كيف يستطيع الشعر أن يجعل الشاعر قادرا على الاقتراب من كينونته وفهم عوالمه، يكتب الشاعر المصري عمرو البطا الى الذبابة، ومعها ينسج سيرة التكوين الآسر حين يصبح الوجود محض صدفة، وتصير غواية الأمكنة والأشياء صيرورة تجلي.

إلى الذبابة

عـمرو البطَّـا

 

 

ترنيمة

تَبَارَكتِ يا رَبَّةَ الغُرَبَاء.

تَقَدَّسَ صَوتُكِ حِينَ تَطِنِّينَ فَوقَ المَزَابِلِ.

تَحتَ جَنَاحَيكِ

يَسجدُ كِيسُ القُمَامَةِ، والأيكَةُ الوَارِفَةْ

تَرِفِّينَ حَيثُ تَشَائِينَ

مِن دونِ ذَاكِرَةٍ:

كُلُّ شَيْءٍ بِعَيْنَيْكِ

ما زَالَ في طِينَةِ الخَلقِ مُنجَدِلًا

ذَائِبًا في سِوَاهُ؛

هُوَ الكلُّ،

والكلُّ أَنْتِ.

تَجَلَّيْتِ فِي كُلِّ شَيءٍ:

على جِيفَةٍ، وعلى صَحنِ حَلوَى؛

تَنَزَّهتِ عَن مَنطِقِ الحُسنِ والقُبحِ

يا رَبَّةَ الدَّهشَةِ الراجِفةْ

تَعَافِينَ رَائِحَةَ العِطرِ فَوقَ الثِّيَابِ،

تَطُوفِينَ بَينَ الأزِقَّةِ

كي تَلثِمِي أعيُنَ النَّائِمِينَ على الأرصِفَةْ

تَقَدَّستِ -يا رَبَّتِي- بالسَّذَاجَةِ:

لم تَعرفِي المَوتَ يَومًا،

ولم تَعرفِي ما الحَيَاةُ،

فَقَطْ

أنتِ تَحيَيْنَهَا.

تَتَسَلَّينَ بالدَّوَرَانِ بلا هَدَفٍ

(وَهْوَ سِرُّ الْخُلُودِ)!

تَسَربَلتِ باللَّامُبَالَاةِ.

حَاشَا لِكَفٍّ مِنَ الطِّينِ أن تَلحَقَ القَفزَةَ الخَاطِفَةْ

ولو بَاغَتَتْكِ بِخِفَّتِهَا

ضَربَةٌ

تُفْتَنِينَ بِهَا،

تَمنَحِينَ رَشَاقَتَهَا جِسمَكِ الغَضَّ مُنسَحِقًا

وشَهِيدًا،

وعَينُكِ رَاضِيَةٌ

نَازِفَةْ

 

 

رُقية

أعُوذُ بِخَفقَةِ هَذَا الجَنَاحِ

مِنَ العَنكَبُوتِ:

سَلِيلَةِ نَسلِ الشَّيَاطِينِ،

سَيِّدَةِ المَوتِ،

تَقتَرِفُ الصَّبرَ، والعَمَلَ المُستَمِرَّ،

وتَسكُنُ في الغُرَفِ المُغلَقَاتِ،

وتَنسُجُ -في أربَعِينَ نَهَارًا بِلَا مَلَلٍ-

بَيتَهَا اللَّزِجَ المُتَهَدِّلَ

في أيِّ زَاوِيَةٍ خَافِيَةْ

أعُوذُ بِوَجهِكِ

(هَذَا الذي نَشمَئِزُّ إذا ما رَأَيْنَاهُ)

أَنْ تَعلَقِي في الخُيُوطِ

(كقِطعَةِ طِينٍ تُؤَرجِحُهَا الريحُ)،

تَنتَظِرِي العَنكَبُوتَ،

ويَشرَبَكِ المَوتُ فِي مَهَلٍ

قِطعَةً قِطعَةً،

تَرتَدِي سَاعَةَ اليَدِ،

تُحصِي -على الكَفِّ- أنفَاسَكِ اللَّاهِثَاتِ،

ويُخلَعَ ثَوْبُ الأُلوهَةِ عَنكِ،

تَصِيرِي.. بَشَرْ