تتجول «أم حباجة» في أزقة القرية بجلبابها الأسود وطرحتها الشفافة التي تكشف عن شعرها المجعد الأبيض القصير من تحتها. العيون تلاحقها أينما ذهبت، تترقبها إلى أن تحط قدماها عند بيت من بيوت القرية، فيكون هو الأكثر حظًا خلال أشهر الصيف.
الجميع يعرف مهنتها، يعرف هدفها من الزيارة المباركة. فقدماها تجلبان الخير... أو هكذا يدعون.
«أم حباجة» في الخامسة والخمسين من عمرها، توفي زوجها منذ عشرين عامًا، وليس لديها أولاد سوى «حباجة» الذي لا تعرف عنه شيئًا منذ عامين. لديها محل بقالة صغير عند مدخل القرية، لكنها منذ ما يقرب من عشر سنوات بدأت تمتهن مهنة جديدة... أدخلتها على القرية مع إسماعيل شقيقها.
فبنات القرية أكثر من "الهم على القلب"، والصيف ساخن يحتاج إلى نسمة هواء تلطف حرارته، لكن لن يكون أكثر سخونة من صيف بلاد الخليج. ورجال الخليج من كبار السن يعشقون ليل القاهرة... النيل والسهر، الرقص والطرب. أصحاب مزاج عالٍ، لكنهم يكرهون الحرام.
و«أم حباجة» وشقيقها إسماعيل يسهلان الحلال لهم، يفتحان الأبواب أمام بنات القرية المسكينات،
يعفونهن من انتظار دورهن في التعليم والتوظيف والزواج. هما أكثر رحمة من الحكومة؛ يكافئان أهل القرية على كثرة الإنجاب. لا يطلبان منهم تحديد نسل ولا استخدام وسائل ولا غيره.
الحكومة تهددهم بسنّ قوانين تمنع عن من ينجب أكثر من طفلين الشاي والسكر والزيت، لكن «أم حباجة» وشقيقها يفتحان لأهالي القرية طاقة شر بأيديهما الشيطانية.
في هذه القرية، من ينجب بنات هو الأكثر حظًا،على عكس المتعارف عليه في القرى الريفية الأخرى.
منظومة مرتبة، الجميع ينفذها دون خروج عن السرب، وأهم أركانها: «أم حباجة»، إسماعيل السمسار، الطبيب بدر الدين، والمحامي سيد حلمي.
قرية صغيرة، الزائر لها لا يستطيع أن يحدد إن كانت فقيرة أم غنية؛ تباين محيّر للعيون والعقول.
فالبيوت متواضعة، صغيرة، مبنية بالطوب الأحمر، خالية من الأثاث الفخم، ويعمل أغلب أهلها في النجارة والسباكة.
المساحات المزروعة في القرية تقلصت بعدما جُرِفت وبُنيت عليها البيوت.
شوارعها تتكدس بالسيارات الفارهة... التي لا تبيت عادة، لكنها تأتي زائرة مرات قليلة خلال أشهر الصيف قبل أن تختفي ولا تظهر للأبد.
وفي أحد هذه البيوت، في شقة صغيرة حجرتين وصالة، جلست «أم حباجة» في الصالة مع والدة العروس التي وقع عليها الاختيار... «أم نورا»، خياطة القرية التي ركنوها على الرف بعد انتشار الجاهز والمستعمل والبالة وجروبات البيع والشراء وحرق الأسعار المنتشرة على الإنترنت.
نادرا ما يتذكرها أحد طالبًا تصليحًا أو تضييقًا أو توسيعًا أو تقصيرًا.
«أم نورا» لديها أربع بنات، أصغرهن «أماني» ذات الست سنوات. وزوجها يعمل سائقًا في مصنع.
تخرج العروس «نورا» لاستقبال «أم حباجة» وهي في كامل زينتها...
فتاة جميلة في الثانية والعشرين من عمرها، متوسطة الطول، ممتلئة القوام، بيضاء، شعرها طويل تصبغه باللون الأحمر الناري.عيناها واسعتان خضراوان، رموشهما طويلة. تصطحبها «أم حباجة» في استعجال خارج الشقة؛ فالعريس ينتظرهما في شقة «إسماعيل» شقيق «أم حباجة»، التي تبعد بضعة أمتار عن بيت العروس.
ترفع «أم نورا» كفيها بالدعاء لإتمام الزيجة؛ فالعريس إذا أعجبته «نورا» سيكون الزفاف نهاية الأسبوع.
في شقة «إسماعيل» السمسار، كان كل شيء جاهزًا كي يرى العريس عروسه عبر الإنترنت.
الشيخ راشد، أحد أثرياء الخليج، في السبعين من عمره. وأمام الكاميرا، استعرضت «نورا» أنوثتها ودلالها... بملابس قصيرة كاشفة عن جمالها. عينا «إسماعيل» تخترقان جسد الفتاة: فتحة ثدييها، استدارة مؤخرتها. فتاة جميلة صغيرة "تتآكل أكل"، لا وجه للمقارنة بينها وبين زوجته.
«إسماعيل» في الأربعين من عمره، نحيف طويل، شعره غزير يمشطه بالجيل، تلتصق خصلات شعره وتتشابك بشكل مقزز وكأن المياه لم تعرف طريقًا إليه. تكمل هيئته المنفرة شارب صغير وأسنان علوية متساقطة من كثرة ما يتعاطاه.
وافق الشيخ «راشد»... الزيجة خلال أسبوع، سيأتي بعد يومين ليقابل والد العروس.
لكن يوجد طلب بسيط: الشيخ «راشد» يريدها "بنت بنوت". و«نورا» تزوجت خمس مرات. أول مرة كان عمرها خمسة عشر عامًا، وتلا ذلك أربع زيجات، كلها كانت في أشهر الصيف.
وبعد أن أصبح الصيف طويلا ممتدًا إلى أواخر أكتوبر، أصبح من الممكن أن تتزوج أكثر من مرة.
فبين الرجل والآخر ثلاثة شهور؛ هي شهور العدة، تمر على كل واحدة فيهن ثقيلة كئيبة، وهن ينتظرن الفرج.
حددت «أم حباجة» موعدًا مع بدر الدين الطبيب الذي سيجري العملية.
هو طبيب القرية، أو طبيب ملاكي لـ«أم حباجة»، يجري هذه العمليات كثيرًا. حاشا لله أن يكون مدلسًا، لكنه يراعي المزاج ويقدره.
فالشيخ «راشد» وغيره يعرفون أن البنات في القرية معظمهن تزوجن أكثر من مرة، لكن "الكيف غلاب".
و«نورا» لا تحترم جسدها... لم تتعلم ذلك. فقد انتهك جسدها عدة مرات، كانت أول مرة وهي ابنة التاسعة على يد حلاق الصحة في القرية.
كشف عورتها هي وبنات أخريات، قطع أجزاء من أجسادهن، ألقاها أمامهن، علّقها في رقبتها مع حبيبات من الملح حتى جفت.
كلما كانت تراه صدفة بعد ذلك، كانت تتوارى وتهرب خجلا وكراهية له. لم تنسَ يومًا هذا الألم الفظيع، ولا الوجوه الكريهة التي قيدتها ليقطعوا لحمها. لقد وزعوا الشربات وأوهموها أنها كبرت وستبلغ قريبًا.
لكنها لم تفهم كيف أقاموا للمجزرة احتفالًا! كيف طالبوها بالحفاظ على نفسها، وأجزاء منها في القمامة قد التهمتها كلاب القرية وقططها الجائعة.
طرق بابها أول عريس وهي ابنة الخامسة عشرة، وكان في عمر حلاق الصحة. ظنت لأيام أنه سيفعل بها مثلما فعل الآخر. لكن أمها أفهمتها أن الزواج سترة.
تساءلت بينها وبين نفسها: كيف يعرونني ثم يدعون أنهم يبحثون عن سترتي؟! كيف شوهوا جسدي ثم يطلبونه للمتعة؟!
الآن يريدونها «بنت بنوت» بعد سبع سنوات من فقدانها لعذريتها ومن بعد خمسة رجال.
الطبيب طمأنها: "مجرد غرزتين."
خضعت «نورا» للعملية، عادت «بنت بنوت»، سيطلب والدها مهرًا أكبر. لعبة أصبح يتقنها الجميع.
زواج بورقتين وشهر عسل وكبشة دولارات تفك أزمتها وأزمة عائلتها بقية فصول السنة.
فزواجها خلال فترة الصيف إدمان.
مغامرة لم تعد تخشى عواقبها؛ فقد اعتادت على رائحة الرجال، تلك الرائحة التي لا تقبل الحلول الوسطية؛ فإما أن تبغضها المرأة فيأبى جسدها صفقة البيع، أو تعشقها فتصبح أسيرة لهذا العشق بمجونه وجنونه.
جاء العريس محملاً بالحلويات والفاكهة، وضع خمسمائة دولار على المنضدة التي تتوسط حجرة الضيوف. قبل أي كلام، وفقا للتقاليد... هدية للعروس في أول زيارة. اتفقوا على موعد كتب الكتاب، بحضور "سيد حلمي" محامي القرية. وبعد أيام قليلة كُتبت الورقتان. «نورا» تستعد، حقيبتها لم تُفرغ من الزيجة الأخيرة.
تودع أهلها وجيرانها...
شقيقتها الصغرى «أماني» ذات الست سنوات "تخمس" في عيون بنات القرية.
العروسة لا تعرف متى ستعود؛ ربما تعجب العريس فيبقيها أطول.
لكن ما تعرفه جيدًا أنها ستأخذ أقراص منع الحمل من أول يوم حتى لا تنتظر شهور العدة بعد طلاقها. هكذا نصحتها «أم حباجة».
«أماني» تسبقها إلى السيارة، تركب فوق مقدمتها، تصفق بيديها في فرحة. أصوات الزغاريد تملأ الحارة.
والدها يعد مهرها، لكنه غاضب؛ «راشد» خصم الخمسمائة دولار من فلوس المهر.
جلست «نورا» في السيارة، رائحة المسك والعود تفوح من جلباب العريس. وهي تودع رائحة القرية العفنة.
عيناها تقع على الأطفال العراة الذين يقفون بمحاذاة البيوت ينتظرون انطلاق السيارة كي يهرعوا وراءها.
يتعلقون بمقدمة السيارة. الشيخ «راشد» غاضب، يأمر السائق بالإسراع.أعلى مقدمة السيارة استقرت «أماني»، مرتدية فستانًا أخضر قصيرًا، تلف طرحة بيضاء حول عنقها ورأسها. وجهها أبيض لطخته الأوساخ.
تودعها بابتسامة بريئة، توصيها بشراء عروسة كبيرة.
تضرب لأطفال القرية بكفيها الصغيرتين لتُنزلهم من فوق السيارة. هي وحدها من تركب.
السائق يسير عدة أمتار، و«أماني» لا تزال متشبثة بمقدمة السيارة. يوقف السائق السيارة، فتسقط «أماني» على الأرض. يأمر «راشد» بالإسراع، فلا يرى جسد الصغيرة، يدهسه تحت عجلات السيارة.
لا أحد يصرخ.
نورا» تكتم صرختها .. تنزل مسرعة من السيارة.. الدماء تغطي جسد الصغيرة التي لا تحرك ساكنا .
«راشد» يتشاءم من الزواج ومن القرية .. يمزق ورقة «نورا» وينطلق مسرعًا بالسيارة ، نورا .. لا تبكي. لا تصرخ .. تجلس على الأرض بجانب جسد «أماني» حتى تفارق الحياة ... ف«أماني» لم تكن شقيقة «نورا»؛ كانت ابنتها. من زيجتها الأولى .. ولأنها كانت قاصرًا كتبتها باسم والدها ...
ولم يبق سوى أيام وتنقضي شهور الصيف. فهل تستسلم لدواخلها، أم تستسلم لإلحاح أم حباجة؟