تتخلق في هذه القصائد التي تمتد في الزمان وتجوب عبره المكان الواقعي والحلمي معا، لا ملامح جوان الشاعرة والحبيبية، التي برغم سلبيتها في القصائد وصمتها عن البوح، توشك أن تكون مركز حياة الشاعر وهو يلتقط التفاصيل الرهيفة لعلاقته بها، وهي تتبدى لها في حالات وحالات.

ثلاثُ قصائدَ عن جُوان

سعدي يوسف

جْوان تحلُمُ
أراقبُ جْوانَ في الحُلْمِ:
السريرُ هنا، باقٍ كما كانَ...
ليلُ القريةِ اتّسَعَتْ فيه الشواخصُ،
أشجارُ السياجِ بَدتْ غيماً
ونافذتي تدنو من الثلجِ...
وجهُ جْوانَ مُؤتلَقٌ للوردِ.
لا أسمعُ الأنفاسَ
غائبةً كانت جُوانُ مع البحرِ المُحيطِ
مع الأعشابِ في القاعِ...
كانت غضّةً
أبداً
شفيفةً
تهبِطُ الأمواجُ تائهةً بها
ثم تعلو فجأةً...
وأنا الأعمى
أراقبُ جْوانَ في الحُلمِ:
السريرُ هنا
يطفو...
وبعدَ قليلٍ باتَ ينجرفُ!

لندن 27/ 11/ 2008


شقّةُ بَرلِين The Berlin Flat
لثلاثةِ أيّامٍ، وثلاثِ ليالٍ
ظلَّ المطرُ الصامتُ يسقطُ
حتى ابتَلَّ لِحافي في غرفةِ نومي...
وابتَلّتْ مكتبتي.
جْوانُ الآنَ تنامُ، مُنَعّمةً، في شقّتِها البرلينيةِ
حيثُ بدأْنا قصّتَنا في القيلولةِ
بعدَ نبيذٍ أحمرَ لم نعرفْ من أيّ كُرومٍ جاءَ.
(أتحدّثُ عن عامٍ ماضٍ)
لكني ألتجيءُ، اللحظةَ، نحوَ هنالِكَ
نحوَ الشقّةِ في برلينَ...
جْوانُ هناك.
وهنا، لثلاثةِ أيامٍ، وثلاثِ ليالٍ،
 ظلَّ المطرُ الصامتُ يسقطُ.

لندن 28/ 11/ 2008


ليلُ المحَطّةِ
سوف تأتي جوانُ ليلَ الأحدِ:
الرصيفُ في محطةِ المترو سيبدو شبه مغسولٍ من النوءِ الخفيفِ
الضوءُ يبدو شاحباً
لا وقْعَ أقدامٍ
ولا مسافري ليلٍ...
محطةُ المترو غفَت، مثلَ محطّاتِ القرى في ليلِ أسكتلَندةَ.
هل أبدو، أنا، مشتبَهاً بهِ؟
الساعةُ في المدخلِ... هل تستنطقُني؟
مَن أنتَ؟
مَن تستقبل، اللحظةَ، ليلَ الأحدِ؟
الشرطةُ في سيّارةِ الدوريةِ
الفندقُ، حيثُ العاهراتُ ارتَحْنَ من أثوابِهِنّ، استقبلَ التجّارَ بالجازِ القديمِ.
........................
........................
........................
جْوانُ تأتي...
جرجرتْ، عبرَ محطّاتِ الشمالِ، البحرَ
والأوراقَ
والضحكةَ، ملءَ العالَمِ.
جوانُ ستبدو، آنَ أستقبلُها، تنتظرُ القُبلةَ
كالوردةِ إذْ تنتظرُ الطلَّ
كفانوسٍ على كوخٍ
وكالهدأةِ في ليلِ المحطّاتِ...
كأنفاسي التي أمستْ تضيء.

لندن 19/ 9/ 2009