المشهد الأول: (احتفالية بين أطلال بابل الأثرية)
كورس:
كان ياما كان
تحت الشمس في ليل العصورْ
كوكب زاه ٍمع المجد يدور
أخضرَ الفتنة ِمن ماء ونور
وترابٍ عاطر ِ
ها هنا بابلُ
والدنيا لها
لم تزل ْترنو
وتغشاها الخطى
بحنين وهوى
قبلة َالشمس وحلمَ الشاعر ِ
ها هنا بابلُ حبٌ وجمالْ
وأفانينُ خيالْ
طأطأ الدهرُعلى أعتابها
جبهة َ الموتِ وهامات ِالمحالْ
فتاة معاصرة:
هاهنا
خلف تلك الربى
كان يمشي الهوى نجمتين
بين غيم النخيل ْ
خشية ً من ظنونْ
وضمير خؤونْ
ناده ِ....ناده ِ !
ذلك الغرامَ الأصيلْ
ناده ِ ذلك الملتقى
في المساء الظليلْ
نادِهما !
فهاهما يطلُعانْ
من غابر الزمان
قادمان صوبَنا
من باب (عشتار) لنا
بباقتَي إقحوان
نادِهما...نادهما!
فعرسُنا مِهرجان
(يبدو طيف فتاة وفتى يتقدمان، وتتضح هيأتهما شيئا فشيئا بملابسهما البابلية، وبأيديهما باقتا ورد)
الفتى والفتاة البابليان: مساؤكم سعيد!
شاب معاصر: أهلا بكما وعلى الرحبِ!
شابة معاصرة: ما أجملَها كأنها إلهة الجمال!
شاب آخر (يقترب منهما): عطرُكما غريب، يأخذنا شذاه لقبلِ آلاف من السنين، كأنني أشم في شذاه رائحةَ المعابد، من عبق الصندل والبَخور، حتى كأن الوردَ في حقولِكم ليس كما تعرفه حقولُنا، ولا هواؤكم ُهواؤنا، كأن عصرَنا شيخوخة العصور.
شاب آخر: حتى الحجارةُ التيتحمل في ضميرها أسراركم تعبق من ذراتهارائحةُ الجذور
شاب: بيتٌ من الحجارة العريقة أثمن ُما نملك من قصور.
شاب آخر: كيف أتيتما إلى هنا، وبيننا حاجزُآلاف من السنين؟
الفتىالبابلي: حاجزٌ شفيف، تكسره الأفكارحينما نريد. لقد دعتنا منكم الأفكار والقلوب، فاختلجت قلوبنا، ودبت الدماء في عروقنا. ألا أنظروا (يشير إلى الأطلال) فهذه بابلنا الجميلة، ماثلة أمامنا، ندعوكم ُلها، فقد كسرتم معنا حواجزَ الزمان.
المشهد الثاني: (الجميع في رحاب بابل)
الفتىالبابلي: وهذه أسوارها، دروبها، بيوتها، وناسها. ومن هنا كنتأسيرطائرا ًلموعد اللقاء، لأرى حبيبتي هناك
(يشيربيده) تحت قبابِ النخل في المساء. لكنْ أبي يمنعني عن هذه الجميلة (يشير إلى صاحبته) لأنها ابنة فلْ...(يتردد)
الفتاةالبابلية: ابنة فلاح سخي، طيب، شجاع!
الفتىالبابلي: على يديه يستيقظ الصباح في مروجنا، ويحلُم المساء.
شاب معاصر: وكيف نلتَها؟
الفتى البابلي: قصتنا طويلة، كقصة الكثير من شبابنا في هذه
الأيام، لكننا نلجأ للإلهة (عشتار)
(كورس بابلي): إليك يا عشتار يا إلهتي!
..................... يداي تُرفعان ْ
في الليل والنهارْ
يدعوك خافقان
على يديك يُزهران في الهوى
أو يَذبلان
فأبعدي الباغي عن هواهما
ومزقي مكائدَ الشيطان
يا ربة الجمالْ!
هذي سروب الغيد
بحسنها الفريد
تنتظر الوصال
فالحب والصِبا
والشوق والجوى
عرّش فيها الأسى
وحالَ سجنُ الهوى
ما بين كأس وشفاهٍتلوبْ
عشتار يا إلهتي
هلآ ّيرى بيتَهما العاشقان!
الكاهن: (يخرج من مكان خفي) لبيك يا إلهتي!
عشتار: خذ الفتيات لمعبد (مردوخ الأعظم) ليتعبدن حتى يومِ العيد، ويخرجن معا بإرادة (مردوخ) وحمايتهِ
وهنالك (تشير إلى مكان) ينتظر الفتيان جميعا فيصَفين. فتنتقي كلُ فتاةٍ حرةٍ فتاها، بزهرة تقذفها يداها.
الكاهن: إليك ما تأمرين!
الكورس: عيدُ الأعياد هنا الآنا
........... بربيع عاد كما كانا
ونسيم ٍ يُطلق فرحته ُ
بستانا يوقظ بستانا
تتراقص فيه الأغصان
وتُرَدَد فيه الألحان
والطيُرهوى ً
يتناجى قلبا ولسانا
والشعر وترْ
أسرابُ ظباء تتهادى تحفها الأنظار
وزهورً عابقةُ العطرِ تحملها أزهار
كل هوىًيختار هواه
كما ترى (عشتار)
(يدخل الكاهن مع مجموعة من الجند، يشير إلى شاب مشوه الوجه بين الواقفين)
الكاهن: هذاهو الملك!
رئيس الجند: (يتقدم نحو الشاب المشوه) يا صاحب َالقوةوالجمال، إن بابلَ العظيمة تختاركالآن عليها ملكا، فنحن تحت إمرتك.
الكاهن: حاشية القصر هناك في انتظاركم، ولن يغادروا
حتى يرَوك بينهم متوجا كالبدر فوق عرشِك المهيب.
يا رئيس الحرس، تهيؤوا، واصطحبوا عاهلَنا الحبيب!
الفتى البابلي: (يقف حائلا بينهم وبين الشاب المشوه)
ماذا تفعلون؟ كيف يُقتاد إلى الموت بطل؟كانت
اللعبة في الأعياد أن يُختار وجهٌ بشِعٌ، خائنٌ أو قاتلٌ، لاشجاع
ذاد عن بابلَ أعواما، وما زال، إذا حاق الخطر،
انظروا! كان هذا الوجه يوما قمرا، قمرا أجمل َمن
كل قمر، غير أن الحرب أردت حسنهُ، فإذا تلك
الوساماتُ أثر!
(يخاطب (عشتار) عشتار يا إلهتي! سيأخذونهْ، ليجعلوه ملكا
مزيفا، ثم يقتلونه! كيف ترضَين بأن يستلبوا كوكبا
من تاجك الأبهى، ولا تسترجعينهْ؟
كورس بابلي: جئناك سائلين
................... كيف يكون الملك المزيّف الأن قمرْ؟
رجلا كان هنا
ناضرَالوجه كمرآة نهرْ
كان فينا الرمحَ لو تدنو إلى أسوارِنا كفُ القدرْ
فإذا النارُ به ِ
وإذا الأحلامُ أشباحُ صور
ذلك المجد، إذن!
كيف نُرديه بلهوٍ عابث ٍ
فكأن الرمحَ ما كان، ولا كان القمر!
عشتار: يا كاهني!
الكاهن: لبيك ، يا إلهتي !
عشتار: إختر رجلا آخر !
الكاهن : من أين لنا بقبيح مثلِه ؟
عشتار :إبحث عنه ، إختر قاتلَ نفس ، مجذومَ ضمير!
الفتىالبابلي: (يخاطب أصدقاءه) لنبحثنّ عن ضحية أخرى
الشاب المعاصر: مسكين آخر؟ لا!
الفتى البابلي: كيف إذن؟
فتاة معاصرة : نحتال عليهم بباروكة شَعرْ، أصباغ ْ، وأشياءَ أخرْ ..
المشهد الثالث: (حركات معبرة عن البحث مع الإيقاع، الفتى البابلي وهم يدفعونه، وقد غيروا من ملامحه)
الفتاةالمعاصرة: هذا هو الملك ! هذا هو الشكل الذي يَليق!
(يتجمع الحاضرون حوله مندهشين)
الكاهن: هذا هوا الشكل الذي نريد!
رئيس الحرس: رجل هذا أم نسناسُ؟
الكاهن: مجذوم يحويه لباسُ!
رئيس الحرس: رائحة نكراء، وسحنة غبراء، تُقطع منه
الأنفاسُ!
الكاهن: يا حراس، يا حراس!
الحراس: نعم، نعم!
الكاهن: هيا احملوه لقصره ِ، وكرّموه !
الحراس: نعم، نعم! (يضعونه على المحفة ويحملونه)
الكورس: لقصره مشى بمِشية الأسود
........... وحوله تسير طلائع الجنود
وهالةُ القمرْ
من أعماق بحاروشعابِ جبال ْ
من غيبِ سماء خافيةٍ وفجاج ِ خيال
من نورٍوجمالْ
من فَلَك الأقمارِأتينا بسيد الرجال ْ
(يدخل الموكب في القصر)
شاب بابلي: (من الخارج) نريد رؤيةَ الملك!
نريد أن نمتّع الأبصارَوالأسماع ْ
بابلُ يَغلي شوقُها للملك المطاع
شاب بابلي: نريد أن نرى القمرْ
كيف يُطل ساطعا ًفي وضَح النهارْ
رئيس الحرس: (خارجا من القصر) العاهل العظيم
ملكُ السهول والجبال والبحار ْ
(يخرج الملك مع حاشيته)
كورس: ما أجملَه ما أحلاه فكأن البدرَ رأيناه ُ
.......... ألُيُمْنُ يواكب خُطوتَه ُ ويُنيرالبشرُمحيّاهُ
الملك المزيف: يا حراس، ياحراس!
الحراس: نعم ...نعم!
الملكالمزيف: اطلقوا كلَ السجناء!
الحراس: كما تشاء ... كما تشاء!
الكورس: ولن نرى الأطيارَ رهينة َالأقفاص
الملك المزيف: ألأرضُ لزارعها والدارُ لساكنِها
الحراس: كما تشاء... كما تشاء!
الكورس: ما أعدَلهُ ...ما أكرمَهُمردوخُ الأعظمُ ألهمه ُ
........... بالحكمة ينشر خيمته على جميع الناسْ
الكاهن: يا لَلعنة! قد صدّق وهم َغباوتهِ هذا الأحمق!
الملك المزيف: يا أصدقاء... يا أصدقاء!
الكورس: نعم ...نعم!
الملكالمزيف: صونوا بالحب مدينتكم لتدرؤوا الأعداء!
الكورس: كما تشاء .. تشاء!
............ فاليومَ نتوّج فرحتنا بالأعراسْ
فتيانا وشبابا وكواعبَ أترابا
ألحب يُزفّ لخيمته وتنادى العرسُ بفرحته
أهلا ًوصحابا
باركَ مردوخُ صبانا ورعت عشتارُ هوانا
واليومَ سنزرع بذرتنا لتصير الزهرة بستانا
ضفرتْ عشتارُجداءلها وجلتْ بالنور قلائدها
وبطيب العنبر ِوالنّد ِ والعنّابي على الخد ِ
وشفاهِ الأزهارْ حملتنا عشتارْ
لظلال الرفقة والحب ِ
الملك المزيف: يا فتيانْ...وياحِسانْ
الكورس: نعم .. نعم!
الملكالمزيف: بحمىمردوخهلمّوا وقدموا القربان
المشهد الرابع
(الموكب أمام معبد مردوخ)
الكورس: إليك يا مردوخ
.............. هذه الصلاة ْ
قلوبنا نظيفة ْطاهرة عفيفة ْ
فامسحْ على رؤوسنا
مباركا جواهر الحياة ْ
وما يضئ دربَنا وروحَنا
في العيش والمماتْ
الملكالمزيف: سأدخل بالعرسان إلى المعبدْ
ليباركهم مردوخْ
ثم أظل وحيدا ًأتعبّد ْ
(يدخل الملك والعرسان عدا الكاهن والحاشية)
الكاهن: أخشى أن يُطيل في تعبده!
رئيس الحرس: بعد صلاته سنخرجه ْ
وهل تنقذه الصلاةْ!
الكاهن: كيف، ونحن هاهنا نحاصرهْ!؟
(يتلصص الكاهن ورئيس الحرس عليه عند الباب بحذر، يخرجالعرسان من المعبد ومعهم الفتى البابلي (الملك المزيف) بعد أن خلع القناع)
الكورس: ظلّ وحيدا ًيتعبّدْ
............. تتعالى نفحات المسكْ
ويفوح العنبر والندْ
ألوان شموع وظلالْ
وجلال خشوع وجما لْ
والروح سماءْ
تتناثر من يده هبة ً
أنوار الفضة والعسجدْ
فيبارك مردوخ خطاه ْ
وتعانق عشتار رؤاه ْ
حبا ًوشبابا ًيتوقّد ْ
الكاهن: سأدخل وحدي لأرى العاهل في المعبدْ
(يدخل الكاهن، ويقترب الأخرون بهدوء إلى الباب متطلعين إلى داخله،ثم يخرج الكاهن صائحاً):
لقد هربْ ... لقد هربْ!
رئيس الحرس: كيف هرب ْ!؟
الكاهن: هيا اتبعوني ...أيها القِرَبْ!
(وهم يخرجون) أين اختفى الساحرْ ... أين اختفى الشيطانْ!؟
الفتى البابلي: (يخرج القناع من تحت ردائه) هنا اختفى الساحر ... هنا اختفى الشيطان!
(يخاطب الشباب المعاصرين) خذوه لكم! ذكرى أيام رائعة جمعتنا معكم!
الكورس: كم أنت رقيق وجميلُ وطيب ونبيل ْ
.............. لليل تمزق ظلمته وللضياء رسول ْ
وفيّتَ لخلك صحبتهُ وحميت بروحك زهرته ُ
فما اعتراك ذبول!
(عودة إلى المشهد الأول)
ومرتِ الدهور
وبابلٌ سنا
تحضنها الدنا
على مدى العصور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ناهض الخياط: شاعر عراقي من مواليد الناصرية، 1935، تخرد في كلية الآداب، جامعة بغداد، عمل مدرّسا في المدارس المتوسطة والاعدادية، وقد استقر مبكّرا في مدينة بابل، وهو متفرغ الآن للكتابة، له أكثر من 23 مؤلفا في الشعر والمسرح والأوبريت، وأدب الأطفال.
- من أعماله:
المجموعة الشعرية (تقول الوردة: أنظروا هذه أنا) سنة 2005 عن دار الشؤون الثقافية، بغداد.
المجموعة الشعرية (ملكة الليل) سنة 2011 عن دار رند \ دمشق.
(مرآة النرجس، مسرحيات) عن دار الشؤون الثقافية، بغداد، سنة 2011.
(الشجرة الذهبية، مسرحيات للأطفال) عن دار ثقافة الطفل سنة 2013، ضمن منشورات بغداد عاصمة الثقافة العراقية.