رسالة المغرب

الكتابة بين السطور وهولدرلين

عبدالحق ميفراني

المهرجان الدولي للأدب
في الوقت الذي انشغل فيه المغرب السياسي بالاستحقاقات الانتخابية الجماعية، وانشغل معها الإعلام الرسمي والحزبي والمستقل بدواليبها. حتى هيمنت على عناوين الصفحات الأولى والداخلية، كانت الرباط تحتضن الدورة الأولى للمهرجان الدولي للأدب تحت محور "الكتابة بين السطور" وذلك في الفترة الممتدة ما بين 2 الى 4 يونيو 2009. هذه التظاهرة الهامة أشرف على تنظيمها كل من: المركز المغربي لنادي القلم الدولي ، بتنسيق مع المكتبة الوطنية، ومهرجان Winternachten في لاهاي، وجامعة ابن طفيل (القنيطرة) ومهرجان تواصل الثقافات. وقد عرفت مشاركة وازنة لكتاب يمثلون جغرافيات ثقافية متعددة نذكر هنا اندونيسيا، جنوب افريقيا، هولندا، تركيا، الولايات المتحدة وفرنسا والمغرب. ويهدف المهرجان الى تشجيع "الحوار وتبادل الأفكار بين الكتاب من العالم"، جزء من حوار ثقافي أمسى اليوم أكثر تحققا وممكنا، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تراجعا لمقولات موازية هيمنت لفترة على "ايديولوجيات الأفكار". وقد شكلت فعاليات وفقرات المهرجان الذي انتظم تحت محور "الكتابة بين السطور" فرصة لاستكشاف ما هو أبعد من الحدود والخطوط الحمراء المفروضة على "حرية التعبير" عبر الصيغ ومختلف الأساليب التي يقترحها ويستخدمها الكتاب لتخطيها "وهو ما أرسى هذا البعد للمحور ولموضوعة المهرجان، ففي النهاية كيف يتمكن الكتاب من الكتابة بين السطور. في وقت يشهد فيه العالم مفاهيم جديدة في إطار حريات التعبير والقول والإبداع تصيغها مقولة "التنوع الثقافي" وبين إيديولوجيات "الهيمنة" التي تتردد في خطابات إما تتلبس بالسياسي أو بالثقافي.

اليوم أيضا، نعيش انفجارا معلوماتيا شكل عالم النت والعالم الافتراضي صورته حيث المعلومات والصور والأفكار تتعدى الحدود بسهولة. لا قدرة اليوم لهيمنة مقولات من قبيل "مبادئ السيادة والسلطة". في عالم النت خلقت حدود جديدة ووضعت "خطوط حمراء جديدة على الرغم من أنها ليست سوى الافتراضي". أمام هذا الوضع أمسى للكاتب والمثقف أن يقوم بصياغة أسئلة وأفكار جديدة أيضا من قلب هذا التحول.

لقد عرف المهرجان الدولي للأدب برنامجا متنوعا شمل لقاءات قراءات وعروضا. لقاءات بين الكتاب ببعضهم البعض. ولقاءات الكتاب مع قراءهم.المهرجان الذي نسق فكرته الأساسية الكاتب المغربي يوسف أمين العلمي. عرف مشاركات الكتاب:

Gunduz Vassaf (تركيا)، Linda Christanty (اندونيسيا)، Christine Otten (هولندا)، Antjie Krog (جنوب أفريقيا)، Jacqueline Bishop  (الولايات المتحدة)، Marie Redonnet (فرنسا).

ومن المغرب: غيثة الخياط، صلاح الوديع، عائشة البصري، عبد الحي المودن، أحمد لمسيح، ويوسف أمين العلمي.

وقد افتتحت فعاليات المهرجان بفقرة "رواية في المدينة" في تجربة فريدة لعرض رواية الكاتب المغربي يوسف أمين العلمي "رحل/ Nomade" حيث وزعت كقطع بشكل يراعي التشكيل البصري، واستدعاء فعل القراءة. وقد نظم لقاء مع الكاتب احتضنته المكتبة الوطنية، لتليها بعدها فقرات "الكتابة بين السطور" بلقاءات مع الكتاب المشاركين. وقد كانت الكاتبة المغربي غيثة الخياط أولى المداخلات في هذه الفقرة التي أطر فقراتها الكاتب عبدالحي المودن، في لقاء مع الكاتب التركي كندوز فاساف. اللقاء الذي تلته فقرة قراءات شارك فيها الكتاب والكاتبات من مختلف الجغرافيات الثقافية وبألسن متعددة. وقد عرف المهرجان الدولي تنظيم مائدة مستديرة حول الكتابة وحرية التعبير، وقد تدخل الكاتب إدريس كسيكس في محور "كتابة الذاكرة"، تلاه عرض لفيلم لحسن زينون. فيما نظم لقاء ثان حول "إعادة كتابة الذاكرة" بين الجنوب افريقي انتجي كروج، والمغربي عبدالحي المودن. لتختتم هذه الفقرة هي أيضا بقراءات. يوم الخميس 4 يونيو نظمت مائدة مستديرة أشرف عليها نادي القلم المغربي تحت محور الأدب وحرية التعبير، تلاه عرض لفيلم هشام العسري، ليدير الكاتب الطيب بلغازي ندوة "الكتابة بين اللغات". الى جانب الفقرات المعتادة، شكل المهرجان الدولي للأدب رهانا لشعار مركزي هو "إعطاء الكلمة للرافضين للحدود والخطوط الحمراء"، بتعبير المنسق العام الكاتب يوسف أمين العلمي.

ومن بين فقرات المهرجان الذي نظمه المركز المغربي لنادي القلم الدولي الذي يعد فرعا تابعا لنادي القلم الدولي (جمعية عالمية أنشئت في العشرينيات من القرن الماضي، وقد تأسس فرع المغرب منذ ما يقارب خمس سنوات على يد الراحل عبد الكبير الخطيبي ومجموعة من الكتاب المغاربة من ضمنهم يوسف أمين العلمي)، فقرة عرض رواية «رحل»، وهي رواية غير مطبوعة على الأوراق بل عليك متابعة فصول الرواية عبر فضاء المكتبة الوطنية باللغتين العربية والفرنسية، حيث كانت مكتوبة بخط اليد بمواد طبيعية على اللوح والجلد وغيرها من الأسانيد ذات العوالم التشكيلية. هذه التجربة للكاتب يوسف أمين العلمي سبق أن عرفت نجاحا في روتردام بهولندا. وهو مشروع سبق للكاتب المغربى والمعماري الفرنسي فيليب ديليس أن طورا مراحله الأولية سابقا، حيث "يستخدم المشروع رواية "رحل" ليوسف أمين العلمي في عمل يشتق مشاهده من روتردام وطنجة وذلك باستخدام استراتيجية نشر سيتم تطويرها بالتعاون مع مصمم المشهد وخبراء الانتقاء الفني. يتم تقديم القصة باستخدام المعمار الحضري كأساس للحركة مع الاعتماد على شاشات العرض وفن الخط والموسيقى والرواية اللفظية والفيديو وغير ذلك. يتطور الخط الدرامي للرواية بالتوازي مع المسار البصري للعمل على نحو يتيح الفرصة لكي نفهم المدينة والقصة في آن..". 

أيضا مثلت الموائد المستديرة واللقاءات الثنائية أسلوبا مبتكرا في "ماركتينغ ثقافي" جديد. إذ في كل أمسية عقدت حوارات بين الكتاب، بين كاتب وكاتب، أو بين ناقد وكاتب. وبما أن فكرة المهرجان الدولي الأول للأدب اختارت حرية التعبير، فإن الندوات كانت مناسبة للإنصات "للكتاب الذين رفضوا بشكل أو بآخر الامتثال للخطوط الحمراء" وهكذا وقفت الشهادات المقدمة أوجه أساليب "المنع المفروضة على حرية التعبير وكذا مختلف التقنيات التي يلجأ إليها الكتاب لتجاوز تلك الخطوط، أي كيف ينجح الكتاب في كتابة ما بين السطور".

هولدرلين حسن حلمي
لم ينتظر الباحث والمترجم المغربي حسن حلمي أن يكون الاحتفاء بترجمته لـ "مختارات شعرية" للشاعر الألماني هولدرلين على شكل سجال ظل مطلوبا ليس في علاقة بالترجمة بل حتى في أسئلتنا ومشاريعنا الثقافية المجهضة، لينتهي بما يشبه "العقدة" التي تأبى أن تغادر أذهان البعض في علاقة المشرق والمغرب. وليعاد النقاش لا من حيث انتهى، بل ليبلور مشاريع "مجهضة" سلفا. فقد صدر عن دار توبقال للنشر ترجمة "مختارات شعرية" للشاعر الألماني هولدرلين من توقيع الباحث والمترجم المغربي حسن حلمي وتقديم للشاعر المغربي محمد بنيس وبدعم من مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم، وهي الاكتشاف الثاني بعد ترجمة فؤاد رفقة لـ "مختارات"/ (1974). الإصدار الذي تحول الى سجال مفتوح بين الشاعر والصحفي عبده وازن في "الحياة" والشاعر محمد بنيس في "القدس العربي" فيما غاب "أو على الأصح" غيب صوت المترجم الباحث حسن حلمي.

الشاعر عبده وازن في انتقاده لترجمة حسن حلمي لهلدرلين: "خيانة مزدوجة"، التي اعتمدت اللغة الإنجليزية لغة وسيطة، يقول إنها ترجمة ناقصة وعرضية ومصيرها السقوط، و أنه لا يمكن لهلدرلين أن يترجم عن لغة وسيطة نظرا لـ "عبقرية" اللغة الألمانية المتجلية في قصائده، وهو المنطلق الذي بنى عليه الفيلسوف هيدجر نظريته حول "الشعر والكينونة"، وما جعل عبده وازن يعتبره شاعرا استثنائيا، على عكس الشعراء الآخرين ومن بينهم ريلكه، الذين ترجمهم شعراء عرب عن لغة وسيطة. ولهذه الأسباب اعتبر عبده وازن احتفاء الشاعر محمد بنيس بترجمة حسن حلمي ونعته لها، في تقديمه للمختارات المترجمة، بـ "الحدث" أمرا مجانبا للصواب، وفيه الكثير من المغالاة، وربما كما يقول، "تجاهلاً لفعل الترجمة في معاييره الثابتة وشروطه". على اعتبار "الحاجة الدائمة لترجمة أشعار هولدرلين، "فما من ترجمة واحدة تقدر على سبر أغوار عالمه الرحب وعلى التقاط أسراره الغامضة وإضاءة معالمه الداخلية..". ينتقل الشاعر عبده وازن الى التعميم في "الترجمات التي أنجزها عن لغة «وسيطة» لا بد من الإشارة الى أن هذه الترجمات لا يمكن التعامل معها إلا كترجمات عابرة أيضاً وناقصة وغير نهائية، لأنها لم تتم عن اللغة الأم، ولأنها خانت بدورها النصوص الأصلية.." لكنه ما يلبث أن يجد تبريرا ثانيا بإشادته لنفس هذه الترجمات "أدونيس لأوفيد"، و "شاوول لنيرودا"  معترفا في النهاية أنها ترجمات ستظل معرضة للنقد والمساءلة".

رد الشاعر محمد بنيس، بما وسمه "بعيدا عن كل خيانة مزدوجة" أكد فيه "أن أغلب ترجمات هلدرلين تتم عبر لغات وسيطة(...) إنها إحدى خصائص زمننا الثقافي، الذي يشترك العرب فيه مع العديد من سواهم في العالم (...) هناك ترجمات أعمال من العربية وإليها تتم، في العصر الحديث، عبر لغات وسيطة. أعمال يطول حصر لائحتها. تمت وتتم عبر لغات وسيطة، هي الإنكليزية أو الفرنسية.. وبالمقابل، هناك ترجمات أعمال من لغات أجنبية إلى العربية عبر لغات وسيطة. من النماذج الواضحة ما قام به المهدي أخريف عندما ترجم أغلب أعمال بيسوا البرتغالي من الإسبانية، أو بول شاوول الذي ترجم مؤخراً شعر بابلو نيرودا من الفرنسية، فضلاً عن أنه لم يتطرق بتاتاً في مقدمته لا للغة ولا للطبعات التي اعتمدها في ترجمته". والمترجمان معا شاعران أفلحا في إنجاز ترجمات رفيعة تغتني بها الثقافة العربية. ويختم الشاعر محمد بنيس بخصيصة رابعة. وهي أن المعرفة بلغة أصلية لا تعني فوراً وحتماً تقديم ترجمة أفضل من تلك التي تتم عبر لغة وسيطة. في النهاية يجب الالتفات إلى ترجمة ومجهود المترجم المغربي حسن حلمي في نقل أعمال الشاعر هلدرلين من الإنجليزية إلى اللغة العربية. لينتقل الشاعر محمد بنيس الى التوقف عند علاقة الشعر بالفلسفة وعلاقة هيدجر بهلدرلين. ويقول "تصحيحاً لما جاء في قولة عبده وازن"، إن هيدجر لا يستعمل كلمة "عبقرية" واستعمالها من طرف عبده وازن (بين قوسين) يعني أنه لا يدقق في لغته ومن ثم لا يولي اللغة الاصطلاحية (الفلسفية وغير الفلسفية) ما يلزم من العناية. وبهذا تكون الطريقة التي عبّر بها عبده وازن تبطل كلياً "إنصات" هيدجر (وليس نظريته). وهذا من الأسباب التي جعلتني أحجم عن تناول قراءة هيدجر لهلدرلين، أي أنني مدرك أن عبده وازن لم يقرأ بعض أعمال هيدجر عن هلدرلين من جهة، ولم يستوعب ما اقتصر على قراءته، وأظن أنه منحصر في كتاب "قرب هلدرلين"، لا "مقاربة هلدرلين"، كما جاء في ترجمته، من جهة ثانية. إذ ينطلق هيدجر من أن الشعر جوهر اللغة ومن أن شعر هلدرلين جوهر هذا الجوهر. أي أنه ينظر إلى شعر هلدرلين بما هو "جوهر الشعر"، كل شعر. ولا علاقة للجوهر بكلمة "عبقرية" (المستعملة باضطراب أكيد) ضمن عبارة "عبقرية" اللغة الألمانية المتجلية في قصائده، وهي التي تدل على البعد التام عن الفهم لما يقصده هيدجر.. كان هيدجر تناول جوهر الشعر في محاولته الشهيرة لسنة 1936 (الصادرة في الفرنسية سنة 1937) التي تحمل عنوان "جوهر الشعر". هذه الفكرة، التي ينطلق منها هيدجر، هي التي ربما أراد عبده وازن أن ينقلها ولكنه لم يستطع. فهو أحل عبارته الشخصية محل عبارة هيدجر دون أن يدرك أن عدم عنايته بدقة العبارة يؤدي إلى سوء فهم يعوق الحوار بيننا، ويعوق أيضا كل حوار، بشأن ترجمة شعر هلدرلين إلى العربية من طرف حسن حلمي، أو من طرف مترجمين آخرين في لغات أخرى، غير العربية، اعتمدوا لغة وسيطة. ذلك هو المصدر النظري الذي استند إليه عبده وازن، دون أن ينقل الفكرة بدقة. إن عبده وازن من المتأثرين بالمناخ العام الذي أحاط بهيدجر في الثقافة الفرنسية. وبهذا أتى بحكمه. "لذلك فهو لم ينتبه، بدءاً، إلى ضرورة الفصل بين قراءة هيدجر لشعر هلدرلين وشعر هلدرلين. ولم ينتبه، في الوقت نفسه، إلى تاريخ هذه القراءة الهيدجيرية وما راكمت حولها، عبر الزمن، من مواقف نقدية معرفية، من اتجاهات مختلفة، فلسفية وشعرية..."

يعيب الشاعر محمد بنيس على الشاعر عبده وازن "عدم مراعاته الشرط الثقافي الذي نعيش فيه، وانطلاقه من وجهة نظر هيدجر الشخصية في شعر هلدرلين، وتوسيعه للحكم في ما بعد على ترجمة الشاعر المهدي أخريف لشعر ونثر الشاعر البرتغالي فيرناندو بيسوا. وهو ما رأى فيه الكتاب المغاربة تحاملا على المغاربة، وعبرت فيه عن خشيتي من تسرب لوثة تفضيل المشارقة على المغاربة في هذا الميدان، وهو ما أحسست به في مقالاته، ولو أنه بعيد عن الاطمئنان للخطاب التفضيلي".

وأضاف بنيس أن احتفاءه بترجمة حسن حلمي، هو احتفاء بكل ما هو جميل في هذا الزمن الثقافي المغلق أمام الإنتاجات المهمة والوازنة، حتى ولو كانت عن طريق لغة وسيطة.وقال "إن ما قام به المهدي أخريف وحسن حلمي هو الأمل الكبير للثقافة العربية، كان بودي أن يفسح النقاش لأهمية هذه الترجمات، ولدلالة ترجمة أعمال شعرية أساسية في وقتنا الراهن، بمبادرات نبيلة من طرف شعراء من المغرب والمشرق، عوض إثارة مسألة اللغة الوسيطة في الترجمة، بطريقة تفتقد الكثير من السند النظري والمعرفي".

وفي رده على ما كتبه عبده وازن حول ترجمته لمختارات من شعر هلدرلين، ذكر حسن حلمي أنه قد سبق أن عبر عن موقفه من مسألة الترجمة عن لغة وسيطة في مقدمته للترجمة التي أنجزها لأشعار راينر ماريا رلكه، والتي صدرت بالقاهرة عن المجلس الأعلى للثقافة في سنة 2002. وأضاف "لست أرى داعيا لأن أردد التعبير هنا عن ذلك الموقف الذي تلخصه وتحينه هذه العبارة: الأسلم أن تجري القبلات من وراء الزجاج في عصور تتفشى فيها أوبئة مثل حمى الخنازير. كم كان سيسعدني لو أن كاتب هذا المقال الذي أضطر الآن إلى الرد عليه، أو أن غيره من منظري الترجمة وخبراء "الترجميات"، اطلع على ما سبق أن عبرت عنه وناقشني في مضمونه بموضوعية ودون مزايدات مجانية. أما كان من الممكن أن أقتنع فأقلع عن "هذه العادة السيئة"، أو ربما أكف عن اقتراف "فعل/ فعلة" الترجمة من وإلى أي لغة، فنرتاح جميعا من كل هذا السجال العقيم؟". رد الباحث والمترجم حسن حلمي كان بليغا و "عنيفا" رغم أنه تأخر إذ تاه في ردهات "التضييق" و "الخنق" وبذلك تكون الخيانة الأمثل والنموذج الحي هي لحظة المنع. وهو ما جعل الباحث حسن حلمي يلتجئ الى سلطة جديدة اسمها "الأنترنيت" لعلها تمكن في النهاية من أن يصل رأيه الى القراء.

وفيما يشبه الاعتراف أكد الشاعر محمد بنيس أن النقاش ساهم في "اعتراف مزدوج" بكتاب المترجم والباحث حسن حلمي، الاعتراف الذي غاب في المشهد الثقافي المغربي. ويوازي هذا المنحى ما وسمه بنيس نفسه بـ "الحدث" ومن هذا المنظور تأمل كتاب حول هولدرلين. وكان الأجدى أن يساهم السجال في تحيين النقاش حول أسئلة الترجمة، ومشاريعنا الـ "متخلفة" لا تضاهيها إلا مشاريعنا الثقافية المؤجلة.

الترجمة تقوم على الاختلاف
يؤكد موريس بلانشو أن النص المترجم "يضاهي مجهود الإبداع، ذلك الإبداع الذي يسعى انطلاقا من اللغة المتداولة..الى توليد لغة أخرى تحاكي الأولى في المظهر، لكنها تشكل بالنسبة لتلك اللغة غيابها واختلافها الذي ما يفتأ يحقق وما يفتأ يختفي". إن النص الشعري جزء من هذه المعادلة، لكنها معادلة محفوفة بدينامية التأويل، فهذا النص ينمو في لغة ثانية، ويولد عناصر تخييلية، ولا يخفي فاعليته الأدبية.إن "كل ترجمة تقوم على الاختلاف..حتى وإن بدت ترمي الى حذفه وإلغائه"، لكن النهوض بمهمة تقريب بين لغتين، هو جزء من مهمة أكبر ترمي إخفاء هذا الاختلاف، بفرض الانتباه الى النص المترجم ككيان جديد، إنه رهان "معلمي الخفاء الثقافي" ـ بتعبير بلانشو ـ، وفي قدرة المترجم على تخصيب النص المترجم "بفتح الجيم" والابتعاد على تقنية العبور الآلية، قوة للنص وحياته، كلما ازدادات الترجمة تحررا، كلما استطاعت اللغتان، إرساء علامات تلاقحهما، وخلق فتح جديد لمعنى آخر يتشكل في الأفق.

يشير المفكر إدريس كثير أن الترجمة في تفسيرها ونقلها للغة أخرى، خيانة في المنوال البليغ للقول الإيطالي اللاتيني إلا أن هذا الفعل ليس إراديا ولا واعيا. إنما يعود الأمر الى عمل اللغة ( واللغات) فبنيات اللغات وتركيبها مختلفة، ولكل لغة سلطتها (رولان بارت) ولا وعيها (ستراوس) والمسكوت عنه (أركون). لقد أسهمت الإثنولوجيا باعترافها بجغرافيات ثقافية ظلت مهمشة ومنسية، في الانفتاح على ثقافات لها خصوصيتها. ولقد أمكن للترجمة أن تجعل الحوار بين الثقافات فعلا  ممكنا. الترجمة إذن بتعبير المفكر إدريس كثير حوار هادئ بين الثقافات، من منظور أن ترجمة حسن حلمي في النهاية، فعل يظل متحققا وبليغا في قدرته على الافصاح "على الاختلاف" (بلانشو)، ولا ينحو النص المترجم حينها الى نوع من "الاستقامة" بقدر ما يفعل شكلا من الديمومة والانفتاح على الحياة..