يطرح رئيس اتحاد كتاب العراق، الناقد الكبير فاضل ثامر، على الواقع الثقافي العربي رأيه في قضية تأسيس مجلس للثقافة في العراق، وما يدور حول المشروع من جدل بين مثقفي الداخل والخارج في هذا البلد المكلوم.

في الطريق إلى تأسيس مجلس وطني للثقافة في العراق

فاضل ثامر

تبرز الحاجة اليوم قبل أي وقت آخر، إلى تشكيل مجلس وطني للثقافة في العراق على غرار المجلس الأعلى للثقافة في مصر مثلاً يأخذ على عاتقه مهمة الارتقاء بمستوى الفعل الثقافي بكل تنوعاته الأدبية والمسرحية والسينمائية والتشكيلية والموسيقية والغنائية، ويمهد الطريق أمام إعادة بناء المؤسسات الثقافية المدمرة (مسرح الرشيد شاهداً) وإرساء بنية تحتية للحراك الثقافي القادم (تأسيس استوديوهات سينمائية يفتقد إليها البلد مثلاً) استعداداً ـ على الاقل ـ لتاهيل بغداد وبقية محافظات العراق لتصبح مراكز ثقافية متنورة ومنها اختيار بغداد، أو البصرة، عاصمة للثقافة العراقية عام 2013 كما اقر في اجتماع وزراء الاعلام والثقافة العرب في سلطنة عمان مؤخراً. ومن المحقق ان عمل مثل هذا المجلس لا يتعارض او يتقاطع ابداً مع عمل وزارة الثقافة او أي من المجالس والاتحادات والنقابات والروابط الثقافية الشعبية او الرسمية التي تسهم بقسط في ادامة الحياة الثقافية، فالثقافة العراقية عانت من الكثير من الاهمال والشك وهي تتطلع الى الايدي الأمينة والعقول النيرة التي تمسح بحنان عن تقاسيمها غضون السنين والتهميش والتجاهل.

وشخصياً كان لي شرف الإدلاء بوجهة نظر في هذا الموضوع بعد سقوط النظام الدكتاتوري مباشرة وقبل تشكل الحكومة العراقية ووزارة الثقافة، اذ نشرت في احدى الصحف المحلية مقالة تحت عنوان "نحو تشكيل مجلس أعلى للثقافة في العراق" أثارت اهتمام جميع الحريصين على فكرة تأسيس مؤسسة ثقافية شعبية وغير رسمية تضطلع بمهمة وضع أجندة شاملة لمختلف الأنواع الثقافية والفنية في العراق، بعيداً عن هيمنة المؤسسة الرسمية واملاءاتها واشتراطاتها، واتصل بي احد الأصدقاء القدامى ممن عمل آنذاك في الهيئة الاستشارية الثقافية التي شكلها في ذلك الوقت السفير بريمر هو الزميل (إ. أ) مبدياً تحمسه للمشروع وعارضاً عليّ التعاون لتحقيقه، لكني اعتذرت عن قبول هذا التعاون مع وجهات تمثل الاحتلال. مبينا له اني انتظر تشكيل حكومة وطنية يمكن لها ان تحتضن مثل هذا المشروع، وعندما تشكلت هذه الحكومة المؤقتة التي اختارها السفير بريمر آنذاك تفاءلنا خيراً، بمستقبل الثقافة العراقية خاصة بعد ان اعلن عن حل وزارة الاعلام ـ وهو قرار جائر ـ والإبقاء على وزارة الثقافة لكن الثقافة العراقية ظلت ـ وللأسف ـ مهمشة ومقصاة بينما حظي الأعلام بحصة مفاجئة تمثلت في تشكيل "شبكة الاعلام العراقية" التي تمتلك قدرات مالية ومعنوية هائلة، دفعتنا للمطالبة ـ اكثر من مرة ـ بتشكيل "شبكة للثقافة العراقية" تمتلك مثل تلك الامتيازات والمزايا، لكن ما من سميع ولا من مجيب. اذ ظلت الثقافة العراقية في منطقة الظل وحتى وزارة الثقافة التي تشكلت رسمياً وضعت في آخر سلم الوزارات. بل وعدها بعض ممثلي الطوائف وزارة تافهة، وخصصت لها ميزانية محدودة تقل كثيراً عن مخصصات جامعة عراقية واحدة مثل جامعة البصرة، ومثل هذه الميزانية لا تكاد تغطي نفقات سفرات وزيرها وبقية المدراء العامين على مدار العام مما يضطر مسؤول الحسابات الى اجراء "مناقلات" اصولية ـ بالطبع ـ من بقية الابواب للصرف على ما هو اداري وثانوي مقابل اهمال او تجاهل لما هو ثقافي !.

ولذا فقد ازدادت المطالبة بتاسيس مجلس وطني للثقافة في العراق، لكن الجهود ظلت مبعثرة ومتفرقة واحيانا فردية، ومن المشروعات الوطنية الواعدة في هذا المجال المشروع الذي تقدمت به مؤسسة المدى اثناء انعقاد اسبوعها الثقافي في كردستان العراق ربيع عام 2006 والذي وعدت باستئناف مناقشته مرة اخرى في الدورة القادمة من اسبوعها الثقافي التي سوف تقام في اربيل في 29 / 4 / 2007، وتركز الورقة التي اعدتها "المدى" في هذا المجال على تشكيل مجلس أعلى للثقافة مستقل كلياً عن الدولة او الحكومة او مجلس النواب, هو تطلع مشروع، لكنه، من الجانب الآخر قد يصطدم بمشكلة الدعم او التمويل التي قد تواجه عمله مستقبلاً ومع ذلك فلا باس من انبثاق مثل هذا المجلس المستقل لأن الحياة الثقافية العراقية "عطشى" لأشكال التنظيم التي تفتقدها، وهذا التشكيل سوف يسهم بالتأكيد في الارتقاء المسؤول بمستوى العمل الثقافي خاصة بعد الخبرة التي امتلكتها "المدى" في تنظيم ورعاية الكثير من الأنشطة الثقافية المتنوعة اضافة الى اضطلاعها بإيجاد أول "صندوق للتنمية الثقافية" في العراق.

وفي نهاية العام المنصرم 2006 انبثق تشكيل نقابي، مهني، ثقافي يضم عشرة منظمات ثقافية تحت عنوان "الهيئة العليا للمنظمات الثقافية" يضم: اتحاد الأدباء، نقابة الصحفيين، نقابية الفنانين، اتحاد المسرحيين، اتحاد السينمائيين، اتحاد الموسيقيين، اتحاد الإذاعيين، التلفزيونيين، جمعية الخطاطين، جمعية المصورين، جمعية الفنانين التشكيليين واتحاد الأدباء الشعبيين. وخلال مرحلة التأسيس لهذه الفكرة اتجهت النية أولاً للاعلان عن تشكيل مجلس أعلى للثقافة في العراق، باعتبار ان الهيئة تنطوي على تنوع ثقافي يمثل كافة الأنشطة الثقافية العراقية الا اننا آثرنا التريث قبيل الاعلان عن مثل هذا التشكيل الذي كان لي شرف رئاسته وذلك بغية ضم الجهد الثقافي المشترك لجميع المشروعات الوطنية التي تتطلع الى تشكيل مثل هذا المجلس.

وقلت شخصياً ان الهدف ينبغي ألا يكون "من يعلق الجرس اولاً" وانما السعي لإيجاد مولود معافى يعترف الجميع بشرعيته، ومثل هذا المولود لا يمكن له ان ياتي الى الوجود الا عبر اجماع او شبه اجماع ثقافي من قبل المثقفين العراقيين ومؤسساتهم واتحاداتهم الثقافية، ولذا فقد عارضت شخصياً مشروعاً لبعض الزملاء من المثقفين العراقيين الذين يسعون الى الاعلان عن مثل هذه المجلس دون ان يمتلكوا المقومات الكاملة التي تمنحهم الشرعية لمثل هذا الاعلان ولذا فقد واصلنا الاتصال بمختلف الجهات في مجلس الوزراء ومجلس النواب (من خلال لجنته الثقافية) وبالزملاء في مؤسسة "المدى" للوصول الى صيغة جماعية ومقبولة من الوسط الثقافي، كنا في اتحاد الأدباء قد تقدمنا بمقترح الى السيد رئيس الوزراء لتشكيل مجلس اعلى للثقافة او التمهيد له بتشكيل "هيئة عليا لرعاية الثقافة" مرتبطة بمجلس الوزراء ريثما تنجز الأعمال والإجراءات الأًولية المعقدة بتشريع قانون يقره مجلس النواب حول تشكيل " مجلس أعلى للثقافة ".

وفعلاً حظي هذا المقترح بالموافقة الشخصية من لدن السيد رئيس الوزراء، لكننا آثرنا التريث ومواصلة بلورة الأفكار والمقترحات الجماعية قبيل الإعلان عن تشكيل لجنة تحضيرية، ووجدنا دعماً وتفهماً من قبل هيئة المستشارين في مجلس الوزراء التي اقترحت علينا الاتصال المباشر باللجنة الثقافية في مجلس النواب التي يرأسها الأستاذ مفيد الجزائري والذي أبدى بدوره الترحيب بالفكرة ووعد بطرح المقترح على اللجنة الثقافية لتنظيم اجتماع ثقافي موسع تحت رعاية مجلس النواب. ومن اجل الإعداد لمثل هذا الاجتماع مع اللجنة الثقافية في مجلس النواب سوف نعمد في اتحاد الأدباء والهيئة العليا للمنظمات الثقافية الى عقد اجتماع تمهيدي موسع للمثقفين العراقيين لبلورة الأفكار الأساسية لمشروع المجلس الأعلى للثقافة، وإيجاد آليات معقولة لتحويله الى تشريع قانوني ـ يسهم في صياغته عدد من رجال القانون والتشريع ـ تمهيداً للإعلان عن تشكيل لجنة تحضيرية للمجلس الأعلى للثقافة تأخذ على عاتقها مهمة الإعداد والتشريع المقترح وتقديمه الى مجلس النواب لإقراره، وكذلك لمواصلة إجراء التحضيرات التفصيلية الخاصة بتشكيل هيئات المجلس ولجانه وتحديد وظائفه وتوصيف ملامح شخصيته المعنوية والقانونية.

وقد يعترض البعض على تشكيل مجلس اعلى للثقافة يرتبط باي جهة تشريعية او تنفيذية في الدولة ويدافع عن فكرة الاستقلالية المطلقة لمثل هذا المجلس، ومرة اخرى نقول اننا مع التنوع ومع مبدأ تشكيل أكثر من مجلس للثقافة، لكننا نعتقد ان مجلساً للثقافة مستقلاً من الناحية المادية عن الدولة سوف يواجه عقبات كبيرة لضمان الدعم المادي المتواصل له. اذ لا يمكن دائماً ان نضمن مصادر دعم كافية او جهات وطنية ودولية نزيهة يمكن ان تقدم له مثل هذا الدعم، ذلك ان الحياة الإقتصادية لم تصل بعد الى درجة الرقي التي تدفع بالمؤسسات الثقافية او المالية لتخصيص جزء من ارباحها لدعم النشاط الثقافي كما يجري حاليا في بعض البلدان اذ ما زالت الحاجة بسبب استمرار تقاليد المجتمع الريعي تمنح الدولة صفة الراعي او رب العمل الذي يتحمل مسؤولية رعاية العمل الثقافي والإجتماعي والاقتصادي.

ولذا ندعو الى ان تتحمل الدولة العراقية ممثلة بمجلس النواب وليس الحكومة العراقية مسؤولية رعاية الثقافة العراقية من خلال إصدار تشريع قانوني بتحديد وظائف مهمات وعمل المجلس الوطني للثقافة في العراق، وتوفر له الغطاء القانوني والشخصية المعنوية وتضع تحت تصرفه امكانات كبيرة تؤهله القيام بدوره المنشود في انتشال الثقافة العراقية من حالة الشلل الجزئي الذي تعاني منه، ونحن نتطلع الى ان يمتلك هذا التشكيل استقلاليته التامة عن السلطة اسوة بتشكيلات وهيئات اخرى مثل "هيئة النزاهة" و"المفوضية المستقلة للإنتخابات" و"شبكة الإعلام العراقية" وغيرها من الهيئات المستقلة والمرتبطة مباشرة بمجلس النواب. ونحن انما نهدف من ذلك الى انتزاع استحقاقات شرعية ثابتة ومتواصلة للثقافة العراقية ومؤسساتها من الدولة العراقية ممثلة بمجلس النواب، وهو انجاز نقدمه للإجيال القادمة ولا يهدف الى تحقيق مكسب آني لهذا المثقف او ذاك أو لهذه الجهة او تلك، وكل ما نتمناه ان لا يتم الالتفاف على مثل هذا التشريع المستقل وان لا يتحول الى تابع الى اية جهة رسمية كما نأمل ان يجري اختيار المسؤولين الثقافيين فيه او مجلس امنائه من العاملين الميدانيين في الوسط الثقافي وليس على وفق مبادئ المحاصصة الطائفية او الوجاهة والمحسوبيات التي ما زالت ـ وللإسف ـ تعتمد في الغالب في اختيار الرجل غير المناسب في المكان المناسب وان يبعد عن مثل هذا المجلس الباحثون عن السلطة والجاه والوجاهة او الذين يحولون المجلس الى بقرة حلوب لتلبية نزعاتهم ورغباتهم الشخصية، كذلك ابعاد اللصوص والمشكوك في نزاهتهم وامانتهم عن مراكز المسؤولية في مثل هذا المجلس المهم.

واخيراً واستكمالاً للإحاطة بكافة الجوانب الخاصة بتشكيل مثل هذا المجلس أود ان ابسط هنا مشروعا جدياً لم نشر اليه بعد يدعو الى تشكيل مثل هذا المجلس يرعاه الاعلامي العراقي ابراهيم الزبيدي تحت عنوان "المجلس العراقي للثقافة" في اجتماع في العاصمة الاردنية عمان سوف يعقد في 14 / 5 / 2007 (بعد ان كان الموعد السابق هو 1 / 5 / 2007) وكان السيد ابراهيم الزبيدي قد اتصل بي هاتفيا من عمان كما سبق وان اتصل لهذا الغرض بالدكتور مالك المطلبي واخرين منهم الدكتور هاشم حسن والشاعر عبد الزهرة زكي والدكتور جلال الماشطة وغيرهم، واخبرني السيد الزبيدي بان هناك نية للإعلان عن تشكيل "المجلس العراقي للثقافة" فأخبرته باننا نسير الآن باتجاه تشكيل "المجلس الوطني للثقافة في العراق" ومقره بغداد، فاشار الى اعتقاده بعدم وجود تعارض بين المجلسين وبالامكان لاحقاً التنسيق بين عمليهما وبعد اجراء بعض المشاورات مع زملائي طلبت منه في رسالة بالبريد الالكتروني ادراج قائمة تضم ثلاثين مثقفاً عراقياً للمدعوين اغلبهم من الوجوه الأدبية والثقافية والفنية في اتحاد الأدباء وفي عدد من المنظمات والاتحادات الثقافية، وتوثيقاً للوقائع فقد كانت القائمة التي اقترحتها تضم الزملاء:ـ

وقد ادرجت تعريفاً مركزاً بكل واحدٍ من هؤلاء المدعوين وتلقيت بعد ايام من خلال بريد الدكتور مالك المطلبي موافقة جزئية على ادراج (11) اسماً فقط إضافة الى ثلاثة أسماء كانت مدرجة من السابق هي أسماء: فاضل ثامر، د. مالك المطلبي، د. هاشم حسن، اما الأسماء الأحد عشر التي تم أدراجها فهي:
1. الفريد سمعان
2. حميد المختار
3. حسين الجاف
4. إبراهيم الخياط
5. فوزي اكرم ترزي
6. محمد مبارك
7. حسب الشيخ جعفر
8. جاسم عاصي
9. د. عقيل مهدي
10. حسين البصري
11. عادل الهاشمي

ولمعرفة آراء عدد من الزملاء المدعوين اتصلت بالدكتور جلال الماشطة الذي قال انه اعتذر عن قبول الدعوة اعتراضاً على آليات توجيه الدعوة، حيث أدرج اسمه ضمن قائمة المدعوين دون الحصول على موافقته الأولية، أما الزميل الشاعر عبد الزهرة زكي فقد اخبرني بانه رفض المشاركة لأن البرنامج الحالي للمجلس يكاد ينطبق على برنامج حزب سياسي، واتصلت بالأستاذ مفيد الجزائري الذي قال انه لم يتلق دعوة لحضور الاجتماع الجديد وانه كان قد حضر المؤتمر السابق الذي عقده السيد إبراهيم الزبيدي في عمان في العام المنصرم وأبدى الأستاذ مفيد الجزائري رأيه بجدوى مشاركة ممثلي الأدباء والمثقفين العراقيين بغرض التأثير على اتجاهات مثل هذه الاجتماعات لأن مقاطعتها قد يؤدي الى اتخاذ مواقف لا تخدم الثقافة العراقية كما اتصل بي من هولندا الزميل ياسين النصير وكان قد تلقى دعوة مماثلة وأيد فكرة المشاركة الإٌيجابية لغرض صياغة توجهات وقرارات تخدم العمل الثقافي في العراق ووجدت رفضاً من قبل بعض المثقفين والإعلاميين أمثال الزميل شهاب التميمي نقيب الصحفيين الذي سبق له وان شارك في مؤتمر المثقفين الموسع الذي دعا اليه السيد الزبيدي في عمان بحضور اكثر من 750 مثقفاً من خارج العراق وداخله، وقد اصدرت نقابة الصحفيين التي يرأسها الزميل شهاب التميمي بياناً يهاجم فيه المشروع برمته وأبديت شخصياً تحفظاتي على موقف النقابة هذا.

وبصراحة فقد كانت الدعوة التي تلقيناها مثار نقاش وحوار بين المثقفين العراقيين الذين التقينا بهم وانقسم المتحاورون بين رافض للمشاركة خشية الإسهام في تمرير قرارات لا تخدم العملية الثقافية وقد استندوا في ذلك الى قراءة مسودة "مشروع المجلس العراقي للثقافة" دوافعه ومنطلقاته وأهدافه الأساسية ومبادئ عمله وشروط العضوية ومصادر التمويل التي تلقيناها. وبين معترض على مكان تنظيم الاجتماع خارج العراق، اذ كان يفترض بالاجتماع ان يعقد في العراق وليس خارجه بعد ان تم عقد اجتماع "دول الجوار" داخل بغداد كما كان الاعتراض الثاني يتمثل في النص على تحديد المركز الرئيسي للمجلس خارج العراق كما ورد في الفقرة التالية:

"يكون المركز الرئيسي للمجلس في الوقت الحاضر خارج العراق، على ان ينتقل الى بغداد عندما تسمح الظروف بذلك " كما ابدى البعض اعتراضاً على مصادر تمويل المجلس لأنهم يخشون ان يقع المجلس تحت ضغوط واشتراطات مانحين لهم أجندتهم الخاصة التي قد تؤثر على استقلالية الثقافة العراقية ومسارها. أما المثقفون الذين ايدوا فكرة المشاركة ورفضوا فكرة المقاطعة فيذهبون الى الاعتقاد بان حضور هذا العدد الكبير من المثقفين العراقيين داخل العراق وخارجه ينبغي ان لا يترك للسير بصورة عفوية، اذ لا بد من التأثير فيه من الداخل لتحقيق نتائج ايجابية ملموسة تخدم الثقافة العراقية وتدعم التوجهات الوطنية والديمقراطية في التجربة السياسية العراقية الجديدة، ولذ فهم يقترحون المشاركة بفعالية وايجابية من خلال التنسيق مع هذا العدد الكبير من المثقفين العراقيين للوقوف ضد الاتجاهات المعادية لتطلعات الشعب العراقي وحقه في اختيار تجربته السياسية الخاصة بعيداً عن الوصاية الخارجية والتدخل الأجنبي وللعمل من اجل تحقيق انجازات ملموسة تعزز وضع النشاط الثقافي داخل العراق وخارجه.

وبعد فنحن لم نقرر بشكل حاسم موقفنا النهائي بين هذين الموقفين، فما زلنا نصغي الى وجهات النظر المختلفة في جدوى المشاركة او عدم جدواها، وان كنت شخصياً ميالاً الى المشاركة لتأكيد حضور مثقفي الداخل وللتأثير في اتجاهات الرأي داخل الاجتماع بما يخدم الثقافة العراقية وبناء عراق ديمقراطي بلا عنف او طائفية، ومتحرر من كافة آثار الاحتلال والوجود الأجنبي على ترابه الوطني.
وبعد: هذه هي صورة المحاولات الجارية اليوم لتأسيس مجلس وطني للثقافة في العراق، ويهمني التركيز في هذه اللحظة على دعم التوجه الداخلي لتأسيس مثل هذا المجلس من خلال إصدار تشريع قانوني من مجلس النواب يحدد صلاحيات المجلس وآليات عمله ويلزم الدولة العراقية بتقديم دعم واضح للثقافة العراقية اما من خلال ميزانية الدولة او من خلال تخصيص نسبة معينة من واردات النفط او المال العام لدعم النشاط الثقافي إضافة الى الموارد الأخرى المحتملة التي تدعم ميزانية المجلس من جهات وطنية وعالمية مانحة نزيهة وليس لديها اية اشتراطات او إملاءات مسبقة قد تؤثر على عمل المجلس واستقلاله. ومن اجل اتخاذ خطوات إجرائية عاجلة اقترح الدعوة لعقد مؤتمر موسع للمثقفين العراقيين يدرس الجوانب الفنية والقانونية والثقافية المتعلقة بتشكيل مثل هذا المجلس، وان يشارك في هذا المجلس ممثلون عن المنظمات والاتحادات والنقابات الثقافية اضافة الى عدد من الوجوه المعروفة وممثلين عن مجلس النواب ولجنته الثقافية اضافة الى ممثلين عن الحكومة العراقية وجميع الاحزاب والحركات السياسية والاجتماعية، وقد يمهد هذا الاجتماع لتشكيل لجنة تحضيرية للمجلس تاخذ على عاتقها مهمة استكمال عمليات التاسيس وصياغة النظام الداخلي وتشريعه من قبل مجلس النواب، ان مثل هذا الإجراء يكسب تحركنا مشروعية اوسع وقبولاً من قبل الطيف العريض للمثقفين العراقيين، ويمنحنا عند ذاك الحق في الاعلان عن ولادة هذا المولود المعافى بعيداً عن السباق غير المشروع لمن يعلق الجرس اولاً.