تمكنت جماعات محافظة معنية بالدفاع عن "حقوق الآباء" في أميركا من حظر العديد من الكتب التي تتناول مواضيع حساسة، ما أجبر عدة مدارس على عدم اقتناء الكتب، بينما لمثل هذه الخطوة تبعات أخرى على سوق النشر والكتّاب.. ويتواصل الجدل حول عمليات الحظر التي تضاعفت هذا العام وسط مخاوف من تأثيراتها العميقة. الآباء المحافظون في أميركا يفرضون كلمتهم على نشر كتب الأطفال، وتراجع مبيعات كتب الأطفال في الولايات المتحدة بسبب ارتفاع معدلات الحظر.

كتب الأطفال والخصوصيات الثقافية

 

لوس أنجلس (الولايات المتحدة)- نجحت في الولايات المتحدة أخيرا حملة تنظمها جماعات معنية بالدفاع عن “حقوق الآباء” من ذوي الميول المحافظة، في إثارة القلق على مستوى البلاد بشأن سوق كتب الأطفال التي تعتبرها “غير مناسبة”، بعد أعوام من معارك الحرب الثقافية التي خاضوها في المدارس والمكتبات العامة، ما أدى إلى تراجع المبيعات بشكل كبير، وتقليل الفرص أمام المؤلفين للترويج لأعمالهم الأدبية.

وقد كان هناك خلال العام الدراسي 2023 – 2024، أكثر من 10 آلاف عملية حظر للكتب في المدارس العامة، وذلك بزيادة نسبتها 200 في المئة عما تم تسجيله في العام السابق. وبأغلبية ساحقة، تضمنت الكتب التي تم حظرها مواضيع تتعلق بمجتمع السحاقيات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، والشخصيات من ذوي البشرة غير البيضاء، بحسب ما ذكرته منظمة “بين أميركاغير الربحية، التي تهدف إلى رفع الوعي بحماية حرية التعبير في الولايات المتحدة والعالم.

حظر الكتب

يتم حظر العديد من الكتب التي تنتمي إلى نفس تلك الفئة مرارا في أنحاء البلاد، من خلال جهود منسقة تقوم بها الجماعات التي تتقاسم بين أعضائها قوائم تحمل أسماء الكتب، والتي تشمل كتبا مصورة والكتب ذات الأوراق السميكة الخاصة بالأطفال ممن هم في سن ما قبل المدرسة، وذلك بحسب ما ذكرته صحيفة لوس أنجلس تايمز” الأميركية في تقرير لها.

وفيما يطلق عليه البعض في صناعة نشر الكتب “حظر الظل/ أو الحظر الخفي” أو “الرقابة الناعمة”، تعتبر تأثيرات هذه الخطوة واسعة النطاق.

ويتعرض المعلمون وأمناء المكتبات لتهديدات، ويخشون أن يفقدوا وظائفهم، وقد يصل الأمر إلى دخولهم السجن في بعض الولايات بأميركا، حيث تم تمرير قوانين تجرم أعمالا معينة، ويترددون في أن يضعوا على أرففهم كتبا مثيرة للجدل، مثل تلك التي تشمل شخصيات من مجتمع السحاقيات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، أو تتضمن مناقشات عن العنصرية.

وتقول دور النشر التي تعتمد على عمليات الشراء الخاصة بالمدارس والمكتبات، إن مبيعات مثل هذه الكتب تراجعت بشكل كبير، حتى عندما تحظى الأعمال بثناء نقدي.

كما شهد مؤلفو الكتب إلغاء زيارات كانت مقررة لهم إلى المدارس، مما يتركهم بدون مصدر دخل مهم بالنسبة لهم.

ومن جانبه، يقول لي ويند، وهو مسؤول محتوى كبير في “جمعية ناشري الكتب المستقلين”، “يتعين على المعلمين وأمناء المكتبات أن يقيّموا الكتب جيدا للتأكد مما إذا كان الأمر يستحق المخاطرة.”

ومن بين 23 كتابا مصورا تم حظرها في منطقتين على الأقل خلال العام الدراسي 2023 – 2024، هناك 14 كتابا يتضمن شخصيات من مجتمع السحاقيات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، و17 كتابا يتضمن شخصيات من ذوي البشرة غير البيضاء، مع وجود بعض الكتب التي تشمل العديد من الفئات التي كانت سببا لحظرها، بحسب ما ذكرته منظمة “بين أميركا”.

وأشارت صحيفة “لوس أنجلس تايمز” إلى أن أمناء المكتبات والمعلمين يتم تدريبهم على اختيار مواد تناسب فئات عمرية ومناهج معينة. ولكن في الأعوام الأخيرة، صارت العملية محفوفة بالخوف والمخاطر الحقيقية.

ففي ثماني ولايات على الأقل، تشمل إنديانا وميسوري ومونتانا، صار أمناء المكتبات والعاملون في المدارس يواجهون في الوقت الحالي ملاحقات جنائية وفرض عقوبات، يمكن أن تشمل إيداعهم السجن ودفع الآلاف من الدولارات كغرامات، بحسب ما تقوله جماعة “إيفري لايبراري” المعنية بالدفاع عن المكتبات.

إلغاء شراء الكتب

بحسب جماعة ايفري لايبراري، فقد قامت تسع ولايات بتمرير قوانين لحماية المدارس والمكتبات من قيود الرقابة، تشمل قانونا تم تمريره في نيوجيرسي هذا الشهر. وقد مررت ولاية كاليفورنيا قانونا يسمح للولاية بتغريم المدارس التي تحظر الكتب التي تجسد أشخاصا من السحاقيات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والمتحولين جنسيا، وغيرهم من المجموعات المهمشة تاريخيا، بالإضافة إلى قانون آخر يمنع المكتبات من حظر مثل هذه الكتب.

كما أفادت دور نشر كبرى مثل “بنجوين راندوم هاوس” بتراجع مبيعات الكتب المتنوعة – ولاسيما الكتب الأحدث إصدارا – بسبب عمليات الفحص والموافقة التي صارت تستغرق وقتا أطول قد يصل إلى ستة أشهر، بحسب ما تقوله دومينيك سيمينا، العضو في فريق عمل الحرية الفكرية التابع لدار نشر “بنجوين راندوم هاوس”.

وفي بعض أنحاء البلاد، توقفت المدارس ببساطة عن شراء الكتب تماما، بحسب ما يقوله بنيامين كون، رئيس “جمعية الكتب والإعلام التعليمية”، التي تمثل موزعي الكتب وناشريها، الذين يبيعون نحو 90 في المئة من جميع الكتب إلى المدارس والمكتبات.

وتقول “لوس أنجلس تايمز” إن كتاب “آند تانجو ميكس ثري” الذي احتل المرتبة الأولى بين الكتب المصورة التي تم حظرها، وهو من تأليف جاستن ريتشاردسون وبيتر بارنيل، يحكي قصة ذكرين من طيور البطريق في “حديقة حيوان سنترال بارك” يقومان سويا بتربية فرخ. كما يتضمن كتاب “ذا فاميلي بوكللمؤلف تود بار – والذي يأتي في المركز الثاني بين الكتب المصورة التي تم حظرها – صفحة واحدة تشمل سطرا كُتب فيه، “بعض العائلات لديها اثنان من الأمهات أو اثنان من الآباء”.