مَن لم يترنم بالريل وحمد؟ ومَن لم يردد كثيرا من قصائد الشاعر مظفر النواب؟.ومَن لم يسمعه ويطالبه بإعادتها ويقرأها معه أو يتجاوب معها؟.
قصائده التي كانت تهرب ويتغنى بها المقهورون والمستضعفون منذ أن قدم وترياته وانشد إلى القدس والعروبة والأوطان التي حملته على وهن. وقراءاته الشعرية التي سجلت تاريخ العذاب العربي والقسوة التي كابدها في السجون والمنافي والجحود الذي يعاني منه في هذه اللحظات. هل يرضى إنسان بما يحصل لمثل هذا الإنسان؟ وكيف يصمت أو يسكت أو يتحمل سماع خبر كهذا أو دعوة نبيلة "للعناية" بشاعر الجماهير؟ وكيف يرد له جميل ما أبدع وعظيم ما أنتج وهو المغني الحزين؟.
قال في رثاء ناجي العلي:
آآه من وجع الروح
لو كان هذا العراق بدون قيود
أتم مرارته وجذور النخيل
لضمك بين جوانحه كالفرات
ويأخذ ثأرك
من زمن لا ضمير له
ليس يكفي دماء الذي قتلوك
لكن دماء مناهجهم
ويكون البديل
آهته الطويلة هذه وحسرته المكتومة دليل صفائه ونشيج روحه، وكأنه يعرف أنها صرخته هو أيضا وربما الأخيرة. وهو القائل عنها في قصيدته رحيل:
يا وحشـةَ الطرقات
لا خبر يجيء من العراق
ولا نديم يُسكر الليل الطويل
مضـت السنين بدون معنى
يا ضياعي
تعصف الصحرا وقد ضل الدليل
لم يبق لي من صحب قافلتي سوى ظلي
وأخشى أن يفارقني
وإن بقي القليل
هل كان عدلٌ أن يطول بي السُّرى
وتظلُّ تنأى أيها الوطن الرحيل
كأن قصدي المستحيل
منذ ولادته في كرخ بغداد عام 1934 وهو يحمل صليب العراق، بعد أن غادره مكرها، وضاقت أرضه عليه، فسجل بإحساسه المرهف، بالعامية العراقية المدينية وبالفصحى، قصائده التي شهرته ونشرته في المدن العربية ومنتديات العرب الأجنبية، وتغنى بها المعارضون والغاضبون والرافضون للصمت الذي يرين من حوله الآن. ( عجبا!) وصدق من كتب عنه:
"حقق الشاعر العراقي مظفر النواب حضورا شعرياً واسعا، الذي يوصف بأنه شاعر القصيدة المهرّبة والممنوعة، في حنجرته ثمة جمرة دائمة، جعل من المباشرة والمنبرية سلطة شعبية عامة وذلك لسهولة حفظ قصائده، فما أن يقرأ الظافر النواب قصيدة ما وسط جمهور حاشد حتى يتم حفظها وتسجيلها وتداولها.. وكلما ازدادت شعبيته الجماهيرية كلما زادت في وجهه النقمة وأغلقت في وجهه الحدود.النواب منطقة شعرية محظورة ومحفوفة بالريبة والمخاطر" ولكنه ابن العرب الذين لم يناموا على ضيم، وقصائده فيهم معروفة.
فالثورة ليست خيمة فصل للقوات
ولا تكية سلم للجبناء
وإياكم أبناء الجوع فتلك وكالة غوث أخرى
أسلحة فاسدة أخرى
تسليم آخر
لا نخدع ثانية بالمحور أو بالحلفاء
فالوطن الآن على مفترق الطرقات
وأقصد كل الوطن العربي
فأما وطن واحد أو وطن أشلاء
لكن مهما كان فلا تحترموا
فالمرحلة الآن
لبذل الجهد مع المخدوعين
وكشف وجوه الأعداء
المرحلة الآن لتعبئة الشعب إلى أقصاه
وكشف الطباخين
من بغداد إلى دمشق مرورا بالكثير من العواصم والمدن العربية ظل مظفر يكتب عنها بحب واسع وانتظار طويل وصبر كبير:
لقد كانوا بالأمـس هنا
ما تركـوا شـيئـا يـُذكـرُ
غـير الصـمت
دع الأيام تـنام
أمـسِ ألوف الناس على بردى
رغم ألوف النسيان
ظـمئـتُ أراهم
أتذكر أرقـام الأمـس
أدرتُ الصفرين
أجاب المقسمُ جـرِّب بثلاثة أصفار
حدقـتُ من الهاتـف في المقـسم في حـزن
لم يـَكُ مقـسـمَ تـلـكَ الأيام
وتساءل طفـلٌ مرَّ بصمتي
هل بغدادُ على بردى؟
أومأتُ بقلبي
وعـلى دجـلـة أيضا تـقـع الشـام.
بكلمات معدودة دعا الملحق الأدبي لجريدة تشرين الدمشقية للعناية بالشاعر مظفر النواب، لأنه بحالة صحية حرجة. (تشرين 31/10/10) هذه الدعوة النبيلة صرخة كبيرة أمام الجميع، وإشارة لمن يهمه الأمر.. هذا مظفر النواب.. شاعر الريل وحمد.. شاعر الجماهير والغضب العربي والحزن السياسي.. لا تتركوه وحيدا؟!
كاظم الموسوي