مع اشتداد الأزمات بكل أشكالها ووصولها إلى طريق مسدود يكون التفكير في البدائل قرين مواجهة اليأس والإحباط، وعدم الاكتفاء بالحديث عن المشكلات وأسبابها، واثبات أن في الإمكان دائما أبدع مما كان.

رسالة القاهرة الثقافية البديل

منتصر القفاش

في حوار مع إدوارد سعيد تحدث عن أهمية التفكير والحلم برؤى بديلة لما هو قائم " التفكير الدائم في البديل، ليس فقط مجرد الحلم والذي ينتمي إلى عالم مغاير، وإنما في كل موقف، ومهما كان مقدار الهيمنة فهناك البديل دائما، وما ينبغي للمرء التدرب عليه هو التفكير في ذلك البديل لا التفكير فيما هو مقبول وراهن أو الاعتقاد أن الحاضر متجمد".

مع اشتداد الأزمات بكل أشكالها ووصولها إلى طريق مسدود يكون التفكير في البدائل قرين مواجهة اليأس والإحباط، وعدم الاكتفاء بالحديث عن المشكلات وأسبابها، واثبات أن في الإمكان دائما أبدع مما كان. 

مظاهر عديدة تكشف عن تفكير عدد كبير من المثقفين المصريين في البديل أو البدائل  بعدما سدت الطرق الرسمية أمامهم أو لعدم إيمانهم بان المؤسسات الرسمية يمكن أن تدعم أي أنشطة جادة. وإن كان البحث عن البديل يشير أيضا أن هناك رؤى ثقافية مضادة تماما إلى ما هو سائد ومسيطر ولنتذكر تجربة مجلة جاليري في الستينيات ومجلات "الماستر" المتعددة في السبعينيات والثمانينيات التي كانت متنفسا للكتابة الجديدة المغايرة في ظل وجود مجلات مثل الجديد والثقافة. ومن البدائل التي طرحت الفترة الأخيرة، "مهرجان القاهرة للسينما المستقلة" الذي عقد بموازاة مهرجان القاهرة السينمائي من 1 إلى 5 ديسمبر الماضي. وقدم فيه مجموعة من شباب السينمائيين أفلاما قصيرة بلغت أكثر من خمسة وسبعين فيلما روائيا قصيرا وتسجيليا، شملت أفلاما صورت بالموبايل. والأخير سيخصص له مهرجان مستقل خلال  الشهور القادمة. وتأتي هذه الخطوة والسينما المصرية تعاني من الانهيار والاستسلام لموجة التهريج ومحاولة إضحاك المتفرج بأي ثمن ولا تنمي سوى حس البلادة وعلى حساب أي معايير فنية حتى لو كانت الحد الأدنى من المعايير. ومن مظاهر التفكير البديل جماعة ورقة وقلم. وهو تجمع يضم عدد من المبدعين الشباب يحاولون البحث عن وسائل للتواصل سواء فيما بينهم، أو مع الجمهور. وأقاموا أكثر من ندوة لشعراء العامية والفصحى في نقابة الصحفيين وساقية الصاوي كان من بينهم شعراء لم يعرفوهم إلا من قراءة أعمالهم الأولى المنشورة  وبحثوا عنهم ليشاركوهم الأمسيات الشعرية ولا يقتصر التواصل مع أبناء جيلهم بل مع كتاب من أجيال أخرى وعلى رأسهم بهاء طاهر الذي كرموه في احتفالية الجماعة بمرور سنة على تكوينها. ومن البدائل التي ترسخ يوما بعد يوم، وتزاد أهميتها المدونات التي صارت قناة أساسية للكثيرين لمعرفة ما يحدث في مصر. وكانت سباقة في الكشف عن الكثير من الأحداث بالصوت والصورة مثل الكثير من التجاوزات في انتخابات الرئاسة ومجلس الشعب وكارثة قطار قليوب. فالمدونات صارت وكالات أنباء مستقلة اعتمدت عليها بعض الصحف المطبوعة في بعض الأحداث وتتميز بمدى للحرية واسعا مما أدى إلى مطاردة أجهزة الأمن لعدد من محرريها والقبض عليهم ومحاولة إغلاق مواقعهم.

كلمة السر التي تتفق عليها كل هذه البدائل هي "الحرية" التي لا تقف عند حد ما يبدع  بل إلى طرق تقديمه أيضا.  

 رحيل الكبار

غالبا يكون تعاملنا مع الأدباء الكبار الراحلين في الكثير من الندوات أو الاحتفاليات بهم تكون على سبيل  إحياء ذكرى الراحل وليس إعادة قراءتهم وإقامة حوار مع أعمالهم. فعلى الرغم من رحيل  كبار مثل صلاح جاهين وفؤاد حداد ويوسف إدريس ويحيى حقي منذ سنوات إلا اننا  لا نجد كتابا صدر بعد رحيلهم أضاف جديدا عنهم. وظل ما قيل عنهم أو كتب منذ سنوات بعيدة يعاد مع اختلاف الصياغة اللغوية. ونجد نموذجا لهذا في كتاب "نجيب محفوظ والرواية العربية" الذي ضم أبحاث المؤتمر العام لاتحاد الأدباء والكتاب العرب الذي عقد في القاهرة خلال شهر نوفمبر. فلا جديد عندما ينطلق الناقد في التعامل مع روايات محفوظ من التقسيم التقليدي المدرسي: روايات الرومانسية التاريخية والواقعية، أو أن تكون البداية والمنتهى وما بينهما حديث مرسل لإثبات أن الحارة عند محفوظ صورة لمصر، وتضم مختلف الشرائح، وتكملة لطريقة إحياء الذكرى يتم ذكر موقف محفوظ من عدم استخدام العامية في رواياته؛ لذم وتأنيب كل من يستخدمون العامية ويحرمون أنفسهم من العالمية. إن طريقة اجترار ما كتب من قبل تأكيد لرحيل الكاتب ليس عن دنيانا فقط بل عن قراءتنا وأسئلتنا.