من الأمور التي تميز القصة القصيرة، اختيار اللحظة الضاجة، وهو ما فعلته الكاتبة هناء متولى فى قصتها، حيث مارست المتناقضات، والإسقاط، لتخرج بها مكنون النفس الأنثوية الجائعة، وتسترجع بها سنوات العمر الفائت، في جمل سريعة تركتها لتعبر عن الحالة، التي لم تقلها، والتي رغم التكثيف، لم تنزلق لما يسمى بال ق. ق. ج.

قط ذكر لقطة وحيدة

هـناء متولي

 

الماء البارد يتدفَّق على جسدها؛ فيتحوَّل إلى بخار كثيف يملأ فراغ الحمَّام، تدعك جسدها بعنف حتَّى تخدشه؛ فينزف، تجلس على الأرض أسفل الدشِّ مباشرة.. تترك الماء يدقُّ رأسها.. تحاول البكاء.. تتسوَّل دمعًا؛ فلا تجد، تخبط رأسها؛ لتمنع تدفُّق الذكريات لفتاة كانت مُدلَّلة، لم تختبر من الحياة إلا أحسن ما فيها، حبيبة والديها تنتقل للعيش مع زوج خائن، ثُمَّ الطلاق ورحلة البحث عن الذات، ثُمَّ فرص عمل خائبة، فصدمات من الصديق والقريب، فالفشل الذي يعقبه فشل، ففقدان الوالدين، وجحود الأخ، والعزلة الاختياريَّة، حتَّى انتهَت أخيرًا لعرض رخيص ومتأخر يضمن لها العمل والجنس في آن!

البرد يأكل عظامها.. تتدثَّر بالغطاء.. تنام للمرَّة الأولى قبل أن تغلق عينيها.. تستيقظ هادئةً.. تُحضِّر إفطارها وطعام قِطَّتها.. ترتدي ثوبًا ثقيلاً أسفل البالطو والشَّالِ الصُّوفيِّ.. لا تُضيء المصباح وتكتفي بالضَّوء المُتسلِّلِ عبر النافذةِ.. تنخرط في نسج خيوط تشبه خيوط العنكبوت في دوَّاماتها.. تمحو ذاكرة الأمس وتنتوي شراء قِطٍّ ذكرٍ يؤنسُ وِحدةَ قِطَّتها.