كأنني هارب
هارب وفي سقوطه الأخير
ولا متكأ لي غير مرآة
تولت مني كالسراب
عرفت أني في أقصى الرمال
من ذاتي
وفي حصتي القليلة من الوقت
هنا, في هذا المنحدر
رفعت مظلة السؤال:
من أكون في أقصى الأشياء؟
سال بالجواب ظلي
شربت وما ارتويت
قال لي صوت زهدي:
ياأيها المغرور، أما يكفيك ظل السؤال، وثمرة البقاء؟
قلت:
بلى, وأنا لا أريد غير بحبوحة من ظلي،لأحلم بي قليلا.
لو تعرف يا سيدي كيف أن عينا كالمحارة، نامت على سرير في روحي، فتحت بالضوء قفل السؤال، وقالت:
هاهي المرآة، فانظر ولا تخف.
كم كنت مدعيا
حين خلت المرآة تشققت
حتى قالت المحارة:
أنظر بعينك الأخرى
ألا ترى بي أيها الأعمى؟
وانظر المرآة كالنخلة الرؤوم
تعطيك ثمرات وتهديك نجمات
ورأيت (صورتي) تنصلت منها كل الحروف
وهربت إلى حظيرة اللغة
هو؟ أنا؟ كم كان غريبا، والأشياء كما في شريط، تمتد خلف حدود السؤال.
تشتهيه...تشتهيه...وتمزقه إربا.
رأيت لساني
كيف يقول نعم، وفي آخر التعب يقول: لا
ورأيت خطواتي كيف تسير
مرة بالخاطر، ومرة بالسيف
لكنها إلى الخلف تمشي
ووجهي إلى الأمام.
ورأيت جهة ما من روحي
كجدار منسي
تأتيه الغربان لتنعق كل يوم
وتأتيه أشباح لتكسر الزجاج
وتحفر عاهاتها
واحدة
واحدة.
ورأيت قلبي لؤلؤة في قمقم مرصود
طوح به جني إلى الربع الخالي،
في حكايات شهرزاد.
ورأيت ذاكرتي قافلة متعبة، سطا عليها بغاة في منتصف الطريق، وأنا مقيد في كهف، حتى إذا أطللت على اللصوص من هذه المحارة، تكسرت الجرة، كما في الحكاية القديمة، عندها قالوا:تبا...لقد مر وقت طويل.
ورأيت بقاياي على الأرصفة
الحلم زهرة
وئدت في تراب النسيان
الصمت سبة
قالت الغوغائية
الإنصات نكتة
قهقه الصخب
التهذيب زينة أنثى
غمزت عين الغلظة
تلويحة السلام نذير
وازور اليباب
نغم الحرية صرير
لماذا تفتحون الباب؟
صرخ العبد القابع في السيد.
ورأيت حماري
يركبه أكثر من واحد
يذهب ويعود بالحشائش
إلى حماره
من بستاني.
ورأيت ذاتي أرضا، احتلها متوحشون، ربما جاؤوا من كوكب الشيطان. وضعوا مكان العقل حجرة جنون. مزقوا كل حرمة، بأنواع الأسلحة الفاحشة.اقتلعوا أزهار السكينة. لوثوا ما تبقى من صفاء في الحديقة. طلوا بالذل كل صوري المعلقة. نهبوا الأمنيات المخزونة في جرار عتيقة...رشوا كل زاوية بالنباح والنعيق... ولم ينصرفوا بعد... ربما سيعمرون أرضي بحضارة جديدة.
وهناك
في أقصى الأشياء وأعلاها
كان " كيوبيد" يصوب سهامه الأخرى
سهام القلوب الصغيرة.
قاص ومبدع من المغرب