يلهمنا الشاعر التونسي في قصيدته تلك الى ذاته المتشظية، ومن خلالها نقترب من انجراحات تتماهى مع المكان واللغة وتتغيا الصيرورة. وسواء بقصد أو بدونه، يعبر النص الشعري الى غربة الذات وانكساراتها

دُون قصْْْد أتعرّى

المهدي عثمان

عنْدما كنتُ بعيدا عنْ قلْبي
وبعيدا عنّي
وكنتُ قريبا منْ غُرْبتي
كان وطني يُطلّ من أعلى
                     ... عليّ
أدوس زهْرة الحُلم
نبتَتْ دون إذْن
ودُسْتُ الزّهرة دون قصْد
اعْتذرْتُ للطين منْ ظلّي
وظلّي اعْتذر للطين عنّي
ومررْتُ دون قصْد بلا قلبي
*   *   *
أجرّ ما تبقّى من جِرار الوقْت
بحبْل ضفرْتُه من وَجَعي
ضلّ يجرّني الحبْل
وقلْبي يضْحك ملْء شدْقيْه
ضَلّ قلبي....
ويضْحك الحبْل...
وبيْنهما لا زلْتُ أمرّ هادئا
كخنْجر ضلّ عاريا
بعْد نومه في الجسدْ
*   *   *
وصلْتُ لثقْب في خريطة
ونمْتُ بيْن نهرين
ولمْ أسْمع ضحك الصبّار
... يوَلْول كالصـ.........ـدى
من حَناجر كنتُ أجرّها في الجرار
جاءني صوت في المدى كالصدى
قيل في الشرْق الآخر لخرائطكم
(أو في الشرْق هنا)
يسْكن غول بقرْنيْن
ـ وقيل أفعى ـ
بطول نهْريْن إذا انتصبتْ
وقال الرعاة
رأيْناها تغْفو
وتجْترّ نهْرا بكلّ قواربه.
.........
سَقَط النهر من فمها جسْرا
لنعْبر لبيوتنا الأولى
دون مفاتيحها
*   *   *
هَرَب الرعاة خلْف ناي الصّبا
ولا زلْتُ أغْفو بيْن نهرين
نهر لا اسْم يحمله
ونهر أضاعتْه الخرائط
وضاع دون قصْد.
*   *   *
عندما كنتُ بعيدا عن قلبي
وبعيدا عنّي
ضلّ وطني يتعَرّى كجِدار
ويُخفي بَهْجَته عنّي
حتّى إذا عُدتُ من النهرين منكسرا
مدّ غموضه في صحيفة:
ـ اقرأ كم كنتَ غريبا.
ـ لا أقرأ الحرْف وأقرأ المنْفى.
ـ إذن، عدْ حيْثُ نمْتَ
وتذكّرْ أنّك دُسْتَ زهْرة الحُلْم
                    ... ولمْ تتذكّر
.........
بكيْتُ كنعْش يُقْلق راحة ميّت
واعْتذرْتُ للطين
ومررْتُ دون قصْد بلا قلبي.

شاعر من تونس