عباس الامامي
بدأت مجالس عاشوراء ومسيراتها تنتظم شيئا فشيئا بصورة أكثر جمالية في جميع دول العالم، وبدأت بعض الحكومات تتفهم بشكل أوضح ثورة الامام الحسين عليه السلام وأهدافها وظروفها العقائدية والسياسية والتأريخية ، وبدأ السياسيون والحكام ينظرون الى مواطنيهم الشيعة بعين المحبة والصداقة والاحترام يشوبه الروح الوطنية بحضورهم معهم في مراسيم عاشوراء غير آبهين ببرودة الطقس ونزول المطر. وعلى رأس هؤلاء الحكام السيد رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي والذي اشترك لأول مرة في مثل هذه المراسيم ولم يسبق أن إشترك مسؤول تركي كبير في مثل هذه الاحتفاليات الدينية.
وإن هذا الحضور للسيد اردوغان جاء بصورة متدرجة منذ توليه السلطة ، حيث أصدر في السنوات السابقة بيانات في أيام عاشوراء هيئت الأرضية المناسبة لحضوره الشخصي في هذه الاحتفالية السنوية العظيمة هذا العام وإلقاء خطاب هام يخص المناسبة، ولايخفى أن الجمهورية التركية كانت تمنع ممارسة الشعائر الدينية بصورة علنية ولم تكن تسمح لرجال الدين بالتمظهر باللباس الديني في الأماكن العامة كالشوارع والأسواق، وارتداؤه في داخل أماكن العبادة فقط. وهذا المنع هو من مبادئ مؤتمر لوزان عام 1923 والذي أسفر رسمياً (وبقرار غربي وتوقيع تركي) عن إنهاء دور الإسلام في تركيا، وتحويلها الى بلد أوروبي الشكل والمضمون، وحكم مصطفى كمال وزميله عصمت أنينو من خلال حزب الشعب حتى عام1945، وكانت مهمته الرئيسية تثبيت دعائم ومبادىء وشروط معاهدة لوزان. وبعد ذلك حكم عدنان مندريس الذي أسس الحزب الديمقراطي حتى عام 1960، وهو لم يختلف سلوكاً ولا سياسة عن الذين سبقوه، كل ما في الأمر أنه أعطى للمسلمين بعض الحريات الدينية، وهي حريات متفق عليها بين القوة الأولى (وهي الجيش الحاكم الضامن لمبادئ لوزان) ومجلس الوزراء، وكانت الحرية الجزئية منفساًً للشعب في ممارسة بعض الشعائرالدينية.
وبعد التنفيس الجزئي هذا جرى رصد التجربة وقياس المعارضة، وقد امتدت فترة الرصد بعد انقلاب عام 1960 عشر سنوات كاملة، حاول خلالها الإسلاميون ترشيح علي فؤاد رئيساً للجمهورية، حتى إذ أمّنوا له الأغلبية في البرلمان جاء الأمر من السلطة الأعلى فانتخب غيره، هذه الفترة استفاد منها المسلمون استفادة كبيرة، فنمت فيها حركة الترجمة، وتصاعد فيها العمل الطلابي MTTB، وازدهرت حركة المساجد، وبدأت الصحف الإسلامية تطل على الجمهور، فشكل حزب السلامة الوطني بقيادة نجم الدين أربكان مع حزب الشعب حكومة ائتلافية ووقعا على بروتوكول بينهما، وشهد هذا البروتوكول تراجعا من قبل حزب الشعب الذي وقع معاهدة لوزان عن بعض شروطها، مثل:
* الاعتراف بالإسلام السياسي والإئتلاف مع الحزب الذي يمثله.
* تقرير تدريس مادة (الأخلاق) أي الدين الإسلامي في المدارس الحكومية.
* إمكانية أن يلتحق خريجو المدارس الدينية بكل الكليات الجامعية في البلاد، بما فيها كلية الشرطة، وكانوا من قبل لا يستطيعون الدراسة في أية كلية باستثناء كلية الشريعة.
* تسلم حزب السلامة الوطني وزارة الداخلية التي تلعب دوراً هاماً في حياة الدول، بالإضافة إلي سبعة وزارات أخرى ومنصب نائب رئيس الوزراء.
* اتفقوا على اطلاق سراح سجناء الرأي، ودعم الحريات العامة، وحرية الصحافة، وهذه الشروط لا يستطيع إبرامها إلا رجل مثل نجم الدين أربكان.
لقد استفادت الحركة الإسلامية من هذه الحكومة أكثر مما توقعت قيادات العسكر، فالوزراء الثمانية وشخصية أربكان تمكنت من صبغ الحكومة كلها بالصبغة الوطنية الإسلامية، إلى درجة إسقاط وزير الخارجية تحت شعار أنه يحامي عن إسرائيل في احتلالها للقدس، الأمر الذي أدى إلى إنهاء الائتلاف. وبسبب تعاظم دور الاسلاميين في تلك المرحلة في الحكومة قام الجيش وبدافع من سطوته الخاصة التي يكفلها الدستور بانقلاب عام1980 بقيادة رئيس أركان الجيش الجنرال كنعان افرين، وأعاد الانقلابيون الأمور إلى المربع الأول، وزج بالقيادات الإسلامية في السجون، وأحدث الانقلابيون ما يسمى بمجلس الأمن القومي، أصبح الجيش بموجبه يتولى مباشرة تصحيح الأمور من وجهة نظره، وأصبح مجلس الأمن القومي الذي جعلوه مؤسسة دستورية هو الذي يتولى مراقبة الأوضاع السياسية شهريا عن طريق اجتماع أركانه. والحدث المهم الذي وقع في أعقاب انقلاب سبتمبر1980، هو تعيين تورغوت أوزال، (وكان أحد شخصيات حزب السلامة، والمرشح في منطقة أزمير)، مستشاراً للإنقلابيين، وكانت وظيفته الأولى هي الترويج للانقلاب والتهجم على حزب السلامة. فقد أدرك جنرالات الجيش أن إسلامياً كأوزال فقط يستطيع أن يجهض هذه الصحوة الإسلامية الكبرى.
فمرَّت بعد هذا التأريخ حوادث سياسية تعد مفاصل مهمة في السياسة التركية حتى تمكنت مجموعة من الاسلاميين من إعلان حزب العدالة والتنمية والدخول في الانتخابات العامة والفوز بعدد كبير من المقاعد فتمكنوا من دخول الحكومة الى جانب حزب الوطن بقيادة (بولند أجويد)، وفي الانتخابات الثانية تمكن الحزب من تشكيل الحكومة بأريحية، من خلال أكثرية المقاعد النيابية التي حصدها في الانتخابات، وكان هذا الفوز إمتحانا حقيقيا للشعب التركي من جهة كدليل رغبة لعودة الاسلام الى الحياة العامة، ولحزب العدالة والتنمية في تطبيق الشعارات التي حملوها لاعادة الاسلام الى حياة شعبهم بشكل متحضر يحتضن جميع مكونات الشعب التركي القومية والطائفية، فقد عَبَرَ الطرفين الشعب التركي وحزب العدالة والتنمية بامتياز عن الامتحان التأريخي. وإن قادة حزب التنمية والعدالة إستعملوا سياسة تدرّجية ومرحلية حكيمة بالسير قدماً شيئا فشيئا فلم يحرقوا المراحل لا في السياسة الداخلية ولا على إطار الخارج.
ففي القضية الكردية هناك تقدم واضح في إعطاء الحقوق الثقافية والسياسية للاكراد في تركيا، وتعامل الحكومة مع حزب العمال الكردي يتسم بالحكمة والنباهة لمحاولتها جذب الكرد الى جانبها وإشعارهم بأن وجودهم في المعارضة سوف لم ولن تهيئ لهم معيشة أفضل ومستقبلا زاهرا، فهناك من الاكراد أعضاء في البرلمان التركي، الى جانب فتح مجالات اقتصادية وتعليمية وثقافية في المناطق الكردية، حيث تسعى الحكومة الى إشعار المواطن الكردي بأنه مواطن من الدرجة الأولى بلا اي تمييز مع الاخرين، ولربما تواجه الحكومة التركية بعض الضغوطات الخارجية في الكثير من القضايا الأساسية قد تكون متعلقة بموضوع الانضمام الى الوحدة الاوربية. وبالنسبة للمكونات الطائفية في تركيا كالشيعة مثلاً فقد اصدر السيد رجب طيب أردوغان قبل سنتين بياناً رسمياً بمناسبة يوم عاشوراء حيث يحتفل الشيعة الأتراك منذ القدم في هذا اليوم بذكرى إستشهاد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام.
فأردوغان إسلامي الهوى، وسطي ومعتدل السلوك والقول، يمارس دوره باعتباره رئيس وزراء جامعاً لابناء وطنه على أساس المواطنة والانتماء، ومانعا للفرقة على أساس المذهب والطائفة والحزب. ولقد جسّد ذلك عمليا من خلال مشاركته في مناسبة عاشوراء التي اعتبرت خطوة تاريخية أعلن فيها أردوغان موقفه، قائلا: «لست هنا لأشارك في مصابكم بل في مصابنا جميعا»، ثم استشهد بأبيات شعرية لاحد الشعراء قائلا: «لم نأت للتنازع بل للحب». ولشاعر آخر قائلا: «نحن أمة تعرف كيف تحيل المُرَّ عسلا». ولفت نظر المراقبين في موكب عاشوراء باسطنبول حضور سياسيين علمانيين وليبراليين ووزراء ونواب البرلمان وإقتصاديين الى جانب السيد أردوغان بينهم رئيس الشؤون الدينية علي برداق أوغلو، ورئيس مجمع التاريخ التركي يوسف حلاج أوغلو. يتجلى لنا من خلال ما تقدم بأن حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا سعت الى تحقيق مسائل مهمة على صعيد تركيا بوجه خاص ومنطقة الشرق الأوسط بوجه عام منها:
أولا: الوصول الى السلطة وإدارة البلاد بإرادة شعبية عامة، وهذه الارادة تعكس الطبيعة ذات الاتجاه الاسلامي في تركيا بعد سجالاتٍ طويلة بين الاسلاميين والعلمانيين في البلاد.
ثانياً: إظهار النظام التركي كدولة مهمة ومؤثرة في المنطقة بعد فترة غير قصيرة من الديمقراطية الناقصة حسب المفهوم الحقيقي للديمقراطية.
ثالثاً: إظهار المعنى الحقيقي لاحترام الرأي الآخر ومفاهيم حقوق الانسان من خلال سعيها الجاد لحل المشكلة الكردية في تركيا، وإحترام عقائد الطوائف الأخرى من المسلمين كالشيعة مثلا.
رابعا: إن إشتراك أردوغان مع مواطنيه الشيعة في مراسيم عاشوراء له أكثر من دلالة في هذا الخصوص، وهو يترأس أهم وأكبر دولة في منطقة الشرق الأوسط من حيث علاقاتها الواسعة مع الدول الأقليمية ودول العالم جميعاً بلا إستثناء، وهذا الموقف بالفعل سيكون ضربة قاضية لبعض الزعامات العربية التي نست أو تناست أهمية حادثة تاريخية مهمة كقضية الامام الحسين عليه السلام متذرعة بذرائع واهية لا تصمد أمام الملاحظة الدقيقة، وأن سيرة السلوك السياسي لهذه الزعامات تعكس الطغيان وعدم رعاية حقوق الانسان وعدم إحترام الرأي الآخر سيما إذا كان هذا الرأي مبنياً على المشاعر العقائدية والمفاهيم الدينية، وأن هذه المشاعر ذات أهمية لا يمكن نكرانها في ترسيخ الروح الوطنية في البلاد بين مختلف مكونات المجتمع.
خامسا: السعي الجاد لحل المشاكل العالقة الموروثة من الحكومات السابقة بين تركيا والدول الأقليمية الأخرى، فنرى أن العلاقة بين سورية وتركيا تحولت من حالة العداء والحذر الشديد بين الطرفين الى حالة الوئام والصداقة والاحترام المتبادل بل أكثر من هذا وصلت الحالة بين البلدين الى رفع تأشيرة الدخول لمواطني البلدين إضافة الى العلاقات التجارية والاقتصادية والتعليمية ونواحي الحياة الأخرى.
سادسا: محاولة إيجاد حل لمعضلة أغورني قره باغ بين أذربايجان وأرمينيا، بحيث كانت الدولة التركية على مسار المشكلة الى جانب أذربايجان ضد أرمينيا، ولكن توقيع معاهدة الصداقة بين أرمينيا وتركيا أخيراً التي لاقت صدى واسعا في المنطقة، سيكون له الأثر الكبير في حل تلك المعضلة التاريخية حيث تدعي كل من أذربايجان وأرمينيا ملكيتها لها ونشبت بسببها عدة حروب بين الطرفين.
سابعاً: نجحت حكومة أردوغان في الدخول الى المنطقة العربية كلاعب قوي ومؤثر من خلال الثقافة والفن والاقتصاد والسياسة خصوصا بدعم القضية الفلسطينية ومواجهة إسرائيل حتى في المحافل الدولية وأمام شاشات التلفاز بحيث تفاجأ الانسان العربي من موقف أردوغان في منتدى دافوس الاقتصادي حينما ترك قاعة المؤتمر متهماً إسرائيل بالعنصرية والشوفينية، بالاضافة الى دعم حملة فك الحصار عن غزة، وإلغاء المناورات العسكرية بين تركيا واسرائيل بحجة ان الطائرات الاسرائيلية اشتركت بقتل أطفال غزة المظلومة، فأصبح اليوم اردوغان نجماً بارزاً في الساحة العربية من مشرقه الى مغربه ويتمنى الانسان العربي أن يبدل الله حكامه بمن هو مثل أدروغان للشعبية الكبيرة التي صار يتمتع بها بين الشعوب العربية التي عانت طويلا من الدكتاتورية والظلم والطغيان ونظام التوريث .
ثامناً: كل هذه الممارسات الايجابية للقادة الأتراك اليوم مؤشر مهم لتحول العلاقة بين القادة وشعوبها نحو الافضل، والسؤال المهم الذي يطرح نفسه في هذا المجال هو: هل يتعظ الحكام العرب من سيرة هؤلاء القادة وسلوكهم وسياساتهم في العمل بحقوق الانسان وإحترام الرأي الآخر؟ وهل يتوقف الحكام العرب عن إتهام مواطنيهم بالعمالة للأجنبي لمجرد الاختلاف المذهبي والطائفي؟ وهل سيحكم الحكام العرب مواطنيهم بالعدالة أسوة بأردوغان ونظامه؟
تاسعا: وهذه نقطة فكرية أكثر من كونها سياسية أن السيد أردوغان قد أعلن مراراً وتكراراً بأنه علماني التوجه والفكر، ولكنه يحترم عقائد الناس وأفكارهم وآرائهم ويقرأها بدقة فكرية لاستيعاب العبر من حوادث التاريخ، ونلاحظ هنا بالخصوص انعدام العداء بين العلمانية والتدين، بل يمكن الدمج بينهما، ونلاحظ العكس بين المفكرين والمثقفين العلمانيين العرب الذين يعكسون حالة العداء والتضارب بين الاسلام والعلمانية، وحتى الكثير من الاسلاميين يعتقدون أن الفكر العلماني هو ضد الفكر الاسلامي ولا يوجد حالة وسط في أفكار الطرفين على حد سواء، فهل يتعظ الطرفان من سلوك أردوغان العلماني وعدم عدائه للاسلام والاسلاميين؟ وأن علماني وليبراليي العرب قد يستنكفون من قراءة كتاب ديني بغض النظر عن حكامهم الأشاوس!!! على عكس الاسلاميين العرب يقرأون الكتب العلمانية والليبرالية.
عاشرا: سياسة نصرة المظلوم على قاعدة المثل العربي المعروف (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، بمعنى رد الظلم عن المظلوم وعدم فسح المجال للظالم ان يظلم) التي إتخذتها حكومة أردوغان شعاراً لها كما جاء في كلمته التي ألقاها في موكب عاشوراء هذا العام، أعطت لها سمعة طيبة بين شعوب المنطقة وعكست هذه السياسة سمعة وشهرة بارزة للشعب التركي، وأصبح الفرد التركي يجد له مكانة في قلوب الشعوب الاسلامية الأخرى، وهذه السياسة تعكس ايضا ثقافة أردوغان ورفاق دربه، وهي بالضد من ثقافة الحكام العرب وفيهم من لا يجيد قراءة سطر واحد دون تلكؤ وبلا تمييز بين المذكر والمؤنث وبين المرفوع والمنصوب وهي لغتهم الام، فهل سيأتي الزمان بحكام وقادةٍ يراعون للعرب معتقدات شعوبهم ويحترمونها ويشتركون معهم في أفراحهم وأتراحهم كما فعل أدروغان؟
حادي عشر: إن حضور السياسيين الليبراليين الأتراك الذين كانوا الى يوم أمس من المخططين لفصل الدين عن السياسة بل إبعاد الدين عن حياة الشعب التركي، يعكس أهمية التحول الفكري لدى هؤلاء وتفهمهم الصحوة الاسلامية المنتشرة في وسط الشعب التركي العظيم، وإحترامهم لرغبات شعبهم ولو على سبيل المجاملة، في الوقت الذي لايفعل ذلك حكام العرب ولو بجزءٍ يسيرٍ وان كان من باب المجاملة .
ثاني عشر: إن حضور رئيس الشؤون الدينية علي برداق أوغلو وهو سني المذهب يعكس بوضوح الحالة الوسطية التي تحكم عقول القوم، وتفهم الرجل للتاريخ بصورة حكيمة، ولا يمكنه والحال هذه الابتعاد عن مثل هذه الاحتفالية التي تخلد الاسلام من خلال ذكرى إستشهاد الامام الحسين عليه السلام وهو سبط رسول المسلمين ونبيهم محمد(ص) وان ابنته الوحيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، فهل يتعلم وزراء الاوقاف و الشؤون الدينية وفقهاء المسلمين (السنَّة) من سيرة هذا الرجل ولا يتهمون المسلمين الشيعة بتهم ما أنزل بها الله من سلطان؟ وهل يعيد هؤلاء الذين يسمّون أنفسهم بالفقهاء قراءة التاريخ من جديد ليفهموا ما حلَّ بآل نبيهم محمد(ص) الذي يشهدون له بالرسالة خمس مرات في اليوم ومن دونها يبطل إسلامهم لا محالة؟.
وأخيرا: ان الامة التركية تمثل اليوم نموذجا حيا يحتذى في كيفية التعامل مع مكونات الشعب الواحد وتفهم الآخر باحترام رأيه ومعتقداته وأفكاره، وبكيفية التعامل مع الأزمات الحادة في المنطقة والسعي لحلها، لا بصب الزيت على نارها كما فعلت الكثير من الدول العربية في الحالة العراقية حيث أرسلت الآلاف من الانتحاريين الى العراق لاثارة الحالة الطائفية وليقتل بعض الشعب العراقي بعضه الاخر، ولكن إرادة العراقيين كانت أقوى بفضل الله تعالى فردت مساعي هؤلاء الطغاة الى نحورهم، وعلى العرب الاقتداء بتركيا وقيادتها، والاقتراب منها اكثر، بدلا من "الغمز واللمز" بتعاظم الدور التركي في القضايا العربية، واعتقد ان الاتراك اليوم يمكنهم القيام بادوار ايجابية جداً في خدمة القضايا العربية، خاصة القضية الفلسطينية، واحترام الحالة الطائفية في البلاد العربية بخلق الروح الوطنية الحقيقية في نفوس جميع المواطنين بلا اي تمايز وتفرقة، والتي استثمرتها العديد من الانظمة العربية "مطية" من اجل مصالحها.
ينبغي على حكام العرب وفقهائهم ان يتعلموا من القيادة التركية وعلماء الدين الأتراك كيفية نزع فتيل الفتن الطائفية في بلدانهم كالفتنة الموجودة بين المسلمين والأقباط في مصر، والفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة في البحرين والكويت والسعودية ودول أخرى، ويتركوا الفتاوى السلطانية بتكفير أي مخالف لمذهب السلطان. ويتعلم الحكام العرب كيفية التصدي للغطرسة الاسرائيلية، والوقوف بوجه الاعتداءات الصهيونية، وان ما يجمع تركيا والعرب قضايا كثيرة، والقواسم المشتركة بينهما عديدة، وبالتالي فان التلاقي العربي التركي يمثل اليوم مطلباً وحاجة عربيةً ماسةً، فهل يستطيع العرب استثمار الدور التركي بما يخدم قضاياهم العادلة؟
وننهي مقالنا هذا بذكر فقرات من خطاب السيد رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية في مراسيم عاشوراء في اسطنبول منها قوله: «ان استشهاد الامام الحسين لايعني الوداع بل تجدد الحياة ، وان دم الامام الحسين الطاهر يعلم الانسان ان يتجنب الظلم وان كل مأساة تحدث في العالم الاسلامي تذكرنا بعاشوراء) و(ان اي حادث يقع في العالم الاسلامي يذكرنا بحادثة كربلاء، ونحن نشعر في قلوبنا بالم كل مسلم في اي نقطة من العالم) و(ان للمسلمين في المنطقة مصيرا مشتركا ينبغي العمل من اجله عبر وضع الاختلافات جانبا وتقوية الوحدة واطفاء نيران الفتنة وترسيخ الاخوة فيما بيننا».
وقد ذكّر اردوغان الحضور بمقولةٍ للامام الحسين ليلة عاشوراء نصها: «أما بعد: فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرَّ ولا أوصلَ من أهل بيتي»، وكأنه أراد من شعبه أن يكونوا معه كما كان اصحاب الحسين مع قائدهم. وإن دلّ تصريحه بهذه المقولة التاريخية للامام الحسين(ع) فإنما يدلُّ على دقة قراءته للتاريخ وسيرة الامام الحسين عليه السلام.
وحرص اردوغان على ان يتذكر في خطابه الشهداء الذين سقطوا بالعشرات في الهجوم الارهابي على مواكب عاشورائية في مدينة جهاربهار الايرانية، حيث تقدم بالعزاء الى الشعب الايراني وقيادته بهذه الحادثة، ففي كلمته وسط عشرات الالاف من المحتشدين في منطقة خلق آلي (الزينبية) باسطنبول وكأنما وجَّه اردوغان لوماً شديداً الى بعض القادة العرب لوقوفهم بروحٍ طائفيةٍ مقيتةٍ الى جانب الارهابيين الذين لا يرحمون طفلا ولا إمرأة ولا شيخاً ولا صغيراً ولا كبيراً.
فهل نتعلم الدرس من اردوغان؟
20 كانون الأول 2010