الثقافة المصرية في عام 2010

رحيل كوكبة من المفكرين والفنانين ومؤتمرات وملتقيات ومحاكمة لألف ليلة وليلة!

محمود قرني

لم يخل هذا العام الذي يكاد ينصرم من حيوية وحراك داخل وخارج المؤسسة الرسمية رغم أنه من الصعب وصف كل فعالياته بالإيجابية. فقد شهد العام عددا من الفعاليات المهمة بينها انطلاق الدورة الخامسة للإبداع الروائي التي حصد جائزتها الروائي الكبير إبراهيم الكوني وذلك قبل أيام من نهاية العام، كذلك شهدت مدينة الإسكندرية مؤتمرا كبيرا عن الثقافة القبطية بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية والمجلس الأعلى للثقافة، كما شهد العام انطلاق الملتقى الثاني لقصيدة النثر وهو ملتقى مستقل، كذلك استضافت الدورة الثانية والأربعون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب روسيا كضيف شرف، كما شهد العام نفسه أشهر حادث سرقة بعد سرقة لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود خليل، كذلك انطلقت في العام نفسه الدورة الأولى لملتقى العود الدولي، كذلك شهد العام رحيل عدد من رموز الثقافة المصرية بينهم نصر حامد أبو زيد، محيي الدين اللباد، فاروق عبد القادر، محمد عفيفي مطر، عبد المنعم عواد يوسف، كمال نشأت، والفنان التشكيلي عدلي رزق الله.
أيضا كان لافتا إقامة المجلس الأعلى للثقافة لمؤتمر موسع حول الثقافة الأفريقية، بعد الأزمات التي تعرضت لها العلاقات المصرية الأفريقية في السنوات الأخيرة والتي كشفتها أزمة دول حوض النيل مع مصر حول طلب هذه الدول اعادة توزيع حصص دول الحوض من المياه بشكل أكثر عدالة، وهي دعوة أثارت الكثير من ردود الأفعال داخليا وخارجيا لا سيما أن الملف يشهد تدخلات قوى أجنبية لها مصلحة في الضغط على مصر عبر ملف شائك مثل هذا. وقد نشطت في الشهور الأخيرة جبهة من المثقفين الذين يطالبون بضرورة تعميق العلاقات المصرية مع أفريقيا ثقافيا وسياسيا. ونحاول هنا أن نلقي ضوءا على مزيد من هذه الأحداث من عمر الثقافة المصرية في عامها المنصرم.

معرض القاهرة الدولي للكتاب واثنان وأربعون عاما من التواصل
افتتاح رئاسي شهدته الدورة الثانية والأربعون لمعرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام حيث جاب رئيس الجمهورية في تقليد سنوي جنبات المعرض، خاصة جناح ضيف الشرف الروسي في هذه السنة. غير أنه لم يعلن عن أية لقاءات مع المثقفين، حيث توقفت هذه العادة منذ عدة سنوات .وكانت الدورة الثانية والأربعين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب التي انطلقت بداية من 28 كانون الثاني (يناير) وحتى 13 شباط (فبراير) 2010 الماضيين قد استقبلت روسيا كضيف شرف وحضر عنها في عداد المشاركة اليكسندر بالينكو المستشار الثقافي الروسي، ممثلا لضيف الشرف في الدورة المنصرمة وكذلك حلمي النمنم نائب رئيس هيئة الكتاب، وأعلن رئيس الهينة أن المعرض تشارك فيه 31 دولة منها 16 دولة عربية هي الإمارات والسعودية والكويت وقطر والبحرين وتونس وعمان والمغرب وفلسطين والأردن واليمن وسورية وليبيا والسودان ولبنان والعراق و15 دولة أجنبية هي الصين وتركيا واليونان وكوريا وايطاليا واسبانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وإنكلتراوالهند، كما شاركت كل من الدنمارك وبولندا وكازاخستان لأول مرة بالإضافة لدولة روسيا الاتحادية كضيف الشرف في هذه الدورة.

وقد وصل عدد الناشرين المشاركين بالمعرض إلى 800 ناشر بزيادة 35 ناشراً عن العام الماضي منهم 62 ناشراً أجنبيا، و200 ناشر عربي كما شارك 538 ناشراً مصرياً. وأكد د. صابر عرب أن الهيئة ستعمل بكل طاقتها على الارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدم للناشرين ورواد المعرض، حيث تم لأول مرة هذا العام تغطية ارض المعرض بالكامل بخدمة الانترنت اللاسلكي 'الواي فاي' مع اتباع إجراءات جديدة لتسهيل الدخول، وتيسير اجراءات تزويد الكتب للناشرين. وأشار إلى انه لأول مرة هذا العام لم تكن هناك مشكلات تتعلق بإجراءات شحن الكتب سواء للناشرين العرب أو الأجانب، حيث تم اعتماد مكاتب شحن معينة بالاتفاق مع اتحاد الناشرين للقضاء على هذه المشكلة تماما. وانه ستكون هناك صورة أكثر انضباطا للمعرض فيما يتعلق بالنظافة، ومنع الباعة الجائلين، مع التوسع في وضع العلامات الإرشادية والقضاء على كل صور الضوضاء أو إلقاء أوراق الدعاية والإعلانات التي تنال من صورة المعرض. وهو أمر لم يحدث في الواقع.
وقد تضمن المعرض في داخله 5 معارض هي: معرض المشروعات الثقافية العملاقة التي تنفذها وزارة الثقافة، ومعرض للكاريكاتير بالتعاون مع الفنان الكبير مصطفى حسين ومعرض للسد العالي بمناسبة مرور 50 عاما على إنشائه بالتعاون مع ضيف الشرف، ومعرض فريد لوثائق ولوحات حفر قناة السويس بمناسبة مرور 140 عاما عليها إضافة إلى معرض وثائقي عن القدس. وأضاف نائب رئيس الهيئة أن معرض الكتاب يناقش هذا العام العديد من القضايا التي تشغل أذهان المصريين والعرب، من أهمها محور الأزمة الاقتصادية العالمية، وتأثيرها على العالم العربي، وتحديدا في مصر ودبي، ومحور عن الأوبئة وأساليب مواجهتها بمناسبة انتشار وباء انفلوانزا الخنازير.

كما طرحت الهيئة المنظمة هذا العام 93 عنوانا جديدا في مختلف فروع المعرفة من إصدارات الهيئة، منها كتاب 'روح الشرائع' الذي لم يتم طبعه منذ عام 1950، إضافة إلى طبعة كاملة من أعمال ديستويفسكي والتي لم تطبع منذ الستينات، وكتاب 'أدب الخوارج في الإسلام' 'وألف ليلة وليلة' للدكتورة سهير القلماوي.
وتعليقا على مشاركة روسيا كضيف شرف للمعرض هذا العام أشار المستشار الثقافي الروسي أليكسندر بالينكو إلى أنه شرف كبير لروسيا أن يتم اختيارها كضيف شرف لهذا العام وهو ما يعد امتدادا للعلاقات التاريخية بين مصر وروسيا، وأكد أن هناك عددا ضخما جدا من الكتب الروسية التي تمثل مختلف دور النشر الروسية ستشارك في أجنحة المعرض بالإضافة لحضور نخبة من الكتاب والمفكرين الروس الذين سيشاركون في النشاطات المختلفة ومنهم وفد ثقافي رفيع من جمهورية تتارستان التابعة لروسيا الاتحادية يترأسه وزير الثقافة فيها.
هذا وقد قدم الجانب الروسي ببرنامج حافل من الندوات، والحلقات الدراسية، والقراءات الأدبية، والموائد المستديرة، صرح بذلك 'شريف جاد' مدير النشاط الثقافي بالمركز الروسي للعلوم والثقافة، وأضاف أنه بعد افتتاح الجناح الروسي بالمعرض بدأت الفعاليات بعرض فيلم خيالي بالمركز بعنوان 'مراقبة ليلية'، يليه لقاء مع الكاتب الروسي 'سيرجي لوكيانينكو'، إضافة إلى عرض فيلم تسجيلي عن شارع 'بترزبورغ' في 'موسكو'.
مواد البرنامج الروسي تضمنت 'الحلقة الدراسية الروسية الأولى' حول اللغة الروسية للأطفال، ومائدة مستديرة حول 'مختارات من الأدب الروسي المعاصر'، أدارها الكاتب 'رافيل بوخاراييفط و'رومان سنشين'، بمشاركة مجموعة من المترجمين والمؤلفين هم: 'ميخائيل فيلير'، و'إيلدار ابوزياروف'، و'سيرجي لوكيانينكو'، و'زاخار بريلبين'،'ولقاء مع الكاتب الخيالي سيرجيو لوكيانينكو، ومائدة مستديرة: عرض لمؤسسة 'العالم الروسي في مصر'، وحوار مع الأديب والكاتب المسرحي 'إدوارد رادزينكي'.

الملتقى الثاني لقصيدة النثر ومواجهة القدر الصعب
كان بين الأحداث الشعرية البارزة خلال العام المنصرم إعلان اللجنة التحضيرية للملتقى الثاني لقصيدة النثر عن انطلاق فعاليات الملتقى بعد تقديم موعد انعقاده الى الحادي والعشرين من شباط (فبراير) بدلا من الخامس عشر من شهر آذار (مارس) حيث انطلقت فعاليات الملتقى الأول، وذلك بسبب المزاحمة والالتباس المتعمدين اللذين قصد الى إحداثهما المؤتمر الذي يتبناه اتحاد الكتاب في الموعد نفسه. وقد انطلقت الفعاليات بنقابة الصحافيين حيث حضر وشارك عدد كبير من الشعراء والنقاد من مصر والعالم العربي.
وقد أعلن الملتقى فوز ثلاثة دواوين شعرية بجائزته: الأول للشاعرة عزة حسين (مصر) والثاني للشاعر خوشمان قادو (سورية) والثالث للشاعر جوان تتر (سورية)، وكانت لجنة التحكيم استبعدت فكرة التراتبية في درجات الفائزين لأنها فكرة غير لائقة بالفن، طالما تحققت الشعرية بشكل لا يحتمل الالتباس في أعمال الفائزين، ومن هنا أكدت اللجنة أن الفائزين على درجة واحدة من الجودة والاتقان.

وقد ساهم في هذه المسابقة شعراء من معظم البلدان العربية بينها مصر، سورية، السعودية، المغرب واليمن، وقد وصل عدد الدواوين التي خاضت المسابقة الى ثلاثين ديوانا، وكان اللافت للنظر وجود أكثر من سبعة دواوين تستحق الجائزة، إلا أن اللجنة رأت أن هناك ثلاثة تمايزت في الأداء الشعري من حيث الرؤية والبناء وعليها أن تعطى لأكثر الدواوين تحقيقاً للشعرية في كل نمط. واعتبرت نقابة الصحافيين التي استضافت الملتقى أن الملتقى الأول يعد الفعل الثقافي الأهم بالنسبة للجنة الثقافية في نقابة الصحافيين والتي يحمل انعقاد الملتقى بها للمرة الثانية دلالة واضحة، فنقابة الصحافيين هي قلعة الليبرالية في مصر وهي ساحة رحبة للتعدد والتنوع والفكر الحر دون وصاية من أية جهة.

فنون العالم زارت ثلاث مدن عربية في مهرجان الربيع 2010
قدمت مؤسسة المورد الثقافي خلال هذا العام بالتعاون مع الجمعية التعاونية الثقافية لشباب المسرح والسينما (شمس) في لبنان وبدعم من الهيئة العامة لتنشيط السياحة وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة المصرية الدورة الرابعة لمهرجان الربيع في الفترة من 6 إلى 26 أيار/مايو 2010. وقد أقيم المهرجان هذا العام للمرة الأولى في القاهرة والإسكندرية وبيروت في نفس الوقت قدم مجموعة كبيرة من الفنانين والكتاب من خمس عشرة دولة مختلفة، قدموا أعمالهم لأول مرة في مصر ولبنان.
افتتح المهرجان بحفل لاثنين من أبرز موسيقيي آسيا الوسطى، هما نوديرا بريماتوفا من أوزبكستان وهمايون ساكي من أفغانستان. أقيم حفل الافتتاح بدعم من مبادرة الآغا خان للموسيقى في آسيا الوسطى يوم الخميس 6 ايار/مايو في قصر الأمير طاز في تمام الساعة الثامنة مساءً. كما ضم برنامج المهرجان حفلات موسيقية لعمر سوسا من كوبا/أسبانيا وايفا بيتوفا من التشيك وأنور أبو دراغ من العراق وفرقة راس ناس من تنزانيا/النرويج وفرقة بارانا من تركيا/هولندا بالإضافة إلى فنان الهيب هوب والأديب البريطاني بينجامين زفانيا. يقدم المهرجان أيضا مسرحية مدينة المرايا للمخرج المسرحي اللبناني روجيه عساف وهو عرض مسرحي تشكيلي مستوحى من أعمال الرسّام بول غيراغوسّيان (19261993) ومن وثائق عن القدس قبل 1948 وعرض رقص معاصر بعنوان 'درويش' للراقص ومصمم الحركة التركي ضيا عزازي. كما اختتم المهرجان في مصر بحفل موسيقي وغنائي للمغنية المشهورة ثانديسوا من جنوب أفريقيا يوم السبت الموافق 22 ايار/مايو على مسرح الجنينة بحديقة الأزهر.

وأقيمت حفلات المهرجان على عدة مسارح في القاهرة والإسكندرية مثل مسرح الجنينة في حديقة الأزهر وقصر الأمير طاز والسمع خانة ومسرح روابط ومكتبة الإسكندرية ومركز الجزويت الثقافي بالإسكندرية (الجراج) بينما أقيمت جميع الحفلات في بيروت على مسرح دوار الشمس. احتوى برنامج مهرجان الربيع هذا العام على برنامج فرعي تحت عنوان 'غدا' أقيم في فندق الفينواز ومسرح روابط بوسط البلد ويضم عروضاً مسرحية ومعارض فن تشكيلي وقراءات أدبية وعروض أفلام لمجموعة كبيرة من الفنانين العرب الشبان الذين حصلوا على دعم من مؤسسة المورد الثقافي لإنتاج أعمالهم.

محاكمة جديدة لليالي الألف
أثارت الدعوى التي أقامتها من عدد من المحامين المصريين لمصادرة طبعة 'ألف ليلة وليلة' الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، قبل أكثر من ثلاث عشرة سنة أزمة مجتمعية ذات طابع ثقافي ما زالت تسيطر على الساحة الثقافية وتكشف عن الأبعاد السلبية التي وصلت إليها البنية الاجتماعية للنخبة في مصر.
ومن حسن الحظ قيام النائب العام بحفظ التحقيقات في القضية قبل أن تحال إلى المحكمة المختصة.
وكان الروائي جمال الغيطاني قد أشرف على إصدار هذه الطبعة النادرة من ألف ليلة إبان توليه الإشراف على سلسلة الذخائر التي تصدرها الهيئة العامة لقصور الثقافة إثر مصادرة ديوان إبي نواس الذي أصدرته السلسلة ذاتها.
النسخة المطلوب مصادرتها من ألف ليلة من أندر النسخ التي صدرت منها لأنها الأقل تحريفا وتصرفا. وهي الطبعة التي اصدرها 'وليم حي مكناطن' سكرتير الدولة الإنكليزية في الممالك الهندية وهي نسخة منقولة عن نسخة دار الكتب المصرية وقد صدرت في كلكتا عام 1839م. وقد أثارت قضية مصادرة الليالي غضب العديد من التيارات الثقافية وحظي الأمر بتغطية واسعة من الصحافة المصرية، وإن كان أمر المصادرة في حد ذاته بات إجراء مألوفا في الحياة اليومية لا سيما وأنه يتزامن مع ظاهرة تديين المجتمع التي تفشت في إطار أزمات مجتمعية خانقة تلقي بظلالها على حياة الناس وطريقة إدارتهم لشؤونهم اليومية.

بيت للشعر المصري للمرة الأولى
كان أيضا من الأحداث المهمة خلال هذا العام افتتاح الفنان فاروق حسني وزير الثقافة بيت الشعر العربي بمنزل (الست وسيلة) الأثري بمنطقة الأزهر التابع لصندوق التنمية الثقافية وذلك بحضور جمهور كبير اكتظت به القاعة الصغيرة والرئيسية بالبيت، وكان في مقدمة الحضور الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي رئيس مجلس أمناء البيت كما حضر من أعضاء المجلس الشعراء فاروق شوشة، محمد إبراهيم أبو سنه، عماد أبو غازي، حسام نصار، سعيد توفيق، ومحمود قرني، كما شارك عدد من شعراء مصر في عدد من الأقاليم حيث شارك من الإسكندرية الشاعر فؤاد طمان ومن سوهاج الشاعر عبد الستار سليم. وقد جاءت كلمة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي معبرة عن طموحات الشعراء في أهمية التمثيل الواسع والمتعدد لكافة الأطياف الشعرية حيث أكد أن البيت سيكون لكل الشعراء من كافة الأطياف مشيرا إلى أن الاختلاف يعني التعدد والتعدد ثراء وغنى. كما أعرب فاروق حسني في كلمته التي ألقاها على الحضور بمناسبة الافتتاح عن مدى سعادته البالغة بتحقيق هذا المشروع الذي كان يمثل حلماً يراود الشعراء والأدباء بأن يكون لهم بيت يجمعهم يكون بمثابة نقطة إشعاع للشعر في مصر ومحور للتواصل بين الشعراء والجمهور وخلق حالة تفاعليه بين الشاعر والمتلقي. يذكر أن وزارة الثقافة المتمثلة في صندوق التنمية الثقافية قد انتهت من إعداد وتجهيز منزل 'الست وسيلة' ليكون مقراً لـبيت الشعر العربي الذي يرأسه الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي. ومن جانبه أكد الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي مدير بيت الشعر بان البيت سيكون مفتوحاَ أمام جميع الشعراء خاصة المتميزين منهم في مناحي الشعر المختلفة وسيكون بمثابة ساحة يقدم فيها الشعراء أعمالهم ويستعيدون الاتصال بالجمهور خاصة وأن الشعر منذ فترة طويلة أصبح ينشر في المجالات والصحف والكتب وتحول إلى كلمه مقروءة فقط رغم أنه في الأصل يجب أن يكون كلمة مسموعة يتذوقها الجمهور عن طريق الاتصال المباشر مع الشاعر. وخلال حفل الافتتاح ألقى الشعراء ممثلين في مجلس أمناء بيت الشعر عددا من القصائد الشعرية احتفالا بهذا الحدث، حيث تضمن الحفل قصائد لشعراء راحلين يمثلون مدارس شعرية تاريخية بداية من العصر الفرعوني مرورا بالشعر اليوناني السكندري وهو ما قدم نماذج لهما الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، كذلك قدم الشاعر محمد إبراهيم أبو سنه نماذج من شعر عمر ابن الفارض وعلي محمود طه وقدم الشاعر فاروق شوشة نماذج لمحمود سامي البارودي وأحمد شوقي ومحمود حسن إسماعيل وصلاح عبد الصبور وأمل دنقل. كما قدم حسام نصار قصيدة لصلاح جاهين وقدم الشاعر أمين حداد قصيدة لوالده الشاعر فؤاد حداد. وقام الفنان نصير شمه بعزف مقطوعات من مؤلفاته الموسيقية واحدة تحمل اسم الشاعر العراقي بدر شاكر السياب وأخرى باسم أحمد شوقي وقال إنه ألفهما خصيصا لهذه المناسبة.

وكان وزير الثقافة قد أصدر قراراً بتشكيل مجلس أمناء بيت الشعر قبل حوالي الشهرين ويضم المجلس نخبة من الشعراء والنقاد برئاسة الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي وعضوية كل من (فاروق شوشة، عبد الرحمن الأبنودي، محمد إبراهيم أبو سنه، د. عماد أبو غازي، د. كاميليا صبحي، الناقد محمد حماسه عبد اللطيف، حسام نصار، د. سعيد توفيق، محمود قرني) وروعي في التشكيل كما أشار مكتب وزير الثقافة - أن يكون مماثلاً لكل التيارات.

عام الرحيل في الثقافة المصرية
كان العام المنصرم بين الأعوام المنكوبة برحيل عدد كبير من رموز الثقافة المصرية. فقد رحل عن عالمنا الفنان الكبير محيي الدين اللباد والناقد الكبير فاروق عبد القادر والمفكر نصر حامد أبو زيد، والشعراء محمد عفيفي مطر وعبد المنعم عواد يوسف وكمال نشأت، واخيرا الفنان التشكيلي الكبير عدلي رزق الله.

نصر أبو زيد يقضي بعد منفى قسري
كان بين أبرز الراحلين خلال العام الدكتور نصر حامد أبو زيد بعد صراع مع فيروس غريب بمستشفى الشيخ زايد بمدينة السادس من أكتوبر جنوب القاهرة بحوالي ثلاثين كيلومترا حيث كان يعيش. وكما جاء رحيله فجائعيا كانت حياته، لا سيما الخمس عشرة سنة الأخيرة منها، حيث قضاها في منفاه الهولندي بعد أن قضت محكمة مصرية بارتداده ومن ثم تفريقه عن زوجته الباحثة ابتهال يونس، على خلفية من دعوته المتجددة لقراءة النص الديني قراءة تاريخية، بعيدا عن مفهوم القداسة والحاكمية اللتين ساهمتا في القضاء على مفهوم الاجتهاد. ورغم اعلان أبو زيد في العديد من مؤلفاته أنه لا ينكر ألوهية القرآن وأنه يتوقف أمام الوسيط البشري الذي نقله والذي لا يستقيم فهمه ـ بطبيعة الحال ـ بعيدا عن الظروف التاريخية التي نزل فيها إلا أن منتصف تسعينيات القرن الماضي شهدت حالة من العدوان السافر على كل الأفكار النهضوية التي دعت الى ضرورة تجديد الخطاب الديني. وقد شهدت هذه الفترة أعلى تجليات العنف الديني في مصر ما دفع الدولة الى التخلي عن أبو زيد، فترك جامعة القاهرة التي كان يدرس فيها بعد توصية مجلس الجامعة بعدم ترقيته الى درجة الأستاذية بسبب أعماله المتهمة بالمروق، ثم تصاعد الأمر حتى وصل الى أن أقام واحد من المحامين دعوى حسبة ضد الرجل للقضاء بردته وذلك تأسيسا على التقرير الذي وضعه الدكتور عبد الصبور شاهين أستاذ علم التفسير في حينها عن مؤلفات أبو زيد، وكان التقرير يحمل اتهاما صريحا له بالكفر والخروج على الملة. ونظرا لأن الحكم الصادر في الدعوى كان يمثل سابقة تنذر بالخطر وإمكانية التكرار اضطرت الدولة الى إصدار تعديل تشريعي في قانون المرافعات يربط إقامة مثل هذه الدعوى بالنيابة العامة باعتبارها ممثلة لمصلحة المجتمع دون أن تترك هذا الحق على عواهنه للأفراد. وقد استفاد عدد كبير من الكتاب من هذا النص، في بلاغات مختلفة تم تقديمها للنائب العام طعنا وتفتيشا في ضمير هؤلاء، وكان آخر هذه التجليات بلاغ تسعة من المحامين ضد الطبعة التي أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة من الكتاب المرجع ' ألف ليلة وليلة'.

وقد ولد نصر أبو زيد في إحدى قرى طنطا في 10 تموز/يوليو 1943، ونشأ في أسرة ريفية بسيطة، في البداية لم يحصل على شهادة الثانوية العامة التوجيهية ليستطيع استكمال دراسته الجامعية، لأن أسرته لم تكن لتستطيع أن تنفق عليه في الجامعة، لهذا اكتفى في البداية بالحصول على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي عام 1960م. حصل نصر على الليسانس من قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة القاهرة 1972م بتقدير ممتاز، ثم ماجستير من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1976م وأيضا بتقدير ممتاز، ثم دكتوراه من نفس القسم والكلية في الدراسات الإسلامية عام 1979م بتقدير مرتبة الشرف الأولى.

عمل نصر حامد أبو زيد بعدد من الوظائف منها: فني لاسلكي بالهيئة المصرية العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية 1961 -1972 م. معيد بقسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة 1972م. مدرس مساعد بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1976. منحة من مؤسسة فورد للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة 1976-1977، مدرس بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1982. أستاذ مساعد بكلية الآداب، قسم اللغة العربية وآدابها بجامعة القاهرة بالخرطوم خلال الفترة من {1983-1987، أستاذ مساعد بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1987. منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية 1978-1980م. أستاذ بكلية الآداب، جامعة القاهرة 1995. وقد حصل أبو زيد على العديد من الجوائز والأعمال منها :جائزة عبد العزيز الأهواني للعلوم الإنسانية من جامعة القاهرة 1982م. أستاذ زائر بجامعة أوساكا للغات الأجنبية باليابان 1985 1989. وسام الاستحقاق الثقافي من رئيس جمهورية تونس 1993 م. أستاذ زائر بجامعة ليدن بهولندا بدءا من تشرين الاول/أكتوبر 1995 م. جائزة اتحاد الكتاب الأردني لحقوق الإنسان، 1996. كرسي كليفرينخا Cleveringa للدراسات الإنسانية - كرسي في القانون والمسؤولية وحرية الرأي والعقيدة- بجامعة ليدن بدءا من ايلول/سبتمبر 2000م. ميدالية 'حرية العبادة'، مؤسسة إليانور وتيودور روزفلت2002. كرسي ابن رشد لدراسة الإسلام والهيومانيزم، جامعة الدراسات الهيومانية في أوترخت، هولندا 2002.

أما مؤلفات نصر أبو زيد فقد تجاوزت العشرين كتابا منها: الاتجاه العقلي في التفسير (دراسة في قضية المجاز في القرآن عند المعتزلة) وكانت رسالته للماجستير، فلسفة التأويل( دراسة في تأويل القرآن عند محيي الدين بن عربي) وكانت رسالته للدكتوراة، في كلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية، مفهوم النص دراسة في علوم القرآن، اشكاليات القراءة واليات التأويل (مجموعة دراساته المنشورة في مطبوعات متفرقة، نقد الخطاب الديني، المرأة في خطاب الأزمة (طبع بعد ذلك كجزء من دوائر الخوف)، البوشيد و(ترجمة وتقديم نصر أبو زيد)، الخلافة وسلطة الأمة نقلة عن التركية عزيز سني بك (تقديم ودراسة نصر أبوزيد)،(1) النص السلطة الحقيقة (مجموعة دراسات ومقالات نشرت خلال السنوات السابقه)، دوائر الخوف قراءة في خطاب المرأة (يتضمن الكتاب السابق المرأة في خطاب الأزمة)، الخطاب والتأويل (مجموعة دراسات، تتضمن تقدمة كتاب الخلافة وسلطة الأمة)، التفكير في زمن التكفير (جمع وتحرير وتقديم نصر أبو زيد عن قضية التفريق بينه وبين، زوجته وردود الفعل نحوها)، القول المفيد في قضية أبو زيد (تنسيق وتحرير نصر أبو زيد عن قضية التفريق بينه وبين زوجته.،هكذا تكلم ابن عربي (يعيد فيها الباحث مراجعة دراسته عن ابن عربي)، الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية.

رحيل محمد عفيفي مطر
رحل في منتصف العام الشاعر الكبير محمد عفيفي مطر عن دنيانا، بعد معاناة مع مرض الكبد دامت أكثر من عشر سنوات. وبهذا يكون الشعر المصري قد فقد واحدا من الأركان الأساسية التي نهضت بمشروع الحداثة الشعرية في مصر منذ نهاية خمسينيات القرن الماضي. فرغم الظهور المتأخر نسبيا لمطر خلف أحمد عبد المعطي حجازي وصلاح عبد الصبور، إلا أن فرادة مشروعه الشعري سرعان ما وضعته وسط الجوقة المؤثرة والفاعلة في هذه الشعرية. وقد حازت تجربة مطر هذه الفرادة لما امتلكته من خصوصية على مستويات عدة. ففيما كانت تجربة عبد الصبور تنحو إلى احتذاء النموذج الأكثر هشاشة على مستوى اللغة والأكثر قربا من ضجيج العامة على مستوى الوعي وانتقال التجربة ـ فيما بعد - إلى مستوى من مستويات التأمل الذي دعاه إلى التحدث مطولا عن الوظيفة الإنسانية للشعر، فيما بدت التجربة القشيبة لحجازي أقرب إلى تصور كل من لويس عوض ومحمد مندور حول الوظيفة الاجتماعية للإبداع. في مقابل ذلك بدت تجربة محمد عفيفي مطر الأكثر قربا للشعر الخالص. لذلك نجد شعرية مطر وقد التصقت بمفهوم أكثر قربا من التركيب الشعري والفكري، الفلسفي على نحو خاص. وقد شهدت الى جانب ذلك قدرة متصاعدة على التكثيف اللغوي واستنبات الشعرية في تربة بدت ـ في وقت ما - مهجورة من قواميسها، ورغم الاتهامات التي لاحقت تجربة مطر بالغموض، إلا أنها ظلت التجربة الأكثر تأثيرا في الأجيال اللاحقة لا سيما في شعرية جيل السبعينيات والتجربة اللاحقة لها.

في الوقت نفسه ظل مطر ـ على المستوى الفكري والسياسي - يمثل حالة ناتئة حال مقارنته بالثقافة المؤسسية التي حاولت أن ترسخ لها الشمولية العربية في ظلال حكم أقرب إلى النماذج الفاشية. ورغم انضواء مطر في فترة من حياته تحت لواء أفكار البعث العراقي إلا أنه ظل يملك موقفا شديد الاستقلال عن أية مؤسسة ولم يراهن على شعرية تنقله من آفاق التركيب إلى آفاق المباشرة خدمة لموقفه السياسي. ونتيجة لهذا الموقف ألقت السلطات المصرية بمطر في غياهب السجن، غير أنها عادت وكرمته بمنحه جائزتيها التشجيعية ثم التقديرية.
ولد محمد عفيفي مطر عام 1935 بمحافظة المنوفية، وعاش حتى رحيله بقريته 'رملة الأنجب'، تخرج في كلية الآداب ـ قسم الفلسفة، حصل على جائزة الدولة التشجيعية في الشعر عام 1989، ثم جائزة الدولة التقديرية عام 2006. كما حصل على جائزة سلطان العويس عن مجمل أعماله عام 2000. أصدر مطر أكثر من ستة عشر ديوانا شعريا من بينها: من دفتر الصمت 1968، كتاب الأرض والدم 1972، احتفاليات المومياء المتوحشة، فاصلة إيقاعات النمل، رباعية الفرح. أنت واحدها وهي أعضاؤك انتثرت. يتحدث الطمي. والنهر يلبس الأقنعة. شهادة البكاء في زمن الضحك. رسوم على قشرة الليل. الجوع والقمر. ملامح من الوجه الأمبيذوقليسي. من مجمرة البدايات. وقد صدرت أعماله الكاملة عن دار الشروق عام 2000، وكانت الهيئة المصرية العامة للكتاب قد تعاقدت مع مطر على طبع أعماله الكاملة في عام 1998 غير أنها تراجعت عن ذلك تحت الضغوط الأمنية. وهي مطالبة الآن بالتصحيح الفوري لهذا الخطأ.

وفي هذا الاستطلاع حاولنا الابتعاد بمحدثينا عن الأجواء التأبينية إلى مضامين أكثر التصاقا بالتجربة المهمة للشاعر الراحل، وهو ما فعله تقريبا كل المشاركين، وذلك لأننا نرى أن هذا هو ما يجعل التجربة المتدفقة لمطر مجالا حيويا للسجال، وهذا هو ما سيبقي منه.

عدلي رزق الله المقاتل من أجل مائياته
رحل كذلك عن دنيانا الفنان التشكيلي الكبير عدلي رزق الله الذي انقطع في أخريات أيامه عن نشاطه المكثف بعد سنوات من الاعتكاف بعد أن كان قد أقام عددا من المعارض المتصلة بمناسبة بلوغه السبعين، وقد بدأت السلسلة بالفعل بمعرض قاعة 'إبداع' في مصر الجديدة، ثم تبعها معرض في قصر الفنون في دار الأوبرا وآخر في مركز الجزيرة للفنون. وقد استطاع عدلي رزق الله، قبل رحيله الذي يبدو أنه استشعره، أن ينجز أكثر من مئة لوحة صغيرة عن البحار والأسماك تمكنت من مشاهدتها في منزله وهي في طور العرض الداخلي فقط، بالإضافة إلى لوحاته الأساسية التي انضمت إلى المعارض الجديدة، وخلال خمسين عاما مع المائيات لم يكف خلالها عدلي رزق الله عن تحويل كائناته بأشكاله المتنوعة إلى خامات رئيسية في مائياته. ويستطيع المتابع أن يرى الأعضاء البشرية كلها وقد تحولت إلى مائيات مستفيدة في ذلك من كل مدارس الفن وعلى رأسها التعبيرية والتجريدية، وذلك في إطار من الانسيابية التي تميز مائيات عدلي رزق الله في تناغم لانهائي، حتى أنه لا يمكننا رصد لون واحد يمثل حالة من حالات النشاز.

ولعل تواصل الفنان الراحل مع معطيات بيئته هو ما جعله من أقرب التشكيليين المصريين إلى قلوب وعقول مشاهدي لوحاته لا سيما من الشعراء، وهو لهذا السبب من أكثر التشكيليين الذين استوطنوا قصائد العديد من الشعراء بداية من حقبة السبعينيات وحتى الآن، بل كانت بعض لوحاته مبعث كثير من القصائد المهمة لبعض الشعراء كما حدث لدى حلمي سالم ومحمد سليمان وآخرين. وعبر رحلة طويلة مع الفن تجول رزق الله عبر العالم وتوقف عند محطته المهمة (باريس) التي عاش فيها أكثر من ثلاثة عشر عاما، وهي المحطة التي كان دائما يؤكد أنها صاحبة الفضل الأكبر عليه في مشواره الذي كان، حتى اللحظات الأخيرة، يعتبره يمثل قوسا مفتوحا على آفاق أرحب، قابلة أبدا للتجدد. ولد عدلي رزق الله في محافظة أسيوط عام 1939، وتخرج في 'كلية الفنون الجميلة' عام 1961، وعمل رساما في 'دار الهلال'، وأستاذا في جامعة ستراسبورغ في معهد الفنون التشكيلية. أقام العديد من المعارض، من بينها معرض في اتيليه ماريان كلوزو عام 1973، معرض في غاليري لورانغ في باريس عام 1974، معرض في المركز الثقافي العراقي عام 1976، ومعرض في غاليري غادة الصراف في الكويت. كما شارك عدلي رزق الله في العديد من المعارض الجماعية المحلية، مثل المعرض القومي الفنون التشكيلية فى الدورة السادسة والعشرين عام 1999. والمعرض القومي للفنون التشكيلية الدورة السابعة والعشرين 2001.

متحف محمد محمود خليل: بين ضياع 'زهرة الخشخاش' وضياع وطن
فجرت سرقة لوحة زهرة الخشخاش للفنان العالمي 'فان غوخ'، في الثلث الأخير من عامنا المنصرم، من متحف محمد محمود خليل أزمة واسعة في الأوساط المصرية بكافة طوائفها. فهي من ناحية تعيد إلى أذهان المثقفين عددا من الكوارث التي حاقت بالعديد من القلاع الثقافية على مدار عشرين عاما مضت وعلى رأسها حريق المسافر خانة والمسرح القومي وحريق قصر ثقافة بني سويف الذي راح ضحيته أكثر من اثنين وخمسين من المسرحيين والنقاد والفنانين، بالإضافة إلى الحكم على عدد من كبار رجال وزير الثقافة في قضايا فساد هزت الرأي العام وآخرها ما سمي بقضية الرشوة الكبرى بوزارة الثقافة التي قضي فيها على السيد أيمن عبد المنعم مدير مكتب الوزير ورئيس صندوق التنمية الثقافية بالسجن عشر سنوات. وعلى مستوى آخر بدت سرقة لوحة زهرة الخشخاش مثيرة للعديد من التساؤلات والشكوك لدى الرأي العام الذي يربط بينها وبين المناخ العام المكلل بالفساد، والذي يقوده رجال يفتقرون إلى الكفاءة السياسية والإدارية والأخلاقية.
وينظر الكثيرون للإجراءات القانونية التي تم اتخاذها حيال هذه القضية حتى الآن على أنها طريق لإنقاذ وزير الثقافة من تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن هذه الجريمة كما يحدث في العالم المتحضر، وهي طريقة اعتادها وزير الثقافة في معالجة الأزمات التي تعرض لها طيلة سني توزيره التي بلغت أربعا وعشرين سنة، حيث يقوم بالتضحية بالمسؤول الأكبر خلفه، وهو الأمر الذي حدث مع محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية أحد رجال الوزير المقربين كما حدث مع سابقيه، وهو الآن ينظر استئنافا لحكم بإدانته على ذمة القضية مع عدد آخر من العاملين بمتحف محمود خليل.

المؤتمر الدولي الخامس للنقد الأدبي ينطلق تحت عنوان: التأويلية والنقد المعاصر
كان بين المؤتمرات المهمة في عامنا المنصرم انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس للنقد الأدبي في القاهرة، وهو المؤتمر الدولي الذي تقيمه الجمعية المصرية للنقد الأدبي، كل ثلاث سنوات، منذ عام 1997، تحت عنوان 'التأويلية والنظرية النقدية المعاصرة'. وقد صرح الدكتور علاء عبد الهادي في افتتاح المؤتمر بأن هذه الدورة شهدت مشاركة أكثر من ثلاثين باحثًا عربيا وأجنبيا من المغرب، وتونس، والأردن، والعراق، والسعودية، والبحرين، وسورية، وأمريكا، وفرنسا، والمجر، والتشيك، وكينيا، وسنغافورة، وأستراليا، هذا فضلا عن نخبة من الباحثين والأساتذة المصريين. ومن أشهر المشاركين الأجانب رائد دراسات ما بعد الاستعمار بيل أشكروفت، والمستشرق الأمريكي ياروسلاف ستيتكفيتش، والناقدة المجرية الكبيرة إيفا إنتال، ومن النقاد العرب د. عبد السلام المسدي من تونس، ود. سعيد علوش من المغرب، ود. علي حرب من لبنان، ود. عبد القادر الرباعي من الأردن، ومن مصر د. حسن حنفي، ود. نبيلة إبراهيم، ود. عاطف جودة نصر، ود. محمد عبد المطلب، ود. عفت الشرقاوي، ود. الطاهر المكي، ود. أحمد عتمان، ود. محمود الربيعي، ونخبة من النقاد العرب والأجانب المميزين، هذا فضلا عن نخبة من الباحثين والأساتذة المصريين.
ضم المؤتمر أربعة محاور على النحو الآتي: (التأويلية والتاريخ)، وشمل قراءات نقدية لبدايات التأويلة. والتأويلية والدراسات الدينية. والتأويلية والنقد العربي الكلاسي، ومفهومات تأويلية. المحور الثاني وعنوانه (التأويلية والنظرية الأدبية)، ويشمل التأويل في الخطابات السردية، والتأويلية والشعر، والبلاغة والتأويلية، والتأويلية في الفلكلور، والثقافة الجماهيرية، والتأويل وعلم الخطاب. أما المحور الثالث وعنوانه (التأويلية في الخطابات المختلفة)، فيضم التأويلية في الخطاب السياسي، أبعاد التأويل الفلسفي، التأويلية والتحليل النفسي، ونظرية المعلومات والتأويلية، والتأويلية في العلوم الطبيعية. ويشمل المحور الرابع وعنوانه (اتجاهات جديدة في التأويلية)، التأويلية وما بعد الحديث، والتأويلية والسيمياء، والتأويلية المعاصرة، والفنون البصرية.

وأشار د. علاء عبد الهادي إلى أن انعقاد مؤتمر الجمعية المصرية للنقد الأدبي الأول كان فى المدة من 20 إلى 24 تشرين الاول/أكتوبر 1997م، وقد صدرت أعماله في ثلاثة مجلدات. وفى المدة من 20 إلى 24 من تشرين الثاني/نوفمبر 2000م عقد المؤتمر الدولى الثانى، وكان الإقبال عليه مضاعفا، لما حققه المؤتمر الأول من سمعة طيبة فى كثير من البيئات العلمية المختصة على مستوى العالم، وكان عنوانه 'قضايا النقد الأدبى على مشارف القرن الجديد'، وصدرت أعماله في خمسة مجلدات. وفى خريف 2003م، أقامت الجمعية مؤتمرها الدولي الثالث وعنوانه 'الثقافة، والنقد الثقافي' الذي شاركت فيه نخبة من أهم النقاد العالميين والعرب والمصريين، وقد أصدرت الجمعية أعمال هذا المؤتمر في ثلاثة مجلدات عربية، بالإضافة إلى مجلد للأبحاث المقدمة بلغات غير عربية. وفي المدة من 1 5 من تشرين الثاني/نوفمبر 2006م، أقامت الجمعية المؤتمر الدولي الرابع للنقد الأدبي، وكان عنوانه 'البلاغة والدراسات البلاغية'، الذي شارك فيه ما يزيد على ثمانين باحثًا، من مختلف بلدان العالم، وتصدر أبحاث هذا المؤتمر في ثلاثة مجلدات هذا العام، قبل موعد انعقاد المؤتمر الخامس. ومن المعروف أن هذه المؤتمرات قد قامت بتوجيه من المغفور له الدكتور عز الدين إسماعيل، وبرعايته، وبإشرافه، وقد قرر تلامذته، بعد رحيله، المضي قدما في رسالته العلمية، فأصدروا بيانهم العلمي في يوم تأبينه باسم الامناء الجدد، تأكيدًا على حمل الأمانة من جهة، وإشارة إلى العلامة أمين الخولي، أستاذ الناقد الكبير د. عز الدين إسماعيل، وواحد من أهم الاساتذة الذين أثروا في تكوينه العلمي من جهة أخرى.

الليبي إبراهيم الكوني يحصد جائزة الرواية العربية
حصد الروائي الليبي الكبير إبراهيم الكوني جائزة الملتقى الدولي الخامس للرواية العربية الذي كان ختام فعاليات عامنا المنصرم، وقد أهدى الكوني جائزته لرعاية أطفال الطوارق تلك القبائل التي كرس معظم كتاباته عن تاريخها وتقاليدها وأوضاعها الاجتماعية. وكانت قد بدأت فعاليات الملتقى الدولي الخامس، للإبداع الروائي العربي يوم الأحد الماضي 12 كانون الاول/ديسمبر وذلك على المسرح الصغير بدار الأوبرا، وألقى كلمة الافتتاح الدكتور عماد أبو غازي، أمين المجلس الأعلى للثقافة، ومن الجدير بالذكر أن الملتقى حمل اسم 'الرواية العربية إلى أين؟'.

وقد استمرت فعاليات الملتقى حتى الأربعاء 15 كانون الاول/ديسمبر، حيث شارك في فعالياته أكثر من مائتي روائي مصري وعربي، وكذلك عدد كبير من النقاد المصريين والعرب، ومن الروائيين الذين شاركوا السوداني أمير تاج السر، والجزائري واسيني الأعرج، والسورية سمر يزبك، وسميحة خريس، وحجاج أدول وشاكر نوري، وفؤاد قنديل وشريف حتاتة، وفتحي إمبابي، ويوسف نوفل وحسونة المصباحي، والشاعر اللبناني عبده وازن، ومي التلمساني، وعلي بدر، وجوخة الحارثي، ومنصورة عز الدين، ومحمد صلاح العزب، أنيسة عبود، وطارق إمام، وهدرا جرجس، ومحمد الفخراني وفوزية أسعد وعبد الحكيم حيدر وآخرون.

ومن النقاد المشاركين الدكتور جابر عصفور، وفيصل دراج، وصبحي الحديدي وعلوي الهاشمي، ومحمد شاهين، وشريف الجيار، ويسري عبد الله وحسام نايل، وخيري الذهبي، والدكتور أحمد درويش. وقد افتتح الناقد المعروف الدكتور جابر عصفور رئيس اللجنة المنظمة للملتقى حيث بدأ حديثه داعيا الحضور إلى الوقوف دقيقة حداد على أرواح مؤسسي ملتقى الرواية العربية الذي عقد لأول مرة عام 1998، وأكد عصفور خلال الجلسة الافتتاحية أن الأديب الراحل نجيب محفوظ كان حيا عندما تم عقد المؤتمر لأول مرة، حيث حصل على جائزة الملتقى في دورته الأولى الروائي الكبير الراحل عبد الرحمن منيف، وقال عصفور: عدد كبير ممن أسسوا هذا الملتقى رحلوا عنا، لذا استأذنكم في الوقوف دقيقة حداد على أرواحهم.

وقال إنه ينبغي على الروائيين الشبان عندما يكتبون ويبدعون أعمالهم الآن، أن يستندوا إلى تراثهم الذي يمتد إلى القرن 19، مضيفا أن هذا هو طريق التميز للروائيين الذين يضيفون إلى ما أخذوا من هذا التراث. وأكد عصفور أن مولد الرواية كان في بلاد الشام، مشيرا إلى أن حلب وسورية سبقتا مصر في التعرف على هذا الفن الأدبي قائلا: الرواية العربية الأولى كانت شامية وهذا مصدر فخر واعتزاز لنا، لأن هذه النشأة الشامية لم تكتمل إلا مع مصر، عندما كتب محمد حسين هيكل روايته 'زينب' عام 1912. وأوضح عصفور أن اللجنة العلمية التي نظمت الملتقى قررت أن تطرح عدة أسئلة منها ما هو مستقبل الرواية العربية في هذا العالم المتغير، وما الذي يمكن أن تتأثر به، بعد أن اشتدت العولمة، مؤكدا على أنها خلقت ما وصفه بالمبدع العولمي، الذي يكتب ويبدع بأكثر من لغة.

وقال عصفور: وجدنا أثناء الإعداد للمؤتمر زخما هائلا من الكتاب الروائيين والروائيات، وفوجئنا بأن عددهم تضاعف، وهو ما يدل على أن حركة الانتاج الروائي في تصاعد، مضيفا: أنا شخصيا أرى على مكتبي كل يوم عشرات من الروايات التي لا أجد وقتا أو صحة لقراءتها، كما أثنى على الجهد المبذول من أعضاء اللجنة المنظمة وإدارة المؤتمرات الدولية التي يشرف عليها الأستاذ وائل شلبي. وألقت الروائية الفلسطينية 'سحر خليفة' كلمة المشاركين، وأكدت فيها أن الكتاب والمبدعين، هم ضمير الأمة، وبوصلة فكرها، مشيرة إلى أن الكاتب مقاتل بطبيعته، وطرحت خليفة في كلمتها عدة أسئلة تختص باستعادة القراء، وأشارت إلى أن هناك بعض الكتاب لا يجدون من يقرأ لهم.

وقال الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة الدكتور 'عماد أبو غازي' في حفل الافتتاح، 'إن يوم الافتتاح هذا يوافق مرور 99 عاما على مولد محفوظ، وسيوافق عام 2011 أيضا مرور 100 على ميلاده، وستشارك قطاعات وزارة الثقافة المصرية وهيئاتها المختلفة في هذه الانشطة ومنها 'صالون نجيب محفوظ' في الاحد الثالث من كل شهر وستعقد أولى جلساته يوم الاحد القادم'. وأضاف: أن دورة الملتقى هذا العام تحمل عنوان «الرواية العربية .. الى أين» بمشاركة أكثر من 200 روائي وباحث من 17 دولة عربية وأجنبية يشاركون في جلسات تستمر 4 أيام، على أن يعلن في ختام الملتقى الاربعاء المقبل اسم الفائز بجائزة الملتقى وقدرها 100 ألف جنيه.

انطلاق الدورة الأولي للملتقى الدولي الأول للعود
اختتمت بالقاهرة في منصف عامنا المنصرم فعاليات ملتقى مصر الدولي الأول للعود وسط حشد جماهيري كبير واحتفاء إعلامي متميز. وكان نجوم الحفل الأخير الذي شهده الملتقى، حازم شاهين من مصر ومهمت بتماز من تركيا وشربل روحانا من لبنان، قد تألقوا جميعا في ليلة غلب عليها الحس الشرقي المرتبط بالتقاسيم. استقبل الجمهور المصري العازف حازم شاهين استقبالا حارا، تجاوز حرارة التصفيق إلى الهتاف باسمه كنجم للعود المصري. وعزف شاهين في حالة تألق عالية وصفت بأنها حالة وجد صوفي حيث تداخل عزفه لألحان من كبار الموسيقيين الذين أسسوا مدرسة العزف الشرقية مثل عبد الوهاب وسيد درويش والسنباطي وغيرهم بتقاسيم استفادت بشكل واضح من تكنيك عال.
وكان لقاء الجمهور مع التركي مهمت بتماز متميزا حيث أدى فقرته مستندا الى تراث المدرسة التركية التي تستغرق في التقاسيم التأملية. شربل روحانا فاجأ جمهوره أيضا بتركيزه على التقاسيم وعزف مقطوعات موسيقية من تأليفه، واستقبله الجمهور مقاطعا بالتصفيق أكثر من مرة. جاءت ليلة الختام التي افتتحها نصير شمه، رئيس الملتقي، بكلمة ألقاها على جمهور الحاضرين أعلن فيها فرحه بنجاح الملتقى الذي قام على إمكانيات بسيطة ومؤازرة محبة عالية ليعلن انه سيسلم هذا الملتقى الوليد الى وزارة الثقافة المصرية ودار الأوبرا ونقابة المهن الموسيقية ليكون وليدهم جميعا راغبا في أن يتم تشكيل لجنة تنتخب رئيسا دوريا في كل سنة، ومقترحا الدكتور حسين صابر لتولي هذه المهمة الصعبة، وكان د. صابر حاضرا عرس الختام.
وقد كرم الملتقى بشخص رئيسه الفنان نصير شمه الدكتور عبد المنعم كامل رئيس دار الأوبرا المصرية بحضوره واعتبر شمه أن وقوف دار الأوبرا الى جانب هذا الحدث هو المبرر الرئيسي لوجوده.

وكان ملتقى مصر الدولي الأول للعود قد لاقى حفاوة إعلامية مصرية وعربية ودولية عالية المستوى، في حين ظهرت بعض الأصوات الجانبية التي ترى أن من حقها رئاسة هذا الملتقى، كما رأى فنان يمني في بيان له وبطريقة غير مباشرة أن الملتقى لم يركز على الصوت المصري في آلة العود، وبمؤازرة غير مفهومة بين مطرب يمني وعازفين مصريين يرون جميعهم أن الملتقى حمل الهوية العراقية بسبب شهرة رئيسه ومؤسسه وصاحب فكرته نصير شمه ولأنه نجح في تخريج طلاب على مستوى العالم العربي كله أصبحوا كلهم مدرسين لهذه الآلة التي تسم الشرق كله باسمها، وقد أثبت الملتقى أن العازفين المصريين الذين عزفوا من خلاله كانوا نجوما بكل معنى الكلمة وأن هويتهم الموسيقية تمتد الى مدارس الكبار مثل السنباطي والقصبجي وجورج ميشيل، وانهم استفادوا من تكنيكهم العالي الذي حصلوا عليه من خلال دراستهم في بيت العود العربي على فهم وترجمة روح المدرسة المصرية وتقديمها بأفضل شكل. ولذلك تمكنوا من تقديم حفل كامل كل بمفرده معتمدا على ما يسمى بالنفس الطويل الذي يحتاج الى مادة غزيرة وخبرة متراكمة ومهارة عالية فأدوا ارتجالات سريعة وحيوية قريبة جدا من وجدان الناس.

مؤتمر للثقافات الأفريقية يتدارك مافات الساسة
شهد عامنا المنصرم أيضا افتتاح مؤتمر 'تفاعل الثقافات الأفريقية في عصر العولمة'، بالمسرح الصغير بدار الأوبرا، والذي نظمه المجلس الأعلى للثقافة، في الفترة من 10 وحتى 13 من الشهر الجاري، حضورا جماهيريا كثيفاً، حيث امتلأت مقاعد المسرح الصغير عن آخرها، وذلك تداركا لما فات الساسة في العلاقات المصرية الأفريقية . قدم البروفيسور 'أبريما سيل' السكرتير التنفيذي لمجلس تطوير بحوث العلوم الاجتماعية بأفريقيا، كلمة المشاركين في المؤتمر واستغرق أكثر من عشرين دقيقة. وناقش المؤتمر الذي يشارك فيه أكثر من 50 باحثا على مدى أربعة أيام قضايا منها (العولمة والثقافات الافريقية) و(افريقيا أصل الحضارة) و(الثقافة والهوية) و(الدين والهوية.. دروس التاريخ المنسيــــة) و(مأزق شعوب افريقيا بين ثقافتهم المحلية والثقافات الوافدة) و(الاديان وتفاعلها مع المجتمع في افريقيا) و(الحكاية الشعبية ودورها في عملية الضبط الاجتماعي بافريقيا) و(الثقافة الشعبية ودورها في تلاقي الثقافات). وفي كلمته عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر قال حلمي شعراوي في افتتاح مؤتمر (تفاعل الثقافات الافريقية في عصر العولمة) إن دعوة الشاعر والرئيس السنغالي الاسبق ليوبولد سيدار سنغور الى الاهتمام بالحوار الثقافي الافريقي الذي يلخصه مصطلح 'الافريقانية'. وقال شعراوي وهو مدير مركز البحوث العربية والافريقية في القاهرة ان سنغور الذي كان أول رئيس لبلاده (1960-1980) وتنازل عن السلطة بارادته زار جامعة القاهرة عام 1967 وتحدث عن 'الافريقانية والعروبة... مما أدهش الخاصة والعامة... وكان موضع جدل واثارة' في ظل المد القومي العروبي آنذاك، وقال الدكتور 'عماد أبو غازي' الامين العام للمجلس الاعلى للثقافة منظم المؤتمر في الافتتاح ان 'افريقيا منبع الحضارة الانسانية بل منبع الانسانية نفسها فمنها خرج الانسان الاول وعلى أرضها ظهرت أقدم الحضارات... انها لا تستطيع أن تعيش منعزلة عن غيرها من الحضارات' نظرا لثراء الثقافات الافريقية التي تمثل مدخلا لفرص من التقدم للقارة السمراء.

وقد أعلن عماد أبو غازي الامين العام للمجلس الأعلى للثقافة منظم المؤتمر في بيان ان المؤتمر ناقش على مدى أربعة أيام قضايا القارة السمراء الثقافية، ومنها العولمة والثقافات الافريقية وافريقيا أصل الحضارة والثقافة والهوية والدين والهوية.. دروس التاريخ المنسية، وأزمة الانتماء الوطني وأثرها في بناء الدولة في الصومال ومأزق شعوب افريقيا بين ثقافتهم المحلية والثقافات الوافدة والسخرية من الاثيوبيين في الولايات المتحدة والاديان وتفاعلها مع المجتمع في افريقيا. وأشار الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة في كلمته إلى تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة، والذي يؤكد على أن الثقافة والقيم هما روح التنمية، وتشكلان معًا موقفًا لتعزيز وسائل التنمية الإنسانية، وأوضح أبو غازي أن مفهوم التنمية لم يعد قاصرًا على محاولة اللحاق اقتصاديًا بالدول الأكثر تقدمًا بقدر ما يهتم بالكشف عن قدرات الشعوب وإمكان استغلالها، الأمر الذي يعني ضرورة التعرف على ثقافات الشعوب ودراستها دراسة عميقة لفهمها والاسترشاد بها، من أجل صياغة سياسات ثقافية تسهم في رقى شعوبنا، مشيرًا بعد ذلك إلى أنه إذا كانت العولمة تشكل تحديًا جديدًا يُضاف إلى تحديات كثيرة واجهناها، فيجب أن نجعل من معطيات العولمة فرصة جديدة تتيح لثقافتنا في القارة الأفريقية المزيد من الحضور العالمي والإسهام في رقي الإنسانية.

ولكن الباحث الموزامبيقي سوزينهو فرانشيسكو شدد في الجلسة الاولى على أن 'معركة الثقافات هي السمة البارزة في المشهد الثقافي الافريقي جنوب الصحراء' نظرا لوجود بقايا من ثقافات تعد من ميراث الاستعمار وتداخل اللغات المحلية مع لغات المستعمر السابق ومنها الانكليزية والفرنسية والاسبانية والبرتغالية 'التي ظلت هي اللغات الرسمية رغم اقتصار متحدثيها على أقلية نخبوية حضرية' وهذا أحد المشكلات التي تجعل 'الزواج عسيرا' بين ثقافتين في الدولة الواحدة كما تؤثر سلبا على عملية بناء الدولة.

مؤتمر ضخم عن 'الحياة خلال العصر القبطي'
120
باحثا و13 دولة تشارك في الأبحاث: شهدت مكتبة الإسكندرية، خلال النصف الثاني من عامنا المنصرم، افتتاح مؤتمر 'الحياة في مصر خلال العصر القبطي... المدن والقرى، رجال القانون والدين، الأساقفة'، والذي نظمه مركز دارسات الخطوط والكتابات بالمكتبة، في الفترة من 21 حتى 23 ايلول/سبتمبر الماضي، بالتعاون مع المجلس الأعلى للآثار وجمعية الآثار القبطية، وبمشاركة 120 باحثًا من 13 دولة.
استهلت الكلمات الافتتاحية في المؤتمر بكلمة الدكتور عبد الحليم نور الدين، أستاذ علم المصريات ومستشار مدير مكتبة الإسكندرية، والذي تحدث بالنيابة عن الدكتور زاهي حواس؛ أمين عام المجلس الأعلى للآثار. وأشار إلى أن مؤتمر الدراسات القبطية يأتي بهدف إثراء الدراسات القبطية في مصر والعالم، وإبراز دور علماء القبطيات ونتائج الحفريات الجارية في المناطق الأثرية للحضارة القبطية. وأضاف أن انعقاد المؤتمر في مصر وبالتحديد مدينة الإسكندرية، يعبر عن حرص الدولة على الحفاظ على تراثها والاهتمام به، والاهتمام بإسهامات الإنسان المصري القبطي في زمنه، الأمر الذي يتجلى في ذاكرة الأمة ويعتبر من شواهد فخرها.

وتطرق نور الدين إلى دور المجلس الأعلى للآثار في دعم الدراسات القبطية والحفاظ على التراث القبطي وحماية الآثار على امتداد الأراضي المصرية، وهو ما يظهر في أعمال الترميم الجارية في الآثار القبطية منذ ثلاثة عقود، في الأديرة والكنائس والمتاحف، ومن أهمها ترميم الكنيسة المعلقة وكنيسة مار جرجس وأبو سيفين، بالإضافة إلى تطوير المتحف القبطي. وفي كلمته، أعرب الأنبا مارتيروس؛ الأسقف العام وممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، عن سعادته لتنظيم هذا المؤتمر في مكتبة الإسكندرية، من أجل البحث في جذور مصر ودعم الدراسات الحديثة والبحث العلمي المتقدم حول الحضارة القبطية، التي انتشرت من مدينة الإسكندرية على يد القديس مرقس. وأشار إلى أن المؤتمر يأتي ليعبر عن قوة وعمق الحضارة المصرية التي تحتضن الحضارتين الإسلامية والمسيحية وتدمجهما في مجتمع واحد. وأكد أن الحقبة القبطية مليئة بالمفردات العظيمة من تاريخ وفن وآثار وأدب تشهد له المكتشفات الأثرية والموروثات القبطية، مشيرا إلى وجود العديد من الكنوز الحضارية التي لا يزال البحث العلمي في المجالات الأركيولوجية يكشف عنها، والتي سيتم التطرق إليها والتعمق فيها من خلال المؤتمر.

وفي سياق متصل، أكد الدكتور خالد عزب؛ مدير مركز الخطوط بالإنابة، على أن المؤتمر يأتي في إطار اتفاقية التعاون بين جمعية الآثار القبطية في الكنيسة البطرسية في العباسية، ومركز الخطوط بمكتبة الإسكندرية، مشيرًا إلى أن المكتبة تدعم الدراسات القبطية بشكل كبير، وتضم مجموعة ثرية من المخطوطات القبطية النادرة، والتي أهداها البابا شنودة الثالث للمكتبة خلال إلقاءه محاضرة عامة بها. وأضاف عزب أن هذا المؤتمر يعتبر بداية للاهتمام وعمق الاتجاه نحو الدراسات القبطية، حيث سيتم تنفيذ مخطط واسع بالمكتبة لتعميق الدراسة في هذا المجال. وأعلن عن فتح باب تلقي الاقتراحات في هذا المجال ليتم بناء خطة لتنفيذ الدراسات القبطية، ويشارك فيها الجميع.

وتحدث الدكتور بيتر جروسمان؛ أستاذ علم القبطيات ونائب رئيس جمعية الآثار القبطية، عن أهمية انعقاد المؤتمر في مكتبة الإسكندرية، مؤكدًا على دور مدينة الإسكندرية الرائد في إثراء الحقبة القبطية مع دخول المسيحية إلى أرض مصر. وأضاف أن هذا الدور يتجلى في التراث الذي خلفه القديس مرقس الذي بنى أول كنيسه في الاسكندرية وأصبح أول بطريرك للكنيسه المصرية. وأكد على أهمية التراث القبطي ودور الحياة القبطية في الحضارة المصرية، والذي سيتم إبرازه من خلال المؤتمر.

 

عن (القدس العربي)