ألواح الرواية
في سنة 1928، عثر العالم الفرنسي البرتيني، في جنوب تبسة في الجزائر، على ألواح خشبية كتبت بالمداد، وعددها 45 لوحا تعود إلى الفترة الممتدة ما بين 493 و496 م، في عهد الملك الوندالي كنتمندgunthamund ،(485 496) وتحكي عن استغلالية كبيرة في ملكية شخص يدعى جرمينيوس كاتولينوس يستغل المزارعين/ الفلاحين في إطار قانون يسمى قانون مانكياني Manciani يتضمن استعبادا ونظام إتاوات وسخرة وقيودا تستعبد المزارعين وسلالاتهم {1}. أسوق خبر هذا الاكتشاف، لفهم طبيعة التكرار والتطابق الذي يتحقق في الحياة وفي عدد من النصوص التاريخية أو المذكرات أو في الإبداعات التعبيرية الكتابية والشفاهية. كما أردت أن أفهم إلى أي حد يمكن للنصوص، المكتوبة والشفاهية المتداولة، ضمن خطابات في سياق التلقي المحدود أو المنتشر، منذ القديم، أن تكيف وتستثمر الخطابات السائدة بنبرها وتقاطعاتها وما تحمله من نوايا وأحكام ودرجات الذاتية وكل ما هو شعوري بأشكال متفاوتة، وما تحمله أيضا من فهم وتأويل وحدوس... هي خطابات مهيمنة تتلاشى وتنمو، كونها تحمل في موتها سمادا للحياة والاستمرار، فهي تشتغل دلاليا في حقول الاجتماعي اليومي والديني والسياسي، والوجداني ... إن العناصر المشكلة للحكاية هي نسيج للإحالات المتعددة على كافة الخطابات، البارزة والخفية، حيث يكون الروائي أمامها بين اختيارات عدة، من بينها:
أولا: تأكيد ونقل تلك الخطابات الإحالية ضمن شكل فني حكائي مقنع، وبذلك فانه لا يضيف شيئا للحكاية.
ثانيا : نقض الرؤى والخطابات السائدة المهيمنة والمتحكمة في توجيه الأفكار وتنميطها لتقديم رؤية / رؤى أخرى في سياق إنتاج خطاب ثقافي وجمالي ضمن جنس الرواية، لأن التخييل سواء في علاقته بالذات أو بغيرها هو تلك المساحة الخلاقة التي لا تكرر أو تستنسخ، وإنما تبدع وتشكل بمعنى من المعاني تعديلا ونقدا وتكييفا عبر الحكاية ورؤاها اللامحدودة.
وقد عمدت الرواية إلى رسم هوية ثقافية ارتبطت باجتهادات في الوعي الجمالي، والتنوع ضمن تحقيق نصوص تمتح من كل العناصر في سياق خلق تخييل قادر على تجذير هذه الهوية ومنح الكتابة الروائية بعدا رمزيا يعادل الحياة. كما استطاعت أن تحقق، في عمر زمني قصير، تراكمات مهمة أفرزت شكلا روائيا، مكن النقد من البحث عن أدوات متجددة لملاحقة هذا التطور والذي كان مرتبطا بتطور في الوعي، بشكل عام، وبما كان يجري في الحقول المعرفية، وفي البنيات المجتمعية المرتبطة بها، وفي مجالات مباشرة أسهمت في تسريع التطور على مستوى تجاوز مراحل للوصول إلى بناء فني ناضج في المجمل.
من بين هذه المجالات الدينامية والمحركة: واقع الاستقلالات السياسية وما رافقها من طموح أو ما سيأتي في ما بعد من انجلاء الأوهام، والحضور المتبدل للسياسي والديني، وأيضا دور الجامعة والصحافة والتعدد اللغوي والمثاقفة والتحولات الملتبسة في القيم، وارتباط الكاتب بالكتابة وقضايا المجتمع والتاريخ والهوية. وهكذا كان ارتباط الرواية بالمتخيل، في مستويات متدرجة من الذاتي الحالم إلى الإيديولوجي إلى التاريخي الملتبس إلى اليومي الحارق، عبر مراحل تشكل المتخيل الروائي فيها لفترة - متقلصا ومفككا، ليعرف في مرحلة تالية تملكه لهوية تعبر عن تواصلها مع الذات والتاريخ والمجتمع برؤية جمالية قادرة على استثمار كل الأشكال التعبيرية الأدبية والفنية، والسفر عبر أنواع التراث والأسطورة.
وقد استمر المتخيل الروائي في الارتباط بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية المحلية بشكل بارز، حيث كان لجوء الروائي إلى التعبير عن هواجسه بكافة الطرق الرمزية في لحظات اشتداد القمع والرقابة، ثم جاء التعبير عن هذه الهواجس، وقد تحولت إلى محن وكوابيس في لحظات أخرى بدا فيها الانفراج منحة تستبطن شكلا آخر للضياع الفادح.
وأصبح البحث أشد تعقيدا في القول الروائي والتعبير عن هذه التحولات والتغيرات بلغة فنية تختزن حركية تشكل رؤية جديدة تؤسس تدريجيا لمكانتها وتزيح رؤية يبدو أنها لم تعد قادرة على صوغ تعبيراتها وعنف اللحظة وتحولاتها، تمهيدا لتشخيص ساخر واعتماد لغة انتقادية جديدة تراجع القناعات وترسم دهشة أدبية جديدة ملأى بأسئلة مشتركة من أوعاء وحقول أخرى. يتشكل المتخيل وفق استراتيجية مزدوجة، فهو نص ينخرط ضمن سيرورة دائرية، عبر ارتباطه بما هو مألوف ومحجوب، والتعبير عنه باختلافية من أجل إعادة اكتشافه وإبرازه كبنية مهيمنة تحقق قيمة الكتابة والصراع والنقد.
ألواح العنابية والحاج كيان
تحقق رواية (عرس بغل)(2) بناء جماليا ضمن حكاية يحكمها قانون مانكياني، الشخوص مستعبدة في الأرض / المكان، تبحث ، باستمرار عن مبرارات الاستمرار وتسميات مختلفة وزائفة لوجودها. وهي بذلك تجيد تكييف الرؤية والفهم لصالح واقع تعيشه في غياب هوية قادرة على منحهم الوضع الطبيعي الذي لا يحتاج، بالضرورة، إلى تبريرات. وقد جارى المؤلف منطق الرواية عامدا بدوره إلى تكييف خطابات المرحلة، الاجتماعية والدينية والسياسية، للتعبير فنيا عن المعرفة المحرفة لقيمة الحياة. والى آثار مأزق ووعي زائف وعوامل مهيمنة تعبر عن انحرافات ومؤثرة. انه سعي تخييلي لرسم نبض الإيديولوجي والمرجعيات التي يتمظهر من خلالها. الإيديولوجي، بمعنى الوعي الزائف وما ينتجه من ظواهر وقيم تهيمن سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وتصبح موجهة ومرجعا. ويشتغل الإيديولوجي في الرواية على التكييف، خصوصا على ثلاثة عناصر في رواية "عرس بغل": الذات والمجتمع والتاريخ.
تفتتح الرواية المتكونة من 26 فصلا أو لوحة بالجملة التالية: "عندما اجتاز الحاج كيان سياج الصبار المحيط بالمقبرة وجد نفسه يتسلل بين القبور في دربه المعتاد.."{ ص7} إن فعل (اجتاز) هو الفعل الوحيد، في الرواية، الذي وظفه السارد مرة واحدة فقط في كل فصول النص، على عكس كل الأفكار والكلمات الأخرى التي ستتكرر عدة مرات وفي سياقات متشابهة ومختلفة. وبفعل (اجتاز)، يرسم السارد حركة تبدأ من الانفتاح إلى الانغلاق، من الحياة إلى الموت، انه يؤسس بهذا الفعل لحركة أساسية في مسار حياة شخصية محورية وفي كل بناء الحكاية بدلالاتها الدائرية حينا واللولبية حينا آخر.
ورغم وجوده في أول جملة من الرواية وعدم تكراره ضمن نظام يوحي برمزية معينة، فان قدرة هذا الفعل تكمن في تغلغله ضمن نسيج الخطاب المولد لدلالات لا محصورة، حيث يوجد في الشيء وفي ضده، فيطفو بالمعنى الصوفي الديني والسياسي والاجتماعي والإيديولوجي.. له علاقة بالحالة والامتحان والعبور من حياة إلى أخرى، ومن مسلك لآخر. وفي سياق الرواية، الاجتياز هو اختيار، عن وعي وقناعة أو عن جهل وتهور، جعل الحاج كيان يسلك طريقا بات طقسا مقدسا يمارس فيه حياة أخرى لمدة يومين في الأسبوع، في خلوة غريبة وضمن سلوك أغرب. حياة أخرى يجتاز بها باقي الأيام ومظاهرها التي لا تتغير ليدخل إلى حالاته التي يختار فيها شخصيته ومحاوريه، يحاور ويتأمل ويبكي ليتطهر.
لا يؤتَى الاجتياز، في بعض أعراف التصوف، إلا لأولياء الله والصالحين من السالكين. والحاج كيان اختار أن يسلك أولا المكان المألوف بذات منهكة ومشتتة ومتشوقة، إلى مكان مهجور ومنبوذ، مقبرة للموتى، وعبر هذا المكان يجتاز الحاضر الفاسد، وقد خبره وعاشه بنفسه، نحو زمن الماضي مع الشعراء والثوار والخونة أيضا. وخلال هذا المسلك تتحقق رحلات من المعلوم إلى الغيبي المجهول، مستعينا بوسائط من قبيل علبة حلوى الترك وقارورة العسل وغليون الحشيش الطويل وعلبة أخرى من حلوى الترك تحتها كتلة متراصة من الحشيش. بعدما استطاعت العنابية، كما يقول الحاج كيان "أن تزعزع جامع الزيتونة بسواريه، وبمشايخه وبفقهه ونحوه وصرفه وتجويده، وتحوله إلى هزي، يحج إلى كيان" {ص67}.
في انتقاله إلى عوالم التخيل والاستيهام تتحقق رحلاته المحسوبة، والتي تدوم يومي السبت والأحد. وفي فجر كل يوم اثنين يغير ملابسه ويعوم ويصلي في المسجد ليعود إلى حياة الماخور في أحضان العنابية وفتياتها. ويصبح الاجتياز، في هذا السياق العام، قيمة للتعبير عن العبور نحو الوعي الزائف، فليس هناك أي شيء مطلق. ليس كل عبور أو قناعة يجيء للتطهر بل يكون للأمرين، التطهر والتعفن في آن. فهو في رحلاته يؤكد بصفاء ذهني يقظ: "أنا لست ميتا جديدا. أنا ميت منذ الأزل. أنا ميت قبل أن يخلق العالم كله، بل حتى قبل أن يكون هنالك موت" { ص11}.
عند الصوفية، يكون الإدراك بعلامات، ويصبح من السالكين كل من اجتاز أوهام الدنيا وملذاتها، ولكنه عند الحاج كيان أصبح بديلا موضوعيا بعد فشل الاجتياز الأول الذي راهن عليه بداية حياته حينما تمثل نفسه شيخا من أهل الدعوة وهو ما زال طالبا في جامع الزيتونة، وأراد أن يكون صورة أخرى من أبي موسى الأشعري ومن الشيخ حسن المصري. وبعد حوار له مع أستاذه في مادة التوحيد قرر، من ضمن ثلاثة قرارات في حياته، أن يبدأ دعوته لإصلاح الأمة الإسلامية من دور البغاء. وفي ماخور العنابية لم يستطع اجتياز هذا الامتحان وسيتحول إلى طريق آخر معاكس للذي كان يبحث عنه وأصبح عاشقا للعنابية صاحبة الماخور، ثم قاتلا من أجلها وسجيننا سيحج لعشرين سنة بسجن كيان، الذي أخذ عنه الاسم والصفة ليعود هزيا لدى العنابية. إن قدرة هذه الشخصية، تكمن في كونه اجتاز الظل نحو دائرة مغلقة وطاله التحول الذي كان ينشده للآخرين عنده وليس عندهم. كما أن كل الشخصيات في الرواية متحولة بفعل الديني والاجتماعي وخلفهما السياسي، شخصيات راضية داخل فضاء الماخور. انه "هذا العالم {الذي} يتحرك بلا قوانين، أو دوافع، أو رغائب"{ص10}.
رسم المؤلف حيوات هذا العالم الذي تنتجه لغة تخييلية واضحة يحفها بناء رمزي دقيق، في فضاءين هما: المقبرة، وتخص الحاج كيان لوحده، أما الماخور ذو الأبواب الستة فهو للجميع.. ومعا يعكسان السعادة بمفهوم الوعي الذي تحمله شخوص الرواية. كما يعكس استسلاما تاما لقيود عدة بارزة في الفصول 26 من الرواية، وكما حددتها ألواح تبسة في القرن الرابع الميلادي من خلال قانون ماكنياني ..لكن شخصيات "عرس بغل" تخلق شكلا مما تعتقده تحررا وهو: المخدرات والنبيذ، والحب، والحوار والمونولوغ، والصراع والعنف... إنها وسائط لاجتياز صورة الماخور وهي في واقع الأمر تكريس له وأثر فاضح للوعي الزائف، حيث "الوضع كله فاسد. لن يصلحه خليفة، لن يصلحه دين. ليتني ما رضيت بمزاحمة المستعين، إذ ما الذي يدفع إلى البكاء من لم يحن دوره في ذلك". (ص110)، كما يقول الحاج كيان.
ويتمظهر هذا الوعي الزائف، أيضا، عند شخوص الرواية بدرجات مختلفة، ستة أنواع بعدد أبواب الماخور تمثلها شخصية العنابية التي حولت مسار شيخ من جامع الزيتونة الى خدمتها وقدرتها على تبرير وعيها بالأشياء، رغم تأملاتها وهي تتحدث الى الحاج كيان: "اسمع. عندما تكون واقفا في موضع. على حافة جرف مثلا، ويهوي بك ذلك الجرف. من تلوم؟ هل تلوم نفسك، أو تلوم الجرف؟ أو تلوم من جعله يهوي؟ ماذا تقرأون في جامع الزيتونة؟' {ص46}
"أريد أن أسير عمياء حتى أقع في الحفرة. كم هو جميل، أن يطول انتظار سائرة عمياء مثلي للوقوع في الجب؟' { ص60 }. أو حينما تثق العنابية في قدرة جسدها وجمالها المنهك على إغواء هزي في العشرين من عمره، فيخذلها ويسرقها.
النوع الثاني يمثله في الرواية كل الهزية: خاتم، حميد الجيدوكا وغيرهما ممن يقف وعيهم عند الصراع من اجل البقاء في الماخور.
ويمثل حارس الماخور، باي تونس، الذي تنحصر مهمته في فتح الباب للداخلين.. النوع الذي لا يترك أثرا ولا يؤدي أية وظيفة. أما حياة النفوس بفتوتها وجمالها، فهي تحيا من اجل الحياة وحينما جاءتها فرصة اجتياز عالمها احتارت وترددت.
الفئة الخامسة من الوعي يمثلها القروي الباحث عن المتعة ويؤمن بملذات الحياة وبقوة المال وبالعنف للدفاع عما يريد .
أما الحاج كيان فيمثل الوعي المركب من زيف الواقع والتاريخ والخيال، وهو زيف من انهزامية الحاضر وفشل الاجتياز يحمل قيما تحركه: قيمة التحول والثبات وقيمة التمثل. فبعدما فشل في أن يكون ويتمثل الأشعري أو الغزالي أو الشيخ حسن وهو في كامل وعيه وحماسه وقناعاته تحول إلى تمثل المتنبي وقرمط وغيرهما، يومي السبت والأحد في المقبرة وهو محشش. القيمة الأخرى التي يحملها هي الإقناع والتبرير وقوة التأملات التي تعكس وعيه المركب :"إن حل المشكل ليس رهن شخص معين، وإنما ، خلاصة تطور عام، لنسق الحياة، في مجتمع برمته." { ص103}.
"كم غيمة، طافت وطافت ثم حلا لها أن تنزل غيثا. كم من رياح هبوب حملت السحساح، وكم من رعد واعد، ومن برق صادق. كم جلبت ربوتنا إليها وكم جلبت. ومع ذلك، لما ينبت بعد عشب" {ص53}. شخصيات تعكس ازدواجية في الوعي وانفصاما متعددا ومتبدلا، تحمل الوعي وبدائله النقيضة، الحل والمأزق وكل ما يجعلها منسجمة مع ذاتها، فيجئ وعيها اما أكبر من الفضاء والحياة التي تعيشها (الحاج كيان والعنابية..) أو أن وعيها محدود وأضيق مما تعيشه {الهزية وباقي البنات في الماخور}..وفي الحالتين يتحقق التعايش الذي يرسم وعيا جمعيا زائفا، فيما الاختلاف يبرز في كون الحاج كيان والعنابية لهما قدرة على التبرير والإيهام بامتلاك سلطة أو سر ما.. أما سلطة الآخرين فهي في قوة العضلات ( خاتم ، حميد جيدوكا..) وفتنة الجمال والفتوة ( حياة النفوس) وقوة المال عند القروي .
هذا الوعي المتشكل داخل هذا الفضاء، وقد صار جزءا منه، سيطبع الشخصيات برغبات وأحلام وأوهام تفرز قرارات. وبين الرغبة والقرار يتولد الصراع، فالحاج كيان يختار في كل رحلة نهاية الأسبوع من يكون من الشخصيات التاريخية كي يتقمصها متأملا العالم من خلالها ومحاورا بها. أما العنابية فرغبتها متحولة، بدورها تختار من يكون عشيقها كما اختارت إقامة عرس بغل، واختار القروي الزواج من حياة النفوس.. التي لا تعرف من القرارات سوى المتعة. باقي الرغبات تصب في حب الامتلاك والاستعباد وحب المال.. والرواية بهذه الدلالات تحقق دوائر مغلقة على ذاتها.. وتبدو مفتوحة وسالكة.
ينهض تشكل المتخيل في رواية "عرس بغل" من المناخ الاجتماعي المثقل بترسبات أوهام وهزائم واحباطات من رجات الصدام بين الطموح واليأس ناحتا لذلك مرايا مكسورة تنعكس عليها الأوعاء.. ويستعير الكاتب في بناء دلالاته جملا سردية وأوصافا من التعبيرات البسيطة والشفوية والخالية من البذخ، كما يعمد اقتصاد الصورة والتركيز على بناء الشخصية، بل بالأحرى بناء ما تهدم منها.. صور للحطامات تضيء الصراع الأزلي بين الحياة وأوهامها، بين الزيف والحقيقة، كما يلجأ إلى السخرية التي تفضح وتنتقد، كما جاء على لسان العنابية: "أنا في حاجة إلى نقود أكثر. إلى مزيد من النقود. لن تكفيني عشرون عاهرة، ولا عشرون بيتا، لن يكفيني سكان هذا البلد. ولا جيشها ولا طلبتها، ولا عمالها"{ص60} " إنني برخصتي، وبسجلي التجاري، أدفع الضريبة إذا لم تحمني الشرطة، فلماذا هي موجودة؟" {ص129}.
انفتاح اللغم
تنتهي الرواية بانتصار مؤقت وغامض على الهزي ' خاتم' الذي كان يود سرقة العنابية وكل المدعوين للعرس.. وتنتهي بعودة بالارتباط القوي بين الحاج والعنابية دون أن يتم الحسم في شيء لتعلن الرواية عن استمرار فشل الاجتياز من حالة إلى أخرى والعيش في الماخور وترسيم الدائرة المغلقة على الزمان (سبوت وآحاد الحاج كيان وأيام العنابية والبنات) كما على المكان في المقبرة والماخور وانحسار تفكير الشخصيات في قضايا مكرورة تزكي الثبات وان قيمة الصراع في الماخور لا تحمي أحدا بقدر ما تجعل الوضع يزداد سوءا وتشرذما، وان كل من في الماخور هو عبد قوانين وأعراف أولا، ثم رغبات وأوهام ثانيا تجعله مشدودا إلى نفس المكان بتقسيماته الزمنية الدائرية مشدوداً إلى قوانين ماكياني والعنابية والحاج كيان.
إحالات:
1ـ "محمد المبكر: شمال إفريقيا القديم" (305- 429 م). الرباط منشورات كلية الآداب في الرباط ط1 - 2001 ص:72 73 .
2ـ الطاهر وطار: "عرس بغل". (رواية ). القاهرة روايات الهلال العدد 471. آذار ( مارس) 1988. 141 صفحة
ناقد وروائي من المغرب