آثر عبدالحق ميفراني، مراسل الكلمة بالمغرب، أن تكون رسالته الأولي للكلمة جردا بالنشاط الثقافي في المغرب في العام المنصرم، فكشف لنا عما يمور به هذا البلد العربي من زخم ثقافي ومعرفي فوار.

رسالة المغرب الثقافية

المشهد الثقافي في المغرب حصاد 2006: الأسئلة والرهانات

عبدالحق ميفراني

تصادف رسالتنا الثقافية الأولى من المغرب، نهاية سنة، وبداية سنة جديدة، ولعلها مناسبة للوقوف على حصاد المشهد الثقافي في المغرب خلال سنة 2006. مشهد ثقافي ظل دائما مسكونا بأسئلة الجسد الثقافي في المغرب بتلاوينه المتعددة: العربية، الإفريقية، الأمازيغية، المتوسطية..حقلا معرفيا تشكل آلياته، بحيرة مفتوحة للمقاربة والتأويل، ونفترض أن هذا المشهد المصغر جزء من مشهد حضاري أعم، يظل بعيدا عن امتلاك استراتيجية ثقافية مفتوحة وخصبة. مفتوحة بالأفق الذي تفتحه تراكماتها ومنجز النصوص، وخصبة بتوليدية المعرفة المشكلة لخاصيات البناء ككل. على مستوى التمحيص، ظل المشهد الثقافي المغربي مسكونا بهاجس التداول والتدبير الثقافي، ففي الوقت الذي تعرف فيه أرقام منجز العناوين ارتفاعا بقدر ما تحضر إشكالية انحسار المقروئية ـ وتداول الثقافي سواء من خلال الكتاب أو من خلال وسائط التداول المعروفة الندوات، المؤتمرات، الملتقيات. وفي صورة أشبه بالكاريكاتورية، في طريق هذه الدينامية في الجسد الثقافي على مستوى المنجز المعرفي والأكاديمي والأدبي والفني، يبسط الانحسار والتراجع المريب ناخرا جماليات المقروئية. معيدا إشكاليات التساؤل حول آليات الفعل الثقافي في المغرب. ولا نستثني من هذا التحول، التأثير المباشر الذي مس عمق منظومة المجتمع المغربي، حتى وإن كان هذا التأثير زاد من عمق التعقيد في رصد ملامح محددة للمشهد الثقافي في المغرب.

فشعارات الستينات والسبعينات تغيرت، وأمسى الحس النضالي للفعل الثقافي أكثر تهميشا لصالح انبثاق مقولات جديدة، أمست تشي بواقع ثقافي أكثر "تقنوقراطية" يتجه الى عزل الفعل الثقافي عن "حرمه الأثيري" السياسي. ولعل في هذا التحول مس بمنظومة الكيان الثقافي، وانقلاب مجازي في فهم طبيعة دور المثقف وهويته، إن هذا التراكم الذي تحقق اليوم سواء على مستوى المنجز أو على مستوى ميلاد إطارات البحث يجعل من المشهد الثقافي في المغرب، أنموذجا لانصهار أسئلة بحمولة ابستيمولوجية قادرة على فهم هذه الطبيعة-العكسية لمشهد لا زال يعرف تراجعا مروعا على مستوى تداول آليات الثقافة والمعرفة. بل إن النقاش اليوم، انصب على منظومة المغرب التربوية فيما مدى مسؤولياتها المباشرة على هذا العقم الوليد، ولعل عودة الدرس الفلسفي بقوة الى هذه المنظومة كفيل بعودة روح السؤال وآليات التفكير الى مستقبل المغرب الثقافي.

الجسد الثقافي اليوم، مطلوب لانخراط الجميع في مساءلة خطاباته، تحيين النقاش لآلياته في أفق أن يتحول الفعل الثقافي الى رديف أساسي وديدن أي مشروع حضاري يتجه لمغرب الحداثة والديمقراطية. ويمكننا من خلال هذا الجرد، رصد تلاوين هذا الملح، مسلحين بتشاءل مشروع كلما انفتحت للكلمة فضاءات قصية كي تثمر كينونة هذا المشهد الأفق الخصب الذي يمكننا من تحديد الأسئلة الحقيقية لوضعنا المركب. وتصدمنا هذه الملاحظة الأولية لحركية الإنتاج الفكري في المغرب، وتكفي الإشارة هنا الى محاضرة المفكر عبدالله العروي والذي استضافه المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب في سلسلة ندواته الشهرية، المحاضرة التي قاربت معوقات الحداثة. كما شكل كتاب المفكر محمد عابد الجابري "مدخل الى القرآن الكريم: الجزء الأول". حدثا ثقافيا عربيا بامتياز بفعل النقاش والجدل الذي أثاره، ناهيك عن سلسلة من الإصدارات ذات الطابع الفلسفي والجدل الفكري، نشير هنا على سبيل الذكر فقط لمركز الأبحاث الفلسفية في المغرب، بموازة لندوات أطرها باحثون في هذا المجال ذ/إدريس كثير، ذ/عز الدين الخطابي، المفكر عبدالسلام بنعبدالعالي وآخرون. 

ويبدو المغرب السينمائي في ألقه الدائم بفعل الكم المهم من المهرجانات الدولية السينمائية لعل أبرزها المهرجان الدولي للفيلم بمراكش، مهرجان الفيلم القصير بطنجة، مهرجان السينما الافريقية بخريبكة، مهرجان شاشة المرأة بسلا. ويوازي هذا الحضور، حركية الإنتاج السينمائي الوطني والتي أمست تشكل فرادة على الصعيد العربي، كما أن المغرب تحول لفضاء خاص ومتميز لتصوير الأفلام السينمائية الدولية، ويمكن لورزازات أن تحفل بلقبها هوليود الافريقية.

مهرجان مكناس للمسرح ظل محافظا على انتظامه السنوي، والتظاهرة أمست مناسبة للوقوف على سياسة الدعم المسرحي المخصصة من طرف الوزارة الوصية للفرق المحترفة، كما تشكل التظاهرة فرصة لتحيين أسئلة المسرح المغربي ورهاناته، وإذا كانت وزارة الثقافة قد ظلت وفية لمواعيدها وبرمجتها الثقافية، خصوصا هذه السنة التي عرفت الاحتفاء بذكرى 600 لوفاة ابن خلدون، فإن النقاش هذه السنة ظل مسائلا لسياساتها الثقافية واستراتيجيتها، النقاش الذي تأجج أثناء انعقاد مهرجان وليلي، أيامها تزامن المهرجان مع الحرب الصهيونية على لبنان. 

المغرب الثقافي هو مغرب الترجمة والتي ظلت نافذة أساسية للإطلالة على جغرافيات ثقافية أخرى، لكن، راهن الترجمة يدين لإرادة أفراد، لا لمؤسسات غائبة عن احتضان هذا الفعل المعرفي، ويحق لنا أن نتساءل عن الفتور الذي يلاحق مشاريعنا الثقافية كلما تعلق الأمر بإرادة الدولة في الالتزام بتعهداتها، وكأن الشأن الثقافي، بنية "الهامش" لا الأساس الحضاري. لكن، هذه السنة عرفت تواصلا لحضور إطارات ثقافية متخصصة في الشأن الأدبي متسلحة بإرادة أفرادها، وبأفقهم المشروع، فمجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب ظلت حاضنة لهذا الجنس سواء على مستوى دينامية الإصدارات أو عن طريق سلسلة اللقاءات المنظمة. لكن، دينامية النقاش النقدي الذي فتحته مجموعة البحث جعل من القصة القصيرة في المغرب تعود الى صدارة  المشهد الثقافي بقوة بل كسبت فرسانا جدد. أما بيت الشعر في المغرب فقد فقد بريقه المعتاد بعد تخلي الشاعر محمد بنيس، وأمسى حضوره مرتبطا باليوم العالمي للشعر، والذي تنظيم خلاله تظاهرة شعرية كبرى، وبيت الشعر في المغرب، هو أساسا جمعية تم الإعلان عن فكرة إنشائها في 8 أبريل 1996، من طرف الشعراء، محمد بنطلحة، محمد بنيس، صلاح بوسريف، حسن نجمي. وفي 21 دجنبر من السنة ذاتها كان جمعها التأسيسي. يصدر عنها مجلة البيت وهي مجلة متخصصة في الشعر تصدر مؤقتا عددا واحدا في السنة.أما برنامجها فيوزع حسب دورات، ويطلق اسم شاعر على كل دورة. (أطلق اسم الشاعر عبد الله راجع على الدورة العلمية الأولى). وتم اعتماد يوم 8 أبريل من كل سنة يوما للشعر في المغرب. (وقد تم تعويضه ب 21 مارس كيوم عالمي للشعر).ويسهر بيت الشعر في المغرب على تنظيم المهرجان العالمي للشعر. والإشراف على لقاء سنوي بين الشعراء والفنانين التشكيليين.كذا إنشاء محترفات الكتابة مع تنظيم أمسية الشاعر المغربي ـ  تقتصر على ثلاث شعراء كل سنة. إضافة لتخصيص ندوات منتظمة لمواكبة الإصدارات والأعمال الشعرية والنقدية الجديدة، مغربيا وعربيا ودوليا.واستضافة شعراء من خارج المغرب. وتعتبر الجائزة الكبرى، وتحمل اسم "الأرغانة"، ذات قيمة عالمية. وتوزع بموازاة فعاليات المهرجان العالمي للشعر. وقد انضافت إطارات جمعوية ومؤسسات تعليمية لهذه المبادرة الاحتفائية بالشعر فأمسى شهر مارس شهرا لتداول الشعر بامتياز. كي يتحول الشعر لرغيف الحياة. ولا يمكن أن ننسى مهرجان شفشاون الشعري العريق والذي يعتبر من أعرق المهرجانات الثقافية في المغرب، إذ حافظ على موعده السنوي حيث يلتقي الشعراء المغاربة حول طاولة الشعر، ومحور علمي لتدارس الخطاب المؤطر له.

يعتبر اتحاد كتاب المغرب بيت المثقفين المغاربة، وأعرق إطار "مستقل" يلتئمون حوله. وقد ظل في السنوات الأخيرة رهين لإشكاليات تمس في العمق آليات الفعل الثقافي. لقاءات الشهر الفكرية إضاءته الأهم وخلالها استضاف مفكرين وأدباء شكلوا إشراقات المشهد، وقد شكل اللقاء مع المفكر عبدالله العروي حول "عوائق التحديث" أولى المحاضرات والتي  تندرج في في نطاق برنامج ثقافي يستضيف فيه اتحاد كتاب المغرب كل شهر،" شخصية من عالم الفكر والثقافة والفن، تحاضر في موضوع أو قضية من صميم اختصاصها أو اهتمامها، وتشغل بال الرأي العام الثقافي، وتكون المحاضرة إسهاماً في إلقاء الضوء على بعض أسئلة عالمنا المعاصر، وتطلعاته، وما يجابهه من تحديات". بموازاة هذه المواعيد الشهرية، ساهمت فروع الاتحاد في ضمان صيرورة بعض الملتقيات والمواعيد الثقافية الكبرى، نذكر هنا الملتقى العربي المتوسطي: المرأة والكتابة والذي أطفأ شمعته السادسة، بمعية فرع اتحاد كتاب المغرب بآسفي، وجهة عبدة دكالة. وفي ذات السياق توبعت سلسلة الندوات المحورية وهكذا نظمت ندوة دون كيخوطه : قراءات وتأويلات نصية وثقافية. وهي ندوة انعقدت بتنسيق وتعاون مع فرع اتحاد كتب المغرب ومعهد ثرفانتس بطنجة وبدعم من وزارة الثقافة ومجلس جهة طنجة تطوان ومجلس مدينة طنجة، يومي 20-21 يناير 2006.

لكن، النقاش المرتبط بإفراز سمات الثقافي في مغرب ظل الى اليوم  مسكونا بتعدد الفاعلين المعنيين بالشأن الثقافي وبتداوله. إذ أن ميلاد مجموعات تختص بجنس أدبي بعينه، أسهم في توسيع دائرة المبادرات الثقافية. لكن، هل أسهم هذا الفعل في دينامية التداول؟ هل يمكن الجزم بالقبض على سمات المشهد الثقافي في مغرب يتجه اليوم في صيرورة تحول لكافة آليات إنتاج متخيله الإبداعي والمعرفي، دون تحديد سمات هذا التوجه وأفقه؟ وإذ نقدم هذا الجرد لأهم حصاد السنة التي ودعناها، فإننا نركز على أهم محطات السنة الثقافية بما هي إفراز مباشر لما قدمناه. تاركين الفرصة لرسائلنا القادمة، مهمة الوقوف على سمات المشهد الثقافي تميزه ومفارقاته. ولا نرغب أن نتم هذا التقديم الأولي دون الإشارة الى ولادة وعي جديد بالمادة التراثية في البحث، كذا حضور لافت لأجناس تعبيرية ظلت على الدوام، في هامش الفعل الثقافي، نذكر هنا الرقص والغناء بتلاوينه المختلفة، كما أن الحضور التشكيلي في المغرب ظل يسجل اعترافا واحتفاء دوليا، لأسماء تشتغل في صمت، كما أن ميلاد مجلات متخصصة انضافت للمشهد كمجلة: العبارة، فكر، ترجميات، قراءات...تساعد في انفتاح هذا الأفق على الآمال المرجوة.

بجميع هذه السمات يستطيع المشهد الثقافي اليوم أن يؤسس راهنه وأفقه، بعمق المعرفي فيه، خارج طاعات الوصاية، أفق المغرب الثقافي رهين باستقلالية المثقف في جرأة تشكيله لعالمه المجازي.

إضاءات ثقافية من مشهد 2006 الثقافي:
يناير 2006:

فبراير 2006:

مارس 2006:

أبريل 2006:

ماي 2006:

يونيو 2006:

يوليوز 2006:

شتنبر 2006:

دجنبر 2006:

ملتقى آسفي السادس للمرأة والكتابة: محكي الأنا، محكي الحياة في الكتابة النسائية

شكلت لحظة تكريم الشاعرة والمبدعة المغربية الرائدة مليكة العاصمي إحدى أهم فعاليات الملتقى السادس للمرأة والكتابة، إذ حفل هذا اللقاء التكريمي بشحنة قوية من أحاسيس الوفاء، وقد زاد من حرارة هذا اللقاء التكريمي الشهادات والقراءات النقدية لتجربة المبدعة مليكة العاصمي، والتي قدمتها أسماء نقدية فاعلة في المشهد الثقافي المغربي، ولعل شهادة الكاتب المغربي إدريس الخوري كانت ترياقا خاصا مؤطرا لنوستالجيا أثيرية من أوراق مليكة العاصمي الإبداعية، إضافة لقراءات الكاتبة إكرام عبدي والناقد بنعيسى بوحمالة والناقد يحيى بن الوليد والباحث إدريس بلقاسم، والشاعر أحمد بلحاج أيت وارهام والناقد نجيب العوفي والروائي عبدالكريم الجويطي. هذا اللقاء التكريمي ترأسته الشاعرة ثريا مجدولين وقد وزعت فقراته على جلستين ، تناولت المداخلات من خلالها تجربة مليكة العاصمي الشعرية والإبداعية وحتى الإنسانية

والشاعرة المغربية مليكة العاصمي من مواليد مدينة مراكش سنة 1946 ، شاعرة وأستاذة جامعية تشغل مهمة مستشارة مكلفة بالمحترفات في بيت الشعر في المغرب، مديرة سابقة لجريدة الاختيار تحاول مليكة العاصمي في تجربتها أن تنصت لنبض المشكلات اليومية لمجتمعها وتستثمر التراث الشعبي في هذا الأفق وهذا ما يجعل من تجربتها ذات ارتباط عميق بالحياة اليومية، وبما يعتمل في ذات الشاعرة من احساسات ومشاعر من إصداراتها الشعرية: كتابات خارج أسوار العالم (1988)، أصوات حنجرة ميتة (1988)، شيء له أسماء (1999) ، بالإضافة إلى أعمال أخرى في موضوعي المرأة والثقافة الشعبية أبرزها "موسوعة الثقافة الشعبية: دراسة ونصوص" وبانتهاء فقرات هذا اليوم الاختتامي، أكد المشاركون في ملتقى آسفي للمرأة والكتابة على ضرورة الحفاظ على تراكم هذا التقليد المعرفي، إذ ما زالت الحاجة دائمة لفتح ورشات التأمل في الكتابة النسائية وفي متخيلها.

وقد انطلقت فعاليات الدورة السادسة لملتقى المرأة والكتابة والذي نظم هذه السنة تحت محور: محكي الأنا، محكي الحياة في الكتابة النسائية عشية يوم الخميس 20 يوليوز 2006 بمدرج مقر جهة دكالة عبدة بآسفي، وقد افتتح الأستاذ عبد الحميد عقار رئيس اتحاد كتاب المغرب الجلسة بالتأكيد على أن هذا الملتقى كرس انفتاحا على الإبداع العربي ككل، حيث تم تحقيق التحدي الذي وضع السنة الماضية بكون الملتقى المقبل سيكون حاضرا بكاتبات من كل دول العالم العربي، ومن المهجر التي توجد فيه العديد من الكفاءات والطاقات والمثقفين ممن يسهمون بدور كبير في إغناء الثقافة العربية، مشيرا إلى أن الملتقى يتشرف بحضور كاتبات من دول الجزائر، تونس، الأردن، سوريا، مصر، السعودية والكويت، ولولا الوضع المأساوي المفجع الذي تعيشه لبنان لكان هناك حضور لكاتبات أخريات من دول العالم العربي، مبرزا على أنه منذ أن انطلق ملتقى المرأة والكتابة، ولأول مرة يتم إصدار أعمال الدورة السابقة في كتاب مستقل، وهو تقليد سيتم الحرص على مواصلته، كما أن الملتقى سيظل منفتحا على فعاليات أخرى، والتكريم خلال هذه الدورة سيأخذ أسلوبا متطورا له قيمة فكرية عوض الوفاء، والاحتفاء والتكريم. ويتعلق الأمر بتكريم الكاتبة المغربية الرائدة مليكة العاصمي، مستحضرا رئاستها في وقت مبكر لمؤتمر مدارس محمد الخامس الذي منه أصبح اتحاد كتاب المغرب كيانا ثقافيا مستقلا، مضيفا أنه، وحتى لا يظل الحديث عاما حول ما تكتبه المرأة، تم التركيز خلال هذه الدورة على المحكي، وبالخصوص المحكي المتصل بالحياة الشخصية للكاتبة، مشيدا في هذا الصدد بالتجربة القوية للمرأة باعتبار الكتابة هي أكبر مظهر يمكنه أن يبرز مثل هذه الأهمية ومثل هذه القيمة، مختتما مداخلته بالتنديد والإدانة والشجب لما يتعرض له الشعبان الفلسطيني واللبناني من تقتيل وتشريد ومعاناة أما الشاعر عبدالحق ميفراني فقدم ورقة باسم الفرع المحلي لاتحاد كتاب المغرب بآسفي، ورقة تعيد موضوعة الملتقى الى سياقها التداولي الفعلي، فالدورات الخمس السابقة تم التعود فيها على مثل هذا البوح الذي لا يعني إلا الدلالة على براحة الإبداع وشساعته

وقد امتدت أشغال الملتقى على مدى ثلاثة أيام، إذ إضافة الى الجلسات المحورية، عقدت أمسيتان شعريتان في كل من حديقة جمال محمد الدرة وفضاء الباهية، وقد عرفت الجلسة الشعرية الأولى، والتي قدمها الشاعر أحمد بلحاج آية وإرهام، قراءات شعرية لكل من الشاعرات : فاتحة مرشد وأمينة لمريني وزينب الأعوج (الجزائر)، إضافة الى مشاركة الشاعر أحمد بنميمون

أما الأمسية الشعرية الثانية فنظمت بفضاء الباهية وقدمها الشاعر عبدالحق ميفراني، وقد عرفت مشاركة الشاعرات والشعراء: ثريا ماجدولين، إلهام زويريق، هدى الدغفق (السعودية)،كمال أخلاقي، عبد الرحيم الخصار وعائشة البصري

 أما باقي فعاليات الملتقى فاشتملت على جلسات نقدية محورية في موضوعة محكي الأنا  محكي الحياة في الكتابة النسائية، وقد تعددت مداخلات يوم الجمعة 21 يوليوز 2006 من خلال أربع جلسات توزعت بين الدراسات والتجارب والشهادات وينظم المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب بتنسيق مع فرع الاتحاد وبدعم وتعاون مع ولاية جهة دكالة عبدة ومجلس جهة دكالة عبدة، والمجلس البلدي بمدينة آسفي، ملتقى المرأة والكتابة كل سنة، تجربة تنسيق وشراكة في أفق أن يتحول الملتقى الى ما تصبو الجهات المنظمة الى تحقيقه على مستوى توفير الشروط اللازمة كي يتحول الملتقى الى لقاء موسع الى أدباء وأديبات من مختلف دول العالم العربي والدول المتوسطية والى فضاء للحوار حول الكتابة النسائية.

اللقاء الشعري المغربي الألماني: الترجمة والتحديث الشعري

نظمت جامعة محمد الخامس بالرباط (أكدال) أيام 26 و27 أيار/مايو الدورة الثالثة للحوار الشعري العربي ـ الألماني، واستقبلت فيه الأكاديمية الألمانية للغة والشعر بـ"دارمشدات". وقد قامت بتنسيق هذه الدورة وحدة: بناء الخطاب الشعري المغربي الحديث، في كلية الآداب في الرباط. وكان موضوع هذه الدورة: الترجمة والتحديث الشعري. وشهد هذا اللقاء حضور شعراء وكتاب مغاربة وألمان . ويذكر أن اللقاء الشعري المغربي ـ الألماني بادرت به الأكاديمية الألمانية للغة والشعر منذ خريف 2003 ويتعلق هذا اللقاء بالحوار بين الثقافتين العربية والألمانية. واختيار موضوع الترجمة والتحديث الشعري يعطي اللقاء بعدا نظريا يستنطق تجربة الحداثة الشعرية، من خلال التفاعل بين الثقافات والحضارات.  وأشار الشاعر المغربي محمد بنيس في كلمته الافتتاحية إلى أن أهمية هذا اللقاء تأتي من كونه استمرارا للمبادرة التي قامت بها الأكاديمية الألمانية للغة والشعر، منذ سنتين وخلال دورتين متتاليتين، في الانفتاح على الشعر العربي الحديث، والعمل على الدخول في حوار مع شعرائه في تعبير عن فعل مفتوح على طرح السؤال الشعري بما هو سؤال زمننا، فيه أصبح الشعر مقاومة مشتركة بين جميع الشعراء، الذين يرون في الشعر استكشافا لا نهائيا للإنساني المشع المتدفق من تجربة السري والمجهول. 

لقد أصبحت هذه القصيدة المغربية الحديثة ـ في رأي بنيس ـ تتقدم نحو حوار عميق مع ثقافات شعرية مختلفة في العالم. هؤلاء الشعراء، وغيرهم، يتجرأون على المكاشفة في قصيدتهم، حتى يكون حضورهم في العالم من أجل العالم ـ ولعل المكاشفة هي الكلمة الأولى التي تعبر بهم جبالا ومحيطات، على غرار كل الشعراء الذين لا يستسلمون.  من جهته أشار حفيظ أبو طالب، رئيس جامعة محمد الخامس (أكدال)، إلى أن الشعر وردة الحضارات، ورأى أن الشعر في الثقافة الألمانية يمثل تجربة إنسانية كبرى. انطلاق هذا اللقاء من الأنطولوجيا المشتركة، لشعراء مغاربة وشعراء ألمان وناطقين بالألمانية، معطى لملامسة ما تلتقي فيه تجربتان شعريتان وما تختلفان فيه. ولاشك أن الوصول إلى نشرها في اللغتين ـ يقول أبو طالب ـ سيشكل لحظة مؤثرة في رؤية كل واحد منا إلى الآخر. نعم ـ يضيف  ـ إن الحوار بين ثقافتينا غير متكافئ، ولكنني واثق في عزم كل منكم على الاقتراب من الآخر.

أما رئيس الأكاديمية الألمانية للغة والشعر، كلاوس رايشيرت، فقد أشار إلى أن الأكاديمية تهدف إلى  النهوض باللغة والأدب الألماني مع إعطاء الأولوية للحوار المستمر والبناء مع الكتاب والعلماء الأجانب وربط علاقات معهم تتعدى الظرفية لترقى إلى مستوى إرساء تعاون ثقافي وعلمي على المدى البعيد. وعن تخصيص الأكاديمية دورتها الخريفية لسنة 2003 للقاء مع الشعراء العرب، يقول كلاوس إن ذلك يهدف إلى منح الشعر فرصة كي يسمع صوته في وقت كانت النزاعات السياسية مخيمة على الجميع. ولم يفته أن يشير إلى أن معرض فرنكفورت للكتاب سنة 2004 كان مناسبة لتجديد اللقاء بالأدباء العرب بألمانيا.

وقد افتتحت أشغال الجلسة الأولى في محور: الترجمة والتحديث الشعري، بمداخلة للكاتب المغربي عبد الفتاح كيليطو، التي حملت عنوان: شعر يجدده الاغتراب. أشار فيها إلى أن القدماء كانوا يعتقدون أن الشعر لا يجوز أن يترجم أو أن ينقل إلى لغة أخرى. ويرى كليطو أن الشعر لا يتجلى في بهائه إلا في إطار اللسان الذي صيغ فيه، وكل عملية لتحويله إلى لسان مختلف عملية عبثية، تشوهه وتمسخه وتسيء إليه. بهذا المعنى  ـ يقول كليطو ـ فإن ترجمة الشعر ليست مستحيلة فقط، بل إنها شبه مرفوضة أخلاقيا وتكاد تكون محرمة.

انتعاشة الشعر، كانت عنوان مداخلة الكاتب والمترجم المغربي عبد السلام بنعبد العالي؛ حيث رأى أن أنسب طريق لافتتاح هذا اللقاء المغربي الألماني حول الترجمة والتحديث الشعري، هو استهلال الحديث بقصيدة للشاعر جوته فعنوانها Ein Gleichnis  رمز وصاحبها رمز وهي نفسها رمز، رمز هذا اللقاء الذي يرمي فيه كل منا أن يستنبت وروده في منابت أخرى، ويستمع إلى قصائده في لغة أخرى، ويرى نفسه في مرآة الآخر، ويخصب ذاته بفعل الآخر. مثل هذا اللقاء لا يمكنه، يضيف الباحث، أن يتخذ رمزا غير جوته، جوته لأنه أولا وقبل كل شيء، أول من يتعرف عليه القارئ العربي، ليس كمعهد ثقافي، وإنما كأكبر شعراء ألمانيا، ومن بين أعظم مفكريها. جوته الذي كان قنطرة بين الشرق والغرب، ومؤلف الديوان الشرقي للمؤلف الغربي، جوته الذي هو بحق الديوان الغربي للقارئ الشرقي، لكن جوته أيضا الذي كان من أكبر الـمُنَظِّرين لقضية الترجمة، وربما أول من وعى أهميتها، لا في الانفتاح على الآخر، وإنما في الوعي بالذات. وكان جوته يرى أن الشعر الألماني مدين بأهم أشكاله للأجنبي، وهذا منذ ميلاده، ثم لأن تلك الترجمات تشكل، في نظر جوته، إبداعات لا تنفصل البتة عن الأدب الألماني وهو ما يعنيه جوته عندما يقول: إن الترجمة أداة لبناء الكونية.. وينطوي هذا المفهوم على نظرية في الذات والآخر، وبالتالي على مفهوم عن الترجمة تغدو فيه هاته أداة، لإنعاش الشعر وإعادة الحياة إليه وزرع الروح فيه.

وفي ورقة الكاتب والشاعر الألماني هارالد هارتونج صور الشاعر راكبا سفينة وينتقل إلى ضفة أخرى، صورة الشاعر في نهره منتقلا إلى ضفة أخرى تمثل تفاؤل الشاعر والنهر هو نهر الحياة ونهر الشعر؛ فعبر الترجمة يعاد انتعاش الشعر، ولا يمكن ترجمة الشعراء غير الشعراء. وتحدث في ورقته عن ثلاث إمكانات لترجمة الشعر: أولا استخدام الكلمة وثانيا استخدام الموسيقى والإيقاع، ثم ثالثا الصور والمجازات.  يقول هارتونغ: الشعر أملنا الأكبر. تصل القصيدة إلى قارئها مهما كان هذا القارئ بعيدا ووحيدا. القصيدة هي، بتعبير باول تسيلان، رسالة في زجاجة تتلاطمها الأمواج، يمكن أن تصل إلى مكان ما، في زمن ما. والقصيدة، بلغة أخرى، هي مسكن القلب.

 أما الشاعرة الألمانية إلما ركوزة فتحدثت عن طبيعة علاقتها الشخصية بالشعر والأدب العربيين؛ حيث كان سفرها إلى مدن عربية عدة  الوسيلة للتعرف على الثقافة العربية كالأندلس، ومراكش وفاس واليمن والأردن ثم شبه جزيرة سيناء. وهي التي دونت العام 1999 سفرا عن علاقتها بالعالم العربي. وقد قرأت ركوزة ألف ليلة وليلة واسترعى انتباهها أشكال الكتابة في حكاياتها وقرأت لروائيين عرب أمثال نجيب محفوظ والطاهر بنجلون، وقرأت شعر محمد بنيس. وتم لها الاقتراب من شعراء عرب عن طريق الأنطولوجيات. ورأت أن الشعر العربي يتميز بالغرابة في القصيدة، والقرب من الذات والتعبير بالمجازات.

 وتحدث الشاعر والكاتب كلاوس رايشيرت عن الترجمة محيلا على قول والتر بنيامين الذي يعتبر الترجمة، إعادة إنعاش النص الذي مات. وقال: إننا لا نترجم لمن لا يجيدون اللغة الأجنبية بل لمن يجيدونها حتى يدركوا الفارق بين النصين. وكيف نضج هذا النص. ومن هنا فالترجمة تمنح للنص حياة أخرى وتعيدها له برؤية وتصور جديدين. حيث قال بأننا نترجم من نظام إلى نظام، كما تختلف آفاق النص عند نقله إلى لغة أخرى، ما يجعل هذه المهمة صعبة، فالترجمة تمنحنا إمكان استعادة الآخر الغريب في النص وإقامة الحوار بين الأصل والترجمة ـ وما يقوم بينهما من ثغرات.

 وقد شهد هذا اللقاء الشعري مجموعة من الجلسات التطبيقية التي اتخذت لها موضوعا القصائد المترجمة من العربية إلى الألمانية ومن الألمانية إلى اللغة العربية. وتم التأشير على أن القصيدة تلبس حياة جديدة بعد انتقالها إلى لغة وسياق آخر. واختتمت أشغال الدورة بقراءات شعرية لعدد من الشعراء الألمان والمغاربة، ومن الجانب الألماني الشاعر فولكر براون، وإلما ركوزة، ويواخيم سارتوريوس، وهارالد هارتونج. ومن الجانب المغربي قرأ كل من الشعراء المهدي أخريف، وفاء العمراني، وعبد الكريم الطبال، ومحمد بنيس، وحسن نجمي. وقد نظم بموازاة هذه الدورة معرض للصور الفوتوغرافية لشعراء مغاربة وألمان من إنجاز الفنانة المغربية سعاد كنون والألمانية ايزولده اولبام.

ملتقى ربيع الفلسفة الدولي: تحالفات الحضارات ومستقبل الإنسان

تناول المشاركون في ملتقى ربيع الفلسفة الدولي في دورته الخامسة والذي نظم بمدينة فاس يومي 11-10 مارس 2006. محاور متعددة ومتنوعة، منها الفلسفة وتحالف الحضارات ، صراع الحضارات والتنبؤ بنهاية الإنسان، الفلسفة والإنسان أو ما بعد الفلسفة، الفلسفة ومستقبل الإنسان. وقد ناقش هذه المحاور فلاسفة وباحثون من اسبانيا وألمانيا والمغرب بأساليب تعكس تنوعا في النظر، وتوحدا في الهدف (ترسيخ تقاليد حقيقية لحوار حضاري يسعى إلى إثبات الذات دون إلغاء الآخر، ويمد جسورا فكرية وسلوكية متينة بين الشعوب والأمم، ويشبع حاجة الإنسان إلى التعايش والتكامل). وهذا ما عبرت عنه بوضوح كلمات الافتتاح التي ألقيت إذ تساءلت بعضها عن معنى العالم في غياب الفلسفة، وعن قيمة الإنسان في غياب الأحلام، وعن آفاق الحضارات في غياب التحالف، وأخرى أعطت للملتقى شحنة جديدة من خلال الدفاع عن بقائه وحرصه على امتلاك الفلسفة لبيتها (بيت الحكمة) من أجل الاستقرار والراحة من الترحال؛ ربيع الفلسفة هو ملتقى حقيقيا لحوار الثقافات وتحالف الحضارات، الفلسفة وتحالف الحضارات : برئاسة جوزيف بويج انطلقت أولى جلسات الملتقى بمداخلة للأستاذ خوان مارتوس كيصادا من جامعة كومبلتينسي بمدريد ، عنوانها"الاجتهاد كتوجيه للحداثة في الإسلام" تحدث فيها عن مفهوم الاجتهاد في الدين الإسلامي وعن الأهمية التي يكتسيها في الحضارة العربية الإسلامية، وعن عودة الاجتهاد بأشكال مختلفة ابتداء من القرن 18 إلى الآن. وذكر بأن لفظة اجتهاد وردت على لسان النبي محمد (ص) أول مرة حين سأله أحد الصحابة المكلفين بمهمة عن الكيفية التي سيحكم بها بين الناس فأوصاه باعتماد القرآن، واللجوء إلى الاجتهاد في الحالات الاستثنائية ·بعد ذلك انتقل كيصادا إلى المذاهب الأساسية في الاجتهاد، واعتبر أنه فعل فردي قائم على القياس والعقل وملاءمة النصوص مع تجدد الواقع وتعدده المستمر. ثم قام بتحديد البناء الابيستمولوجي لفعل الاجتهاد وأورد بعض الآيات القرآنية التي يبدو فيها باب التأويل والاجتهاد مفتوحا، وانتهى إلى القول بأن الاجتهاد أداة تحديث وتطوير للإسلام المعاصر ووسيلة للانفتاح على الآخر، وأنه يتمثل في استعمال التأويل العقلي من قبل الإنسان لفهم النص الديني، واعترف بوجود حدود للاجتهاد هي حدود النصوص الواضحة البينة بنفسها، ونادى بملاءمة النصوص مع تطورات العصر حتى يتمكن الإسلام من مسايرة ركب الحضارة .

وبعنوان " التفاعل الايجابي بين الحضارات " قدم د. محمد مصطفى القباج بحثا أشار في ديباجته إلى أنه يندرج ضمن مبحث الحضارات المقارنة وهو فرع من فروع فلسفة التاريخ ، ومن جملة مهامه رصد التطور الزمني لحوار الحضارات ، لأن أعمار الحضارات مثل أعمار الإنسان كما يقول ابن خلدون في مقدمته، تنشأ ثم تنضج ثم تنهار · وأكد على ضرورة تدقيق النظر في مفهوم الحضارة معتبرا أنها فضاء وشكل، فهي فضاء من حيث أنها مشتركة بين عدة أوطان ومجتمعات وشعوب ، وهي شكل لأن معالمها تتجلى في درجة عالية من التطور التقني · كما أن لكل حضارة مميزات خاصة .. مصرية ، افريقية ، أسيوية ، هندية، أوروبية ···) غير أن هناك قاسما مشتركا وعاما بين الجميع · ثم قدم الباحث نماذج متعددة للتصورات التي يمكن أن تنهض عليها الحضارات · هناك النموذج الأفلاطوني المطروح في جمهوريته والقائل بأن المنطق يقتضي أن يتولى أهل العقل تدبير شؤون الدولة ، والسر في ذلك أنهم لا يقبلون بالنزعات الطبيعية بل يتبعون ما يستوجبه التفكير العقلي فيسيرون المجتمع المبني على الفضائل ، لأن القفزة النوعية من التوحش إلى التحضر تحققها النخبة العالمة التي تعول أساسا على فعل التعقل· والنموذج الثاني يمثله ابن خلدون الذي يرى أن الحضارة تفنن في الترف · أما النموذج الثالث فيكمن في رأي سبينوزا من خلال كتابه " السياسة" حيث يقول إن المجتمع المدني يتأسس على العقل · وأخيرا هناك نموذج أرنولد توين الذي يرى أن كل حضارة تنشأ على أنقاض أخرى تبعا لمبدأ التحدي والجواب · ويستخلص د· القباج بأن ما يفهم من كل ما سلف هو أن الحضارات تتشابه في الشكل وتختلف في الخصوصيات .

صراع الحضارات والتنبؤ بنهاية الإنسان : في الجلسة الثانية التي أدارها محمد مصطفى القباج ألقى د·محمد المصباحي مداخلة بعنوان "التحالف الحضاري تحالف في القيم " شدد القول فيها بأن تفعيل "التحالف الحضاري" لن يكون ممكنا إلا إذا عدنا إلى قيم الحقيقة والعدالة والمساواة بين الشعوب والحضارات مهما صغرت قيمتها·والعمل على محاربة انعدام التفاهم بين الحضارات والأحكام المسبقة والإهانات المتبادلة بين الثقافات، لاسيما بين الثقافتين الإسلامية والغربية ، أمر ضروري · وبعد أن فصل د·المصباحي في الشروط الأساسية لتحالف الحضارات انطلاقا من حقوق الإنسان ،استخلص أن المجتمع الغربي هو نتيجة الفلسفة أما نحن فمند ابن تيمية وابن خلدون نعيش تحت طائلة تحريم الفلسفة والعلوم الطبيعية· والأدهى من ذلك أننا نزعم بأننا نعيش على مقتضى الشريعة في حين أن الشريعة تستعمل في الظاهر لإرضاء الجماهير،أما في الباطن فان الفلسفة الغربية بمعناها الواسع (العلوم والصناعات والتقنيات الاقتصادية والإعلامية والجامعية ··)هي السائدة · لذلك يجب علينا أن نتخلى عن هذه الازدواجية، لا بالعودة إلى شريعة قحة ولكن بتطوير الشريعة لكي تندمج في المشروع الحضاري العام . بعده قدم د· عبد الرزاق الدواي ،من جامعة محمد الخامس بالرباط ،ورقة بعنوان " الحوار بين الثقافات ، الأخلاقيات والشروط الغائبة " قال فيها انه ليس هناك مجال للحوار الثقافي في غياب الاختلاف · وإن الضرورة تستدعي توفر مبدأ التسامح لتفعيل كل حوار بين الثقافات ، لأن التحلي بفضيلة التسامح يعني الاعتراف بحق المغايرة ، واعتمادا على هذا المبدأ يمكن إيجاد أرضية للتعايش السلمي بين الثقافات في عالمنا المعاصر ... في محاولة للإجابة عن السؤال : " هل الفلسفة وسيلة تحالف ؟" افتتح د·عبد السلام بنعبد العالي مداخلته بالتأكيد على أن الاحتكام إلى العقل السليم يفضي إلى القول بأن من شأن الفلسفة رفع سوء الفهم ولم الشتات وتكريس الائتلاف · لكن تاريخ الفلسفة يسجل بأن الفلاسفة لم يكونوا دعاة وئام ولا مصدر تصالح ، والعديد من النصوص الفلسفية مازالت حتى اليوم مثار تأويلات متضاربة وجدالات لامتناهية.

الفلسفة والإنسان أو ما بعد الفلسفة : الجلسة الأولى من اليوم الثاني تمحورت حول "الفلسفة والإنسان أو ما بعد الفلسفة " وعقدت برئاسة خوان مارتوس كيصادا· وخلالها تلا جوزيبي بوتج من جامعة كومبلتينسي بمدريد مداخلة عنونها ب "ثلاث قراءات اسبانية لابن خلدون " لخص فيها تصورات ابن خلدون للحضارة وقيام المجتمعات المتمدنة مركزا على فكرة أساسية مفادها أن علم التاريخ هو علم يساهم في تأسيسه الجميع كل حسب اهتماماته ومنظوره الخاص، لأن إدراك الحقيقة التاريخية ليس من السهولة بمكان والإلمام بالتاريخ يعني الإلمام بحقيقة الأحداث وأسبابها ، ولذلك كان سعي ابن خلدون الى ادراك الأسباب والعلل بغية تأسيس علم العمران باعتباره اللبنة الأساسية لتشييد كل حضارة · وقدم الباحث الألماني "ماركوس هافل" بضع ملاحظات نقدية بصدد السياسة المتعلقة بتحديد الهوية وثقافة الحداثة، بدأها بالقول إن الناس اعتادوا تسمية العصر الذي نعيش فيه عصر العولمة ، والمقصود بذلك تقارب كل أجزاء العالم من بعضها وقصر المسافات والتعايش بين الناس · واعتبر في سياق حديثه أن مصطلح الهوية متداول بكثرة وهو مصطلح جوهري غالبا ما يتعرض للتحريف والابتذال ، وعندما يدور الحديث عن الهوية فانه يخفي في طياته عجزا أو نقصا ماديا للحق في العيش والحاجة إلى هوية مشتركة إلى جانب الإرشاد والحماية ، وكلما احتد التركيز على الهوية انغلقت المجتمعات على نفسها وامتنعت عن القبول بحوار التفاهم وتشبثت بآراء مسبقة.وفي مدار البحث عما يربط الفلسفة بالشعر بسط د·عبد الرحمان طنكول من جامعة محمد بن عبد الله بفاس في مداخلة حول " ملتقى الحضارات ، الفلسفة والشعر " جملة من التأملات حول علاقة الشعر والفلسفة ومدى تشابكهما وانفراطهما أحيانا ، ذلك أن جوهر الشعر يكمن في بعده الفلسفي وتماسكه لا يتحقق إلا بالاتكاء على منظومة فكرية رؤيوية تستبطن صميم الذات وتسمو بها عن سطح الوجود · لقد كان نيتشه محقا حين قال على لسان زرادشت بأن على المرء أن يكون منقبا جيدا في الدواخل سابرا للأغوار لأن أسرار العالم السفلي ليست سهلة المنال ، فهي تؤخذ بالدهشة واللذة والألم · والشاعر والفيلسوف عندما تنصهر رؤاهما في هاجس جمعي تتحول الأشياء والكائنات في نظرهما من صورها الضبابية إلى علاقات واضحة، وبذلك يخترقان جدار الصمت إلى جدار الحقيقة..وتطرقت د·وفاء الإدريسي العايدي،من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ، إلى "دور الترجمة في تحالف الحضارات "من خلال شبكة من التساؤلات الفلسفية واللسانية انطلاقا من رغبة الإنسان في غزو العالم وسعيه الدائم إلى اكتشاف حضارات أخرى..

الفلسفة ومستقبل الإنسان : "في القوة والحكمة" عنوان مداخلة الأستاذ عبد الحي أزرقان هدف من خلالها إلى تطوير مفهومي القوة والحكمة في المجال السياسي اعتمادا على تناول الفلاسفة المحدثين لهما لمحاولة فهم مجموعة من الظواهر التي تسود في المجتمع المعاصر ، ومن جانبه ذهب الباحث إدريس كثير الكاتب العام للجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، إلى أن الأنثروبولوجيا هي وحدها الكفيلة بالتحدث عن الفضاء المتوسطي وتحديد قيمته من منظور فلسفي، والعلوم الإنسانية بكل مشاربها هي التي تستطيع رصد أشكال التحالف والتصارع بين الحضارات، وأبرز بأن الفلسفة لعبت دورا تاريخيا حاسما في مساءلة الحوض الفكري لهذه المنطقة بأكملها انطلاقا من اليونان ، ومن تم انبثقت الفلسفة مرورا بالأندلس في اتجاه أوروبا وباقي دول العالم . الباحث عزيز الحدادي ،رئيس جمعية أصدقاء الفلسفة، تدخل في موضوع "فلسفة البحر الأبيض المتوسط ، دلالات تحالف الحضارات " حيث أكد على صعوبة التحدث عن فلسفة البحر الأبيض المتوسط نظرا لشساعة الموضوع وتعدد إرثه الفلسفي وصعوبة إشكالاته واختلاف مذاهبه · مما جعله يسلك طريقا سهلا ليقترب من هوية هذه الفلسفة، وذلك عن طريق الأصل الذي انطلقت منه الفلسفة · وبعد أن وضح معنى الفلسفة باليونانية = محبة الحكمة ، وعلاقة الفيلسوف بالحكمة وتذوق الوجود، انتقل إلى الحديث عن تلك الفكرة المغامرة التي أبدعها رجل (طاليس) صاحب أحلام وكشوفات قال عنه نيتشه إنه " رأى وحدة الوجود وحين أراد التعبير عنها تكلم عن الماء ". ثم تساءل الباحث عن المسار الذي اتخذته الفلسفة بعد ذلك : وهل يمكن اعتبار ابن رشد هو المسؤول عن نشر الفلسفة والحداثة على امتداد البحر الأبيض المتوسط ؟ في سياق إجابته يشير ذ/عزيز الحدادي إلى أن الفلسفة ستنتقل من المغرب إلى الأندلس على ظهر دابة حين وضعت كتبه على جانب وجثمانه في الجانب الآخر كما يحكي ذلك ابن عربي في "الفتوحات المكية" ..لتصل إلى الجامعات الأوروبية وسيحتفى بها.. وهكذا يجوز القول إن مساهمة ابن رشد في ترسيخ الحوار بين الحضارات جلية على أكثر من مستوى، و من باب المفارقات الأليمة كان قربانا لهذا التواصل المعرفي والحضاري لتمسكه بخيار العقلانية والحداثة وكونية التفكير..

اليوم العالمي للفلسفة : تكريم المفكر محمد عابد الجابري والفيلسوفة حنا آرند بدأ الاحتفاء باليوم العالمي للفلسفة منذ سنة2002 وهو يتوافق والخميس الثالث من شهر نونبر كما أنه مسجل منذ سنة 2005 في لائحة الأيام الوطنية. بهذه المناسبة ستحتضن المملكة المغربية خلال شهر نونبر المقبل الحدث الهام لسنة 2006. كما سيتم تنظيم مجموعة من الأنشطة بكل من مكسيكو ودار السلام وداكار وباريس. وللإشارة فإن اليوم العالمي للفلسفة سيتم الاحتفاء به في أكثر من 80 بلدا في كل أرجاء المعمور. وقد برمجت العديد من الأنشطة أهمها :

من بين الفلاسفة المدعوين: أرجون أباديراي، علي بن مخلوف، جان كودفراي، تانيلا بوني، برونو كليمان، أندري كومت سبونفيل، همبيرتو إيكو، فتماح حداد، إييونا كيكيرادي، سيمو باتي غي، عبدالله العروي، ألان دو ليبيرا، غابرييل مارتينيزغرو، محمد مصباحي، إدغار موران، بن سالم حميش، إلياس صنبار، ميشيل سيريس، فتحي التريكي، جياني فاتيمو، ماريا فيغويرا...

كما كرمت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، "اليونيسكو" ،المفكر المغربي محمد عابد الجابري، ومنحته ميدالية "ابن سينا" خلال الاحتفاء بالفلسفة. كما كرمت الفيلسوفة الأمريكية، ذات الأصل الألماني، "حنا أرند"، بمناسبة مرور مائة عام على ولادتها. وقد جاء هذان التكريمان ليبرزا مكانة هذين المفكرين، اللذين أسهما في إغناء المعارف العالمية، خاصة منها الفلسفية والسياسية. فكلاهما كتب في الفلسفة والديمقراطية وقضايا عصره.