تقدم (الكلمة) في هذا العدد، ديوان أحد أبرز شعراء السبعينيات في مصر، أحد الذين سكنتهم أسئلة الوجود والهوية. ديوان تتمثل فيه فكرة الصدام مع العالم، في مفهوم للعلاقة بالآخر ينطلق من أسئلة الذات في قصيدة تؤسس «نغميتها» الخاصة، بروح تعيد الشعر الى قلقه المعرفي، لتحيي ما تبقى من الشعر فينا.

ديوان العدد

أكتب لأحيّيك (ديوان شعر)

محمد سليمان

هل أنت هنا؟  2002- 2004

 

صوتى ليس قطاراً

أنتظر رسائل تأتى ... لا أعرفُ من أينْ

لا أحدَ هناك يرانى

لا أحد هنا ينحاز إلىّ

لكنى خلف السور كميناء مهجور ٍ

أنتظرُ وأرنو

وأغربل بالأذنين الريحَ وأُصْغى

مثل وحيد القرنْ

هل ألمح صوتاً يضْوى

ويُنـّـقر كالعصفور ليوقظ نخلاً؟  

أم أحتالُ ..

لكى أختصرَ البردَ قليلاً؟

لا أعرف صوتكَ أو صورتكَ

ولا أتوقع أن يلمع صوتى

تحت أكاسيد البارودِ وبين حروب ٍ

كالسرطانات تهد وتشوى

لكنى سأواصل ضخّ رسائلَ كالمعتادِ

إليكَ لعلك ذات صباح ٍ

مثل وحيد القرن

بأذن متوهجةٍ ترنو

وتلوّح من نافذة ٍ

هل أنت هنا؟  

أم أنت هناكَ؟  

أظنك لا تعرفنى

وجهى لم يَطفُ على أوراق العُملة بعدُ

وصوتى ليس قطاراً

وأظنك سوف تحابى الأعمى

حين يثرثر عنى ..

أو يمنحنى رأس الذئب ِ

وذيل الغول ِ

وحين يؤكد أنى ألهو

بالأشياء وبالكلماتِ وأنى

هل تتحسس حين أمرُ سلاحك

أو تبديه

لكى أتذكر أن الواحدَ أعزل

والاثنين وعاءٌ للعائلةِ

تسافر أو تتشظى فيهِ

وأنى لستُ الجالسَ فوق العرش

بألفى وجه ٍ

والحابسَ فى الكلمات الهدهدَ والجنىﱢ

ومعنى المعنى

هل أنت هنا

تتوارى فى المرآة كظل ٍ؟

أم أنت هناك تضخ رسائل مثلى

وتصدُ البردَ ورائحة البارودِ

وترسم كى تتسلى فيلاً

وتسميه الشارع

أو إعصاراً وتسميه يناير

ثم تسافر فى الذاكرة ِ

لكى تلتف كحنش حول امرأة ٍ

لم تمنحك مفاتيح القارات ِ

ولم تدخلكَ الجنة َ

لك أن تحكى عن ميتتك الأولى

لك أن تشتمَ من جرحتكَ ومن نسِيتكَ 

ومن تركتك على أرصفة الشارع ظلاً

لك أن تصرخ لا

لتفاجىء نهراً حسبك أخرسَ

أو ميداناً ظنك أحدَ القتلى

لك أن تصبح بطلاً

وترصّ هواء خلفك كى تتظاهر ضدى

صوتى هرِمٌ مثل بلادى

واسمى يشبه صفّ مآذنَ

وأناشيدى

قد لا تغويك ولا ترضيكَ

ولا تدعوك الى مائدتى

لكنى لست الحوت ابتلعَ

ولا الإعصار أزاحَ

ولا الجندىﱠ ارتجل القتلَ

ولست كتابَ الموتى

ماذا لو واربت الباب قليلاً

أكتب لأحييكَ

وأكتب كى أنسلﱠ من الزنزانة

ماذا تفعل

حين يصير الشارع خطاً

والناس نقاطاً

والأبوابُ فواصِل

والأبراج علامات استفهام ٍ

والصحراءُ هواء أصفرَ يحبو

أو يتمطى؟  

ماذا تفعل

حين يصير الخوف محيطاً

والقلق محطـّاً

والكذابون لآلئ تلمع فوق التلﱢ

وأنواطاً وخطوطاً

والجندى يداً تعصرك وتستصغركَ

وترسم فيلك قطاً؟

ماذا تفعل

حين يهب عليك من الشاشات العالمُ

كل صباح ٍجهماً

أو منحطاً

ليحُط امامك تلاً

من لحم وحديدٍ

وجذوع كانت قبل دقائق نخلاً

يعدو .. مختالاً ونشيطاً ؟

ماذا تفعل

حين تجاهد كى تتذكر صوت امرأةٍ

أو عينيها

أو لغة يديها

فتصيد فقط جَوربَها

ودبابيس الشعرِ

ومشطاً

هل ستفتش مثلى فى داخلك

عن الحشرات ِ

وهل ستقارن يدك بنهر ٍ؟

 

 

لغة

أبحث عن لغة صارمة وجديدة

أبحث عن لغة لا تركض فيها الفوضى

وأعاصير الماضى

هل تعرف أن اللغة تقول وتخفى

وتسميك الآخر

كى أخشاكَ

وكى أرتاب كثيراً حين تـُطلُ

وكى ترتاب إذا حَييتكَ

أو أدخلتك أبراجى وكهوفى؟

أتمنى

أن أكتبَ بالأرقام قصيدة .

 

 

كغريبين معاً

من أنت؟  

وجهك لم يُشرق بعدُ

وصوتك فى داخلك كدب يغفو

هل ستظل هلاماً فى الذاكرةِ

يغوص ويطفو؟

أم ستهُب غداً من ورق ٍ

يتناثر حولى

مثل طيور نفقت؟  

لست عدواً لكْ

لتفتش عن مدفعكَ

ولستُ النارَ ولا الاعصارَ

لكى تتوارى ...

وتخبىء نخلكْ

ماذا لو أجلتَ قليلاً سحْب سلاحِكَ

أو إعلانَ الحرب ِ

وماذا لو ألجمتَ أصابع مثل ذئاب ٍ

تعْوى

وفتحت لقمر باباً أو شبّاكاً

لك مثلى عينان

لك أنف وفم ٌ

لك أذنان وصفان من الأسنان ِ

وذقنٌ ولسانٌ

وأظنك تهوى القهوة والموسيقى

وتغنى وحدكَ أحياناً فى الليل ِ

لكى تتذكرَ صوتك مثلى

أو تُبعدَ غولاً

وأظنك تصعد جبلاً

أو تمشى فوق الحَبل ِ

لكى تصطادَ لطفل يلهو

فى الأعماق هلالاً

وأظنك تعشق شاى المقهى

وتدارى فى الذاكرةِ امرأة ً

تلمع كاللؤلؤة ِ

ولا تغتاب الرسامين على الأرصفة ٍ

يشتعلون َ

ويحتضنون وجوهاً لا أفواه لها

وأظنك تعرف أنّ الحربَ ستلد الحربَ

وأنّ الموتَ وباءٌ

ماذا لو فكرتَ قليلاً

وطرحتَ على الأفيال سؤالاً بعد سؤال ٍ

تعْدو فوق العشب ِ

وتقتلع الأشجارَ

وماذا لو ثرثرنا كغريبين معاً

فى الغربة يَنجرف الإنسانُ الى الإنسان ِ

تكلمْ ...

فى فمك لسانٌ

ولديك دَمٌ وفضاءٌ واسمٌ

وفتاةٌ فى الذاكرة تنام كبحر ٍ

صوت فتاتى فى أذنىﱠ

ووجه فتاتى فى مرآتى

أذن فتاتى أصغر من أذن الفنجان ِ

وكعب فتاتى

أشهى من تفاح الشام ِ

وثوب فتاتى يفضح نور الجَسَدِ

وآيات البركان ِ

فتاتى ظلت فى العِشرينَ برغم الحرب ِ

وصُور الجنرالات ِ

نوَيتُ كتابة َعشر قصائدَ

لأصابعها .

 

 

نعمة الغياب

فى المدن التى

تلتفّ بالدخان والضجيج والترابْ

فى المدن التى

لا تحتفى بالريح أو بالنهرْ

فى المدن التى

تباغِت الحقول فى الظلامَ

والطيورَ والشجرْ

فى المدن التى

ينام فيها الناس أحياناً

أمام شاشة ٍ

أو فوق مَقعدٍ

أو تحت جسرْ

فى المدن التى

تقدَس الحيطانَ والأقفالَ والأبوابْ

ندور كالأسْرى

مُعبئين بالصوَرْ

ومُحْتمين كالأشباح دائماً

بنعْمة الغياب

 

 

لك أن تخشى

صوتكَ لا يجتاز فمَكَ

صوتك لا يَحْبو

ليهز هواء الغرفة

أخشى

أن يلتف الصمتُ علينا

ليُحل دمى ودمكْ

هل أنت غريبٌ؟  

أم أمىٌ ...

لك لغة أخرى

وفضاء ترشق رأسك فيه وتعدو

خلف هواجس وأساطير ودور ٍ؟

لك أن تخشى

لا ينمو الا الرملُ هنا

والكذبُ ...

ولا يتشبثُ بالحيطان سوى الديدان ِ

وصور الباشا

لك أن تتحسسَ ماء النهر ِ

وأرصفة الميدان ِ

وقطط الممشى

فى الغربة لا أقمارَ لنا

فى الغربةِ يعلو الشكُ

وتختلط الأشياءُ

ويخبو العالم فى داخلنا

فنرى النخلَ عدواً

والسُحبَ وحوشاً

ماذا لو نَحّيت الخوف قليلاً

وأزحتَ سلاحَكَ

جَيْبى خال ٍ

ويداى على الطاولة

وليس لدىّ سوى ذاكرةٍ وإسم ٍ

وفتاةٍ فى الخمسين تغنى

هل هجرتك فتاتك؟

أم تبعتك إلى الصحراء لكى تتحرر منكَ

وكى تتحررَ منها؟

ماذا لو خربتَ سلاحك أو ألقيت به ِ

وجلست كرجلٍ أعْزلَ مثلى

وتحدثت بلغة العادِيينَ

أظن الماءَ سيصبح أصفى

وينايرَ أدْفأ

والوحشىﱠ أليفاً

هل تعرف أنّ سلاحاً يحمل أو يُستفتى

لا يعنى إلا المنـْفى؟  

 

 

اغتراب

هل الغريب نَسيبٌ للغريب حقاً؟

أم الغربة أرضٌ

لا ينمو سوى الشوكِ فيها؟

 

 

الصيف ثقيلٌ

هل ستجوب العالم فى الأحلام معى

لتحط الأحمرَ فوق الأخضر ِ

والبُنىﱠ على الفِضىﱢ

ونطفَ الماضى

فى دائرة الآتى ؟

أم ستلوّن كالشرطى كلامى

وتبدل صوتى

وتحط اسمى حين تشاءُ

على بَرّاد ٍ

أو مِدفئةٍ ؟

لك ان تقف امامى

فى المرآة ِ

وأن تتجول فى ذاكرتى

لترى الموجَ سلالمَ تعدو الريحُ عليها

وقطار الليل يُصفرُ فى الأعماق ِ

لكى تبتعد عن القضبان غيومٌ

والصيفَ يخزن فى الدولاب دُخاناً

ويسوق المهزومين لكى ينتصروا

فى الأسواق ِ

وفى الطرقاتِ

وفوق وسائدَ لا ألوانَ لها

هل ستحاول مثلى شدﱠ طيور ٍ

من عُزلتها ؟

او دغدغة الغيمة كى تنحلﱠ

وتغسل مدناً ؟

أم ستسير ورائى

لتشاهد مغمورين بنعم الظلمةِ

كالأسرار استتروا

وبلادا وقفتْ

وارتطمت بالتاريخ ِ

وصيادين اتخذوا الشارع بحراً

والناس محاراً ...

الصيف ثقيل

والدباباتُ من الشاشات ِ

تصب النار علينا

وأنا لست كنابليونَ قصيراً

أو أعْرَجَ مثل الخان

لكى أجتاحَ واعلو

وأفوز بلقب الغازى

وبكرسى أعلى فوق رصيف المقهى

هل أنت قصيرٌ

وبصوتٍ ترقص فيه النارُ

وتبحث عن قاعدة فى الميدان ِ

لتقف عليها ؟

 

 

على مهل كى ترى 2005

على مهلٍ كي تـَرى

وكيلا تتوه وتنسى

وتبني من الماء للنار دوراً

على مهلٍ.. كي تريح يديكَ

وعينيكَ والأذنينِ

وكيلا تظن الحشائش نخلاً

والنسانيسَ ناساً

والكلام غيوما تبل الدفاترَ

والنثر شعراً

على مهل كالنسيمِ

ومثل الترام القديم ِ

ومثل نهار القرى

هل تحب المدينة مثلي

وتحلم أيضا بحرث ميادينها

وزرع الشوارع قمحاً

لكي يجد الميتون هنا خبزهم؟

أم تحاول مثل النجيل المشاكس ِ

طمسَ الوجوهِ

وإعلانَ حرب عليها؟

٭٭٭٭٭٭٭٭٭

على مهل كي ترى الباصَ باصاً

والدخان خرائبَ سابحة في الفضاءِ

وتعرفَ أن الحروب ثعالبُ تحبو

هنا في الكلام ِ

وأن الجنود حدودٌ لهذا الهواء ِ

وأن الخنافس ليست حصاً

على مهل كي تفكرَ

أو تتذكرَ

أو تحتفي

وتخطو كبحر ٍثقيلاً

ومزدحماً بالمحار وبالغاضبينَ

وبالذائبينَ

وباليودِ أيضاً

على مهل كي تصفي

وكي تفرغَ الرئتين ِ

وكيلا تدسّ وجوهاً مزيفة ً

في المرايا

وكيلا تسمي الأسودَ قرودا

والذئابَ ضحايا

هل سترسو هنا كالمقطمِ

أو كالجسور التي تتوالدُ ؟

أم ستواصل عَدوَك بحثا

عن المستحيل الجميل ِ؟

على مهل كي تـُرى

وكيلا يظنك مستعجلٌ حجراً

والجنودُ غباراً

وكيلا تخيف عصافير تحلمُ

بالحَب والنخلِ

أو بزمان تتوارى

على مهل كالغيومِ

ومثل الترام الذي كاد أن يتقاعدَ

هل تتوقع تاجاً

وموجا من اللحم حولك يعلو؟

٭٭٭٭٭٭٭٭

لن يراك أحَدْ

عندما في الميادين تخطو كظلٍٍ

وحين تسيل على الجسرِ

مثل دم ٍ

وحين تغوص كفقاعة ٍ

في دخان المقاهي

وحين تحاول في الباص ِ

شدﱠ الهواء المراوغ ِ

أو مَدّ يدْ

المدينة عمياءُ كالبحر ِ

سوف تتيح لك الغوصَ

والرقص في قفص ٍ

والتلصصَ

لكنها حين تحصي تعد البيوتَ فقط

فلا ترم ظِلك في حِجرها

ولا تزه مثل الغزاةِ

ولا تقرع الصدرَ منتشيا مثل قردْ

في المدينة لا أصدقاءْ

في المدينة أنت صديق لذاتكَ

كونك في داخلكْ

وبلادك في الجيب أو

لا وجودَ لها

لا تقل أصدقائي يحطون مثل المراهم ِ

قـُدام مقهى

لا تقل في الصباح سيعدون حولي

إذا قامت الحربُ أو حلـّقتْ

صيحة ٌفي الأعالي

لا تقل في المساء سيأتونَ

مثل النجوم ِ

ويحتفلون معي

بالهواء المشاكس والبرق ِ

أو بإنتصاري

لا تقل صادقوا قططي

وأحبوا صقوري

في المدينة لا النخل نخلٌ

ولا الريح ريحٌ

ولا الماء ماءٌ

هل تجيد اللعبْ

واختراع الأحاجي ؟  

لا أجيد سوى لعبة واحده

لا أجيد العواء كذئبٍ

ولا النومَ في ورق كالحروفِ

ولا العزفَ والرقصَ

أو نفخ بوق ٍ

لا أجيد إصطياد السحبْ

ولا الغوصَ في لهب كالفراشِ

ولا السير مثل ولي ٍ

على الماء ِ

أو في الهواء ِ

ولا القفز من شاشةٍ أو جريدة

ولكنني في الربيع أبدل وجهي

وفي الصيف أعلو قليلاً

وحين يطل الخريف أحرر ناس المرايا

وأمشي كعائلة في الشوارع ِ

أو كالدخان ِ

وحين تصير الفضاءات ماءً

ويأتي الشتاء طويلاً

وممتلئاً وجليلاً

ألوذ بشمس لها وجه أنثى

وأغفو كدبٍ

هنا في القصيدة.

 

 

مديح القيصر 2001

من الذى سيعبر البحر الى روما

لكى يقابل القيصر ؟

لا أستطيع العوم كالدولفين ِ

لا ....

ولا أجيد الغوص

رئتى ضيقة ... ولا أرى فى الليل ِ

والحيتان تحرس الممَرْ

.....

من الذى سيعبر البحر اذاً

لكى يكلمه

نريد أن يسمعنا

وأن يقول للذين يَهرسوننا كفى ..

وأن يمدﱠ السترْ

                *****

القيصر الكبير لا ينام أبداً

القيصرُ الكبيرُ لا يُهادن الجراد

والمُلوثينَ

والثعالب التى فى الليل ِ

والمزيفين زيفوا حتى مياه النهرْ

.......

من الذى يجيد الانحناءَ والبكاءَ

مثل غيمة ٍ

أمام باب القصرْ ؟

    الماء يغلب الحديد أحياناً

    والماء يفتح الأبواب دائماً

    ويأكل الحجر

من الذى باليأس والشجاعة ْ

سيعبر المحيط مثل علبة ْ

لكى يقول للكبير : يا كبيرُ رملنا يأكلنا

وماؤنا يشح ُ

والسماء فوقنا وحولنا

ترسّخ المجاعة ْ

.....

القيصر الكبيرُ لم يزل كبيراً

وقادراًعلى اختراق الوقت والمكان

مرة ً

يحط فى الشمال عرشهُ

ومرة ً

يسير باتجاه الغرب آخذاً روما

كمعطفٍ مَعَه ْ

من الذى سيعبر المحيط خلفه

موازياً للماءْ

كى يفضح الذين باسمه شقوا

وفرقوا

وأحرقوا الهواءْ

ليس الذى لا يعرف العوم

ولا يجيد الغوصْ

ولا الذى خدره الرضا

فنام فى قفصْ

ولا الذى يُعيد عَدﱠ المال كل ساعة ْ

                *******

مدينة الكبير دائماً كبيرة ْ

وللصغير جُحره الذى يناسبه

تقول لى أمى

لكن روما معطفٌ للسيد الكبير ِ

لم تعد مدينة تخص من يسكنها

أو ملجأ ً للسحرة ْ

من الذى سيطلق الحمامَ فوق بُرْجها

أو  تحت قوس النصر ؟

لست أنا

ولا أنا

ولا أنا أيضاً

لا أشبه القبطان رغم رايتى

ولم أقـُدْ غواصة فى البيت ِ

أو مُدَمرة ْ

من الذى سيرشق الدعاءَ فى السماء ِ

مثل حربةٍ

ويُبْلغ الكبير أننا نـُحِبّهُ ...

وأننا نرهبَهُ ...

وأننا نريد زيْته وحَبهُ

وأننا لا نشبه الجبال خالفتْ

وانتصبتْ

ولا الهنودَ الحمرْ

القيصر الكبير يمضغ الهواءَ

فى الحديقة الكبيرة

القيصر الكبير تحت الشجرة

يزهو بفأره الذى يُطارد القطط

وصقره الذى يراقص العصفورة

من الذى سيحتمى بالماء

مثل السمكة

لكى يصافح الكبير أو يراهُ

أو يحاوره ؟

السور لم يزل هناك والحراسُ

يصطفون فى الهواء كالملائكة ْ

القيصر الكبير ليس مسجوناً

القيصر الكبير لم يزل يلهو

القيصر الكبير سَلـّح الفضاءَ كى ينامَ

آمناً

القيصر الكبير لا يرى

ولا يشم النار فى الدخان أحياناً

من الذى سيعبر البحر الى روما

كى ينقذ القيصر  ؟

 

 

يوميات 2002 – 2003

 

ركود

لا بحر هنا

لا سفن كمدن تحبو فوق الموج ِ

ولا أبواقَ تنادى

لا غواصين كسحب فوق الجسر ِ

ولا قبطان يُدخن فوق رصيف ٍ

ويغازل كالجنى نساء الحى ﱢ

بعشر لغات ٍ

....

لا سوق لبيع اللؤلؤ

لا أحد يبيع قوارب وخطاطيفَ

وشبكاً ...

لا صيادين عجائز خلف المقهى

يشوون خيار البحر ِ

ويحتفلون بأعياد الحيتان ِ

ولا أعلام ترفرف كعصافير بعيداً

لا نورس يأتى فى التاسعة

كقارئة الأخبار

بشمس أخرى

وبأرض تلد نساءً كالأقمار

ونخلاً أعلى

لا بحار غريقاً يدخل من شـُباك ٍ

ليزحزح مللاً

من أين يجىء هدير الموج ُ

وصخبُ الملاحين

وهذا اللؤلؤ  ؟

 

 

الطائرات ليست المقاهى

لم تعد مُجدِية حقيبتى

ولا جواز سفرى

ولا خرائط الوجوه والمياه والمدنْ

لم أعد بلغةٍ أخرى

أحاور الأشباح قبل النوم ِ

كى أصد الخوفَ

أو أدربَ اللسانَ

لم أعد فى ورقى

أرتبُ العواصمَ التى أحبها

ولم أعد أشق طرقاً للباص ِ

فى الهواءِ

صحرائى تشب فيها النارُ

والمطار لم يعد صديقاً

الطائرات ليست المقاهى

والطائرات لم تعد تطير أو تحط ُ

كالحمام ِ

والكلاب فى البعيد والجنودُ

يبحثون عن مسافر ٍ

صحراؤه تطل من يديه ِ

أو مغامر ٍ

يُهرّب الوجوه فى الكلام ِ

والكلام فى الهواء

والهواء للذين يجلسون قرب ساحل ٍ

مُحدقين فى الفضاء كالطيور ِ

شيكاجو بعيدة ٌ

والناس فى باريس نجمهم عال ٍ

ولست ساحراً

لكى أشق البحرَ ... والقصائد التى أكتبها

لا تشبه السفن .

 

 

كهف آخر لعلاء الدين

كهفُ علاء الدين صغير جداً

وفقير جداً

ومحاط بالظلمات ِ

ولا يتسع لغير صبى ٍ

لا يكبر أبداً

للقيصر أن ينتظر علاء الدين هنا

أو فى نيويورك بعيداً

وله أن يمنحه ربطة عنق ٍ

أو قبعة ً

أو كهفاً أكبر فى شيكاجو

أو نيفادا

وجه علاء الدين قديمٌ

قلنا

والمصباحُ ...

ورأس علاء الدين مُباح للجنىﱢ

يُربى سمكاً فيه

واعصاراً أو مدناً

للقيصر أن يتجول فى التاريخ اذاً

ليعلم زراً صبﱠ القهوهِ

أو نسفَ البستان ِ

له أن يرسم بحراً بلورياً

ويشبه جندياً بملاك ٍ

والأمواج بقطعان الجاموس ِ

له أن يجلس مثل الاه

فوق البرج ِ

لكى يخترعَ الحورياتِ ويحكى

عن ضعف علاء الدين ِ

وخوف علاء الدين ِ

أيدرى

أن الطيارين أتوا

ليقيموا حفلاً فى بغدادَ

وأن جنوداً أعتى من جنى علاء الدين ِ

أذابوا ...

بقنابل وصواريخ النخلَ

وأن علاء الدين تشظى

مثل وعاء ٍ؟  

 

 

البحر هادئ

يصحو المذيع فى الصباح ِ

دائماً قبلى

مسلحاً بصوته الآلى والثقيل ِ

كى يهزنى

وكى يجر النومَ من عينى

وكى يجمّع الحروب كلها

فى منزلى

وكى يقول : لم أزل صديقاً

ودائماً يحكى

عن البواخر التى فى البحر ِ

كالدُمى غاصت

والطائرات أقلعت فقط

ودائماً يلاحق الدانات ِ

والحرائق التى توالدت فى الليل ِ

والمنازل التى سقوفها تطير ُ

والحشائش التى تبخرتْ

ودائماً يعُد من تحطموا

ومن على وجوههم فى ظلمةٍ هاموا

ومن هناك فى بيوتهم تشبثوا

بموتهم

ومن عليهم السماء أمطرت حجارة ً

أو أرسلت جحيماً

ودائماً

قبل انسحابه الجميل ينحنى

لكى يقول لى

البحر هادئ ٌ

والموج بارتفاع القطﱢ

والرياح لينة ْ

ولا ضباب فى البعيد يسرق الطريق

من مسافر ٍ

أو يبعد المدينة ْ

والشمس لم تزل تشعُ

مثل امرأة ٍ

شقراءَ فى الأعالى .

 

 

كنت أظن الله معى

كيف يقول العابر انك غِبتَ

وأن قميصك خالٍ ؟

كيف يؤكد أنك صِرت مداداً

محبوساً فى الورق ِ

وأنك لن تتحرر أبداً  ؟  

لك ظلٌ وصدى وروائحُ

ولك مكانكَ رغم العصف ِ

ورغم قذائف تعدو ...

كالأقلام على الشاشات ِ

ورغم شوارع كصناديق تضيقُ

بكذابين وأفاقين وغرقى

هل تتحسس لحمك كل صباح مثلى

كى تثبت انك حىٌ ...

وحقيقىٌ

ولديك دمٌ يتجول احمر

تحت الجلدِ

وصفّ أصابع وذراعان وأنفٌ ؟

وبوسعك أن تخنق حرباً

أو تحتل رصيفاً ... أو زاوية فى الميدان ِ

وأن تخترع بلاداً لا تختصركَ

أو تستبدل بفضاءاتك بوقاً

مثلكَ

كنت أظن الله معى

والبحر حليفى

مثلكَ

كنت أظن الريح ستركض خلفى

وصديقى سوف يظل صديقاً

مثلكَ

كنت أقول توارى جنكيزخان تماماً

وانتصر الفلاحون على الحكماء الحمقى

مثلكَ

كنت اظن الوطن سريراً

وأحُيى علماً قبل النوم

وأرسم هذا النيل بُراقاً

مثلكَ

كنت أغنى أحياناً فى الليل ِ

لكى يحسبنى العابر بحراً

أو صندوقاً للموسيقى

مثلكَ

كنت أظن البسمة مرسى

والكلمة سوف تهدُ وتبنى

كعصا موسى

هل تبحث مثلى عن بابٍ للغرفةِ

ويدٍ مثل سراج ٍ؟

 

 

آليون

لم يأت السيد ويتمان

لنثرثر فى الطرقات معاً

ونداوى بالأعشاب قرى وشوارع

ومعاقين وجوعى

لم يأت كفافى

لنعُدﱠ خرائب تحت معاطف تسعى

ونقارن بالزوبعة شوارع َ

لا تسع الأحلامَ

وبالأيام شموعاً

لم يأت السيد اليوتْ

لنثرثر عن أزمنة شاختْ

ورجال مثل طبول ٍ

وامرأة فى الخامسة تصبّ الشاىَ

وتعطى العابرَ حين يمرُ البسمة

ومفاتيح البيتْ

لم تأت المهرة جوليا

لتحدثنى عن أطفال ٍ

ولدوا فى دفترها

وغريب نسى ظلالاً فى الأركان ِ

وجراحين استلوا من داخلها

مَجدَ الأمﱢ

وتركوا وجعاً

ما العمل الآن

الآليون بدبابات هرسوا

أوراق العشبِ وقصفوا

والجندى يرص مدافع حولى

ويُعربد فى الميدان .

 

 

لن أهبك مائى 2006

ماذا يفعل هذا الباب هنا ؟

لا قلعة لى

لأسوق البحر إليها

وأخبىء ظلى

فى الصحراء يعود البابُ الى أوّله ِ

أعنى شجراً يعلو

فى الذاكرة ِ

ودوراً للعصفور ِ

وفى الصحراء يصير الصمتُ منازل

والأبوابُ دخاناً

هل تلمح بُرج دخان فوقى

ويداً من لهبٍ ؟  

 

لن أهبكَ مائى

كيلا تحسبَ نفسكَ بحراً

وتبعثر حين تسير السمكَ

وجثث الغرقى

لن أهبك صوتى

كيلا تحبس فى الايقاع شوارع َ

وميادين َ

وتخرس فى الغابات عصافير الموسيقى

هل تملك ست عيون ٍ

أو سبعاً

أو عشراً

لترى وترى وترى وترى  ؟

أم تجلس كالتمثال على كرسى

وتضيـّق عيناً بعد الأخرى

لترى العالم صُوراً

والشاشات كشلالات ٍ؟

ماذا تفعل بالعينين ِ

أظنك ترحل مخفوراً بعماكَ

إلى داخلك لكى تتسلى

وترى سحباً خلف البحر وراءك تعدو

كى تطفئكَ

وبنتاً بالعينين تعضُ وتنهش

كى تخترع اللغة الاولى

لن أهبك عينى

كيلا تصبح صقراً

وترى كيف أهدُ وأبنى

وأدُسّ جحوراً فى الكلماتِ

لكى أتوارى

وأدارى عَلمى وعناوين ظنونى

هل قررت أخيراً

أن تضع اسمك وفضاءاتك

فى عربات المترو

لتثرثرَ مثل الريح معى

عن زمن الشعر ِ

ورايات العولمة ِ

وصيادين على أرصفة كبحيرات ٍ

يرتاحونَ

وعن فتيات الجيشا ؟  

أم ستظل تفاوض صور الباشا

وتعد مقاعد لم تسترخ عليها ؟  

لن أهبك ثوبى

أو عنوان فضائى

أو كيساً تخفى الغيمة فيه

أو اسماً من أسمائى

كيلا تقعد مثل نبى منفى فى المقهى

لتعُدﱠ ذنوبى

وتحدث كوباً أو طاولةَ ً

عن حاراتٍ لا يعرفها البحرُ

وعن أيام لا أبواب لها

أو بحّار فى الأوراق يطارد حوتاً

ويرصّ بيوتاً فوق الموج ِ

لكى يسكنها

لن أهبك ظلى

كيلا تركض خلفى

وأمامى كالشرطىﱢ 

وكيلا تصبحَ قيداً لى

وتسجل فى دفترك حروق دمى

وتجاعيد كلامى

هل أنت من القاهرة ِ

كميدان التحرير

وشارع شبرا

أو أرصفة المترو  ؟

أم أنت غريبٌ كالتفاح

وعلب التونة

والمندوب السامى

تلفن لى

رقمى فى ذاكرة النيل يغوصُ

ويطفو ....

وميادينى لا حراس لها

سأكون هناك أثرثر كالمعتاد ِ

عن الصحراء الكبرى

والمقصوفين بعيداً

وأحدث عنك دخان المقهى

وأجالس ظلى .

 

 

اكتب لأحييك 1998 – 2003

 

شتاء

صاخبٌ برد الشتا

وجارفٌ ....

أصابعى تخشبت

لا شمس فى السرير كى أدفئها

أصابعى ...

والصوت مثل شمعةٍ خبا

....

مثلى

ستدفع الشتاء مرة بمعطفٍ

ومرة ً

بصورة من صور الماضى

ستستفزُ ولداً معبأ بالجمْر ِ

كى تواصل الصعودَ ... ولداً

مازال فى الألبوم لم يشخ

ولم يُضِع رجليه او يديه ِ

ولداً

لا يشبه الغبار والذين دائماً

كحطب ٍ

يغفون فى المترو

أريد أن أكلمكْ

الشمس فى الكلام عادةً تحبو

أريد ان أصير مخزناً لسِرّك الصغير ِ

أسرارى سجينةٌ فى الصدر ِ

أسرارى ...

كأنها السمكْ

أريد ان أسوق بعضها

لبحرك الصافى

وأن أريك حجرى ولؤلؤى وصَدَفى

لا يستطيع البردُ أن يهد اثنين ِ

أو يُجَمد الكلامَ

حولى الصحرا ...

وأنت فى مكان ما

تصُد وحدك الشتا والصيف

فى مكان ما

وها أنا وحدى

رغم الظلام والحطام والشوارع التى

خلتْ

أخط أو أمحو

لكى اطير بالحروف سالماً إليكْ .

 

 

لست بريئاً

لست رديئاً جداً

أكذب نصف اليوم فقط

وأجارى نصف اليوم

وفى الأعياد أحيى رجل الشرطة ِ

كى يتركنى أشتم حرﱠ الصيف ِ

ووردَ النيل ِ

وأرحل فى الأحلام الى شيكاجو

أو سور الصين ِ

وأكتب حين أريد قصائدَ

لا تستوقف أحداً

لست بريئاً أيضاً

أعنى

مثل الحائط ِ

جسدى ليس كحجر الحائط

ودمى احمرُ

والشيطان يُماشينى أحياناً

أيهمكَ أن أرتدى قميص ملاك ٍ

لتصير صديقاً لى

وتبَدّل مثلى نظاراتكَ

فى الميدان غداً ؟

 

 

مدائح

عادة ً

نمدح الراحلين هنا

ونبنى لهم فى الحكاياتِ

أضرحة ً

ونمنحهم كل أنواطنا

ونهتف كانوا ملوكاً

وكانوا ملائكة ً

وكانوا وديعين مثل النسيم ِ

وكانوا سماءً لنا

ونعطى القصير سرير الأمير ِ

ونعطى الطويل ظلال الملكْ

هل تحب الجلوس هنا

والنعاسَ

ونسجَ الكلام ِ

وإطفاء سيجارةٍ بعد اخرى

وصيد السمكْ  ؟

أم تخطط للموت كالخبثاء

لكى تتحرر من كل سوءٍ

وكى نمدَحَكْ  ؟

 

 

لن أعدك بالجائزة

جسدى صار كلاماً

ودمى موسيقى

أفسح لى

كى أقفز مثل الريح وأعدو

وأبعثرَ جسدى

هل تبحث عنى

وتفتش عن تمثالٍ أو ظل يشبهنى ؟

أم تنتظر بعيداً

لتفاوض مثل حكيم ٍعند الشاطىء ريحاً

وتفضﱠ رسائل سوف يجىء المدُ بها ؟

وجهى سيُذكرك فقط بالماء وظلى

بالصحراء الكبرى

هل أسند بيدى خدّى كالشعراء ِ

لكى تعرفنى

وأقول هواء الغرفة ليس اليفاً

مثل ضفائر نورا  ؟

أم ألجم كالأموت لسانى

وأقول النيل عميل للفرعون

وهذا الرمل أبٌ للأسرى؟

 

لن أعدك بالكرسى العالى

لن أعدك بالفاكهة تدلت

كفوانيس من الأشجار ِ

ولا بمحار ٍ

لن أعدك بعصافير تعشش فى المحفظةِ

ولا بعصا ستسوق الموجَ

ولا بمحيط يقفز منه السمكُ

لكى يتجول فى الطرقاتِ

ولا بوعول ٍكملائكة تلهو

أو تتواثب حولى

لن أعدك بالجائزة ِ

ولا بالرقص مع الأفيال ِ

ولا بمراهم تسحب من رجليك النملَ

ولا بشرابٍ يوقظ ناركَ

ويحررك من الشيخوخةِ

جيبى خال ٍ

أعنى

لا يغفو الهدهد فيهِ

ولا مصباح علاء الدين ِ

ولا الاعصار بألف يد يتحسسُ

كيلا يُحبس مثلى

هل سأراك غداً فى الحفل  ؟

 

 

سأهبط بالكرسى قليلاً

حين تجىء غداً

أو بعد غداً

أو فى العام التالى

سترى القطة ثوراً والفيل حماراً

والثعلب فوق البرج يتيه ويلهو

والثوار أمامَ المقهى يقتتلونَ

ويصطادون من الأكواب محاراً

هل مازلت تثرثرعن أقمار ٍ ومصابيحَ

وثوريين أتوا ليهزوا العالم

أو يكتشفوا النارَ؟  

سأهبط بالكرسى قليلاً

وأقوّس ظهرى

كى أبدو أقصَرَ

شعرى أبيضﱠ وصوتى

والراياتُ ...

وسوف أهد الشاربَ كيلا أبدو

ثورياً أو بطلاً

الأبطال مضوا

والثوريين انشغلوا بالسمسرة ِ

سأهبط أكثرَ

حين تمرُ ...

وحين تجاهِد كى تتذكر وجهاً غابَ

وأكثرَ

حين تمد يداً لتصافِحَ ظلاً

هل تدخِر حدائق لى  ؟

 

 

مثل غيوم

فى البعيد الذى يتدثر بالخوف ِ

والشكﱢ

والأغنيات الحزينة ْ

يولد الشعراء ... كما يولد القمحُ

والشيح والسيسبانُ

وحين يشبون يأتونَ

مثل الغيوم ِ

لكى يسقطوا فى المدينة ْ

.....

هكذا يغسلون الشوارع بالشعر ِ

أو يجرفون الغبارَ

ويمشون مثل المكانِس ِ

أو يرقصونَ

وينتظرون بساتين تنمو هنا

فى المنازل ِ

أو فى المكاتبِ

أو فى شوارع ضيقة كالجواربِ

أو فى العيون التى أدْمَنتْ

كالغبار الخيانة ْ

هل تخاف المدينة أو تكره الشعراءَ

يسيرون كالجمر فيها

أو يدورون مثل قباطنةٍ حولها

ويظنونها أفقاً غارقاً فى كراريسهم

أو سفينة ْ؟

هكذا ستظل القرى

ترسل الشعراء كما

ترسل القمح َ

   والفولَ

   والبرتقالَ

وسوف تظل المدينة شاسعة ٌ

كالهلاكِ ....

ومغرمة باحتضان تماثيلها

وبدينة ْ .

هل سترافقنى ؟

الشمس دَنـَتْ

ستباغِت كالاعصار عناكبَ ووطاويط غفتْ

وتزيح الصدأ القابع فى الأحداق ِ

وفوق الجسر

وحول وجوه نسيـَتْ

هل سترافقنى

بالماء ِ

وبالصابون ِ

لنغسل هذا الهرمَ ... وهذا الشارع َ

ومصابيح البيتْ ؟  

لا ترم أمامى جبلاً

لا تضع البحر ورائى

أنوى السيرَ

وأنوى كالاعصار القفز على الأشجار

وأنوى كالقرصان ركوب الموج ِ

وإغواءَ الحيتان ِ

ودفنَ السمك الميّتْ .

 

 

مراياك الصامتة

آكل النمل لا يشـْبهكْ

والذئاب التى فوق تل ٍ

تصَلى ...

لكى يطرقَ الوعلُ أبوابها

هل ترى فى المرايا قنافذ َ

مثل كراتٍ من الشوكِ تقفزُ ...

أو تتدحرجُ

أو تختفى ؟

أم ترى ثعلباً ذائباً فى الفيافى

يُقلـّب أوراق من ذهبوا

باحثاً عن بساتين ظلتْ

أو فضاء ٍتحجرَ

أو صيحة لم تمتْ

أم ترى حين ترنو طيوراً

مناقيرها كالمعاول

تهوى على النهر

باحثة عن جحور السمكْ ؟

....

آكل النمل لا يشبهك

وصباح البرارى

والحروب التى فى الأناشيد تحْبو

ولست ذكيـّاً

ولا ماهراً كالقنافِذِ

من أنتَ ... قلْ لى

مراياك صامتة ٌ

ووجهك مستغرقٌ فى البعيدِ

ولا عشب حولكْ .

 

 

لا ماء هنا

لا ماء هنا

لنصدﱠ غباراً

ونصلى كالأشجار وننسى يأساً

وكوابيسَ انزرعت فى الطرقات ِ

وصارت وطناً

لا ماء هنا

لنحاصر حيوانات الماضى

ونكوم فى الأحداق الزرقة والأمواجَ

وفى المقلاةِ السمكَ

وفى الذاكرة شواطئ واناشيد وسفناً

لا ماء هنا

لنبارك شجر الجار ... وذهب الجار ِ

وحيوانات الجار ِ

وكى نتدثر بالأسماء الحُسْنى

لا ماء هنا

لنرفرفَ مغسولين كريح ٍ

ونقولَ : وُلدنا .

 

 

دكتاتور

بعيون الدكتاتور يرى

وبقلب الدكتاتور يحبُ

وفى القاعات الفخمة يشدو

ويثرثر كالصنبورعن التنوير ِ

وحق الآخر ِ

وسماوات المغلوبين ويبكى

أحياناً كالذئبِ

لأن الحب خبا

والحمل توارى

هل تعرف وجه الدكتاتور ِ

وصوت الدكتاتور ِ

وبسمته الكاكية َ

وملامحه الاخرى؟  

أم تبحث عنه كحمل فى البستان ِ

وبين سطورى

وهو أمامك فى المرآة ِ

يزوم ويعوى

ويعكر نهراً ؟  

 

 

من ترى يأكل الصقر ؟

رمزنا للسلام وللحب هذا الحمامْ

رمزنا

والدليل .. ورايات أحلامنا

وللحرب صقرٌ

يقاتل مستبسلاً حين يعلو

وحين يحُط ّ...

وحين على غيمة يختفى

أو ينامْ

من ترى يأكل الصقر يا صاحبى

والحمام طعامٌ

لمن طار أو سارَ

أو دار مثل دم ٍ

فى الظلامْ ؟  

 

 

اكتب لأحييك

قد لا أتفق معك

قد لا أشبهك تماماً

قد أبدو فى الناحية الاخرى

محجوباً عنك وأعمى

قد أصحو حين تنامُ

واغفو حين تقومُ

وقد لا أبدو عند النهر جميلاً

حين أرش بماء ظلى

وأسمى نفسى الماهرَ

حين أعوم قليلاً

قد لا آكل كعكاً مثلك فى الأعياد ِ

ولا أتسلى مثلك أيضاً فى الأعياد ِ

بشرب الكوكاكولا

قد أبدو فظاً

كالجندى

مُمِلاً ... أحياناً وثقيلاً

قد أدعك وحدك فوق رصيف المقهى

كى أركض وحدى فى الميدان الخالى

مُغـْبرّاً .. وطويلاً

كنهار المفلس ِ

أو كشهور الصيفِ

وقد أتخلى عن بعض كنوزك يوماً  

لأواصل عَدْوى ...

لكنى أعدو بحثاً عنكَ

وأكتب لأحييكَ .

 

محتويات

1  هل أنت هنا ؟

2  على مهل كى ترى

3  مديح القيصر

4  يوميات

5  لن أهبك مائى

6  أكتب لأحييك

 

محمد سليمان شاعر من مصر

·         ولد عام 1946 بقرية مليج – محافظة المنوفية 

·         تخرج عام 1968 من كلية الصيدلة – جامعة القاهرة

·         شارك فى تأسيس حركة شعر السبعينات فى مصر

 

الدواوين المنشورة

·         سليمان الملك 1990 هيئة قصور الثقافة طبعة ثانية 2007 دار المحروسة

·         أحاديث جانبية 1991 الهيئة العامة للكتاب

·         أعشاب صالحة للمضغ 1997 الهيئة العامة للكتاب

·         بالأصابع التى كالمشط 1997 هيئة قصور الثقافة طبعة ثانية 2007 دار المحروسة

·         هواء قديم 2001 الهيئة العامة للكتاب طبعة ثانية 2005 مكتبة الأسرة

·         تحت سماء أخرى 2003 هيئة قصورالثقافة

·         قصائد أولى 2004 الهيئة العامة للكتاب

·         اسمى ليس أنا 2005 هيئة قصور الثقافة

·         أوراق شخصية 2008 دار العين طبعة ثانية 2009 دار العين

·         دفاتر الغبار 2008 الهيئة العامة للكتاب

بالإضافة الى مسرحيتيه الشعريتين "العادلون" و"الشعلة" – سلسلة المسرح العربى عام 1995 الهيئة العامة للكتاب

·         عرضت له الهيئة العامة للكتاب ديوانه "هواء قديم" فى موقعها الالكترونى وتعرض له وتوزع دار النشر الالكترونى دواوينه "سليمان الملك – هواء قديم – بالاصابع التى كالمشط – تحت سماء اخرى"

·         ترجمت بعض قصائده الى لغات عديدة

ونشرت مجلة Middle East Literatures  التى تصدرها جامعة أكسفورد ديوانه "سليمان الملك" باللغتين الانجليزية والعربية ترجمة وتقديم د. فريال غزول رئيسة قسم الأدب الانجليزى بالجامعة الأمريكية ورئيسة تحرير مجلة "ألف" وذلك بعددها الصادر فى ينير 2006

·         فاز بجائزة كفافى عام 1994 والزمالة الفخرية من جامعة أيوا الأمريكية عام 1995 .