فريال جبوري غزول تقدم الناقدة العراقية فريال غزول هنا تناولا نقديا لردود الفعل المتباينة التي أثارتها رواية الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي الأولى، ثم تتبعه بتحليل ضاف للرواية يفسر كثيرا من اللغط الذي أثير حولها

ذاكرة الأدب في «ذاكرة الجسد»

فريال جبوري غزّول

شكّلت رواية أحلام مستغانمي(1) الأولى، ذاكرة الجسد، ظاهرة لم يسبق لها مثيل في مجال الرواية العربية الحديثة. فبعد أن نشرت دار الآداب اللبنانية الطبعة الأولى منها في عام 1993، ونشرتها دار موفم للنشر الجزائرية في العام نفسه، تبعتها طبعات متتالية تقترب من خمس عشرة طبعة، وقد تجاوزت مبيعات هذه الرواية خمسين ألف نسخة،(2) هذا على الرغم من سوء توزيع الكتاب في العالم العربي، وعزوف المواطنين العاديين عن القراءة عامةً، وعن اقتناء الكتاب الأدبي خاصةً. فما تكاد هذه الرواية تأخذ مكانها على رفوف مكتبات البيع حتى تتخاطفها أيدي المشترين، مع العلم أن أعمالاً روائية متميزة لا تبيع في أحسن الأحوال أكثر من ثلاثة آلاف نسخة، مع أن مؤلفيها نجوم في حقل الرواية العربية. ومن اللافت إزاء جماهيرية هذه الرواية اختلاف النقاد حولها اختلافاً بيناً، فمنهم من لم يكتف بالانصراف عنها، فقرر إدانتها لاعتبارات كثيراً ما كانت خارجة عن موازين النقد ومعاييره. وهناك من فتنوا بها وأشادوا بقيمتها. ولعبت الصحافة دوراً في الانتقاص من قيمة هذا النجاح الهائل. فزعم البعض أن مستغانمي انتحلت هذا العمل، ولكن اختلفوا فيمن يكون صاحبه الأصلي (وهذا الزعم في ذاته يشير إلى التفوق الأدبي الذي لا يمكن في نظر البعض أن تتميز به روائية ناشئة). فمرة يشار إلى الشاعر العراقي سعدي يوسف، ومرة أخرى إلى الشاعر السوري نزار قباني، ومرة ثالثة إلى الروائي الجزائري واسيني الأعرج (ربما لأنه أيضاً يكتب الرواية الشعرية مثل مستغانمي)، ومرة رابعة إلى الروائي السوري حيدر حيدر، إلخ. فعوضاً عن الابتهاج بعمل أدبي يقبل القراء عليه، تسابقت الأقلام في استدعاء آباء غير شرعيين لهذه الرواية، وأطلق البعض عليها «الكتابة بالجسد» عوضاً عن «ذاكرة الجسد»، مما يتجاوز التلويح بالتزييف إلى التشهير بالكاتبة نفسها. وأما أحلام مستغانمي فقد تعالت على هذا الاغتياب الرخيص، وأطلقت على هذه الكتابات ذات الطابع النميمي التي تدور حول ذاكرة الجسد تعبير «ذاكرة الحسد»، وطالبت بنقد أمين يصحح ويقيم ولا ينحدر إلى مستوى الترهات، فلا مانع عندها من أن يكون لها خصوم على شرط أن يكونوا شرفاء.(3) 

التلقي المتباين للرواية:

ومع أن هذه الإشاعات المغرضة حول رواية ذاكرة الجسد قد تمّ تكذيبها، فقد استمرت الصحف في التنديد بكاتبتنا مستغانمي، مستكثرين عليها النجاح والتقدير. فقد كذّب سعدي يوسف ما قيل عن دوره في كتابة هذه الرواية. وذكر بالنص «الخبر غير صحيح وهو إساءة إلى أحلام وإليّ»،(4) كما امتدح واسيني الأعرج أحلام مستغانمي باعتبارها «ظاهرة تستحق التأمل والقراءة».(5) وقد نفى سهيل إدريس صاحب دار الآداب بشكل قاطع أي دور لنزار قباني في كتابة ذاكرة الجسد في مقالة في جريدة الحياة. وفي شهادة أخرى له عن الموضوع، ذكر كيف أنه حدّث نزار قباني عن رواية ذاكرة الجسد وأهداه نسخة منها، بعد أن رفضت المؤلفة أن تفعل ذلك منعاً للحرج، فشغف قباني بها، وعكف على قراءتها وكتب كلمة على غلاف طبعتها الثالثة.(6) وقد قام الناقد رجاء النقاش بتحليل رواية حيدر حيدر وليمة لأعشاب البحر(7) من جانب ورواية ذاكرة الجسد من جانب آخر ليجد تشابهاً مفرطاً يوحي له بأن مستغانمي نقلت عن حيدر حيدر وسرقت من روايته.(8) فهو يرى تناظراً بين العملين. وإن كان يقرّ بأن ذاكرة الجسد تتفوق أدبياً على سابقتها وليمة لأعشاب البحر. والتفوق في الأسلوب، حسب رأيه، لا ينفي الاقتباس لأن التيمات تتشابه إلى درجة عدم إمكان ورودها إلا من باب استعارة من نص سابق. ويعطي النقاش عشرة أدلة على ذلك، أولها تشابه الخلفية العامة للروايتين وآخرها تشابه شكلي، ففي كليهما يحمل البطل اسم خالد. ولكن خالد ـ كما هو معروف ـ اسم دارج في الوطن العربي، فوروده في أكثر من رواية ليس بدليل على الإطلاق على سرقة، بل بالعكس لو كانت هناك فعلاً سرقة أدبية ما فالأولى بالسارق أن يخفي فعلته باستخدام اسم آخر. وأما التشابه في الخلفية العامة وفي وصف ما يجري في الجزائر من تفسخ القيم الثورية، فهذا بدوره لا يعني على الإطلاق نقل رواية عن أخرى، وإنما يعني أن المرجع العيني واحد، ألا وهو الواقع الجزائري. فتماثل الروايتين كما يقدمه النقاش بدقته، وبما يطلق عليه «أدلة وبراهين»، لا يعني أخذ الرواية اللاحقة عن الرواية السابقة، بقدر ما يعني تدهور الوضع الإنساني في الجزائر الذي نعرفه جميعاً، والذي يجعل الروايات المكتوبة عنه تتمثله. ولو راجعنا روايات أخرى عن الجزائر المعاصرة لوجدنا هذا التشابه أيضاً على مستوى الأجواء والأحداث، وهذا أمر طبيعي. ففي الروايات المكتوبة، على سبيل المثال، عن الحرب الأهلية اللبنانية نجد الكثير من التقاطع في الوصف والمقاربة؛ لا لأن هناك قناة ناقلة، وإنما لأن التجربة بعنفها وفوضاها واحدة.

وقد فسّرت مستغانمي هذه الاتهامات العديدة تفسيراً اجتماعياً ونسوياً. فهي باحثة في قضايا الكتابة والمرأة في وطنها الجزائر وتخصصت في دراستها العليا بهذا الموضوع. إنها ترى علاقة قوية بين النسق الاجتماعي السائد وحملة التشهير بها، فتقول: «المسألة ليست مسألة ذاكرة الجسد، ولا القضية قضية أحلام مستغانمي، وإنما كوننا ننتمي إلى مجتمع ذكوري يرفض الأنثى، ويحتقر النساء، حتى إنه ما ظهرت كاتبة أو شاعرة عربية إلا وجاء من يقول إن رجلاً يكتب لها».(9) ويجب أن لا يجعلنا هذا التشويه نتصور أن حق مستغانمي قد هضم، فقد أشاد بها الكثير من النقاد، وقام آخرون بتحليل عملها، قبل حصولها على جائزة نجيب محفوظ وبعده، ومنهم علي الراعي، (10) وعلي خفيف، (11) وصبري حافظ،(12) وبيتر كلارك، (13) وعايدة بامية، (14) وكيم جانسن.(15) وأما الشاعر والروائي والناقد عبده وازن فيبتعد عن التحليل وينحاز للإثارة الصحفية، مطلقاً إدانته لهذا العمل على مختلف المستويات. فهو يرى أن الرواية «لا تنتمي إلى الحركة الجزائرية مقدار انتمائها إلى الأدب الرائج أو الجماهيري الذي يتخطى كل التصنيفات والانتماءات الوطنية وسواها».(16) ومع هذا فهو يناقض نفسه في مقالة أخرى عندما ينفي إمكانية أن يكون سعدي يوسف وراء هذه الرواية فيقول: «من الصعب على شاعر عراقي أن يلمّ بما أوردت الروائية من تفاصيل جزائرية صرف، ومن معالم بيئية لا يدركها سوى الجزائري نفسه».(17) وفات عبده وازن أن حتى الأدب «الجماهيري» يتسم بمعالم الثقافة التي أنتجته، فرواية جماهيرية أمريكية غير الرواية الجماهيرية العربية أو اليابانية، وهو ما يشير إليه ضمناً عندما يتحدث عن الحس الجزائري في الرواية. وينطلق عبده وازن في استعلائه على الذوق الجماهيري، قائلاً: «لعل أجمل وصف أطلق على الرواية {ذاكرة الجسد} هو ما وصفته بها إحدى الصحف في أنها تنتمي إلى أدب المسلسلات المكسيكية الرائجة جماهيرياً».(18)

وعلى عكس هذا التعالي النخبوي، نجد مقالة صبري حافظ تبحث في أسباب هذا الرواج من منطلق سوسيولوجي، ومع أن حافظ لا يرجع إلى المفكر جرامشي وكتاباته عن رواج الرواية الفرنسية المترجمة والمنشورة مسلسلةً في الصحف الإيطالية، فإن تحليله يتضمن ما توصل إليه جرامشي ويتقاطع معه. رأى جرامشي أن الإقبال الإيطالي على روايات فرنسية مترجمة ومنشورة كأدب مسلسلات (مثل رواية الكونت دي مونت كريستو) يرجع إلى أن النزعة الرومانسية فيها تتجاوب مع النزعة الوطنية الإيطالية الصاعدة حينذاك (نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين)، ومن هذا المنطلق يمكن تفهم انصراف القارئ الإيطالي عن أدبه المتمثل في كتابات بيرانديلو ودانونزيو، والتي لم تكن تحقق رومانسية نزعته القومية.(19) إذ يفسّر صبري حافظ سر شعبية هذه الرواية في «عربيتها، وشاعرية لغتها وبلاغتها التقليدية، وبساطة بنيتها التي تردنا إلى مرحلة النشأة والتأسيس في الرواية».(20) فهو يرى، أولاً، إحالة الرواية إلى الوضع العربي العام على الرغم من ارتباطها بالجزائر بشكل خاص؛ فهي «رواية العذاب الذي يعانيه الذين يخلصون في حب الوطن».(21) وهذ أمر أتفق معه وأضيف: إنها الرواية التي تعبر عن هول الواقع، مخالفة بذلك الخطاب الرسمي المنشرح والمنافق والمدّعي بإنجازات وهمية، على الرغم من الخراب المقيم. في رواية مستغانمي تحرير للحزن المكبوت في كل مواطن، فالأسباب تتعدد والخيبة واحدة. وثانياً، يرى حافظ سر رواج العمل في أسلوبه الشعري الإنشائي وجاذبيته التقليدية؛ وهنا أختلف شيئاً ما مع حافظ. فالأسلوب شعري غنائي، وليس إنشائياً. وهو جذاب، لا لأنه تقليدي، بل لأنه يعتمد على استعارات في متناول القارئ العادي، تبتعد عن التجريد والتعقيد؛ كما أن الأسلوب يتوسل الأمثال الشعبية، والأقوال المأثورة. وذاكرة الجسد ليست رواية تقليدية: إنها استرجاع عبر مونولوج داخلي لما كان ولما لم يكن، وكما في عملية التذكر، نقع على شذرات وإلماعات، على القارئ أن يجمعها ليشكل منها حبكة الرواية. وهذا التبعثر والابتعاد عن حبكة مرسومة ومخطط لها من بداية ونهاية وما بينهما، تجعل من العمل تحدياً للقارئ واستدراجاً له ليدخل في لعبة القراءة. وإن كان القارئ العادي ينصرف عن مجهود الربط والتأويل، فهو هنا ينخرط في ذلك تماهياً مع عالم الرواية.

وفي المقام الثالث يرى حافظ أن رواج الرواية يرجع لكونها رواية نشأة وتأسيس «تطرح المرأة كمعادل للوطن كما فعل حسين هيكل في روايته زينب».(22) وهنا أختلف مع حافظ، فكون المرأة معادلاً للوطن أمر لا يقتصر على رواية التأسيس، بل يتجاوزها ليكون قاسماً مشتركاً في الأدب العالمي بدءاً من أوديب ملكاً لسوفوكليس الإغريقي، إلي رواية نجمة لكاتب ياسين الجزائري التي قال عنها صاحبها: «لقد أردت أن أعطي من خلالها صورة للجزائر من خلال صور المرأة فيها».(23) كما أن بنية رواية مستغانمي، كما يذكر حافظ نفسه، تعتمد على «لعبة التقديم والتأخير في تناولها للزمن، وأنها تلجأ كذلك إلى لعبة النص داخل النص»،(24) مما يختلف جذرياً عن فجر الرواية العربية وبنيات تأسيسها.(25) ويجدر أن أذكّر القارئ، في هذ السياق، بأنّ هناك أعمالاً كثيرة في تاريخ الرواية والسرديات كانت رائجة شعبياً ومهملة من المؤسسة الثقافية. فهناك صفوة أدبية ترفض الجماهيري باعتباره أدباً رائجاً لا صنف له ولا انتماء. وتبتهج لوقوعها على تصنيف جاهز (أدب المسلسلات) لتستعلي عليه. كما أن هناك أعمالاً شاعت جماهيرياً وتجاهلها النقاد أو هاجموها، لكنها فيما بعد أخذت مكانتها بين عيون الكتب وأمهات الروايات. وعلى سبيل الذكر، لا الحصر، رواية الأديبة الإنجليزية شارلوت برونتي، جين إير (1847). ويقال إنها الرواية الأكثر انتشاراً في العالم الأنجلو سكسوني.(26) وحتى منتصف القرن العشرين، كان النقاد والأكاديميون يدينون هذه الرواية ـ على عكس قرّائها وقارئاتها ـ باعتبارها عملاً مبتذلاً تنقصه «الكفاءة الروائية».(27)

وتجلى استعلاء المؤسسة الأكاديمية والنخبة النقدية على هذه الرواية في تجاهلها أحياناً وتحقيرها أحياناً أخرى. وأما الآن، فقد أصبحت هذه الرواية نموذجاً في الدراسات العليا ومحكاً للنظريات الجديدة، فقد تناولتها أقلام النقد النسوي والنقد ما بعد الكولونيالي من أمثال شوالتر وجلبرت وجوبر وسياك. وأما بالنسبة لتراثنا، فهناك ألف ليلة وليلة التي تخاطب ذائقة العامة والتي تجاهلها وأدانها النقد العربي القديم باعتبارها عملاً غثاً؛ وأصبحت الآن محط أنظار النقد الرفيع، شرقاً وغرباً، وتقام الندوات والمؤتمرات من أجل دراستها، وتدخل في سياق تنظير كبار النقاد من أمثال فوكو وتودوروف، عبد الفتاح كيليطو ومحسن مهدي.

ومن الاتهامات التي وجهها عبده وازن لرواية مستغانمي كونها بعيدة كل البعد عن الحركة الروائية العالمية، بعد أن زعم أنها أيضاً بعيدة كل البعد عن الرواية الجزائرية: «فهي لم تستطع أن ترث الروائيين الجزائريين الكبار ولا أن تنطلق من تراثهم المهم لتبني عالمها الخاص».(28) وهذا أغرب ما يمكن أن يقال في الرواية، فأحلام مستغانمي تتواصل مع الأدباء الجزائريين، بل تصر في هذه الرواية على حبكها مع روايات الروائي والشاعر الجزائري مالك حداد (مما سيأتي تفصيله فيما بعد). وفي دراسة الناقدة الفلسطينية عايدة بامية، المتخصصة في الأدب الجزائري، تحليل للعلاقة الحميمة والقرابة الأدبية بين ذاكرة الجسد وروايات أدباء جزائريين من أمثال محمد ديب وكاتب ياسين والطاهر وطار وآسيا جبار. وأما «انقطاع» مستغانمي عن الرواية العالمية فيستدل عليه عبده وازن من إشارات في رواية ذاكرة الجسد، فيقول: «أما أن تذكر الكاتبة في روايتها الروائي الفرنسي مارسيل انيول والروائية الإنجليزية أغاثا كريستي وأن تورد أسماء مونترلان وبول إيلوار وسواهما فهو دليل ساطع على انقطاعها عن العالمية . . . فمارسيل انيول روائي مدرسي بامتياز وأغاثا كريستي روائية شعبية ولا مكانة لها في الحركة الروائية العالمية».(29) إن نقد وازن، في حقيقة الأمر، دليل ساطع على انقطاع صاحبه عن التيارات العالمية في النقد والأدب (أو تجاهلها عن عمد)، وليس بدليل على انقطاع مستغانمي عنها، كما سأوضح. بدءاً، نقول إن الإشارات إلى روائيين مدرسيين أو جماهيريين (أي من درجة أدنى فنياً) يعني في سياق الرواية توصيفاً للشخصيات التي يتضمنها العمل، فأن نقول إن فلاناً يقرأ أغاثا كريستي، أو يحضر في مونولوجه الداخلي انيول، لا فيرجينيا وولف ولا جيمس جويس مثلاً، ليس إلا تقنية تعريف، كأن نقول فلانة تلبس المقياس (سوار جزائري تقليدي) في معصمها أو تتزين بعقد من تيفاني (المتخصص في بيع الحلي الغربية والمجوهرات الحديثة). صحيح أن مرجعية الشخصية، لو اقتصرت في تفكيرها على انيول وكريستي، لكانت فقيرة أدبياً وسطحية فلسفياً. ولكن ألا يوظف هذا في سياق الرواية لإلقاء الضوء على جوانب سطحية وتقليدية في الشخصيات؟

إن بطلي الرواية خالد وحياة/أحلام (للبطلة اسمان أو اسم مزدوج) لا يُقدمان باعتبارهما نموذجين للاحتذاء بهما (وبالتالي فالبعد الأمثولي في الرواية يضيء أيضاً الجوانب السطحية والتقليدية في الوطن نفسه). فالبطلة ترضخ للتقاليد والصفقات العائلية وتوافق، ربما على مضض وربما عن تواطؤ، بالزواج من رجل متزوج، من الأثرياء الجدد. وأما البطل خالد فقد لعب دور الرقيب، وطلب من الشاعر الفلسطيني زياد، الذي جاء بديوانه ليطبعه في مؤسسة النشر في الجزائر، حذف ما هو تهجمي على الحكومات العربية. وحتى لو افترضنا أن هناك تماهياً بين المؤلفة أحلام وقرينتها حياة/أحلام، فهذا لا يعني غياب نقد الذات. وقد فعل ذلك من قبل فلوبير عندما رسم شخصية سطحية (وإن كانت تشير ضمناً له في سيرة ذاتية روائية) في فردريك مورو في رائعته التربية العاطفية، وبذلك انتقد ذاته بذاته. ففي رواية مستغانمي رومانسية ونقد للرومانسية في آن واحد. ومن جانب آخر، فإن الرواية العالمية ـ رغم أنف النقاد النخبويين ـ قد تأثرت كثيراً بالرواية الشعبوية وتحديداً الرواية البوليسية من النوع الذي تكتبه أغاثا كريستي، ويتجلى هذا في تلقيح القص بعامل التحري في أعمال إدجار آلان بو، أمبرتو إيكو، خورخي لويس بورخيس، وبول أوستر. بل إن التلاعب بالاسم وتطابق اسم المؤلف واسم الشخصية الرئيسية، كما يرد في ذاكرة الجسد، نجده أيضاً في الجزء الأول من ثلاثية نيويورك المعروف بعنوان مدينة الزجاج، حيث المؤلف بول أوستر وكذلك بطل الرواية يحمل الاسم ذاته.(30) إن من يتابع الحركة الروائية العالمية سيجد تزاوجاً بين الرواية التي يُطلق عليها الأدب الرفيع مع الرواية الجماهيرية الرائجة، بل إن مفهوم ما بعد الحداثة والنقد الثقافي (كما جاءت به مدرسة النقد الثقافي الإنجليزية) يأخذ بنظر الاعتبار والجدية أثر الثقافة الجماهيرية والشعبوية على الأدب.

قد يكون هناك أكثر من سبب في الإقبال على رواية ذاكرة الجسد، كثفها صبري حافظ في «قدرتها على لمس وتر حساس في القارئ العربي في كل مكان».(31) وهذا يقترب مما تقوله مستغانمي نفسها: «ما شكّل ذاكرة الجسد هو هذه الحالة من الآلام والأحلام، ثم هذه الحالة من الانكسارات المفجعة؛ ثمة رهان جماعي على خيبات عربية متداخلة وليست جزائرية فقط . . . قمة المأساة أن ننتمي إلى أوطان نشعر بواجبنا تجاهها، لكنها لا تمنحنا أية حقوق».(32) إن رواج هذه الرواية لا يرتبط - كما يزعم البعض ـ بجمال صاحبتها وشبابها ـ فالمبدعات الجميلات والشابات كثر ولم يحققن جماهيرية تذكر ـ ولا بقدرتها على التسويق (كما تزعم زليخة أبو ريشة)؛(33) ولا لتقديمها الممنوع والمحرمات، فليس هناك مشهد جنسي واحد، بل أقصى ما تصل إليه علاقة الحب بين البطل والبطلة هو قبلة يتيمة. كما أن رواجها لا يأتي من إحالتها على أشخاص في الواقع المعيش ـ كما يحدث في روايات تتناول شخصيات سياسية مقنّعة  ـ وإنما تقدم الرواية أنماطاً من الشخصيات التي أفرزتها الجزائر في مراحل تاريخها المختلفة، بدءاً من انتفاضة الأربعينيات (1945) في شرق الجزائر ضد الاستعمار وانتهاءً بانتفاضة الثمانينيات (1988) ضد الغلاء والظروف الاقتصادية. واستحضار ماض مشرق في الرواية ليس من باب النوستالجيا السنتيمنتالية وإنما من باب النوستالجيا النقدية التي نظّر لها الناقد الإنجليزي الماركسي رايموند ويليامز، والتي تستدعي ماضياً كريماً لتنتقد حاضراً هابطاً وتستجوبه.(34) 

رؤية تأويلية لتيمات الرواية ونسيجها:

تقدم ذاكرة الجسد، سواء كان ذلك تخطيطاً واعياً من المؤلفة أو إبداعاً جدسياً، علاقات مركبة ومتشابكة تسمح بقراءات متعددة وعلى مستويات مختلفة، لكنها تتضافر جميعها في استدراج القارئ إلى اقتفاء أثر القديم في الجديد أو الماضي في الحاضر. فهناك حكاية حب غير متحقق، وهناك حكاية وطن مفقود، وهناك حكاية الحكاية مطروحة في صيغة تساؤلية؛ أي كيف ومتى ولماذا نكتب الرواية. ففي حكاية الحب غير المكتمل بين خالد وحياة/أحلام نجد البعد الرومانسي، لكننا نجد أيضاً ما هو أعمق، ألا وهو استبطان معنى العشق واحتواؤه على علاقات القرابة الحميمة من أمومة وأبوة، ومن بنوة وأخوة. وهذا يؤهل الرواية لدراسات تجمع بين النقد الأدبي والتحليل النفسي. وحكاية الوطن المفقود بوجهي الفقدان - عندما نغترب عنه وعندما نغترب فيه - تُعالج متمثلة في خالد الرسام الجزائري المقيم في باريس، وناصر، أخي حياة/أحلام، المقيم في قسنطينة. في هذا المستوى من العمل، نجد البعد التاريخي والوطني، الذي يثير سؤالاً جوهرياً: لماذا أُحبط المشروع الوطني وكيف وهل كان بالإمكان مسار آخر وأفضل؟ إن الثورة الجزائرية على خلاف الثورات العربية الأخرى، لم تكن انقلاباً عسكرياً، بل تعبئة شعبية. كانت كفاحاً خارقاً كلّف الشعب الجزائري مليون شهيد. وأصبحت التجربة الجزائرية نموذجاً من الكفاح المسلّح ضد المستعمِر، عُرفت لا على الصعيد العربي فقط، بل على صعيد العالم. وقام المفكرون الثوريون بالتنظير حول المقاومة بناء على هذه التجربة التاريخية الفذة، وأبرزهم فرانز فانون.(35) وبالتالي فهناك تساؤل مبطن وأحياناً يُلوّح به: كيف يمكن لكل هذه التضحيات والبطولات أن تنقلب لتصبح الجزائر وطناً مستحيلاً لمواطنيه، يُستبعد فيه المجاهد أو يُتاجر باسمه؟ وكيف استطاع المرتزقة ورجال الصفقات الهيمنة على الوطن فلا يبقى للمواطن إلا الالتجاء إلى الدين في صورته المتطرفة أو الارتحال إلى المنفى الاختياري؟ في ظل الرقابة الفكرية والتبجح الحكومي وتهميش المثقف العضوي بقيت هذه الأسئلة تراود أهل الضمائر دون أن تجد جواباً شافياً في البحث، بل دون أن تُطرح كأسئلة مع أنها تهم كل مفكر، وبشكل خاص كل مفكر عربي، وبشكل أخص كل مفكر جزائري. وفي مقطع من الرواية يتساءل خالد:
هل هناك من فرق بين القتلة؟ على يد الفرنسيين مات سي الطاهر .. وعلى يد الإسرائيليين مات زياد .. وها هو حسّان يموت على يد الجزائريين اليوم. فهل هناك درجات في الاستشهاد؟ وماذا لو كان الوطن هو القاتل والشهيد معاً؟ (ص396) ومن زاوية أخرى، ذاكرة الجسد عمل عن الذاكرة والكتابة. لماذا نكتب وكيف نكتب؟ ولماذا نختار كتابة الرواية لا القصيدة أو العكس؟ ولماذا في الفن يختار البعض الصورة وآخرون الكلمة؟ إن الرواية تسائل نفسها بنفسها مما درج على تسميته بالعمل العاكس لذاته. ونجد هذا الانعكاس الذاتي عند يرانديلو وفيلليني، عند مالارميه وول أوستر وسلمان رشدي. وتحاول مستغانمي عبر شخصيات روايتها أن ترد على هذا التساؤل، ولهذا نجد مقولات الكثير من الأدباء (وليس انيول وكريستي فقط) ومن الفنانين. ذاكرة الجسد عمل يتناول العلاقات الفردية والتاريخية والأدبية، التي يمكن قراءة كل منها منفصلة أو متصلة وفي شبكة علاقات. وسأتناول كلاً منها على حدة. 

حكاية الحب في الرواية:

ظل العشق مستعصياً على الفهم والإدراك. عالجه العديد من الفلاسفة والفقهاء والأطباء والنقاد وكتب عنه الأدباء والشعراء، وعرفه معظم الناس وإن بقي لغزاً حتى لمن عايشه. كتب عنه أفلاطون في محاورة المأدبة، وابن حزم الأندلسي في طوق الحمامة، ورولان بارت في شذرات من خطاب في العشق. ويفترض بارت في كتابه غير التقليدي أن العشق مستحيل التحقق لأنه في حقيقة الأمر الرغبة الكامنة في التوحد مع الأم: «باستثناء الاقتران (ولنلق بالمخيلة إلى الجحيم) يوجد هذا العناق الآخر الذي يعتبر ارتباطاً ثابتاً: إننا مفتونان ومسحوران راقدان من دون سبات. إننا في لذة النعاس الطفولية. إنها لحظة الحكايات ولحظة الصوت الذي يأتي ليسكنني ويصفعني. إنها العودة إلى الأم».(36) ويستطرد بارت ليقول إن في هذه العلاقة شيئاً من عشق المحرمات يتوقف فيها الزمن والقوانين والممنوعات. وتقدم الرواية حكاية حب بين خالد وحياة/أحلام من هذه الزاوية فهو بشكل ما أبوها، قام مقامه عندما سجلها باسم أحلام وهي طفلة بعد أن كانت أمها قد أطلقت عليها اسم حياة وهي في تونس؛ كما أنها بالنسبة له الأم والبنت في آن واحد. كان سي الطاهر مشغولاً بمسئولياته في المقاومة ففوّض صديقه ومرؤسه في الجهاد خالد كي يقوم بهذه المهمة: «لو وضعت في جيبك عنوان العائلة في تونس وشيئاً من الدراهم . . . لو قدّر لك أن تصل إلى هناك .. أتمنى أن تذهب لزيارتهم حين تشفى وتسلم هذا المبلغ إلى (أما) لتشتري به هدية للصغيرة، وأود أيضاً أن تقوم بتسجيلها في دار البلدية» (ص 36). الاسم المزدوج يحمل أيضاً دلالات مختلفة فالأم بتسمية ابنتها حياة اختارت لها اسماً يدل على الحاضر لشيوعه، بينما والدها اختار لها اسماً غير مألوف «أحلام» دلالة على المستقبل، وهي كما تقول في الرواية لو أن جدتها سمّتها لكان الاختيار «السيدة» وذلك «تيمناً ببركة السيدة المنوبية» (ص 011)، وهم اسم يحمل في ثناياه الماضي والتقليدي.

وتتخذ حياة/أحلام وظائف مختلفة في مخيلة خالد، فهي الأم والابنة والحبيبة. فعندما يلتقي خالد لأول مرة بحياة/أحلام في باريس بعد ربع قرن من تسجيلها رسمياً في تونس، يقع نظره على سوارها فيتمثل أمه (أما) كما يتمثل عبرها مدينته قسنطينة التي يحب، وهي كناية عن الجزائر: "وقبل أن تصلني كلماتك .. كان نظري قد توقف عند ذلك السوار الذي يزين معصمك العاري الممدود نحوي. كان إحدى الحليّ القسنطينية التي تعرف من ذهبها الأصفر المضفور، ومن نقشتها المميزة. تلك «الخلاخل» التي لم يكن يخلو منها في الماضي، جهاز عروس ولا معصم امرأة من الشرق الجزائري. مددت يدي إليك دون أن أرفع عيني تماماً عنه. وفي عمر لحظة، عادت ذاكرتي عمراً إلى الوراء، إلى معصم (أمّا) الذي لم يفارقه هذا السوار قط. (ص 53) هكذا نجد في تعلق خالد بحياة/أحلام رغبة في العودة إلى الأم، وفي هذه الحالة بديلتها التي لا تتطابق معها، لكنها تتقاطع معها في ذلك السوار رمز الأمومة. وهي بالنسبة لخالد، كما يقول في مونولوجه الداخلي: «إنها امرأة كانت دائماً على وشك أن تكون حبيبتي» (ص76). وتبادل الأدوار القرابية الحميمة واضح عندما يقول خالد لنفسه: «كنت هنا أعرض عليك أبوتي، وكنت تعرضين علي أمومتك. أنت الفتاة التي كان يمكن أن تكون ابنتي والتي أصبحت دون أن تدري .. أمي!» (ص 118). وهكذا نجد بارت معيناً لنا في فهم هذه العلاقة، لا من منطلق نشوئها فحسب، بل أيضاً لماذا بقيت هذه العلاقة احتمالية، على وشك أن تكون دون أن تكون: إنها علاقة عصية على التحقق لأنها في التحليل الأخير تتطلع إلى التوحد المستحيل مع الأم.

وفي المقابل تتعلق حياة/أحلام بخالد الذي يرتبط بوالدها لا عن طريق القرابة البيولوجية بل عن طريق القرابة الروحية، فقد عملا معاً في المقاومة السرية. لم تلتق حياة/أحلام بوالدها - الذي استشهد وهي طفلة صغيرة - إلا مرات معدودة، فعرفته بالسمعة والشهرة، فهي تفتقد المعرفة الحميمية التي أسقطتها على خالد، الذي يقول لنفسه: «وربما كان هذا سر تعلقك بي؛ أنا الذي أعرف الحلقة المفقودة من عمرك، وأعرف ذلك الأب الذي لم تريه سوى مرات قليلة في حياتك . . . أنت التي تعلقت بي لتكتشفي ما تجهلينه. . . . كان (سي الطاهر) طرفاً ثالثاً في قصتنا منذ البدء» (ص 43). تقدم الرواية العائلة وعلاقاتها على مستويين: قرابة الدم وقرابة الفكر، أي قرابة النسب والانتساب. وقد فصّل الناقد إدوارد سعيد في الفصل الأول من كتابه العالم والنص والناقد نمطين من العلاقات والروابط أحدهما مبني على علاقات القرابة الحرفية، والثاني على علاقات القرابة المجازية. وأشار إلى أن النوع الأول من العلاقات يتبع النسق التراتبي العمودي، والثاني النسق التجاوري الأفقي. ففي الأول علاقة طاعة وفي الثاني علاقة حوار.(37) ومن هذا المنطلق السعيدي، يمكننا أن ندرك لماذا فضلت حياة/أحلام زياد الشاعر الفلسطيني على خالد الرسام الجزائري، فالأول بمثابة الند والزميل والآخر بمثابة السلطة الأبوية. وكل من زياد وحياة/أحلام مشدودان إلى الكلمة مما أوجد بينهما علاقة انتساب، علاقة مبنية على التبادل الأفقي. والرواية لا توضح لنا نوعية العلاقة بين زياد وحياة/أحلام، فنحن نتعرّف عليها عبر الراوي خالد. هل هي علاقة تواطؤ فكري وأدبي أم تتجاوز ذلك إلى تواطؤ نفسي وجسدي؟ هل هي الغيرة وأوهامها في ذهن خالد أم هناك اعتراف ضمني بأن العلاقات الأبوية (العمودية) لابد أن تنزاح لتعطي مكاناً للعلاقات الندية (الأفقية)؟ فالنسب  ـ حتى في صيغته المجازية  ـ ينزاح مفسحاً المجال لعلاقات الانتساب، في صيغتها المجازية أيضاً.

إن إهداء المؤلفة الرواية إلى أبيها الحقيقي وإلى مالك حداد، أبيها المجازي، في ذاته يؤكد على نوعين من القرابة: قرابة الدم وقرابة الروح، وعندما تقول في إهدائها لأبيها إن كتابها هو كتابه (ص 5)، فهي تعبّر عن كونها امتداداً له، وأن أثر الأب حاضر على الرغم من غيابه. إنها لا تتماهى معه وإنما تستحضره وتتمثله أدبياً. وسواء كان والد أحلام مستغانمي  ـ المؤلفة  ـ هو نموذج سي الطاهر والد البطلة ـ حياة/أحلام ـ في الرواية أو لم يكن، فالأمر سيان. المهم هو هذا الحنين إلى الأب الغائب، وهذه الاستمرارية بين الماضي المتمثل في الأب المزدوج ـ بوجهيه الحقيقي والمجازي ـ وبين الحاضر المتمثل في البنت الكاتبة، دون أن تشكل هذه الاستمرارية تطابقاً أو تكراراً. 

حكاية الوطن في الرواية:

إن تماهي البطلة حياة/أحلام مع الوطن أمر لا يختلف عليه اثنان، فهي الجزائر، وهي الوطن العربي بكل مآسيه وكوارثه وإحباطاته وقصوره. وربط المرأة بالوطن لا يقتصر على رواية التأسيس، كما سبق ذكره، حيث نجده في أعمال ما بعد مرحلة التأسيس، في ذات لصنع الله إبراهيم، على سبيل المثال، حيث البطلة ذات تمثل الانهيار المصري والتراجع في حقبة الانفتاح الاقتصادي. كما نجد المرأة مجازاً للوطن في قصائد محمود درويش ومحمد عفيفي مطر وغيرهما، كما نجدها هكذا في التراث الشعبي وفي الأدب الرفيع. ومع هذا فهي في ذاكرة الجسد امرأة من لحم ودم بالإضافة إلى كونها رمزاً للوطن.

وقد استغرب البعض تقليدية البطلة (التي تمثل الوطن) وكيف أنها لا تبدي تمرداً نسائياً أو إنسانياً على وضعها واستخدامها في آخر الأمر كسلعة بشرية، فتقبل الزواج من رجل فاسد وثري، لتكون زوجته الثانية. ولكن في تقليدية البطلة إشارة ونقد ضمني للمشروع الوطني بعد الاستقلال الذي أثبت عبر نهجه التقليدي والمتخلف عدم قدرته على إحداث ثورة حقيقية، بل بالعكس قمع الثوار واستغل سمعة المجاهدين. تختزل حياة/أحلام في الرواية جمالية الثورة الوطنية وأيضاً ما جرى لها من تقهقر وتراجع. تكشف الرواية عن كيفية استغلال سمعة من جاهدوا في حرب التحرير الجزائرية وانحدار القيم بصورة عامة وتبلور تيارات إسلامية أصولية متطرفة كرد فعل للفساد والضغوط المتراكمة المؤدية إلى انفجارات. فالمواطن العادي لا يجد أماناً إلا في ركونه إلى العقيدة في وجهها السلفي والرافض، كما يتمثل ذلك عند ناصر، الأخ الأصغر للبطلة حياة/أحلام. وتكشف الرواية عن المساوئ في استخدام السلطة في الجزائر والإثراء السريع على حساب الشعب وخلط الأوراق بين المجاهدين الحقيقيين والمنتفعين الجدد. وعم البطلة سي شريف نجح في التأقلم مع الوضع فتم تعيينه ملحقاً في السفارة في باريس، بينما خالد اضطر إلى القطيعة مع وطنه مختاراً المنفى الفرنسي لعدم قدرته على التأقلم، والجسور التي يرسمها ما هي إلا محاولة للتواصل ولاستحضار جسور قسنطينة المحروم منها.

هناك ثلاثة أنماط في الشخصيات في ذاكرة الجسد: سي الطاهر الذي مات شهيداً، وسي خالد رفيقه ومرؤوسه في حرب التحرير الذي بترت ذراعه في المعارك ضد المحتل والذي أصبحت ثوريته مستحيلة في الجزائر المستقلة، فكان عليه إما أن يتنازل عنها ليخدم الطبقة الحاكمة، فيعمل رقيباً على المصنفات الفنية والأدبية، أو يرحل بعيداً ويكون حراً. والنمط الثالث هو سي شريف الذي عايش الطبقة الجديدة من الأثرياء، وإن لم يمارس فسادهم، لكنه بارك زواج ابنة أخيه الشهيد لواحد منهم. وكأن الرواية تقول ـ دون أن تقول ـ للمناضل الحقيقي خياران: الموت أو المنفى. والمنفى أيضاً «موت» بمعنى ما، كما أن بتر الذراع ليصبح خالد معوقاً «استشهاد» جزئي لو صح التعبير. ففي باريس التي هاجر إليها خالد، محترفاً الرسم باليد السليمة، تحقق فنياً لكنه بقي مغترباً. وليس أدل على ذلك من علاقته مع عشيقته الفرنسية كاترين، فبينهما رابطة جسدية لا يواكبها تفاهم نفسي أو تواطؤ وجداني. كاترين تمثل فرنسا بالنسبة للمغترب: تحقق له، بشكل ما، متطلباته الآنية دون أن تمنحه الشعور بالانتماء. لهذا عندما تقع عينا خالد على حياة/أحلام نجده منبهراً بها لأنها صورة من الوطن الأم: «يا امرأة متنكرة في ثياب أمي .. في عطر أمي وفي خوف أمي عليّ  ..» (ص 377). من هذا المنطلق يبدو الوطن جذراً لا نستطيع أن نقطع صلتنا به وإن كنا لسنا بقادرين على العيش فيه. ويتخذ الوطن صورة نموذجية، بل أسطورية، يكون فيه القائد بطلاً: «كان مصادفة وجودي مع (سي الطاهر) في الزنزانة نفسها شيء أسطوري بحد ذاته، وتجربة نضالية ظلت تلاحقني لسنوات بكل تفاصيلها، وربما كان لها بعد ذلك أثر في تغيير قدري. . . . كان (سي الطاهر) استثنائياً في كل شيء .. لقد خلق ليكون قائداً، كان فيه شيء من سلالة طارق بن زياد، والأمير عبد القادر» (ص 32). ويكشف هذا عن رغبة خالد وهو في السادسة عشرة عاماً من عمره (وهو في سجن الكديا)، «إثر مظاهرات 8 ماي 1945 التي قدمت فيها قسنطينة وسطيف وضواحيهما أول عربون للثورة» (ص 30)، في أن يجد القائد المخلّص، مكثفاً بهذا رغبة جماهيرية عارمة ورومانسية في أبوة تقود وتحنو في آن واحد. 

حكاية الحكاية في الرواية:

هناك مستوى أدبي نقدي في الرواية يتعلق مباشرة بمساءلة فن الكتابة. ماذا يعني أن تكتب ولماذا؟ وما الفرق بين التعبير بالصورة (الرسم والفن التشكيلي) والتعبير بالكلمة (الأدب الروائي والشعر). وعلى الرغم من زعم النقد الصحفي أن مستغانمي تشير إلى كتّاب في الطبقة الأدني أدبياً من أمثال انيول وكريستي، فإنها في حقيقة الأمر تشير إلى مجموعة كبيرة من الأدباء الفطاحل والعاديين، كما تشير إلى عدد من الرسامين والفنانين والموسيقيين. وليس هذا من قبيل الاستعراض المعرفي، بل لأن أبطال الرواية مبدعون، فخالد رسام تشكيلي وحياة/أحلام روائية وزياد شاعر، فليس من الغريب أو العجيب أن تكون مرجعيتهم فنية وأدبية. تقدم مستغانمي أنماطاً بشرية بتطلعاتها وهواجسها، إلا أنها تقدمهم من الداخل فنتعرف عليهم وعلى عالمهم ليصبحوا مألوفين كما نألف أصدقاءنا، بحسناتهم ومساوئهم. وبالتالي فهي تخلق حميمية بين القارئ وشخوصها الروائية، مما يفسر جانباً من الإقبال على عملها، فنحس وكأننا نعرف زوربا ولماذا رقص بين أنقاض الخراب. ولكن هناك أديباً يطغي على بقية الأدباء ويتخذ موقع الأب الأدبي لمستغانمي وهو مالك حداد. فهي تفتتح روايتها بإهدائها له (ثمّ لأبيها):
إلى مالك حداد ابن قسنطينة الذي أقسم بعد استقلال الجزائر ألا يكتب بلغة ليست لغته ... فاغتالته الصفحة البيضاء .. ومات متأثراً بسلطان صمته ليصبح شهيد اللغة العربية، وأول كاتب قرر أن يموت صمتاً وقهراً وعشقاً لها. (ص 5) وقد خصصت أحلام مستغانمي جائزة للرواية العربية في الجزائر باسم مالك حداد تكريماً له، وقالت إنه «أول من شجعها على الكتابة» والجائزة كما تقول هي استنطاق للصمت: «عساني أثأر لصمته بقلمي وأواصل نيابة عنه كتابة ما مررنا بمحاذاته».(38)

تقوم مستغانمي في روايتها عبر الإهداء والتناص مع حداد بتحرير أديبها المفضل وأبيها الأدبي من منفاه اللغوي (الفرنسية)، بتضفير شذرات من أقواله المكتوبة بالفرنسية أصلاً في عملها بعد ترجمتها إلى العربية وكأنها تؤكد حضور السابق في اللاحق، حضور الأديب الجزائري الفرانكوفوني في نص الأديبة الجزائرية العربي، وتشير مباشرة إلى استحضار القديم في جديدها. فتكتب في الهامش الوحيد في الرواية: «الجمل المكتوبة بخط مميز مأخوذة من تواطؤ شعري في روايتي مالك حداد سأهبك غزالة ورصيف الأزهار الذي لم يعد يجيب» (ص 30). فعلى الرغم من اكتظاظ الرواية بأسماء روائيين وشعراء من أمثال كاتب ياسين وغسان كنفاني ونزار قباني والسياب والحلاج وبودلير وهمنجواي ومورافيا وإيلوار ولوركا وخليل حاوي وكوكتو وغيرهم، فإنها تحدد انتماءها وامتدادها لكاتب وشاعر جزائري عُرف بقصائده وبنثره الغنائي وأسلوبه الشعري في رواياته (المكتوبة كلها بالفرنسية)، ولا تحدد مستغانمي من أي صفحة من أعماله انتقت هذه الاستشهادات وإن كانت تميزها بالبنط الغامق، لتستدرج القارئ إلى مطالعة أعمال مالك حداد. وهنا يخدم التناص خط الاستمرار بين الأدب الفرانكوفوني الجزائري والأدب العربي الجزائري، فمثلاً تستحضر مستغانمي حداد فيما يلي: «إذا صادف الإنسان شيء جميل مفرط في الجمال .. رغب في البكاء» (ص 67). وهو نص مأخوذ من مطلع رواية سأهبك غزالة لمالك حداد.(39) وحتى عندما تستشهد بأندريه جيد في ذاكرة الجسد، «كيف نسيت تلك المقولة الرائعة لأندريه جيد لا تهيئ أفراحك!» (ص 193)، فهي تشير ضمناً إلى ما ذكره خالد بطل رصيف الأزهار لم يعد يجيب لمالك حداد عن أندريه جيد.(40) ويمكن أن نقرأ في هذا التناص «إيماءة لأهمية الحوار الثقافي واللغوي في الجزائر كخطوة أولى لكسر الأسوار»(41) التي تقف حاجزاً بين الجزائريين الذين يتكلمون الفرنسية والجزائريين الذين يتكلمون العربية.

وخلاصة القول، تثير ذاكرة الجسد أسئلة متعددة كما تفعل كل الروايات الكبيرة، ولكونها تسرد الأحداث على مستويات مختلفة، فهناك من سيقرأها كحكاية حب، وآخر سيقرأ فيها حكاية الوطن، وثالث سينشدّ لها لما تطرحه بخصوص الكتابة ذاتها؛ وأما الناقد - أو القارئ المتخصص - فسيجد متعة في كيفية تشابك هذه المستويات في الرواية وفي اقتفاء أثر الإرث الأدبي والأسري في هذا العمل واستدعاء التاريخ في ثناياه. 

© ظهر هذا المقال أولا في مجلة (ألف: مجلة البلاغة المقارنة) 24 عام 2004 التي تصدر عن قسم الأدب الانجليزي والمقارن بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، ص 166-181. 

_____________________________________

(1) أحلام مستغانمي من مواليد الجزائر العاصمة عام 1953. وقد نالت البكالوريوس في الأدب العربي من جامعة الجزائر عام 1976. وفي مطلع السبعينيات أسهمت في تقديم الشعر في الإذاعة الجزائرية شفاهياً وفي جريدة الشعب تحريراً. وبعد تخرجها، سافرت إلى باريس حيث أكملت في عام 1980 بحوثها ونالت شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة السوربون. وقد نشرت رسالتها المكتوبة بالفرنسية بتقديم المستعرب جاك بيرك عام 1985 وعنوانها «الجزائر: المرأة والكتابة». راجع Ahlem Mosteghanemi, Algérie: Femme et écritures (Paris: L Harmattan, 1985).ولها مجموعتان شعريتان، على مرفأ الأيام (الجزائر: الشركة القومية للنشر والتوزيع، 1973)؛ الكتابة في لحظة عري (بيروت: دار الآداب، 1976)، بالإضافة إلى ثلاث روايات: ذاكرة الجسد (بيروت: دار الآداب، 1993)؛ فوضى الحواس (بيروت: دار الآداب، 1997)؛ عابر سرير (بيروت: منشورات أحلام مستغانمي، 2003). وقد نالت روايتها الأولى جائزة نجيب محفوظ عام 1998، وترجمت إلى الإنجليزية عام 2000 ثم أعيد نشر الترجمة منقحة عام 2003 (صدرت الطبعتان عن دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة)، كما ترجمت إلى الفرنسية (دار ألبان ميشيل)، عام 2002، وهناك مشروع نقل الرواية إلى الشاشة. وكل الإشارات إلى صفحات رواية ذاكرة الجسد في المقالة ترجع إلى طبعة دار الآداب الأولى.

(2) راجع: The New York Review of Books 50.18 (Nov. 20. 2003), p. 32 

(3) ذكرت أحلام مستغانمي هذا في ندوة «المرأة والكتابة» التي عقدت في الرباط (نقلاً عن عادل حمودة، «البحث عن أعداء شرفاء» ، الأهرام، 8/7/0002، ص 42). وعبرت مستغانمي في الندوة عن أزمة الكاتب العربي قائلة: «أي قدر هو قدر الكاتب العربي الناجح، الذي يقف في مسافة وسطية بين القتلة والمرتزقة، فهو بالنسبة للأولين متهم بالكتابة وليس بما يكتب، والذين يعادونه، والذين قد يقتلونه، لم يقرأوه ولم يحاولوا أن يفهموه أو أن يناقشوه، إنما هم يحاسبونه على اختلافه عنهم، لا على اختلافه معهم. أما إذا نجا من هؤلاء، فمرتزقة الصحافة يتربصون به ويريدون جثته ممددة على صحائفهم الصفراء للتمثيل بها، لا بتهمة الكتابة، وإنما هذه المرة بتهمة نجاحه فيها، فالنجاح هو أكبر جرم يرتكبه كاتب عربي اليوم»، أحلام مستغانمي، «روايتي تدافع عن نفسها»، الحياة، 26/5/2000، ص 16.

(4) سعدي يوسف، «أساءوا إليّ وإلى أحلام مستغانمي»، الحياة، 15/6/2000، ص 16.

(5) واسيني الأعرج، «فداحة الأجوبة في مجتمع متناقض وشبه معطل»، الحياة، 19/12/2000، ص 16.

(6) «سهيل إدريس عن قضية مستغانمي: ينبغي إنهاء هذه المعركة»، الحياة، 13/7/2000، ص 16. كما يختتم شهادته في عدد لاحق بالقول: «وأنا أقدم اليوم هذه الشهادة لكي تكون شهادة أدبية تضع حداً - حاضراً ومستقبلاً - للجدل غير النزيه والتلميحات غير البريئة التي تصنع منها بعض المجلات بين الحين والآخر أغلفتها. . . . أو يرددها البعض فيبادرون إلى التشكيك في أبوتها. . . . بنسبها كل مرة إلى كاتب بما في ذلك نزار قباني نفسه»، سهيل إدريس، «شهادة أخرى في ذاكرة الجسد»، الحياة، 10/9/2000، ص 12.

(7) حيدر حيدر، وليمة لأعشاب البحر (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب ]آفاق الكتابة[، 2002 ]الطبعة الأولى 1983).

(8) رجاء النقاش، قصة روايتين: دراسة نقدية وفكرية (القاهرة: دار الهلال، 2000).

(9) أحلام مستغانمي، «روايتي تدافع عن نفسها»، ص 16.

(10) ذكر علي الراعي في عرضه لرواية ذاكرة الجسد: «إن الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي هي نور يلمع وسط هذا الظلام الكثيف»، واحتفى بالدلالة الرمزية للرواية؛ راجع: علي الراعي، «الأم والحبيبة والثورة وأحلام مستغانمي في ذاكرة الجسد»، الأهرام، 16/11/1997، ص 25.

(11) راجع علي خفيف، «سيمائية المكان في رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي»، التواصل 8 (جوان 2001)، ص ص 225-236؛ حيث يقول في خاتمة دراسته: «تبعث الشخصيات الحياة في المكان، فيأخذ حالاتها النفسية، ويمتزج معها بشكل تفاعلي مذهل، فتكون النتيجة الهائلة أنسنة المكان» (ص 235).

(12) يحلل الناقد صبري حافظ أسباب شعبية رواية ذاكرة الجسد، ويرجع ذلك إلى استدعاء قيم باتت منقرضة. راجع صبري حافظ، «أغرودة في حب الوطن وحنين للقيم العربية القديمة»، إبداع 17: 7/8 (يوليو/ أغسطس 1999)، ص 124-132.

(13) يشيد الناقد الإنجليزي يتر كلارك برواية ذاكرة الجسد ويرى أنها تستحق الشهرة التي نالتها فهي عمل متميز. وقد قام بمراجعة الترجمة الإنجليزية في طبعتها الثانية (2003). راجع: Peter Clark, Despair, Religion and Exile: The Only Escape Routes, Banipal, 7 (Spring 2000), 78.

(14) تقوم دراسة عايدة بامية على تحليل استخدام مستغانمي في روايتها ذاكرة الجسد لتيمات قديمة بشكل جديد. راجع: Aida Bamia, Dhakirat al-Jasad (The Body s Memory) on Old Themes , Research in African Literature 28,3 (Fall 1997), 84-93

(15) في عرض كيم جانسن للترجمة الإنجليزية لرواية ذاكرة الجسد، تأكيد على أن الرواية تتجاوز قصة الحب لتشكل أمثولة عن القدر الجزائري. راجع: Kim Jensen, A Literature Born from Wounds, AlJadid, 8.39 (Spring 2002), 12, 25.

(16) عبده وازن، «الذاكرة المثقوبة»، الحياة، 23/12/1998، ص 18.

(17) عبده وازن، «ذاكرة الزنجي»، الحياة، 22/6/2000، ص 16.

(18) عبده وازن، «الذاكرة المثقوبة».

(19) راجع: Antonio Gramsci, Selections from Cultural Writings, ed. David Forgacs and Geoffery Nowell-Smith, trns. William Boelhower(London, Lawrence, 1985) 302-12.

(20) صبري حافظ، «أغرودة حب الوطن وحنين للقيم العربية القديمة»، ص 131.

(21) نفس المرجع.

(22) المرجع السابق، ص 231.

(23) «كاتب ياسين: منفى اللغة»، الحياة، 24/1/2004، ص 18.

(24) صبري حافظ،  «أغرودة حب الوطن وحنين للقيم العربية القديمة»، ص 132.

(25) كُتب على غلاف الرواية: «ذاكرة الجسد هى أول عمل نسائي باللغة العربية في الجزائر»، وقد يكون هذا السبب في ربط صبري حافظ بين هذه الرواية ونزعة التأسيس (نسائياً وعربياً في هذه الحالة). وقد نبهت الناقدة الجزائرية شهرزاد العربي إلى أن زهور ونيسي الجزائرية كتبت رواية بالعربية قبل مستغانمي، بعنوان يوميات مدرّسة حرّة (1978) راجع: شهرزاد العربي، «ليست الرواية النسائية الأولى في الجزائر»، الحياة، 23/12/1998، ص 18. وقد اعتمد البعض على هذا لاتهام مستغانمي بتزوير الحقيقة، إلا أن مسألة الريادة في الرواية عامة ـ وفي الرواية العربية تخصيصاً ـ مسألة خلافية. فموقف حمدي السكوت وخياراته في الريادة الروائية يختلف عن موقف جابر عصفور على سبيل المثال، وكلاهما يختلفان مع ألفت الروبي التي ترى أن أول رواية عربية تعود لامرأة. والتضارب يأتي من أن البعض لا ينظر إلى بعض الأعمال السردية باعتبارها «رواية». فقد لا يرى البعض رواية في يوميات، وقد لا يرى آخرون رواية في سرد غنائي متدفق. المهم في كل هذا أن رواية ونيسي لم تُعرف، وبقيت مجهولة. ومن عرّف القراء بالرواية الجزائرية العربية بقلم امرأة هي دون شك أحلام مستغانمي.

(26) راجع: Michael Mason, Introduction Charlotte Bronte, Jane Eyre (London, Penguin, 1996), xi.

(27) المرجع السابق، ص vii.

(28) عبده وازن، «الذاكرة المثقوبة».

(29) نفس المرجع.

(30) راجع: Paul Auster, The New York Trilogy (New York, Penguin, 1990), 20, 79.

(31) صبري حافظ، «أغرودة حب الوطن وحنين للقيم العربية القديمة»، ص 125.

(32) أحلام مستغانمي (مقابلة مع عماد الغزالي)، «أسكن مدينة اسمها باريس وتسكنني قسنطينة»، الوفد، 26/2/1998، ص 9.

(33) نقلاً عن رجاء النقاش، قصة روايتين: دراسة نقدية وفكرية، ص 52.

(34) راجع:Raymond Williams, The Country and the City (New York, Oxford UP. 1973) 36.

(35) راجع:Franz Fanon, L An V de la revolution Algerienne (Paris, Maspero, 1960)

(36) الترجمة العربية من فقرة استشهاد في مقالة عرض للترجمة العربية للأصل: نقولا زيادة، «شذرات من خطاب في العشق»، الحياة، 24/12/2003، ص 15.

(37) راجع: Edward Said, The World, the Text and the Critic (Cambridge, Harvard UP. 1983), 1-33

(38) «رسالة الجزائر: جائزة مالك حداد للرواية العربية في الجزائر»، الرافد 84 (أغسطس 1002)، ص 321.

(39) راجع رواية حداد التي نشرت لأول مرة عام 1959:

Malek Haddad, Je t offrirai une gazelle (Paris: Union Générale d Editions,

1978 [René Julliard, 1959]), 25. 

(40) راجع: Malek Haddad, Le Quai aux fleurs ne répond plus (Paris: René Julliard, 1961), 8.
وهي ترد هكذا في الأصل الفرنسي:

(41) خليفة قرطي، «رواية البحث عن تقاطعات أزمنة الجزائر الهاربة»، الحياة، 29/10/1997، ص20.