ارتكبت العصابات الصهيونية مجزرة دير ياسين البشعة (9-4-1948)، بقيادة مناحيم بيغن (رئيس الوزراء عام 1977)، وطالت 250 فلسطينياً من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ. وتفاخر بيغن بهذه المذبحة في كتاب ٍ له، قائلاً: «كان لهذه العملية نتائج كبيرة غير متوقعة، فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي فأخذوا يفرون مذعورين .. فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض إسرائيل الحالية (فلسطين المحتلة عام 1948) لم يتبق سوى 165 ألفا». فصباح يوم الجمعة 9 نيسان (أبريل) 1948، بعد الهجوم على قرية القسطل المجاورة واستشهاد القائد عبد القادر الحسيني، قامت قوات من عصابات "الأرغون" و"شتيرن" بتفخيخ بيوت قرية دير ياسين بالديناميت وهكذا استولوا عليها عن طريق تفجيرها بيتاً بيتاً. وبعد أن انتهت المتفجرات لديهم قاموا بتمشيط المكان من آخر عناصر المقاومة عن طريق القنابل والمدافع الرشاشة، حيث كانوا يطلقون النيران على كل من يتحرك داخل المنزل من رجال ونساء وأطفال وشيوخ، بعد ذلك أخذوا يطرقون أبواب البيوت ويخرجون من بداخلها. واتبعوا في ذلك أسلوب الخداع، فقد كانوا يرتدون الملابس العربية والكوفيات التي يجدونها خلال تفتيشهم للبيوت، كي يتسللوا إلى مواقع المقاتلين من دون أن يشك بهم أحد واقتادوا فريقاً من رجال القرية ونسائها وأطلقوا عليهم النار فقُتلوا على الفور، كما استخدموا السلاح الأبيض في اعتداءاتهم، وقد كان معظم الضحايا من الأطفال والنساء.
سياسة القوة
تقصّدت البدء بمثال عملي عن مجزرة ارتكبها الصهاينة، لكي نناقش فيما بعد البعد النظري، والتكامل بين البعدين لدى الصهيونيين .. تُعتبر مقولة ديفيد بن غوريون: «إن الوضع في فلسطين سيُسوى بالقوة العسكرية» إحدى الركائز الأساسية لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية وإسرائيل، وهي توضح وبشكل جلي الوجه الحقيقي للإرهاب الصهيوني وممارسته الإرهاب وارتكابه المجازر لإشاعة الخوف وعدم الطمأنينة وجعل أهل فلسطين يتركونها. يحفل تاريخ إسرائيل بالجرائم والمجازر ضد الفلسطينيين والعرب. وتكاد هذه تصبح سمة لهذه الدولة المارقة. وتعود المجازر والمذابح الصهيونية التي يرتكبها العدو الصهيوني في فلسطين وغيرها، إلى: الديانة اليهودية، حياة الجيتو اليهودي، (اللاسامية)، واقع المجتمع الأوروبي والتحولات التي حدثت فيه في القرنين الأخيرين. والحركة الصهيونية حركة سياسية، (استعمارية)، من نتاج العقلية والثقافة الأوروبية في عصر الاحتلالات الغربية يعتبرها كثيرون أنها استغلت الدين "اليهودي" لتبرير جرائم القتل والمذابح التي ترتكبها، ولتبرير ادعائها بالحق الديني والتاريخي في فلسطين، والبعض يراها: حركة دينية أسطورية غيبية في جوهرها ومضمونها كله، وهي الأداة السياسية اليهودية لتحقيق غايات الدين اليهودي. فأسطورة (السامية) الكاذبة والتي يتعبر البعض أنها أعطت الشرعية لكل الدعاوى اليهودية، بأنهم هم وحدهم "شعب الله المختار" وكل من سواهم "جوييم" حيوانات لا وزن لها ولا قيمة، ولا تستحق الحياة إلا بقدر ما يحتاج السيد اليهودي من الخدم منها. كما أنها تبرر لجرائم اليهود اللاإنسانية، وتعطي لهم الحق في التهرب من العدالة، ومعاقبة مرتكبها من اليهود، وتجعلهم أمة متمايزة عن الأمم الأخرى، وتجعل الكيان الصهيوني فوق القانون والشرعية الدولية، وأن من حق اليهود محاسبة جميع البشر، ولا يحق لأحد محاسبتهم.
وبناء على تلك أسطورة "السامية"، قسّم اليهود البشر إلى قسمين: "ساميون" هم اليهود، ولهم كل الحقوق الإنسانية، لأنهم "شعب الله المختار والمقدس" الذي خلق للسيادة العالمية، والجوييم أو الأغيار، وهم جميع المخلوقات الأخرى من بشر وحيوانات وغيرها. يقول البروفيسور اليهودي المشهور إسرائيل شاحاك عن نظرة اليهود لغير اليهود: «أصبحت موضة شائعة جداً في أوساط معينة هذه الأيام تجاه غير اليهود: فهم يعتبرون، بالمعنى الحرفي للكلمة، امتدادات للشيطان». وفي موضع آخر يقول: «إن كل غير اليهود مخلوقات شيطانية "ليس بداخلها أي شيء جيد على الإطلاق" حتى الجنين غير اليهودي يختلف نوعياً عن الجنين اليهودي، كما أن وجود غير اليهودي مسألة "غير جوهرية" في الكون، فقد نشأ كل الخلق من أجل اليهود فقط». تلك الأسطورة جعلت اليهودي يعتقد أنه قد خُلق بتدبير سماوي، لأن الدنيا التي أبدعها الله سبحانه وتعالى ما كان يمكن أن يستقيم أمرها من غير اليهود. فهناك قول مأثور ردده التلمود هو «كما أن العالم لا يمكن أن يعيش بلا هواء فإنه لا يمكن أن يعيش بدون إسرائيل». تلك الأسطورة ربت اليهودي على النزعة العنصرية التي تجعله يشعر أنه من جوهر غير طينة البشر جميعاً، وأن هذا الجوهر مفرد بأسرار ومواهب لا توجد في غيره. وهذا الاعتقاد من السخافات المتكررة في التلمود، لازال موجوداً في كتابات وأقوال الحاخامات. فقد خلص الحاخام شلومو نكديمون بعد سفسطة عقيمة إلى أنه: «يجب "فصل" جسد الإسرائيلي عن جسد سلالة نوح، لأنه من نوع مختلف تماماً، والشيء ذاته ينطبق على الروح. روح المخلوقات الإسرائيلية من طبيعة مضادة لروح سلالة نوح». أما الحاخام "اسحق غينسبور" فيعتبر أن «الدم اليهودي والعربي، طبقاً للتعاليم اليهودية، لا يتساويان في القيمة». ولذلك، فان قاضياً في محكمة بئر السبع وقف صارخاً: «إن العرب لا يمكنهم توقع العدالة نفسها المُقدّمة لليهود».
هذه العقيدة اليهودية التي تقوم على أساس إلغاء الآخر وعدم الاعتراف بوجوده، هي التي أصّلت في اليهود الروح العدوانية، والقسوة والوحشية، وانعدام الشفقة أو الرحمة، وغيرها من الطباع اليهودية في التعامل مع الشعوب والأمم الأخرى، بحسب بحث كتبه مصطفى إنشاصي. والمجازر الجماعية التي تحدثت عنها " التوراة " في أكثر من موضع، ليست إلا نماذج استخدمتها العصابات الإرهابية الصهيونية، ومن بعدها جيش العدو الصهيوني، لتحقيق هدف واحد، هو إبادة الشعب العربي الفلسطيني وتصفيته بالقتل أو إجباره على الهجرة خوفاً من هذه الإبادة، بحسب اللواء محمد طارق الخضراء في كتابه عن المجازر الصهيونية. ويؤكد البروفسور اليهودي إسرائيل شاحاك «أن الديانة اليهودية عمقت الخصوصية والعنصرية لدى اليهود». ويمكن تلخيص أهم ما تبثه تلك الأساطير التوراتية في اليهود من روح، في:
1 - استلهام الروح العدوانية في التراث الديني اليهودي، فالتطرف الديني والعنصري في النظرة الصهيونية الجديدة تجاه غير اليهودي، يعكس دمجاً فكرياً بين القومية المعادية للأجانب وبين التطرف الديني الضيق. أي أنها تشكل الأساس الديني للعنف والإرهاب، الذي ينتج عنهما: القتل والسبي والتدمير والقسوة الوحشية.
2 - استلهام تقاليد الروح العدوانية في الفكر والسلوك الصهيوني، فالصهيونية فكراً وسلوكاً موبوءة بالتعصب العنصري والديني، والعنف هو الأداة التي يتوسل بها الصهاينة لإعادة صياغة شخصية اليهودي، وقد جعلت الصهيونية من اللحم والدم العربي معهداً لتخريج خبراء القتل المجاني. أي أنها تشكل الأساس الديني للاحتلال والتوسع والسيطرة، الذي ينتج عنها: الاغتصاب اليهودي لأرض الغير بعد طرد أهل الأرض عنها.
3 - تمجيد القوة الإسبارطية كمثل أعلى، لذلك تم عسكرة المجتمع "الإسرائيلي" في فلسطين. أي أنها تشكل الأساس الديني للحرب الجماعية أو الأمة المسلحة، الذي ينتج عنها: وجوب القتال على كل قادر، وتسخير الشعب كله لهدف الحرب. يضاف إلى ذلك ما له علاقة بالحرب نفسها، كأداة، وكأسلوب حياة، وتجاوز كل الأخلاق والأعراف والقوانين الخاصة بالحفاظ على حياة المدنيين والآمنين، وحسن معاملة الجنود الأسرى والحفاظ على حياتهم.
4 - الإحساس بحتمية الحروب للوجود "الإسرائيلي" في فلسطين، فالحروب هي بمنزلة أسطورة مغلقة تدخل في إطار البنية العامة للعقيدة الصهيونية شأنها في ذلك شأن سائر الأساطير المغلقة التي يتعامل معها الفكر الصهيوني الغيبي، مثل أسطورة أرض الميعاد والشعب المختار. وقد أصبحت الحروب بمنزلة تجسيد ومتنفس حتمي وضروري للروح العدوانية لدى الشخصية اليهودية "الإسرائيلية" مهما حاولت العقيدة الصهيونية أو الإمبريالية "الإسرائيلية" أن تلبسها من أردية الشرعية المختلفة، بحسب مصطفى إنشاصي.
سلسلة مجازر
ونورد فيما يلي سلسلة من المجازر ارتكبتها العصابات الصهيونية:
- في ليلة (15) يوليو/ تموز 1947، دخلت قوة للهاغانا بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد أبو لبن -وهو يقع بين يافا ومستوطنة بتاح تكفا الصهيونية- وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرون نائمين خارجه؛ ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت أحد عشر عربياً بينهم امرأة وأطفالها الثلاثة البالغة أعمارهم 8 و7 و3 سنوات.
- في 29 سبتمبر/ أيلول 1947، هاجمت الهاغانا أيضاً، سوق حيفا فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 1947، دخلت قوة من الإرغون ترتدي بزات عسكرية بريطانية إلى قرية الطيرة في قضاء حيفا في الساحل الفلسطيني، وقتلت (12) عربياً وجرحت ستة آخرين.
- بعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة الأرغون قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في مدينة القدس، فقتلت أربعة من المدنيين العرب كما جرح خمسة عشر عربياً آخر، وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربياً في مدينة يافا، في شارع الملك جورج، واستشهد إبان ذلك ستة من العرب، وتبعاً لمعطيات إحصائية استشهد في يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول في كافة المدن الفلسطينية من جراء المجازر الصهيونية المنظمة (21) مدنياً عربياً.
وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى والمدن والمضارب الفلسطينية المختلفة، لكن المجزرة الأكبر كانت في 30 من ديسمبر/ كانون الأول 1947، حين رمت جماعة من عصابة الإرغون في الساعة العاشرة والدقيقة العشرين صباحاً، عبوتين من الحليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو (100) عامل فلسطيني، كانوا واقفين أمام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل أسمائهم للعمل، وقد قتل في الهجوم ستة من العرب وجرح (46) آخرون كان بينهم (25) في حالة الخطر، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعاً عن النفس (41) يهودياً، كما استشهد ستة من العرب وجرح (48) يهودياً و(42) عربياً.
يُذكر أن العصابات الصهيونية ارتكبت أثناء فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين 12 مجزرة مروعة ؛ في حين ارتكبت تلك العصابات 44 مجزرة بعدها ضد الفلسطينيين العزل من السلاح، (نبيل السهلي، "الجزيرة نت").
المجازر الصهيونية في فلسطين خلال عام 1948
ومن أهم المجازر الصهيونية المرتكبة في عام 1948؛ مجزرة دير ياسين في قضاء القدس؛ ومجزرة قرية الطنطورة إلى الجنوب من مدينة حيفا عروس الساحل الفلسطيني؛ ومجزرة قرية بلد الشيخ في قضاء حيفا؛ وهي القرية التي دفن فيها المجاهد الكبير عز الدين القسام بعد استشهاده في أحراج يعبد في قضاء مدينة جنين في نوفمبر/ تشرين الأول من عام 1935؛ وثمة مجازر أخرى ارتكبت في قرى ومدن فلسطين خلال عام 1948. وتوجت المجازر الصهيونية والإسرائيلية فيما بعد، بقتل الوسيط الدولي الكونت برنادوت في القدس يوم (18/9/1948)، على يد العصابات الصهيونية؛ وكان على رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق شامير، وذلك لأن الوسيط الدولي حملّ في تقريره الذي رفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ (16/9/1948) إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين، وأكد بأن أي تسوية لا يمكن أن تنجح دون عودتهم إلى ديارهم. وبناءً على تقريره، صوتت الجمعية العامة على القرار (194) بتاريخ (11/12/1948).
وتوجد عشرات المجازر الأخرى التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، منها:
مجزرة عرب العزازمة ( في بئر السبع) (3/9/1950)، مجزرة شرفات (7-2-1951)، مجزرة بيت لحم: (6-1-1952) ، مجزرة بيت جالا: (11-1-1952)، مجزرة القدس: (22-4-1953)، مجزرة مخيم البريج: (28/8/1953)، مجزرة قبية: (14-15/10/1953)، مجزرة نحالين: (28/3/1953)، مجزرة قلقيلية:(10/10/1956)، مجزرة مخيم رفح، مجزرة الكرامة، مجزرة مخيمات لبنان: (14-16 /5/1974)، مجزرة صبرا وشاتيلا: (16-18/9/1982)، مجزرة عين الحلوة: (16/5/1983)، مجزرة حرم الجامعة الإسلامية في الخليل: (26/7/1983)، المسجد الأقصى: (8/10/1990)، ومجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل: (25/2/1994)، ومذبحة قانا: (18/4/1996)، ومذبحة النفق: (25/9/1996)...
«مهمات قذرة»
وفي لقاء أجراه الكاتب والصحافي الإسرائيلي المعروف عاموس عوز، مع الإرهابي ارييل شارون، ونشرته صحيفة دافار العبرية في (17/9/1982)، ثم ترجم إلى الفرنسية وصدر عن دار "كالمان ليفي" تحت عنوان "أصوات إسرائيل" تحدث البلدوزر الإرهابي شارون بمنتهى الوضوح عن أدبيات المجزرة التي أسماها "المهمات القذرة" وأطلق الكاتب الإسرائيلي على الحوار مصطلح "المانيفستو النازي لشارون". يوضح عوز في تقديمه للحوار ـ بحسب ما نقل نواف الزرو ـ أن "اعترافات شارون في اللقاء المانيفستو تعكس إيماناً نازياً يعلنه شارون صراحة، حيث أعرب عن رغبته بأن يطبق على الفلسطينيين ما فعله هتلر باليهود خلال الحرب العالمية الثانية، ويأسف لأن ذلك لم يحصل عام 1948". ويكثف لنا شارون من جهته معتقداته وأفكاره ومشاريعه في فلسطين في ذلك "المانيفستو" قائلاً "أنا لا أعرف إلا شيئاً واحداً، طالما أننا نقاتل لأجل وجودنا، فكل شيء مسموح. حتى ما هو غير مسموح به عرفا، حتى طرد العرب جميعاً إلى الضفة الشرقية للأردن. كلهم قطعيا". ويفصح شارون في اللقاء عن نواياه الإجرامية الشريرة ضد الشعب الفلسطيني قائلاً "اليوم .. أنا مستعد أيضاً لأجل الشعب اليهودي بأن أتكفل بتنفيذ العمل القذر، باقتراف مجازر عربية حسب الحاجة، بأن أطرد، أحرق وأنفي كل ما يجب لجعلنا مكروهين. مستعد لأن ألهب الأرض تحت أقدام "يديش الدياسبورا" إلى أن يضطروا إلى الإسراع إلى هنا وهم يعوون. حتى ولو اضطرني الأمر إلى نسف بعض الكنس اليهودية، سيكون ذلك سيان، ولن يهمني الأمر أيضاً إذا قمتم، بعد خمس دقائق من إنجازي العمل القذر، من تحقيقي الهدف ووضع كل شيء في مكانه، إذا ما قمتم بمحاكمتي على نمط نورنبرغ .. إذا ما حكمتم علي بالسجن المؤبد، إذا ما شنقتموني بتهمة جرائم حرب، إذا ما كان ذلك يعجبكم. بعدها ستغسلون ضمائركم الجميلة بعناية بالماء المعقم وتصبحون جميلين بما يكفي، كباراً وأصحاء بما يكفي للانتساب إلى نادي الشعوب الحضارية، لا تترددوا، دعوني أتكفل بهذا العمل القذر، صفوني بكل الصفات التي تخطر ببالكم، فما لا تستطيعون أن تفهموه هو أن العمل القذر للصهيونية لم يكتمل عام 1948 وبسبب خطئكم أنتم".
وعلى هذا إذا تمعنا قليلاً في بعض النشاطات المشبوهة التي تمارسها الحركة الصهيونية في مختلف أنحاء العالم فإننا نجدها مصدر معظم الشرور حيث يمارسون مختلف أنواع وأشكال الإرهاب في العالم، وفيما يلي نعرض أهم هذه الأشكال:
1 ـ الإرهاب الفكري والإعلامي والسياسي.
2 ـ الإرهاب الاقتصادي والمالي.
3 ـ الإرهاب الاستيطاني والعسكري والقمعي.
مقاومة المخرز
وفي مقابل هذه الجرائم والمذابح الصهيونية؛ نجد صموداً فلسطينياً وعربياً منقطع النظير أفشل أهداف العدو الصهيوني، وكشف وجهه الحقيقي أمام العالم .. ويمكن ايراد أمثلة على الصمود والبطولة، وأمثلة أخرى على الهمجية والدونية الصهيونية ... فملحمة جنين (نيسان 2002)، في مقياس الفلسطيني كتاب تجربة سُطرت فيه معركة الكرامة بكل ما حملت من دلالات انتصارِ وحدةِ السلاح الفلسطيني في مواجهة الغزو الصهيوني. وسُطرت فيه يعبد والقسام بكل ما فيها من اختزال لكل معاني الصراع الكبير، إنه جهاد نصر أو استشهاد. فجنين جسدت قمة الملاحم الجهادية في تاريخ فلسطين المعاصر وذروة الروح الفلسطينية المؤمنة الصابرة المجاهدة، وكثّفت كل عناصر التجربة لتكون درساً عظيماً للأجيال، درساً متكاملاً، عناوينه: وحدة الشعب الفلسطيني، جهاد حتى آخر رصاصة، استشهاد الواقفين غير الراكعين، الإيثار حتى المعجزة ولذلك تظل جنين ملاصقة للذاكرة وللتصور والعبرة، بحسب عمر سعادة في كتابه عن جنين.
من هنا، لقد خاض ويخوض الكيان الصهيوني حرباً ضارية ضد الشعب الفلسطيني، إلا أنه لم يستطع كسر إرادة الصمود أو التحدي لديه بل انتقل مقاومو الشعب الفلسطيني إلى مرحلة جهادية أكثر شدة. وقد شكل صمود المجاهدين في مخيم جنين علامة فارقة في مرحلة الجهاد والمقاومة التي ينتهجها الشعب الفلسطيني وقواه المجاهدة. ويمكن القول إن المقاومين في غزة في أواخر العام (2008) وبداية العام (2009) قد بنوا على تجربة جنين: استفادة وخبرة. وعلى الرغم من هول المجازر البشعة التي نفذها جنود الإحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني في جنين ونابلس وبيت لحم ورام الله، إلا أن هذا العدو لم يستطع وقف الهجمات الإستشهادية والعمليات النوعية في عمق كيانه سواء في حيفا أو في القدس أو غزة والضفة في تلك الفترة. وككل محتل غاصب، يعيش على دماء الأبرياء، ويصنع من مجازره جسراَ للعبور إلى نصر موهوم. نفذ جيش الإحتلال مجازر عديدة في مخيم جنين شكلت عنواناً جديداً إضافياً على بربريته ولا إنسانيته، ولكن هذا الإجرام لم يفلح في كسر إرادة الشعب المقاوم، بل إن جيش العدو، حشر في جنين في زاوية حجمه الطبيعي، وتحطمت أسطورة جيشه الذي لا يقهر، فقد تجندل جنود العدو صرعى بكمائن المجاهدين ورصاصاتهم القليلة، فأصبح مخيم جنين أسطورة المقاومة، ولعنة ستطارد المحتلين حتى يرحلوا عن أرضنا. وخاض المجاهدون معركة الدفاع عن أرض البطولة والفداء مخيم جنين، في وجه أعتى قوة همجية، واستطاع المقاومون خلال تلك المعركة الصمود والتصدي أمام زحف الغزاة، جنود العدو وآلياته، وتمكنوا من تكبيده خسائر فادحة، أثبت خلالها المجاهدون قدرتهم على الصمود والمقاومة. وكبد المجاهدون الجيش الصهيوني خسائر فادحة تقدر بأكثر من خمسين قتيلاً صهيونياً، وعشرات الإصابات الأخرى. وقام جيش العدو بإعدامات جماعية للمقاومين الذين نفدت ذخائرهم، كما قام بهدم المنازل على رؤوس أصحابها، وفي الوقت نفسه شنت طائراته المروحية هجومات صاروخية على المخيم.
وأكدت صحيفة (كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية أن القوات الإسرائيلية ارتكبت مذابح بشعة بحق الفلسطينيين العزل في جميع قرى الضفة الغربية وخاصة في مدينة جنين وشهدت استشهاد مئات الفلسطينيين. فقد نشرت الصحيفة تقريراً لمراسلتها في الضفة الغربية كاميرون بار أكدت فيه أن آثار التعذيب الواضحة على الجثث الفلسطينية تدل على أنها قاست تعذيباً شديداً قبل قتلها، فهناك جثة بها آثار سجائر مطفأة، كما أنها شاهدت بعينيها خمس جثث يتم دفنها في مقبرة واحدة بالبلدوزر. وكان أول مسؤول للأمم المتحدة يتفقد المخيم بعد المذبحة قال إن جنين تحول لمخيم أشباح. (الشبكة الإسلامية، وموقع محيط (13/04/2002). ولكن أيضاً وبمجرد نظرة واحدة إلى ميزان القوى بين العدو الصهيوني والمجاهدين في المخيم، يتبين أن المقارنة ستبدو مثيرة للسخرية، وأنه من غير الممكن وتحت أي حال من الأحوال، إخضاع معركة مخيم جنين إلى معيار عسكري واقعي. وكان السؤال المحدد الذي يطرحه الجميع ويحاصر الجميع، في الوقت نفسه هو كيف تمكنت هذه الحفنة من المقاتلين، من الثبات تسعة أيام متواصلة أمام أعتى جيوش الشرق الأوسط؟ كيف سجلت صمودها الإعجازي على النحو الذي شاهد العالم أجمع!؟ في أغلب الحالات لم يكن يتسنى العثور على إجابة، وفي أفضلها كانت الإجابة (قررنا القتال وقررنا الصمود فصمدنا، ولولا تلك الجرافات العملاقة، لما دخل الجيش حارة في المخيم!).
يقول أحد الكتاب «إن صمود مخيم جنين كان حالة مثيرة تستعصي على الفهم والتفسير، من قبل العسكريين ومن قبل وكالات الأنباء التي اعتبرته لغزاً محيراً، وحتى من قبل المقاومين أنفسهم الذي عايشوا هذه الحال بكل دقائقها، ساعة بعد ساعة ويوماَ بعد يوم، حتى بلغت تسعة أيام، وكان ذلك داخل مساحة تقل عن كيلومتر مربع، أمطر الجيش كل متر فيها بحمم من صواريخه وقذائفه ورصاصه من عيار 250 إلى عيار 1200.. ولو توجهت إلى هؤلاء المقاومين بسؤال أكثر بساطة، سؤال فقط حول إذا ما كانوا قد توقعوا أن يطول أمد الهجوم إلى تسعة أيام، سوف يجيبونك بذات البساطة (لا نعلم) ويكررون الإجابة السابقة، "قررنا الصمود وقررنا المواجهة.. هذا هو الأمر فقط"».
من أفواههم يدينون أنفسهم
كان وزير الخارجية الإسرائيلي "شمعون بيريز" أول من أشار إلى احتمال ارتكاب الجيش للمجزرة حيث قال "أخشى أن ما فعلناه في جنين سيعتبرونه مجزرة"، ثم عاد بعد ذلك ونفى هذا الاحتمال، الأمر الذي أثار حفيظة وزير الخارجية الأميركي آنذاك "كولن باول" الذي تساءل قائلاَ: "إذا كانت إسرائيل لم ترتكب ما يدينها في جنين فلماذا تخشى من لجنة تقصي الحقائق!!". والسؤال نفسه وجهته صحيفة "يديعوت أحرونوت" في (21/4/2002). أما عن الجنود الإسرائيليين الذين شاركوا في المجزرة، فقد كان من الصعب بمكان استنطاقهم حول ما جرى في المخيم، حيث أن الكولونيل "موشي تامير" قائد لواء جولاني اجتمع بجنوده –حسبما ذكرت مجلة كل هزمان الإسرائيلية- ووجه إليهم تعليمات صارمة، بعدم الإدلاء بأي تصريح في هذا الشأن وشدد على ضرورة عدم التطرق إلى البطولات الفلسطينية التي "شاهدوها". ورغم ذلك فقد تسربت بعض التصريحات، لاسيما التي أدلى بها جنود "الناحال" أو المراسلون العسكريون.
- اليكس فيشمان مراسل "يديعوت أحرونوت"، قال في (12/4/2002)، إن لدى الجيش أسماء وأرقاماً تحدد أن أربعين بالمائة من مجمل الضحايا الذين سقطوا خلال العمليات في الضفة الغربية، كانوا في مخيم جنين وحساب هذه النسبة يعني ما يزيد على 150 قتيلا.
- قال جندي احتياط للصحيفة نفسها: "أبلغونا بوضوح أن علينا أن نحطم المخيم على من فيه وأن نطلق النار على كل شيء.. صحيح أننا تعرضنا لنار كثيفة، لكن أعتقد أننا أبدنا مدينة".
- كما قال ناحوم برنياع: "تلقى جيشنا ضربات قوية، فأدخل بعد ذلك أسلحة فتاكة، وأصبحت الجرافات تهدم بيتاً تلو بيت".
- تانيا واتنيهرت "أستاذة في جامعة تل أبيب" قالت: "حسب شهادات الضباط والجنود في جنين، فإنهم تلقوا أوامر أن يطلقوا النار على كل نافذة، وكل بيت، سواء صدر منه إطلاق نار أم لم يصدر.. سوف نستوعب آجلاً ما فعلناه في أنفسنا وما فعلناه في جنين".
- صحيفة معاريف الإسرائيلية أجرت استطلاعاً تبين فيه أن عشرين بالمائة من الإسرائيليين مقتنعين بأن جيشهم قد ارتكب مجزرة في جنين، علماً بأن هذا الاستطلاع جاء في خضم الحملة الإعلامية الرسمية الإسرائيلية لنفي وقوع المجزرة.
وهكذا بين فعل القتل والإجرام الصهيونيين، وبين الصمود والتضحية الفلسطينيين، نجد أن ملاحم العز والفخار لشعبنا، والخزي والعار وتكرار محاولات أصحاب الضمائر الحية في العالم لمحاكمة المجرمين الصهيونيين على أفعالهم ما زالت جارية. فلن يضيع حق وراءه مقاوم مقاتل ومُطالب بتطبيق العدالة ومحاكمة المجرمين على أفعالهم..
كاتب فلسطيني