تكتب القاصة الجزائرية عن سأم شهرزاد من دورها كراوية للحكايات للملك السعيد الغافل عن إمكانيات الجمال فيما ترويه. وتكشف آثار مرور الزمن على أبطالها غير القادرين أيضا على مواصلة أدوارهم وتخاطفتهم صروف الدهر. أدركت النهايات الحكايات وآن لشهرزاد الرحيل أو استشراف أفق مغاير.

خاتمة البدايات

بهاء بن نوار

حين يغدو اللّيلُ حمَمًا دمويّةً بكماءَ، وحين لا تدركني صباحاتي الأولى ولا الأخيرة، وتجفّ في فمي الكلماتُ. ويُختَصَرُ العمرُ في صرختَيْ موتٍ أو ميلادٍ؛ شهْقَتَيْ فرحٍ أو عذاب. عندها تبدأ حكاياتي، وتتفتّق متاهاتي: فاتحةُ نهاياتي...

يستلقي هو فوق عرشه الأزليّ مشهرًا سمعَه و أحلامَه أمامي كلّ ليلة، و أقف بين يدَيْه شاحذةً حِيَلي و أحابيلي: أقتنصُ كلمةً تائهةً هنا أو كلمتَيْن؛ ألقمهما إيّاه كما تلقم الأمُّ طفلَها روحَها وأشواقَها، و فيضَ عذاباتها، واحتراقاتها.

أغمض عينيّ المرهقتّيْن وأنتظر حلولَ الصّباح (متى سوف يدركني الصّباح؟ وتتبرعم الكلماتُ قبل أن يباغتني الجلاّد؟)

كلّ ليلة أعيد الطقوسَ العبثيّةَ نفسَها: " بلغني أيّها الملكُ السّعيدُ ذو الرّأي الرّشيد أنه كان في مدينة بغداد قديمًا..."

يخترقك النعاسُ كالعادة فأوسّدك ذراعي، و أطلق الخيالَ يصول بحثا عن حكايا جديدة؛ يتسكّع في مدافن الأحياء، و ينبش عظامَ الموتى بحثا عن زادٍ جديد: " بلغني أيّها الملكُ السّعيدُ... بلغني أيّها الملكُ السس... أيّها اللللل.... (أيّها الوغد السّعيد!)..

المتاهة نفسُها تبتلعني كلّ ليلة، وخيوطُ الشيب تدبّ فوق مفرقي منذ دهور.. كلماتي عظامٌ نخرةٌ وجثّةٌ ثقّبتها الغربان، ومولايَ (السّعيد!) مسامعُه حفرةٌ غائرةٌ ما لها مِنْ قرار: حفرةٌ جحيميّةٌ تطالبني دومًا بالمزيد، ولا يفعم خواءها سوى نبضي، ودمي، وبقايا عروقي الظمأى (أكان لزامًا أن تكون الكلمة منفايَ وجحيمي؟!)

" بلغني أيّها الملك السّعيد... " هل أحدّثك عن الجنون الأوّل أم الأخير؟ أبطالي الأوّلون أعلنوا عصيانهم و تمرّدهم: عاد منهم إلى القبر مَن عاد، وانتحر مَن انتحر، وأفلس مَن أفلس، وجُنّ مَن جُنّ.  جميعهم أعلنوا توبتَهم النصوحَ، وأسبلوا أعينهم منتظرين " هادمَ لذاتهم، ومفرّق جماعاتهم".

تسألني عن السّندباد؟ (العاشق؟ أم التّاجر؟ أم اللّصّ فيهم أم المهرّج؟ أم البهلوان؟) لقد عاد منذ دهور إلى قريته البصريّة البعيدة، محــتضنا أحفادَه، ولائكًا أمامَهم أسفارَه العجيبة التي سئموها من فرط ما حفظوها، فانفضوا مِن أمامه هاربين، وألقى كبيرُهم أشرعته الغضةَ البيضاءَ صوب عالم الأغرابِ، وأوطانهم: يروم حكايات جديدة، وقصصا، وأعاجيبَ يحدّث خلفاءه القادمين عنها أيّامَ ثلجه، وزمهريره (حين لا يبــــقى من العمر إلا الـــزفرات والتــماعات شـــباب خافـــق ومنفـــلت دوما صوب الغروب!)

لم يلبث أوسطهم أن تبعه (علّ حكاياته القادمة تفوق حكايات الأوّل وأشواقه!) وبعد أيّام قلائلَ يلحقه الأصغرُ الذي لن يرضى بأقلّ من نصيب أخوَيْه، والذي إن خانه الحظّ بحرًا زحف برّا، وإن خانه برّا طار جوّا، و إن لم يلق نصيبَه فــــي هذا أو ذاك شحذ سكينه ليلا، وأغمد نصله الدّامي في قلبه الشاحب موصيًا ابنَه الوحيدَ بلحاق الغائبين، وتيميم شطر الهاربين: حيث الدرُّ المكنونُ، والجوهرُ المنثورُ، وحيث بناتُ الملوك يهبن رحيقهنّ لأوّل الفاتحين؛ آخر المسافرين: تاج الزمان بن ضوء المكان بن الملك شهرمان أخي المبجّل شركان حفيد المسافر السندباد. صاحب جزر " قهرستان "، وغالب ملوك الإنس و الجان.  ( ها قد أدركني صباحٌ جديدٌ وها هو شخيرُك يرتفع الآن.  وها هما ذراعاي يتملّصان بخفة من ثقل جثتك.. وها هي طقوسُ النبش تبدأ من جديد! )

استلقِ الآن يا طفلي الغرير، ونمْ بهدوء، تنتظرني حفلةُ صيدٍ آخر، ومشوارٌ طويلٌ من الحفر بين القبور؛ قد أجد زادًا جديدًا ألقمُك إيّاه في ليلتنا القادمة، وقد لا أجد شيئا جديدًا فأتخمُكَ ببقايا الزادِ القديم ( ولا أظنّكَ تفطن لا إلى مذاقِ اليومِ ولا إلى مذاقِ البارحة! )

لولا قلبُك الناريُّ الذي لم ينس يوما مرارةَ الغفلة والطّعن من الخلف لخادعتكَ الآن، ومضيتُ من فــــوري إلى عشيقٍ أثيريّ أتصيّده نكايةً في مسامعك العرجاء، أو إلى  إحدى العرّافات أسألها حتّامَ يطبق هذا المنفى على عنقي؟ و حتّام أخترع الأكاذيبَ أخدّر بها رجُلي وأماطل بها قدَري؟ حتّام يُرهبني القبرُ؟ و تهزّني لمعةُ السّيف؟ ولمعة الصّبح ؟ و خفقةُ اليقظة وارتعاشُ المنام ؟

طفلي المدلّل يتململ الآن، ولم يبــق للخيال ســـوى ساعة أو ساعتيْن؛ خــــطوة أو خطوتين  لا يهمّ إلى الأمام كانتا أم إلى الخلف، المهمّ ألا يصمت هذا اللّسانُ، وألا يتمنّع طويلا أولئك الأبطال؛ مخلوقاتي الماضية الحميمة، ورفقاء الموت والميلاد، والدّهشة، والعنفوان.

جميعكم تتناسون أنّ للزمن سلطةً ماضيةً لا تضاهيها سلطةُ السّلاطين والجلاّدين، وأن أميرتكم الفاتنة القديمة لم تعد تشبهها عجوزكم الفاتنة الجديدة؛ عجوزكم التي عتّقتها الدّواهي ليلة بعد ليلة، وأنضجتها الخيباتُ كما تنضج النّارُ الخافتةُ ضحلَ الأفكار، وشواردَ الخواطر، والأحلام.

طفلي الشرهُ يتقيّظ في مثل هذا الوقت كلّ ليلة، وعلى كتفيّ وحدهما يقف عبءُ إفعام جوعه الضاري، وخوائه: سأحـــدّثه الليلة عنّي أو عن امـــرأة أخرى تشبهني أو تشبه حسناءه الغادرة القديمة، لا يهمّ عمّا أو عمّن سأتحدّث؛ المهمّ ألا تصمت هاتان الشفتان عن الهديل، أو العواء، أو النّحيب:

"بلغني أيّها الملك السّعيد، ذو المجد التليد، أنه كان في مدينة بغداد (لماذا بغداد؟ دائما بغداد ؟!) ذات المآذن و الأمجاد.. ملكٌ عادلٌ أرضى الله والعباد، و حاز شمائل الأشاوس والأجواد، و.."

باغتكَ النعاس سريعا الليلة، ولم يزل اللّيلُ في أوّله، وليس لي سوى أن أعدّ زادَ الغد أو ما بعده؛ زادًا أضمن أن يظلّ متوهّجًا بعد أن تنخر الدّيدانُ لحمي، وتأتي النيرانُ على ما لم يتهشّم مِنْ عظمي.

ما أجمل هذه النجمة اللامعة! وذاك الشهابَ المتسارع! كلاهما يشبه العمرَ في توهّجه، وانفلاته (أقدَري أن أهرق السّاعات في جلستي الخاملة هذه؟ مقصوصة الجناح كما يليق بأيّة أنثى مثاليّة جنّتُها المتاحة ونعيمُها شخيرٌ متواصلٌ لرجُلِها، ومسامع عطشى بينهما تسيّجها دمدماتُ الجلاّد و نعيبُه؟)

سأحمل الصّخرة ما دام في ذراعيّ شيءٌ من العزم، وسأحبس مدامعي كلّما رأيتها تتدحرج أمامي كلّ ليلة، حين تنغلق أجفانُ سيّدي – رغمًا عنه – و يباغتنا ديكُ الفجر أو ديكُ الظهيرة ناعيًا لحظةً جديدة من عمرنا الهش، والمستباح...

سيموت مولاي في إحدى ليالي الوجد الطّويل، وسأنتظر المولى الجديد الذي لن يتأخر أكثر من لحظة غمض الجفون؛ أمضي معه ما قُدّر له من جنائز وأكاذيبَ، وأحمل في حضرته ما قُدّر لي من صخور ضخمة، أو حصيّاتٍ بائسةٍ لا تكاد تُرى.

تتغيّر حالاتي بتغيّر حالات أسيادي، وتتعدّد أمزجتي بتزأبق أمزجتهم؛ أحيانًا تبسط الوداعةُ جناحَيْها فوق كتفيّ، وأحيانا أخرى تتدافع شياطينُ الجحيم أمام ناظريّ، وأستحيل دون أن أدري إحداها: هل حدّثتكم عن عدد السّلاطين الباذخين الذين سملتُ أعينَهم، وصيّرتهم شحاذين يأكلهم البقّ قرب أسوار المدينة؛ في محلاّت الكرخ: بين " الرّصافة و الجسر "؟!

وعن ذلك الصّنف الذي لا خيار لي معه سوى تقمّص عنفوان " سالومي" وارتداء أثوابها الهشّة في رقصةٍ جهنّميّةٍ، لا يطفئ لهيبَها سوى رؤوسٍ تُقطف، وجماجمَ سبعةٍ تتبعثر بعدد الأثواب التي تُقلَع. (كم أعشق أحيانًا تقمّصَ دورِ الجلاّدين ! وكمْ أهوى حينها نجيعَ الظالمين وهو يسيلُ مطهّرًا الكونَ من بقاياهم!)

سأحدّثكم وأحدّثه هو أيضا (الغافي على ذراعيّ منذ دهور) عن جميع البلهاء وغير البلهاء عرفتهم، والذين لم أعرفهم: سأفصّل القصصَ على جميع المقاسات، وسألوك الأكاذيبَ حتى تتشقّق الشفتان، وسأظلّ أنتظركَ يا " سيفَ الملوك " لتنتشلني أيّها الغائبُ من وحشة هذا الصّقيع، والزمهرير.

على غــفلةٍ من حوّاسي تفتّقتْ صورَتك فـــي خيالي، وتفتّح هـــذا القــــلبُ لتسكنه، أو لتسكنني، ولنخبكَ القادمِ فرشتُ القصرَ وردًا وياسمينا، وأشعلتُ الشمعَ، وأرقتُ العطرَ والرّحيق.  شهران والقصرُ جمرةٌ حمراءُ تتلهّب: جوهرةٌ يتيمةٌ تنتظر قانصَها، وريحانةٌ فتيّةٌ تستجدي من يقطفها. (والجسد مولايَ منفى الرّوح مثلما أنّ الذكر منفى الأنثى، والأنثى منفى الذكر، والقلب مأوى الجميع!)

انتظرتك طويلا، وخاتلتُ أسيادي  كثيرا كي لا يُكشف سرّي: ألبستُكَ أثوابًا كثيرةً، وأعطيتُكَ مع كلّ منها اسمًا جديدًا، ورسمًا جديدا، ودفنتُ الباقي في قلبي: قمر الزّمان.. وتاج الملوك... ونور الدّين... وعلاء الدّين... وبدر باسم... والحسن الصّائغ... وبقيتُ أنتظرُ.. أنتظرُ.. وأنتظــــــــــــــــر... ببؤسِ عاشقةٍ مدقعةٍ خلقت " بيجماليونَها " قبل أن يخلقها، ولم يبقَ لها بعد أن أفلتته – حذرَ أعين الجواري والقهرمانات - سوى أن تستحضرَه بدهاء الأقنعة ونفاقِها: تخادع سادةَ القصر وحرّاسَه، وخفقةَ القلب ونشيجَه، وتستمرّ في طقوس الكذب الجميل: اللؤم الجميل، والموتِ الجميل...

ما أشهى الموتَ حين يغدو مستحيلا! وحين نسعى إليه، ونحفر أرماسَنا بالأظافر والنيوبِ دون أن يُطمِعَنا بشهقةٍ واحدةٍ تريحُ الأنفُسَ، وتثلج الضلوع: حين يغدو العيشُ لعنةً، والحضورُ محنةً، وحين تترهّل الدّهشةُ، ويحترق السّؤال.

حين تنتظرين حبيبَكِ الآتي؛ رفيقِ الرّوح، المعشّشِ في زوايا الظلام، وحين تقطعين عوالمَ الأحـــياءِ، وتتطفّلين عـــلى ممالكِ الموتى، وعـــروشِ الآلهةِ، وحُــــرّاسِ الوصايا، وكهّانِ الضباب...

حين تبعثرين الرّشاوى والمواعيد، وتقدّمين الذبائحَ، والقرابين باسطةً لوعةَ الجسد، وخفقاتِ الأدمُعِ، واهتزازَ الشرايين:

" بلغني أيّها الملكُ السّعيد أنّه كان في مدينةٍ مِنْ مدُنِ الله الواسعةِ صيّادٌ أعمى، يلقي شبكتَه كلّ فجرٍ على البخت والنّصيب، وأنّه ألقاها مرّةً فطلع له حمارٌ نافقٌ زفرت رائحتُه، وعَفُنتْ أحشاؤه، فألقاها ثانيةً فطلع له مثلَه، فألقاها ثالثةً فطلع لها مثلُه، فألقاها رابعةً فطلع لها مثلُه، فألقاها خامســــــــ..... مثلــــــــ.... "

و" بلغني أنّه كان في إحدى الممالكِ البائدة( كما سيكون حالُ مملكتنا ) حمّالٌ أحدبُ صنعتُه حملُ النّاسِ والأغراض أطاعته حدْبتُه في ذلك أم عصتْه، وأنّه ذات يومٍ قعد في السّوقِ ينتظر كعادته البختَ والنّصيبَ فما قصدَه أحدٌ، ولبث من أوّلِ الفجر إلى رابعةِ الظهيرة وما قصدَه أحدٌ، وما برحَ مكانَه إلى ثاني يومٍ، وثالثِ يومٍ، ورابعِ يومٍ، وخــــــــامسِ يـــــــــــــــــــــــو.... "

"وبلغني أيضًا أنّه كان في القاهرة الزاهرة أيّام الأمير المعزّ مزيّنٌ شابٌّ يُقال له " بدرُ المكان " صورتُه تضاهي القمرَ المنيرَ، وإن كان فقيرَ الحالِ، لا يملك شروي نقير، وأنّه على فقرِ حاله وقلّة مالِه عشق ابنةَ شاهبندر التجّار التي رأى موكبَها خلسةً في إحدى المساءات، وأنّه مِنْ يوم رآها ما عرف للبُرِّ طعمًا، ولا للمنامِ طريقًا إلى أن تلف جسمُه وبليَتْ روحُه.  وفي إحدى ليالي الوجد الطويل، والسّهر المرير مضى إلى خارجِ الأسوار يبثّ اللّيل همّه، ويسكب الدّمع المدرارَ، وإذا بعفريتٍ من الجنّ يباغتُه دون إعذار: مَنْ أنتَ الغلامُ الولهان؟ وعلامَ بكاؤكَ والكلُّ نيام؟ اِنطقْ فإنّ قلبي عليكَ لمشفق؟ فأخبره بحديثه من البداية إلى النّهاية، وغشي عليه بعد الحكاية ساعة..." ( مثلما سيغشى عليّ الآن.  وعيْناكَ مثلُ مسامعِكَ حفرتان لا تُفعَمان! )

"فلمّا كانت اللّيلة المواليةُ مولايَ... والغلامُ الولهانُ يتقلّبُ فوق بساط مِنْ سقام، وقد يئس من حاله الأهلُ والأصحابُ، إذ طلعتْ في الجوّ غمامةٌ سوداءُ، وصوتٌ يضاهي الرّعدَ الخاطفَ: أبشرْ يا غلامُ فقد نلتَ المُرامَ، وحنّتْ إلى هواكَ مَنْ كانت السّببَ في بلْواك... وحدهم الجنُّ والعفاريتُ يصدقون الوعدَ ويجيبون الأحلام، فأنّى لي – أنا التي روّضتُ أدهاهم – بمَنْ يرثي لحالي ويحقّق أوهامي؟

(باب النجّار مخلّع... ونعل الإسكافيّ مثقّب... وثوبُ الخيّاط مخرَّق... وخيالُ صانعة الأعاجيب لصٌّ، وسكّيرٌ، وشحاذ نصف أعمى...!!!)

جميعُ الحكاياتِ أعيدتْ، وانتُهِكتْ، وأذْناكَ لا تقنعان! ماتَ الرّجلُ فيكَ منذ دهور وظلّ الطّفلُ. ووحدي ألعق مرارةَ امرأةٍ مهجورةٍ تنتظر فتاها، وتستجدي وحشتها وزمهريرَها؛ تصارِع بختَها المسطورَ منذ الأزل، وترسل الآهاتِ حممًا وجحيمًا، ولعنةً مزاجُها الدّمعُ والحسرات.

عيْناكَ تعميان دومًا عن فتنتي وفتكِ الأنثى في داخلي؛ ساعات طويلة أمضيها في الحمّام كلّ مساء، وأخرى قربَ المرآة: أسكب الوردَ فوق جثتي والعبيرَ، وأشذب ما قدْ امتدّت إليه يدا الدّهر من هيكلي الشريد.  وعيناك ؟: حفرتان لا تعقلان!

(- بالحكي وحــــده يحيا الإنـــــسان؟!    - ليس بالحكي وحده يحيا الإنسان!!)    

 

الآن تبدأ خاتمةُ النهايات....

"بلغني أيّها الملكُ السّعيدُ أنّ راويةَ الحكاياتِ أرهقها توالي الأيّام، وامتصّ جذوتَها تكاثرُ المِحَنِ وتدافعُ الأحداث، وغربةُ الوطن والأحباب، وتماوُتِ رجُلِها الأعمى عن كلّ جمال، فتركته في آخرِ الصّباحاتِ مسجّى مثلما كان في أوّل الصّباحات، وغلّقت بوابةَ الجحر على ما تبّقى من الطواشيّة، والمهرّجين، وبقيّة الخدم، والمجانين.... " 

مولاي... !! آخرُ الدّيَكة المخصيّة يصيح الآن، ولم يبق من الحكاياتِ سوى جسدٍ صخريّ محنّط، ومزيدٍ من الأكاذيبِ لم يضمّخها الفجرُ بَعْدُ بعبيره!