الأعمال الممنوعة
رسالة القاهرة الثقافية
لأول مرة يعرض فيلم الرسالة في التليفزيون المصري، لأول تنشر رواية أولاد حارتنا طبعة مصرية، لأول مرة في مصر السماح بأشياء قديمة ومعروفة وقرئت وشوهدت مرارا. ولا يعني هذا أي تغيير في الأجهزة الإعلامية والرقابية بل تكريس لوضع قائم منذ سنوات الاحتفال بما انتهى أمره وتصويره على أنه نقطة تحول أو بداية عهد جديد. وقد يتم تبرير المنع بأنه مجرد خطأ إداري أو عدم إتمام الإجراءات كما فعل رئيس الرقابة بالنسبة لفيلم الرسالة، مما يجعل صاحب العمل الفني هو المذنب ويتحمل مسؤولية عدم فهم الرقابة المتسامحة. دون أن يشرح لنا كيف استمر خطا إداري بسيط لمدة تقارب الثلاثين عاما ومن هذا العبقري الذي وجد الحل بعد وفاة مصطفى العقاد مخرج الفيلم. وبقدر أهمية فضح الدور الرقابي والسعي إلى إلغائه تكون أهمية إعادة مناقشة هذه الأعمال فنيا وليس فقط من منظور أنها منعت ثم سمح بها، فصفة الممنوعة تظل ملتصقة بالعمل عند شرائح عديدة من المتلقين ويتعاملون مع العمل الفني من خلال التفتيش في ثناياه عن أسباب المنع، فيصير مثلا شخصية حمزة عم الرسول في الرسالة الشغل الشاغل للمتفرج ويشار إليه على انه سبب المنع، وتتم قراءة شخصيات أولاد حارتنا على أنها رموز دينية مطلوب حل شفرتها وليست شخصيات روائية تتحمل تأويلات عديدة، ويتراجع السؤال عما أضافه الفيلم أو الرواية ويصيران صفحة من دفتر أحوال الرقابة. وإذا أضفنا أن مؤسسة الأزهر وراء قرار المنع في الحالتين يصير السؤال هل يسمح الدين الإسلامي ـ الأزهر ـ بهذا أم يحرمه، وغالبا عندما يطرح هذا السؤال إزاء عمل فني تكون التحريم الإجابة الوحيدة للسؤال، ولن تلغى هذه الإجابة عندما يتم الإفراج عن العمل بل تظل تطارده وتقلص كل إمكانياته الفنية إلى مجرد موقفه من الدين. وإذا كنا نشكو من غياب حوار حقيقي حول الأعمال الفنية فان الأعمال الممنوعة تعاني من غياب مضاعف لأنها تحرم من نقاش حول فنيتها وفي نفس الوقت يتم ترحليها إلى ارض الحلال والحرام. فالإفراج عن الأعمال الفنية الممنوعة وان كان تحصيل حاصل فان الأهم أن تزال عنها صفة الممنوعة أثناء التلقي. فهي أعمال أبدعت لتكون فنا وليست دليلا على تخلف أجهزة الرقابة. في كتاب خيانة الوصايا قدم كونديرا قراءته لآيات شيطانية ورآها من خلال تاريخ النوع الروائي ثم أوضح ما حدث بعد فتوى الخميني بقتل سلمان رشدي حيث سارعت صحف قبل ترجمة الرواية عن الانجليزية بنشر مقاطع لتوضيح أسباب الإدانة وعلق كونديرا على هذا "كان هذا التصرف رد فعل طبيعي، لكنه ذو تأثير مدمر للرواية نفسها، إذ بجعل مقاطع "التجريم" بديلا عن الرواية ككل، تحول هذا العمل الفني، منذ البداية، إلى جثة هامدة."