة واضحة فهو كلام قد يفهم ولا يفسر أي يصعب تفسيره، ووفق هذه الرؤية الشعرية الجديدة حاول الشاعر معاشو قرو من خلال برقيته الشعرية السابقة تجريد الدلالة من اعتياديتها والانحراف بالمعنى الذي استنفدته الصورة الشعرية المألوفة.
سمات الهايكو الياباني:ـ
الهايكو الياباني قصيدة بيت واحد مكونة من ثلاثة أسطر وموقّعة بسبعة عشر مقطعا لسانيا وقد تكون هذه طبيعة لسانية خاصة بخصوصية العنصر البشري الياباني فبنيتة تطلبت الانفعال في حدّ وزنها، إذ ينبني شعر الهايكو على كونه لحظة حاضرة عابرة خاطفة تستغرق فيها الذات القائلة في التأمّل والتفكير فيها بمعزل عن الماضي والمستقبل فتجئ على هيئة التقاط صورة من حيث سرعة التصوير وقصر التعبير.
يمكن نعت الهايكو بشعر المقطّعات التي سبقت القصيدة العربية قديما، فالعرب كانت تسمي القصيدة قصيدة إذا تجاوزت السبع أو العشر أبيات شعرية كما سمّت القصيدة العربية بالكلمة دلالة على الايجاز والتقصير لدى العرب بغرض الإيقاع، أما التطويل فهو للإفهام والتفصيل.
فالهايكو يعتبر تأوّها يجيش به صدر الشاعر، فيقذف على لسانه والفنّ وليد البيئة يخضع لخصوصيات نفسية واجتماعية وطبيعية وكان الرافعي قد عرّف الفصاحة بأنها عمل تبتدئه الطبيعة وتكمّله الوراثة.
وكاحتمال آخر يمكن القول: إنّ شعر الهايكو جاء قصيرا ملاءمة مع دواع عدّة كالبيئة والاجتماع والنفس، غير أن الفطرة يمكن أن تلائم بين مختلف التجارب الفنية وللشعر الهايكو علاقة بتاريخ اليابانين، وربما قيل الهايكو لاقتصاد الوقت قولا وسماعا في البيئة اليابانية التي تقدّر الوقت وتثمّنه كثيرا وقصره موافقا للخطاب الشفهي.
يمثّل شعر الهايكو بقصره بنيتة رمزيّة مشفّرة تفهم ولا تفسر، فشعر باشو رائد شعر الهايكو في اليابان عن الضفدع والبركة وصوت الماء مثلما أشارت الدراسات هو في أصله دعوة إلى تحيين الصورة الشعرية المتعارف عليها وتجديد مفهوم ربط صوت النقيق بالضفادع الذي يهيمن على الصورة التي سرت في أذهان الباحثين، لكن الشاعر باشو أراغ تسليط الضياء على صوت الماء لحظة تناثره للتعبير عن الابتهاج وشعور الاغباط المرتبط بقدوم فصل الربيع. حيث زحزح باشو الصورة الشعرية والدلالة المألوفة ونقلها إلى دلالة مستجدّة من شأنها أن توقظ وعي القارئ وحسّه.
تبدو لنا قصيدة الهايكو اليابانية هادفة إلى تصوير شعور جديد متجدّد يبعث على الفرح ويخرج عن نمطية التصوير باعتباره ومضة حدث. فهو ينبه إلى إثارة الموضوعات ولا يفسرها أو يفصل في معالجتها. كأن بنيته التعبيرية مستقطعة من عوالم نفسية مغيّبة لا تتضح وضوحا تاما.
ويكمن لشعر الهايكو بأن يسمى لدى اليابانين بالقصيدة، أما عند العرب فلا تتوافق تسمية القصيدة مع شعر الهايكو العربي لأن القصيدة العربية تخضع لبنية الجملة النحويّة حذفا وإضمارا تقديما وتأخيرا، أما شعر الهايكو الياباني فكان الشاعر فيه متطلّع إلى التغيير وإلى ابتداع صور جديدة مستجدّة تولد من رحم صور مـألوفة، فرضتها طبيعة الذات البشرية اليابانية المقتصدة للطاقة والجهد والوقت.
يجب أن تخضع النسخة العربية لشعر الهايكو لبنية الجملة النحوية العربية وهي تفتقر إلى هذه البنية التي تمنحها بصمة الشعر أو الفنّ العربي الأصيل، ويمكن توصيف شعر الهايكو بشعر النُتفة والإلماعة والهاجس والإبراقة لأنه شعر يأخذ لحظة واحدة من القول مثل ومضة التصوير أو لحظة التقاط صورة من الصور.
مميزات شعر الهايكو:
تلتقي الألسنة اللغوية على مبدأ الخفة والثقل، فالممتع هو كلّ ما يخفّ به اللسان عند النطق والمستثقل هو كل ما يثقل به اللسان ولا تلتئم حروفه في المنطق الواحد.
وقد تنبه البلاغيون من مثل حازم القرطاجني إلى جمالية الكلام المتقاصر فقال: والكلام إذا خفّ واعتدل حسن موقعه من النفس، وإذا طال وثقل اشتدت كراهة النفس له[5]، والنفس البشرية تنحو إلى كلّ ما لا يهدر وقتها وجهدها فتتفاعل معه استساغة واستظرافا واستطرافا وإيلاعا.
لا تلتقي نفسيات المجتمع على شيء كاجتماعها على مبدأ الفنّ، فالفنون هي اللغة الإنسانية التي يتقن تهجيتها لسان الإنسانيّة، واللغة العربية غنّية قبل اللغات الإنسانية الأخرى بالإحالة على التعابير التعجيبية التي تنتهي في أصولها إلى الحضارة الشعرية، لذلك وبالاستناد إلى هذه المرجعية الواقعية ألّف العقاد كتابا في خصائص العربية وسمه باللغة الشاعرة، أبان فيه عن القيمة الشعرية المطلقة التي تتوافر عليها الأساليب التعبيرية العربية.
الكلام الجميل لا يحتاج إلى التدليل على جماليته والفن يحمل جماله من ذاته وبذاته، والجمال يبرز وجوده نفسه بنفسه[6]، يقول رينيه وييليك: "هل يذكرنا الفنان بما لم نعد نحس ونعاين أم أنه يجعلنا نرى مالم نره على الرغم من أنه كان أمامنا طيلة الوقت."[7] والفنّ بقيمته الجمالية المطلقة لا يقبل التحليل الذي يفكّك خيوطه الإيقاعية، ومعظم الناس المتوافرين على تربية شعرية أو فنية على العموم ينفعلون بالتعبير الجميل في أي لغة تدوزنُ أسماعهم، والعرب تحتفل بالبلاغة وتتشرّف بعيونها مثلما تتشرّف بلبس السيوف، وحمل البنادق في المزاهي، وفي الكتب العربية التراثية ما يجمل آراءهم في فنّ القول الجميل والتغنّي بأثره الفاعل في النفس فعل المسكرات بالألباب.
يغري الهايكو بتقاصر تسطيراته، وتوافق مقاطعه، وخلوّه من الإغراق في الموضوعية كلّ صاحب حسّ، ومهارة ذوقية لسانية وذوقية سماعية لأنّ الكلام إذا جاء قصيرا تقبله الحسّ وزانه الاستخفاف، فإذا طال انحلّ رباطه وداخله التصنّع، وتقطع عقْدُ إيقاعه.
مواصفات بنية الهايكو التعبيريّة:
1 ــــ التقاصر أو الايجاز وقد عبّر الروماني عنه بالتعبير عن الغرض بعدد قليل من الحروف، وقال عنه الجاحظ نقلا عن حوار دار بين صحار ومعاوية بن أبي سفيان ما لبلاغة التي فيكم شيء يجيش في صدونا وتقذفه على ألسنتنا[8]، البلاغة هي الايجاز وما الايجاز هو أن تقول فلا تبطئ، وتجيب فلا تخطئ. ودلالة البطء هنا تدل على سرعة البديهة وانثيال الفكرة، والخطأ دال على سر الفصاحة وصحة اللسان.
2 ــــــ تفادي الاغراق في الموضوعية.
الإيهام وهو موضوع الأسلوب.
3 ــــــ الإطلاق والفجائيّة.
4 ــــــ الإيقاع الإغرابي.
5 ــــــ الإلماع والإبراق.
6 ــــــ الخلوّ من القصدية والغائيّة.
مجئ الكلام على الإقلال أي الايجاز
كسر السياق الأسلوبي
الكلام إذا جاء قليلا وقع وقوعا لا يجوز تغييره وليس الغرض من ذلك سوى المحافظة على انبصاميّة الإبداع الشعريّ، والكلام إذا قلّ استطاع الحسُّ الإحاطة بمقدّراته الفنية والدلالية، وإذا طال وامتدت عباراته دخل وصمة التصنّع، واحتاج إلى عقل يرتّبه.
والهايكو ليس سوى الغاية الفنّية التي قيل بها في إيجاز القول والانفعال بالعبارة. واللسان في جدّ ذاته بما هو آلة موسيقية يتحسّس كل لفظ جميل، ويغبط بالإيقاع الحسن.
وكان للشاعر العربي عميش ومضات حيث ربط الهايكو بشعر العربي من حيث الوزن إيقاع وزن الخبب:
يقول الشاعر العربي عميش[9]
للشاعر قلبان
قلب للذكرى وآخر للنسيان
ينبني هذا الشعر على أسلوب التضاد وقبله على الايجاز ولعلّ الذي يجعل شعر الهايكو حسن الموقع من النفس هو مجيئه على هيئة الإيجاز وعدم الاستطالة فيه، كما أنه جاء ليكسر رتابة الشعر ومخالفة طبيعة بنيته التشطيرية أو السطرية، فكان عبارة عن ومضات برقية خاطفة.
تنطلق الصورة الابداعية من شكل الاخبار إلى شكل التأثير "ومن ثم فإن ميزة المضمر هي أنه يأتي على القول في اللا مقول."[10]
نلاحظ على الشعر السابق كسرا في سياق أسلوبيه الناتج عن خرق الشاعر لمألوف القول حين قال: للشاعر قلبان لأن الشاعر الانسان يحمل قلبا واحدا لا قلبين، وبذلك يبث الشاعر في نفس المتلقي الشغف في اكتشاف علّة الخروج بالقول المألوف عن العادة لقول حازم: والقول الصادق إذا حرّف عن العادة وألحق به شيء تستأنس به النفس، ورغم مخالفة التعبير والحقيقة في السطر الشعري إلا أن المتلقي يتفاعل مع هذا الخرق الذي يعتبر استعمالا مبالغا فيه والأسلوب إنما يتحقق باحتكامه إلى سياق عاد زائد مفارقة.
ثم يقول الشاعر في السطر الثاني:
قلب للذكرى
وآخر للنسيان
يصّعد الشاعر من الانفعال ودرجة الانتباه التي تجعل القارئ يستغرق في تصوّر هذا الخرق والتساؤل عن طبيعة القلبين وكأن السطر الأول جاء لتأجيج الانفعال وتوتير القارئ والثاني دلّ على الاسترخاء والتأمّل، فقد جمع الشاعر العربي عميش بين المتنافرين بين الذكرى التي نحتفظ بها وبين نسيان وبين التذكر والتأمل وبين رغبة النسيان فشتان بين ما نتوق إلى تذكره وما نرغب رغبة جامحة في نسيانه.
يعدّ الشاعر معاشو قرور[11] رائد النسخة العربية لشعر الهايكو أول من قال هذا النوع من الفنّ في الجزائر، يقول في إحدى ومضاته الشعريّة:
ليالي الحصاد
لم أجالس قمرا
أبي في المقبرة
النسخة العربية من شعر الهايكو تفهم ولا تفسر والملاحظ على شعر الشاعر الوضوح والبساطة والسلاسة والملاءمة والنقاء والصحة وهي جميعها مقومات الأسلوب الرفيع.
يظهر الشاعر إخبارا غير ما يبدو أنه يخبرنا به، إنها رسائل وبرقيات تتضمن بوحا عن طريق ما تمّ إضماره "حيث أن ما يقبع تحت السطح فقط هو ما يمكنه أن يبقى غير معروف لزمن طويل، وهكذا تصبح الحقيقة مطابقة لما لم يقل، فالشاعر يتحدث عبر رسائل تبدو واضحة شكلا أو سطحيا غير أنها غامضة في عمّقها وعميقة في غموضها.
فالتعبير بلفظة ليالي الحصاد هي ليالي مفعمة بنسمات باردة لطيفة الاثلاج في صيف حارّ، ثم إنّ الشاعر قال ليالي الصيف لأن ليل الصيف ليس كنهاره، فلو استعمل الشاعر لفظة غيرها كلفظة أيام الصيف لبدت مستثقلة بحرراتها، ثم يقول:
لم أجالس القمر
حمل هذا السطر رمزا للمسامرة والاستئناس، وخاصة إذا كان الشاعر ممن دأبوا على النوم تحت ضوء القمر يتأملونه ليلا ويحادثونه حوارا وتبادلا لأطراف الحديث والمسامرة. ويختم الشاعر ومضته الشعرية بسطر شعري قصير:
أبي في المقبرة
جاء السطر الشعري ليحدث كسرا في سياق ليالي المؤانسة "ليالي الحصاد" ومجالسة القمر، تضمّن هذا السطر مشاعر الشوق والاشتياق والحنو والحنين، وصولا إلى التراجع عند التناهي، وإيصال رسالة فقدان الشاعر لمعنى المتعة والاستمتاع بنسمات الصيف الباردة ليلا وبالتسامر والتحاكي مع القمر بعد فقدان والده رحمه الله تعالى.
للقصيدة العربية تاريخ وأمجاد إلاّ أن لجوء الشعراء إلى تبنّي هذا النوع من الكلام بسرعة دون مسوّغات نقديّة أو بيئية أو اجتماعية يحدث ارتباكا في المنظومة الأدبية العربية قد لا يتقبله الذوق العربي، فليس لهذا الفنّ مقرؤية واسعة عند العرب لكونه جديد على الساحة الأدبية العربية، كباقي التجارب العربية كالرواية الفرنسية والمسرح اليوناني التي هي أقرب إلى اللسان العربي، إلاّ أن الذات المبدعة تقبل الخوض في هذه التجربة من باب الأدب الفطري الانساني.
وفي ختام هذا التعريف بشعر الهايكو بمرجعيتة وخصائصه يمكن الاشارة إلى أن شعر الهايكو قد يجد تقبّلا ومقرؤية في صفحات التواصل الاجتماعي ويمكنه نعته بأنه أدب فيس بوكي، كما أننا نرى بقدر محاولته لإثرائه للمقرؤية العربية إلاّ أننا نخشى من مزاحمته لخصوصية الشعرية العربية بالرغم من أنه يضيف زخما جديدا للثقافة العربية، إلاّ أننا نتوجّس من إمكانية فقدان الشعريّة العربيّة يوما ما مع الأزمة الإبداعية التي تخيّم على الانسان العربي خاصّة في علم الشعر، كما أننا نتمنى من أن تستفيد الّلغة العربية من هذا النوع من الفنّ لكن بتوقيعه على وزن الخبب حتّى يرقى إلى مستوى الفنّ الابداعي بكلّ مقوماته التشعيرية والجمالية.
جامعة الشلف/ الجزائر
مراجع البحث :
[1] ابن سلام الجمحي، طبقات الشعراء، اللّجنة الجامعية لنشر التراث العربي، دار النهضة العربية بيروت لبنان .
[1] معاشو قرور، هايكو القبقب، ط: دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2016.
[1] حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة ط:2، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان،1981.
[1] أفراح لطفي عبد الله، نظرية كروتشه الجمالية، التنوير للطباعة والنشر والتوزيع، 2011.
[1] رينيه ويليك وأستن راين، نظرية الأدب، ترجمة: محي الدين صبحي، حسام الخطيب، ط:2 المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت، 1981.
[1] الجاجظ، البيان والتبيين، ج: 1، ـ البيان والتبيين، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان، 1968 .
[1] عبد القادر فيدوح، بلاغة التأويل في الشعر الواصف، ط:1، دار الثقافة الشارقة، الامارات العربية المتحدة، 2022.
[1] ابن سلام الجمحي، طبقات الشعراء، اللّجنة الجامعية لنشر التراث العربي، دار النهضة العربية بيروت لبنان .
ص: 11.
[2] السابق، ص: 11
[3] السابق : ص: 11.
[4] معاشو قرور، هايكو القبقب، ط:، دار فضاءات للنشر والتوزيع، عمان الأردن، 2016، ص: 13
[5] انظر حازم القرطاجني، منهاج البلغاء وسراج الأدباء،، تحقيق: محمد الحبيب بن الخوجة
ط:2، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان،1981ص: 186
[6] نظرية علم الجمال، كروتشيه، ص: 65
[7] رينيه ويليك وأستن راين، نظرية الأدب، ص:34.
[8] الجاجظ، البيان والتبيين، ج: 1، ص: 59.
[9] شعر شفوي ارتجالي للشاعر العربي عميش.
[10] عبد القادر فيدوح، بلاغة التأويل في الشعر الواصف، ط:1، دار الثقافة الشارقة، الامارات العربية المتحدة، 2022، ص: 11
[11] معاشو قرور، هايكو القبقب، ص: 130