لا يمكن لمتابع أن يتجاهل أحداثا لافتة حلت بالثقافة المصرية في عامها المنصرم، وهي علي دأبها في العقود الأخيرة، تسير بدرجة واسعة من الروتينية في الأداء ومن ثم في النتائج. هنا يقدم محمود قرني استعراضا لأهم هذه الأحداث.

حصاد الثقافة المصرية في العام المنصرم

محمود قرني

لا يمكن لمتابع أن يتجاهل أحداثا لافتة حلت بالثقافة المصرية في عامها المنصرم، وهي علي دأبها في العقود الأخيرة، تسير بدرجة واسعة من الروتينية في الأداء ومن ثم في النتائج، فمع بداية العام كان معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين التي لا يميزها شيء سوي أنها بدأت تقليدا أوروبيا باستضافة دولة من دول العالم لتكون ضيف شرف، وقد وقع الاختيار في العام المنصرم علي المانيا، وقد تميزت تلك الدورة ايضا بافتتاح رئاسي مبتسر لم يعقبه لقاء رئاسي معتاد منذ أكثر من عشرين عاما، كذلك جاءت جوائز الدولة التي تعلن في بداية حزيران (يونيو) من كل عام، في أعلي درجات تكاملها للمرة الأولي بعد ضم عشرة أعضاء جدد من المثقفين الي تشكيل لجنة الاختيار، كذلك شهد العام عددا من المؤتمرات المهمة مثل مؤتمر المأثورات الشعبية ومؤتمر ترجمة المصادر التاريخية من اللغات الشرقية، كذلك مؤتمر النقد الأدبي الثالث، ومؤتمر بلوغ المشروع القومي للترجمة الرقم 1000 من اصداراته، ومع نهاية العام صدر القرار الجمهوري بانشاء المجلس القومي للترجمة، أما أهم أحداث العام فتتمثل في رحيل عدد من رموز الثقافة المصرية بكثافة غير مسبوقة فقد رحل في هذا العام الروائي نجيب محفوظ، المفكر اسماعيل صبري عبدالله، الدكتور أحمد مستجير، الكاتب محمد عودة، وكذلك رحيل الأب متي المسكين والدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق، المناضل السياسي أحمد نبيل الهلالي، وكذلك الدكتور أحمد عبدالله رزة، الشاعر فؤاد قعود والكاتب والمحلل السياسي محمد سيد أحمد، والناقد الشاب حاتم عبدالعظيم، كذلك كان بين أهم أحداث العام حصول الدكتور ثروت عكاشة علي جائزة سلطان العويس، وهو تقدير احتفت به الثقافة المصرية لما للرجل من مكانة كبيرة في قلب الثقافة العربية، أما علي المستوي السياسي فقد شارك عدد كبير من المثقفين في تأييد نادي القضاة في مطالبه بالاستقلال وكذلك مؤازرة القاضيين هشام البسطويسي ومحمود مكي في المحاكمة الباهظة التي أحيلا اليها بسبب مواقفهما المناوئة للسلطة السياسية.

وقد كان لحركة أدباء وفنانون من أجل التغيير الدور الأكبر في قيادة هذا الحراك وكذلك حركة 9 مارس التي تسعي الي استقلال الجامعة وانتزاعها من براثن الأجهزة الأمنية.

وسنحاول هنا رصد أهم ملامح الأحداث اللافتة في العام المنصرم. 

معرض الكتاب وضيف الشرف وغياب رئاسي
كان أهم ما شهده معرض الكتاب في دورته الثامنة والثلاثين هو مشاركة ألمانيا كضيف شرف لأول مرة وسوف تكون ايطاليا ضيف شرف العام القادم الذي يحل بعد أيام قلائل، كذلك كان اللافت اقتصار الرئيس علي جولة سريعة بالمعرض دون لقاء المثقفين كعادته ولم تبد الرئاسة أسبابا لذلك كما لم تطرح الصحف المصرية، رسمية وغير رسمية، أسئلة حول هذه الأسباب، وربما انعقد اللقاء في وقت لاحق ابان فعاليات المعرض، غير أن شيئا ذلك لم يتم تأكيده جريا علي عادة الرئاسة المصرية بعدم الاعلان عن أنشطتها الا قبل حدوثها بأوقات محدودة، وتظل التصورات الأرجح تدور حول عدم انعقاد مثل هذا اللقاء لأسباب أرجعها البعض الي صحة الرئيس التي لم تعد تحتمل بذل مجهودات مضاعفة كما يحدث في الماضي، وان كان هذا السبب ليس بين الاسباب الراجحة لا سيما بعد عودة الرئيس الي استئناف نشاطاته بشكل شبه معتاد دون تواتر أية أنباء عن اعتلالات صحية جديدة.

أما أهم أزمات المعرض فكانت تلك الأزمة التي نشبت بين اتحاد الناشرين المصريين المهندس ابراهيم المعلم وبين رئيس هيئة الكتاب ناصر الأنصاري في أوج اشتعالها، بعد أن أقامت الهيئة اسوارا خشبية عالية أمام معروضات دور النشر المصرية والعربية مما سوف يحول بين الكثير من الجمهور وبين هذه الدور ويعقد كثيرا حرية الدخول والخروج الي دور النشر بعامة، وزيد علي ذلك وصف الدكتور الأنصاري لدور النشر بأنها عشوائيات في سياق حديثه أمام الرئيس ابان الافتتاح الرسمي في تبرير اقامة السور. في المقابل عقد اتحاد الناشرين اجتماعا عاجلا اعتبره رئيسه ابراهيم المعلم اجتماعا طارئا ومستمرا، حيث اتخذ أعضاء مجلس الادارة عدة قرارات كان علي رأسها سرعة ازالة السور الذي أقامته الهيئة أمام دور النشر حتي تتاح الحرية الكاملة للرواد في الحركة والبيع والشراء، وكذلك منعا لأية كوارث قد تنتج عن التدافع أو الحرائق أو غيرها من الأزمات. وقد اعتبر الاتحاد وصف الانصاري لدور النشر بأنها عشوائيات خطأ يستوجب حتمية تقديمه اعتذارا علنيا للناشرين المصريين والعرب، واعتبر أن عدم الاستجابة لمطالبه ستكون رفضا سوف يؤدي الي قيام الاتحاد بعمل معرض كتاب موازياً بقيمة الاتحاد بعيدا عن تسلط هيئة الكتاب، بل وصف ابراهيم المعلم طريقة الأنصاري في ادارة الهيئة بأنها طريقة أقرب الي ادارة البوليس السري.

وقد شارك في معرض هذا العام حوالي 623 ناشرا من 17 دولة عربية و15 دولة أجنبية وذلك بزيادة سبع دول عن مشاركة العام الماضي، وأرجع رئيس الهيئة هذه الزيادة الي النجاح والتنظيم اللذين ميزا دورة المعرض في العام الفائت. علي جانب آخر تقرر أن لا تبدأ أنشطة المعرض الا في الحادي والعشرين من كانون الثاني (يناير) القادم أي في اليوم الرابع لانطلاق فعالياته، وذلك في اليوم التالي لانطلاق بطولة كأس الأمم الافريقية باستاد القاهرة الذي يبعد مسافة قصيرة جدا عن أرض المعارض بمدينة نصر، كما تقرر انهاء النشاط في المعارض في الثالثة ظهر جميع الأيام التي تقام فيها مباريات في البطولة، في الوقت نفسه كرر رئيس هيئة الكتاب - الجهة المنظمة للمعرض ـ تصريحاته بأن المعرض لن يكون ساحة للخطب والشعارات. كما أنه ليس ساحة للتظاهرات السياسية في اشارة واضحة لكافة التيارات التي كانت تشارك عادة في بعض المسيرات السلمية في المعرض احتجاجا علي الأوضاع السياسية. وعلي ما يبدو فان الاجراءات المتخذة حيال ضبط حركة المعرض تتبلور كلها وفي جعبتها الهاجس الأمني الذي يهدف الي عدم السماح بوجود أكثر من تجمع شعبي واسع في أماكن مختلفة من العاصمة لا سيما اذا كانت نوعية الأنشطة تستهدف جمهورا واسعا سواء كان ذلك في معرض الكتاب أو في استاد القاهرة، وهي اجراءات تؤثر بالسلب علي نشاط وحركة البيع داخل المعرض وتثير احتجاج العديد من الناشرين سواء كانوا من المصريين أو غيرهم. 

المشروع القومي للترجمة والكتاب رقم 1000 ومؤتمرات مؤثرة
من بين المؤتمرات المهمة التي شهدتها مصر في العام المنصرم كان ذلك المؤتمر الذي جاء تحت عنوان الملتقي الدولي الثالث للترجمة الذي عقده المجلس الأعلي للثقافة احتفالا ببلوغ المشروع القومي للترجمة الألف كتاب الأولي المترجمة عن اللغات الأصلية. وقد شارك في المؤتمر ما يتجاوز مئتين وخمسين باحثا ومترجما ومبدعا، وعقد ما يربو علي الاربع وثلاثين ندوة وأربع موائد مستديرة خلال أربعة أيام تناولت بالنقاش المشروع القومي للترجمة، والترجمة والتنوع الثقافي ومشكلات الترجمة وتقنياتها وترجمة الأدب العربي في اللغات الأجنبية. كان من أبرز المشاركين الطيب صالح، انجفار ريدبرج، انجيليكانويفرت، حسين نصار، سلمي الخضراء الجيوسي، مارغريت أوبانك، صلاح نيازي، المهدي أخريف، سالم يفوت، واسيني الأعرج، منذر عياشي، فريال فيلالي، محمد علي فرحات، أنطون حمصي، بكر الكوسوفي، ثريا اقبال، جمانة حداد، حمادي صمود، عيسي مخلوف، عبدالواحد لؤلؤة، بلدار المفتاري، عيسي مميشي، كاظم جهاد، انعام بيوضي، وعدد آخر من الباحثين والمترجمين والمبدعين. وقد جاء الافتتاح رسميا خالصا بعد وضع اسم المؤتمر تحت رعاية السيدة سوزان مبارك التي قادت حفل الافتتاح، وقد قصدت رئاسة الجمهورية الدعوة علي صحافيي الرئاسة دون غيرهم من المحررين الثقافيين المعنيين بالأمر برمته.

وقد حضر الافتتاح الي جانب السيدة الأولي وزير الثقافة فاروق حسني، وجابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة، وتم تكريم عدد من الأسماء ذات الانجاز في حقل الترجمة.

كذلك سعي الدكتور جابر عصفور سعيا حثيثا الي الحصول علي موافقة الرئاسة المصرية علي انشاء ما يسمي بالمركز القومي للترجمة ليستقل بمشروعه عن المجلس الأعلي للثقافة الذي ربما يغادره بعد بلوغه السن القانونية بعد التجديد له في اذار (مارس) القادم، وقد استطاع بالفعل الحصول علي ما يريد قبل أن ينتهي العام المنصرم. وقد أشار الأمين العام في كلمته الي المشكلات المالية التي يواجهها المشروع وتأخر عدد من الكتب بسبب انعدام التمويل وتأخر نفقات وأجور المترجمين لفترات طويلة، وقد كشفت معروضات المشروع من الكتب عدم وصول المشروع الي الرقم المستهدف، فرغم وصول المشروع الي الرقم 1000 الا أن هناك أرقاما عديدة سقطت في الطريق لأسباب بعضها مالي واداري. 

ومؤتمر عن ترجمة المصادر التاريخية من اللغات الشرقية
كذلك عقد المجلس الأعلي للثقافة أحد مؤتمراته المهمة تحت عنوان ترجمة المصادر التاريخية من اللغات الشرقية واليها ، وقد استمرت أعمال المؤتمر علي مدار يومين وشهدت حوالي ست ندوات موسعة وشارك فيها حوالي ثلاثين كاتبا ومترجما وطرح خلال النقاش اكثر من موضوع لافت وجدير بالنقاش مثل: سباق الاستعمار الأوروبي في الهند واختراق الأسوار المفروضة علي اللغات المقدسة وترجمة المصادر التاريخية في ضوء التضارب في توجهات المراجعة التاريخية المعاصرة في اسرائيل، والوثائق والمذكرات الخاصة بجمال الدين الأفغاني، والمصادر التاريخية للعرب قبل الاسلام في ضوء النقوش السامية، وكذلك ترجمة أسفار العهد القديم الي اللغة العربية، والترجمة العربية عن الأردية لكتاب الهند والعرب في عهد الرسالة ، وتاريخ الطبري وترجمته الي اللغة الفارسية، ومصادر السيرة النبوية عند شبلي النعماني. وكانت الندوة قد انطلقت بحضور الدكتور بديع محمد جمعة مقررها، والدكتورة رجاء ياقوت مقررة لجنة الترجمة، والدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة.

وكان من بين أبرز المشاركين في الندوة الدكتورة فاطمة موسي، عبدالعزيز عوض الله، محمد أبو غدير، الصفصافي أحمد القطوري، شيرين عبدالنعيم، فائزة عبدالفتاح، نبيلة اسحاق، أحمد الخولي، رملة محمود غانم، فوزية عبدالعزيز صباح، هويدا عزت محمد، هناء العارف، سامية جلالو فتحي النكلاوي وعدد آخر من الباحثين والمترجمين. 

في نفس الوقت واصلت جمعية النقد الأدبي مؤتمرات الرابع الذي يترأسه الأكاديمي الدكتور عز الدين اسماعيل وذلك بالاشتراك مع كلية الأدب بجامعة عين شمس وقد استمرت فعاليات المؤتمر خمسة أيام وانطلقت في الأول من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وقد أشار الكتاب الصادر عن المؤتمر صراحة علي غلافيه الأمامي والداخلي الي أن المؤتمر جاء تحت رعاية مؤسسة عبدالمقصود خوجة بجدة ومؤسسة عبدالحميد شومان بالأردن، والمقصود بالرعاية هنا هو التمويل المالي للمؤتمر، حيث ان الامكانات المحدودة لجمعية النقد الأدبي لا تمكنها من الانفاق علي المؤتمر، كذلك لا يتلقي المؤتمر دعما من أي نوع من الدولة المصرية، وهي معركة خاضها الدكتور عز الدين اسماعيل وعدد من تلاميذه ومحبيه من النقاد الأحدث، وفيما يبدو كانت موجهة ضد الكثير من التجاوزات التي تشهدها المؤتمرات التي تقيمها وزارة الثقافة. في الوقت نفسه يبدو الدكتور اسماعيل ورفاقه مشغولين بالسهر علي دفع العملية النقدية الي مزيد من العملية، لذلك ينحو المؤتمر عادة الي التخصص وينأي بقدر الامكان عن العناوين الفضفاضة التي تعمل ضد الاصطلاحية، وقد كان هذا الهاجس المبكر وراء تأسيس الدكتور عز الدين اسماعيل لمجلة كانت مهمة هي مجلة فصول التي تصدرها هيئة الكتاب وتترأسها حاليا الدكتورة هدي وصفي بعد أن ترأسها الدكتور جابر عصفور قبلها وبعد الدكتور عز الدين اسماعيل في النصف الثاني من الثمانينيات. وشهد المؤتمر الذي استمر لخمسة أيام اكثر من عشرين ندوة تحت عنوان واسع هو البلاغة والدراسات البلاغية وشارك عدد من الباحثين من مصر والعالم العربي وبعض الباحثين الغربيين بأوراق تدور محصلتها تحت راية عنوان المؤتمر، فيشارك ادموند رايت، عبد المجيد زراقط، فايز القيسي، صدوق نور الدين، محمد غيث، عبداللطيف محفوظ، عبدالسلام المسدي، بنيارد. ل. ميسيغو، يوسف بكارو عصام بهي، علي جعفر العلاق، ياروسلاف شيتكيفتش، علاء عبدالهادي، محمد عبدالمطلب. وقد أثار المؤتمر عددا من المحاور المهمة علي رأسها البلاغة الشعرية، بلاغة الرواية، البلاغة في الكتابات الجنسوية، البلاغة والثقافة لا سيما في صورتها الشرقية والغربية. 

مكتبة الاسكندرية مع أدونيس والمخطوطات الشارحة
كان من أبرز الأنشطة التي قدمتها مكتبة الاسكندرية لهذا العام استضافة برنامج الباحث المقيم للشاعر العربي أدونيس في عدد من المحاضرات المهمة حول مشروعه الفكري لا سيما ذلك السؤال الذي تم طرحه حول تصوره لكتابه المهم الثابت والمتحول وذلك بعد مضي ما يقرب من الثلاثين عاما علي وضعه في صورته الأولي، كذلك شهد البرنامج حفلا لتوقيع مختارات ديوان الشعر العربي لأدونيس، التي صدرت في طبعة شعبية عن الهيئة العامة لقصور الثقافة. في الوقت نفسه عقدت مكتبة الاسكندرية مؤتمرا مهما حول المخطوطات الشارحة وقد استغرق المؤتمر أربع عشرة جلسة شارك فيها واحد وخمسون باحثا وأستاذا من مختلف جامعات العالم، وكرم المؤتمر الدكتور عبدالحميد صبرة بمناسبة حصوله علي جائزة سارتون في تاريخ العلوم، كذلك شهد المؤتمر عدة محاضرات للدكتور صبرة حول مفهومه للمخطوطات الشارحة، كذلك تم افتتاح معرض المخطوطات الشارحة ضمن الفعاليات. ويأتي المؤتمر امتدادا للمؤتمرات الدولية التي نظمها مركز المخطوطات بمكتبة الاسكندرية بغية الكشف عن الجوانب المجهولة والمنسية والمهملة في التراث العربي، ليمثل خطوة جديدة بعد مؤتمر المخطوطات الألفية الذي انعقد في ايلول (سبتمبر) 2004 والمخطوطات الموقعة الذي انعقد في نيسان (ابريل) 2005. وقال الدكتور يوسف زيدان مدير مركز المخطوطات أن المؤتمرين كشفا عن جانبين مهمين من جوانب تراثنا المخطوط الموزع علي أرجاء العالم أو بالأحري المنزوي في الخزانات الخطية في العالم. وأضاف زيدان: كما حرصنا في المؤتمرين السابقين علي اقامة معرض لهذه المخطوطات بغية استحضارها أمام أعين أهل الزمان في محاولة لعبور الهوة الفاصلة بين ثقافتنا المعاصرة وجذورها التراثية، حيث طرح المؤتمر الجديد محاور غير نمطية للبحث التراثي، ومداخل تنزع الي الارتقاء بالتراث عبر عمليات مختلفة مثل الفهرسة، التحقيق والدرس المتخصص كذلك السعي الي عمليات الاستكشاف والفهم والثقافة.

وقد انقسم المؤتمر الي خمسة محاور أولها جاء حول طبيعة العلاقة بين النصوص التراثية ومراتبها الموصوفة بألفاظ المتن والشرح والحاشية والتعليق، وثانيها بحث أثر المخطوطات الشارحة في الامتداد المعرفي عبر قرون الحضارة الاسلامية بابقاء النص حيا عبر عمليات الشرح بمستوياته المختلفة وبأغراضه المتنوعة، ودلالة انتشار الأنماط المختلفة للنص الشارح، في فترة زمنية معينة وفي علوم تراثية بعينها كما هو الحال في انتشار شروح فصول أبقراط في القرنين السابع والثامن الهجريين، والمحور الثالث للمؤتمر دار حول المخطوطات الشارحة باعتبارها وعاء معرفيا ذا قالب خاص من حيث الشكل قد ينساب فيه الشرح متحلقا حول النص المشروح. والمحور الرابع دار حول دراسة الأشكال غير النمطية للمخطوطة الشارحة، وتنوع المداخل الشارحة للنص، أما المحور الخامس فتناول استكشافا لبعض نماذج المخطوطات الشارحة بدءا من هذه التي تقع في مجلدات كبار أو تلك التي وردت في مخطوطة بعينها علي هيئة طيارات لا نجدها في مخطوطة أخري من مخطوطات الكتاب ومقارنة المخطوطات الشارحة في الثقافة العربية بالنص الشارح في ثقافات أخري قديمة ومعاصرة. 

مثقفون يتضامنون مع القضاة ويناهضون الصهيونية
كان من بين الأحداث الابرز في العام المنصرم لذلك الحراك الواسع الذي دفع عددا كبيرا من المثقفين الي اعلان التضامن الكامل مع حركة نادي القضاة وسعيه للاستقلال وشاركت حركات سياسية واسعة ومتعددة الأطياف في تظاهرات حاشدة لدعم القضاة، وكذلك الأمر في التنديد بالعدوان الصهيوني الذي وقع علي لبنان واستمر قرابة ثلاثة وثلاثين يوما متصلة. كذلك انتهي العام بالمعركة الطاحنة التي كان طرفها الرئيسي وزير الثقافة من ناحية والاخوان المسلمين من ناحية أخري علي خلفية التصريحات التي أدلي بها الوزير ضد الحجاب، حيث اعتبره أحد مظاهر تخلف المجتمع المصري، وهي المعركة التي أيد فيها عدد غفير من المثقفين موقف وزير الثقافة الا أن عددا آخر من الحركات السياسية رأي أن القضية مفتعلة وتعد صرفا للأنظار عن القضية الأساسية للمجتمع المصري وهي قضية الاصلاح والبطالة والفقر ومقاومة الفساد، كذلك ندد المثقفون بما أعلنه وزير الثقافة من انشاء لجنة دينية للاشراف والرقابة علي أنشطة وزارة الثقافة ويأتي ذلك علي خلفية ردود الفعل المتطرفة والمبالغ فيها من حركة الاخوان المسلمين وبعض أقطاب الحزب الوطني التي وصلت الي حد توجيه الاهانات الشخصية وبلغة تصل الي مستوي جرائم السب والقذف تحت قبة البرلمان، وكأن ثمة مؤامرة تحاك لوأد الحريات الأساسية التي انتزعتها الجماهير وعلي رأسها حرية الرأي والتعبير وكذلك حرية التدين والاعتقاد وكأن ثمة سعيا دؤوبا من السلطة ومن حركة الاخوان المسلمين لتديين الأزمات المجتمعية ونقلها من كونها ساحة للحوار الموضوعي علي كونها مجرد أدوات للدعاية الرخيصة لكسب المزيد من الجماهير عبر مزايدات سياسية تهدف الي تحقيق القدر الأكبر من الكسب السياسي .

وعبر بيان صادر عن حركة أدباء وفنانون من أجل التغيير عن رفضها المطلق لهذا الترخص والانحدار السياسي ودعا الي حتمية اعادة الاعتبار للقضايا الرئيسية للصراع السياسي والاجتماعي في لحظة يتصاعد فيها عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في مصر حتي وصل الي ما يربو علي 40% من عدد السكان حسب التقديرات الدولية، وكذلك تدهــــور النظام التعليمي والرعاية الصحية وقضايا تفشي الفساد في كل أرجاء الدولة، هذا فضلا عن الرغبة الكامنة لدي النظام في تجاوز قضية الاصلاح السياسي والدستوري وكذلك قضية تراجع الدور المصري علي المستويين الاقليمي والدولي. واختم البيان موقفه بالقول: ان الحركة تؤكد علي ان مثل هذا النوع من الحوار يعكس رغبة المرجعية الوهابية في تغيير الطبيعة السياسية والدستورية للبلاد والانتقال بها من شرعية الدولة التحديثية الي شرعية الكهنوت وصكوك الغفران. ودعت الحركة في ختام بيانها كافة القوي المناهضة للتحالفات القائمة والرافضة لهذه الدرجة من التدني في الأداء لأن ترفع صوتها لوقف هذا الانحدار وتطرح مشروعاتها البديلة التي تتخلق بالكثير من المسؤولية لامكانية مواجهة التحديات المستقبلية علي كافة المستويات . ويأتي البيان ردا علي بيان أصدره حوالي مئة وخمسين من المثقفين المصريين قبل ثلاثة أيام أيدوا فيه حق وزير الثقافة في ابداء آراء شخصية في مسائل لا تمس جوهر الدين، ودافعوا في بيانهم عن حرية الرأي والتعبير محذرين من أن يأتي تصاعد مثل هذه القضايا الفرعية علي الهامس المتبقي من الحريات العامة لا سيما حرية الرأي والتعبير. وقد وقع علي البيان عدد من أعضاء حركة أدباء وفنانون من أجل التغيير .

وكان رئيس مجلس الشعب الدكتور فتحي سرور قد رفض البيان قائلا انهم لا يعبرون عن المثقفين المصريين وليسوا وحدهم ملاك هذه الصفة. كلنا مثقفون. 

جوائز الدولة وجائزة العويس
كذلك شهد العام حصول الدكتور ثروت عكاشة علي جائزة سلطان العويس التي قالت عن الفائز انه شخصية مؤثرة خدمت الثقافة بعلم واخلاص وانعكست انجازاتها علي المستويين العربي والعالمي .

في الوقت نفسه صدر القرار الجمهوري بتأسيس المركز القومي للترجمة والنشر علي أن يكون مؤسسة مستقلة لها ميزانية خاصة ومقر خاص ويتبع وزارة الثقافة، ومن المقرر أن تتشكل لجنة من عشرين عضوا بينهم بعض الوزراء ذوي الصلة بحكم مناصبهم مثل وزير الخارجية، والاعلام، والتعاون الدولي، والاتصالات والتعليم العالي والثقافة وتتولي رئاسة المجلس الأعلي للمركز السيدة قرينة رئيس الجمهورية وفور الاعلان عن تأسيسه أعلن الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل عن تبرعه بمبلغ ثلاثين ألف جنيه للمشروع حيث سبق له وأن تبرع للمشروع القومي للترجمة بمبلغ مماثل.

أما جوائز الدولة هذا العام فقد جاءت مختلفة الي حد كبير عن الأعوام الماضية حيث ذهبت ـ في الغالب ـ الي مستحقيها الا في القليل النادر، فقد فاز بجائزة مبارك ـ بعد حجبها في الفنون ـ الدكتور حسين نصار في الآداب، بعد منافسة حامية الوطيس مع الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي وفي العلوم الاجتماعية فاز بها الدكتور مصطفي سويف أحد كبار علماء النفس، وفاز بالتقديرية كل من محمد مستجاب في الآداب وعز الدين فودة في العلوم الاجتماعية وحصل عليها في الآداب أيضا الدكتور سمير سرحان وكذلك حصل عليها الدكتور محمد حمدي ابراهيم عميد كلية آداب القاهرة وحصل عليها في الفنون المصور رمسيس مرزوق والتشكيلي الدكتور فاروق شحاتة والدكتور عواطف عبدالكريم في العلوم الاجتماعية والأثري جاب الله علي جاب الله والدكتور صلاح قنصوة وعبدالحميد حواس.

أما جائزة الدولة للتفوق فقد ذهبت الي جورج البهجوري في الفنون وصبحي الشاروني وفي العلوم الاجتماعية للدكتور محمد السيد سعيد وأحمد زكريا الشلق والدكتورة سامية الساعاتي وفي الآداب حصل عليها الشاعر أحمد سويلم والناقد ماهر شفيق فريد. أما الجائزة التشجيعية فكان ابرزها جائزة الشعر حيث كان مقررا أن يحصل عليها الشاعر علي منصور غير أنها ذهبت في اللحظات الأخيرة الي الشاعر عبدالستار سليم الذي تجاوز الستين من عمره وكان أمرا غريبا أن يحدث ذلك إلا أن اللجنة بررت ذلك بأنه لأسباب انسانية. في الوقت نفسه كان قد صدر القرار الجمهوري في بداية العــام المنصرم بزيادة عدد أعضاء المجلــــــس الأعلي للثقافة بمقدار عشرة أعضاء من المعينـــــين بأسمائهم وليسوا بوظائفهم وذلك لاحداث توازن مع أسماء الموظفين في اللجنة للحد من تأثيرهم في الاختيار الذي عادة ما يكون في غير محله. 

اتحاد الكتاب العرب يعود للقاهرة وعودة عضوية فلسطين المعلقة
بعد أكثر من خمسة عشر عاما علي تعليقها تعود عضوية فلسطين الي اتحاد الكتاب العرب، وكذلك يعود الاتحاد ومقره الي القاهرة بعد انتزاع محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر منصب أمين عام اتحاد الكتاب العرب من السوري علي عقلة عرسان، وذلك أثناء وقائع المؤتمر الموسع الذي عقده الاتحاد بالقاهرة وشهد مؤتمرين موسعين أولهما عن نجيب محفوظ وثانيهما عن الشعر العربي. وقد استقبلت قاعة الرؤساء والملوك بجامعة الدول العربية وقائع افتتاح المؤتمر وسط حشد كبير من الكتاب والأدباء المصريين والعرب، وكذلك وسط حشد رسمي كان علي رأسه السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية والدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء المصري الذي ألقي كلمة نيابة عن رئيس الجمهورية حسني مبارك، كذلك أقيمت الاحتفالية الختامية تحـت قبة الجامعة، في حين عقد المؤتمر العديد من جلساته في مقر الاتحـــاد بالزمالك، كما شهد المؤتمر عددا من الأمسيات الشعرية في مصر وعدد من الأقاليم مثل الأقصر ومكتبة الاسكندرية والغردقة وشرم الشيخ والمنصورة، وقد دارت محاور المؤتمر الذي تم تكريس الجزء الأول منه للاحتفال بالكاتب الراحل نجيب محفوظ حول الأعمال التاريخية للراحل ومدي وقوعه في التأريخ في أعماله الأولي. وكذلك ناقش المؤتمر أعمال محفوظ في حقبة الواقعية ثم التجريبية والملحمية، ثم الرؤية السياسية في أدبه. كذلك ناقش المؤتمر انجاز محفوظ، ومدي تأثيره علي الرواية العربية وكذلك امتداداته خارج الأدب العربي، وقد شهد المؤتمر مائدة مستديرة عن التجريب الشعري المعاصر في الوطن العربي وتفرع الموضوع الي اتجاهات جديدة في القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر، وكذلك صورة القصيدة العربية في مشهد الشعر العالمي المعاصر. أيضا قدم المؤتمر مائدة مستديرة عن هوية الطفل العربي في عصر العولمة تدور محاورها حول الاتجاهات المنسية في الكتابة عن الطفل، وصورة الواقع المعاصر في الكتابة للطفل وتحديات المستقبل وكذلك ترجمة كتب الاطفال وحوار الثقافات والتراث العربي وأسلوب تقديمه للطفل المعاصر. 

مؤتمر دولي للمأثورات الشعبية: دفاعا عن الهوية
أيضا من المؤتمرات المهمة التي اختتمت هذا العام، انطلاق فعاليات الملتقي القومي الثالث للفنون الشعبية تحت رعاية لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلي للثقافة تحت عنوان المأثورات بالمجلس الأعلي للثقافة تحت عنوان المأثورات الشعبية والتنوع الثقافي .ويستهدف المؤتمر استنبات جذور قوية للثقافة الشعبية ومأثورات في حقول الدراسات الانسانية والاجتماعية والتاريخية، وتأكيد أهمية المأثورات في الاعلاء من شأن خصوصية الذات الوطنية والقومية - حسب تعبير واحد من الباحثين الذين أعدوا للمؤتمر وهو محمد حسن عبدالحافظ علي تماسك المجتمع وتجانسه، ومنحه حرية التعبير عن ثقافته وفنونه والعمل علي اكتشاف جماليات أدبه وتشكيله بعد عقود، بل قرون طويلة من الظلم والاجحاف والاستغلال.

وبرغم ما مورس علي الثقافة الشعبية وعلي أصحابها من اتهام بالتأخر والتراجع، فقد ظلا قلعة راسخة حمت المجتمعات ذات الخصوصية الثقافية من محاولات الاختراق والمسخ والتفتيت، ومن أجل ذلك ـ يري عبدالحافظ ـ أن الباحثين عملوا عبر خمسة أجيال علي اعادة الاعتبار الي المأثورات الشعبية والي أصحابها في الماضي والحاضر والمستقبل، من خلال جمعها وتصنيفها ودراستها، وتدريسها وبناء مؤسسات حمايتها وصونها وادراجها في العمليات الابداعية والاجتماعية والتنويه الحديثة وابراز دلالاتها المحلية والوطنية والقومية والانسانية.

ويري عبدالحافظ أنه من أبرز ما يتوج هذا المشهد تلك الحلقة النقاشية الموسعة المعنونة بـ العناصر المشتركة في المأثورات الشعبية في الوطن العربي والتي عقدت في القاهرة برعاية المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة في تشرين الاول (أكتوبر) عام 1971 بمشاركة احدي عشرة دولة.

ويعتبر عبدالحافظ أن هذه الحلقة مثلت أول اجتماع عربي مشترك في مجال المأثورات الشعبية في بعدها القومي، كما مثلت ثمرة ناضجة للجهود التي بذلت طوال ربع قرن، وجسدت استقرار الوعي الثقافي العربي لأهمية المأثورات الشعبية، وعمق دورها في تاريخ الثقافة العربية واستحقاقها احتلال موقع مركزي في قائمة اهتمام المثقفين العرب، وليس المتخصصين فحسب، كما استهدفت فتح آفاق جديدة، وطاقات جديدة، وتأسيس مرحلة جديدة من العمل علي جمعها ودرسها واستلهامها وادراجها في قلب النشاط الثقافي والعلمي والاعلامي العربي. 

عام الرحيل في الثقافة المصرية
أبرز ما يميز العام المنصرم في الثقافة المصرية هذا الرحيل الجماعي المفجع بحق لعدد من رموز الثقافة، وكان علي رأس الراحلين بالطبع رائد ومؤسس الرواية العربية نجيب محفوظ وقد قدمنا في القدس العربي أكبر استطلاع قدمته الصحافة العربية حول ملامح الرواية بعده، بما يحمله ذلك من تكريم لاسم الراحل وتأكيد تأثيره الكبير علي مسيرة الرواية، هذا التأثير الذي لن يكون محفوظ سعيدا به في قبره، اذا ما انتهي فعليا الي موت الرواية بعده حسب قول بعض القائلين. كذلك رحل عن عالمنا في هذا العام الدكتور أحمد هيكل وزير الثقافة الأسبق وأستاذ الأدب الاسباني بكلية دار العلوم وعميدها الأسبق، وهو واحد من الرعيل الأول من الأكاديميين الذين عملوا بدأب وشرف علي اثراء المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات المؤثرة مثل تطور الأدب الحديث في مصر، الأدب الأندلسي، الأدب القصصي والمسرحي في مصر كذلك قدم هيكل ديوانين يندرجان ضمن شعرية الرومانسية المصرية هما أصداء الناي و حفيف الخريف ، وقد حصل الدكتور هيكل علي جائزة مبارك في الآداب عام 2004، ويعتبر مؤلفه الأدب الأندلسي من الفتح الي سقوط غرناطة أحد المراجع المهمة التي فتحت الطريق الي معرفة واسعة بالأدب الأندلسي.

أيضا رحل الكاتب السياسي والصحافي المرموق محمد عودة وهو أحد الذين صاغوا تاريخ مصر الحديث، وذلك عبر قناعته بأن التاريخ المصري كتبه المستعمر وكان يقصد الي محو الذاكرة الوطنية، فقدم عددا من الكتب المؤثرة في هذا السياق مثل كرومر في مصر و أحمد عرابي قصد ثورة ، و كيف سقطت الملكية في مصر و فاروق بداية ونهاية وكتاب سبع باشوات وهو الكتاب الذي قدمه الراحل يوسف ادريس.

كذلك رحل عن عالمنا الشاعر فؤاد قاعود عن عمر يناهز السبعين عاما بعد رحلة مؤثرة مع الشعر الشعبي الذي يعد قاعود واحدا من مؤسسيه، هذا فضلا عن ارتباطه بشكل دائم بالقضية الوطنية عبر انتمائه وعمله في صفوف اليسار معظم سنوات عمره.

كذلك رحل عن عالمنا المفكر والكاتب السياسي الكبير محمد سيد أحمد أحد وجهاء الارستقراطية المصرية، لكنه تمرد عليها وناضل في صفوف اليسار، واختار الفقراء منذ بداية مشواره السياسي، وهو نفسه ما فعله المناضل السياسي الكبير والمحامي المرموق الذي رحل في نفس العام نبيل الهلالي، ابن الهلالي باشا رئيس الوزراء الأسبق في ظل الملكية، فقد انضم نبيل الهلالي للتنظيم الطليعي ثم انفصل عنه، وهو من كبار المدافعين عن حقوق العمال، وكذلك استقلال التنظيمات اليسارية عن الاتحاد السوفييتي، ويعتبر كتابه اليسار الشيوعي المفتري عليه ولعبة خلط الأوراق من الكتب المرجعية في سياقها، حيث يفند فيه الكثير من الالتباسات التي دارت حول موقف الشيوعيين المصريين من قضية فلسطين واليهود وعلي الأخص هنري كورييل.

كذلك رحل واحد من هذا الرعيل العظيم لكنه كان في ريعان الشباب وهو الكاتب والمناضل القومي أحمد عبدالله رزة ، الذي كان أحد رموز الحركة الطلابية منذ مطالع السبعينيات والذي ترأس اللجنة الطلابية العليا بجامعة القاهرة، تلك الحركة التي تبنت نضالات الطلبة حتي انتفاضة كانون الثاني (يناير) 1977، لكن أحمد عبدالله كان علي النقيض من سالفيه، فلم يكن سليل أسرة ارستقراطية، بل ينحدر من أسرة متوسطة كانت تسكن أحد الأحياء الشعبية بمنطقة مصر القديمة، ومع ذلك فقد حصل علي الدكتوراه من جامعة كامبردج في موضوع الحركة الطلابية في مصر ورفض العمل في الجامعة التي تخرج منها وفضل العودة الي الوطن، وأنشأ مركز الجيل في المنطقة التي ولد فيها.

كذلك رحل عن عالمنا في شهر حزيران (يونيو) من العام المنصرم الأب متي المسكين الراهب الناسك والعالم القبطي الكنسي الكبير وذلك عن عمر يناهز السابعة والثمانين من عمره.

والأب متي المسكين هو الاب الروحي لدير القديس أنبا مقار، من ايار (مايو) 1969 حتي عام رحيله، بناء علي تكليف من البابا كيرلس السادس، وهو يعد باعث النهضة في الحياة الرهبانية القبطية منذ تركه ممتلكاته ومهنته وانخراطه في الرهبنة منذ عام 1948 في أربعة أديرة هي دير السريانو ثم دير الأنبا صموئيل، ثم مغائر وادي الريان، وأخيرا دير الأنبا مقار. ويعتبر الأب متي المسكين واحدا من حملة ألوية العلم والتنوير اللاهوتي داخل الكنيسة عبر الرجوع الي الجذور الانجيلية بروح عصرية واعية وفاهمة لمتناقضات العصر الحديث واشكالياته . أيضا رحل عن عالمنـا الدكتور أحمد مستجير الشاعر والباحث في فلسفة العلم لا سيما علوم الهندسة الوراثية التي قدم فيها انجازا واسعا سواء بالبحث فيها أو بالتعريف بها.

ايضا رحل عنا المفكر السياسي الدكتور اسماعيل صبري عبدالله وزير التخطيط الأسبق والمناضل اليساري المعروف، الذي ينحدر من عائلة ارستقراطية ضخمة عن عمر يناهز الثالثة والثمانين من عمره.

وأخيرا رحل عن عالمنا الناقد الشاب حاتم عبدالعظيم الذي كان يعمل مدرسا مساعدا للأدب بكلية الآداب في جامعة القاهرة بعد أن خلف وراءه أكثر من ديوانين من الشعر لا زالا قيد النشر وعددا هائلا من المقالات وكتابا مهما حول السرد في سيرة حي بن يقظان، ورسالة للدكتوراه لم يتم طبعها عن السرد في الشعر الأموي ومظاهره. 

نقلا عن القدس العربي لندن