خارج نطاق النشاطات الثقافية والفنية المتعددة التي أقيمت طيلة عام 2010 في مدن وأقاليم المغرب، برز سؤال قوي حول طبيعة السياسة الثقافية المنتهجة من لدن الدولة والتي تسعى الوزارة الوصية على القطاع إلى تطبيقها. بمعنى آخر، هل هناك توجهات واضحة في السياسة العامة للبلاد إزاء الشأن الثقافي، أم أن الأمر مرتبط بأمزجة وأهواء الجالس على الكرسي الوزاري؟ مسوغات هذا السؤال تعود إلى طريقة تدبير وزير الثقافة بنسالم حميش لشؤون وزارته، وعلاقته بالساحة الثقافية المغربية وبالفاعلين فيها. إنها 'الأزمة'، يقول العديدون، ويستغربون كيف أن مصدر هذه الأزمة مفكر وأديب معروف اشتهر بكتابه 'مجنون الحكم'. ومن بين المفارقات الأخرى التي يحفل بها المجال الثقافي والفني المغربي ما يتصل منها بميدان الفن السابع، ففي الوقت الذي تكاثرت فيه المهرجانات السينمائية، وأصبحت تقام على مدار العام في العديد من المدن المغربية الكبيرة والصغيرة، وفي الوقت الذي تخصص فيه الدولة ميزانيات هامة لإنتاج الأفلام الطويلة والقصيرة، يلاحظ استمرار عزوف الجمهور عن ارتياد القاعات السينمائية وتراجع أعداد هذه الأخيرة، إذ لم تعد تتجاوز حاليا 70 قاعة بينما كان عددها سنة 1985 حوالي 250 قاعة. وهو ما يعني في نهاية المطاف أن جل القائمين على الشأن الثقافي والفني بالمغرب يركزون على المظاهر والقشور، ويغضّون الطرف عن الجوهر، متحاشين وضع أيديهم على الجرح.
من غلطة لأخرى!
في آخر عدد ودّعتْ به عام 2010، اختارت أسبوعية 'الأيام' المغربية وزير الثقافة بنسالم حميش ضمن 'أسوأ شخصيات السنة' على المستوى المحلي. وضمّتْ اللائحة 11 شخصية تتقلد مسؤوليات كبرى في مجال السياسة والإعلام وتسيير المؤسسات والأقاليم والمدن. والواقع أن وجود بنسالم حميش ضمن تلك اللائحة لم يكن اعتباطيا ولا مفاجئاً للمتتبعين للشأن الثقافي بالمغرب. كما أن المعايير التي استندت إليها الصحيفة المشار إليها في إطلاق ذلك اللقب على الوزير المذكور استمدت مقوماتها الموضوعية من سيرة الرَّجل الوزارية التي تناقلتها الألسن طيلة عام 2010، وتداولتها المنتديات الثقافية والاجتماعية والإعلامية، وانتشرت داخلياً وخارجياً انتشار النار في الهشيم عبر الرسائل والمواقع الإلكترونية وغيرها. وطيلة العام، كان حميش موضع تندر وسخرية من طرف العديدين ممن كانوا يترصدون 'سقطاته' الكثيرة التي توالت الواحدة تلو الأخرى، مما تبيّن معه أن المسألة لا تتعلق بزلاّت لسان ولا بسوء تقدير، وإنما بفشل ذريع في تدبير القطاع وأيضا في إدارة العلاقات بين الجالس على الكرسي الوزاري وباقي مصالح وزارة الثقافة، وبينه وبين شرائح المثقفين أفرادًا وجمعيات ونقابات.
وكان المعرض الدولي للنشر والكتاب الذي احتضنته مدينة الدار البيضاء أوائل شباط (فبراير) نموذجاً جلياً لانزلاقات 'السياسة' الثقافية للوزير حميش، حيث بدت تلك التظاهرة مثالا صارخا لسوء التنظيم ولضعف البعد الثقافي، ولم تنقذها سوى حركية ونشاطات 'مجلس الجالية المغربية في الخارج' الذي احتفى بأدباء المهجر ضمن رواقه الباذخ. ووجد وزير الثقافة ذاته محرجا وهو يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من خلال قيامه بنفسه بتنشيط بعض الندوات واللقاءات، بعد قرار المقاطعة الذي اتخذه العديد من الكتاب والمبدعين المغاربة، احتجاجا على حرمانهم من تعويضات المشاركة في اللقاءات (وهي تعويضات مادية هزيلة أصلا). واضطر الوزير، في ما بعد، إلى إصدار بلاغ يعد فيه بإيجاد حل للمشكلة وبالزيادة في قيمة التعويضات. كما استغرب الكثيرون لجوء حميش إلى تأجيل حفل تسليم 'جائزة المغرب للكتاب' الذي كان يقام عادة خلال افتتاح 'المعرض الدولي للنشر والكتاب'، وفسر متتبعون ذلك التأجيل بتسريب نتائج لجنة تحكيم الجائزة إلى الصحافة والرأي العام قبل الإعلان الرسمي عنها.
الزوبعة حول صاحب 'مجنون الحكم' لا تهدأ يوما إلا لتتوالى أياما وشهورا. هناك من احتج على تعيينات في ديوان الوزير وفي مناصب المسؤولية داخل الوزارة، وقال إن الجانب الشخصي ـ لا المهني ـ هو من تحكم في تلك التعيينات، التي أعقبتها أيضا استقالات... وكان المشهد في منتهى السخرية والتذمر كما لاحظ المتتبعون: وزير يغيّر مستشاريه ومستشاراته بين عشية وضحاها كما يغيّر ربطات عنقه أو شيئا آخر، ويضرب حوله وأيضا بينه وبين أقسام الوزارة حائطا إسمنتياً من الصمت والتجاهل واللامبالاة.
وتتوالى المشاهد الباعثة على المزيد من التندر
ـخلال المهرجان الوطني للمسرح في مدينة مكناس وفي غمرة حفل التكريم الذي نظمته وزارة الثقافة للممثلين المغربيين عبد العظيم الشناوي وفاطمة وشاي، ارتجل الوزير كلمة اعتبر فيها أن عبد العظيم الشناوي ممثل.. 'مصري' معروف ولا يحتاج إلى تقديم، مما أثار اشمئزاز الحاضرين واستغرابهم ـ المشهد الثاني: خلال الدورة الأخيرة للمعرض الدولي للنشر والكتاب بمدينة الدار البيضاء، قدم حميش المستعرب الأمريكي روجي ألان على أنه وودي ألان، الممثل الأمريكي الشهير، مما خلف موجة من الصفير والضحك عليه داخل القاعة.
ـ المشهد الثالث: خلال حفل تسليم جائزة 'ابن خلدون ـ سنغور' للباحث عبد السلام الشدادي في المكتبة الوطنية بالرباط، راح بنسالم حميش يتحدث عن نفسه ويستعرض صلاته بابن خلدون متحدثا عن دوره الكبير (هو شخصياً) من أجل التعريف بالخلدونية، في لمز وغمز تجاه الشدادي، مفادهما: إنني كنت سباقا قبلك للفت النظر لابن خلدون. وواصل الوزير كلامه عن نفسه وعن الريادة التي حققتها دراساته عن ابن خلدون، إلى جانب أستاذين ذكر منهما واحدا هو المفكر الكبير محمد عابد الجابري، فيما تظاهر بنسيان اسم المفكر الثاني، واكتفى بالقول: إنه سفيرنا الحالي في لبنان، هنا تدخلت القاعة منبهة إلى أن المعني بالأمر هو الأستاذ علي أومليل. وأفاد مصدر إعلامي أن عددا وافرا من المثقفين والأكاديميين الحاضرين أعلنوا استياءهم من سلوك الوزير، فيما قاطع المحتفى به عبد السلام الشدادي حفل العشاء الذي أقيم على شرفه في نفس الليلة. وأشار المصدر ذاته إلى أن الوزير المذكور أبى إلا أن يلقي كلمته باللغة الفرنسية، رغم أن الجهة المنظمة (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) وفرت ترجمة فورية عالية الجودة من وإلى اللغة العربية للكلمات الرسمية الملقاة خلال الحفل.
نقاشات حول الأزمة
تمخض عن احتجاجات المثقفين المغاربة على الوضع الثقافي الحالي تأسيس 'المرصد المغربي للثقافة'، ومن أبرز محتضني هذا الإطار الجمْعي الأديب والباحث شعيب حليفي، الذي أوضح أن المرصد يسعى للتأكيد على أدوار المثقف في المجتمع وإعادة الاعتبار لقيمته الرمزية وإبراز دوره التأسسيسي لكل المبادئ الإيجابية بعيدا عن ضغوط السياسي والثقافي في علاقتهما بالسلطة. وشرع مؤسسو المرصد في عقد لقاءات حول الوضع الثقافي الراهن بعدد من المدن المغربية، كما أصدروا بيانا دعوا فيه المثقفين المغاربة إلى مقاطعة أنشطة وزارة الثقافة وجائزة المغرب للكتاب. وكتبوا بهذا الخصوص في بيانهم المعمم على وسائل الإعلام: 'منذ عقود والثقافة المغربية تتعرض لحرب مُعلنة عُنوانها التهميش والتبخيس للثقافة الوطنية، مقابل تسييد أشكال ثقافية غريبة عن هويتنا.. حتى تأكد أن الوعي السياسي للنخبة 'الساهرة' على الشأن المغربي، أزاح نهائيا من برامجه أي مشروع حقيقي ينهض بثقافتنا في سياق تنموي واضح. وقد كانت للمرصد المغربي للثقافة مبادرات متعددة للفت الانتباه ووضع أكثر من نقطة نظام، ستأتي بعدها مبادرات أخرى فردية وجماعية في نفس الاتجاه ، دون أن تحرك الجهات الوصية على الثقافة أو السلطة الحكومية بالمغرب ساكنا أو تعبر عن رغبة في الإنصات وإيجاد حلول تتجاوز التدبير الارتجالي. وبعد استشارات واسعة مع أصدقائنا من المثقفين في مجموع المغرب، وانطلاقا من الإجماع على أزمة في التدبير انعكست على صورة الثقافة المغربية والوضع الاعتباري للمثقف والاختلالات الخطيرة، فإن المرصد المغربي للثقافة يدعو كافة المثقفين إلى المزيد من التعبير عن احتجاجهم واتخاذ مواقف حضارية ذات دلالة من خلال: الإمساك عن المشاركة، المباشرة أو غير المباشرة، في الندوات واللقاءات الثقافية في الدورة 17 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء. مقاطعة الترشح لجائزة المغرب برسم دورة 2010 في كل فروعها، وذلك لغياب الشفافية والوضوح في المعايير وكثرة التدخلات والترضيات واحتجاجا على غياب سياسة واضحة في مجال نشر الكتاب ودعمه، والاستمرار في اتخاذ قرارات مرتجلة في النشر على نفقة الوزارة للمقربين مع تعطيل وتهميش اللجان العلمية المقررة'.
وبالموازاة مع هذه الحركية، شهدت الساحة الثقافية المغربية نقاشا أثراه النداء الذي أطلقه الشاعر عبد اللطيف اللعبي تحت عنوان 'من أجل ميثاق وطني للثقافة'، استهله بالكلمات التالية: 'عرفت الساحة الوطنية في الآونة الأخيرة هزة غير اعتيادية. وبغض النظر عن تجلياتها الظرفية (السخط العارم الذي انتاب وسط المثقفين على اثر بعض القرارات الهوجاء المتخذة من طرف وزير الثقافة الجديد)، فلقد كان لهذه الأزمة نتيجة إيجابية تكمن في انتعاش الجدل حول حقيقة أوضاعنا الثقافية ورهانات الثقافة في بلادنا. كيف لا أثمن هذه الصحوة، خصوصاً وأنني لم أكف، خلال السنوات الأخيرة، عن تنبيه الرأي العام والمسؤولين السياسيين على السواء إلى تلك المفارقة المتمثلة في الترويج لمسار الاختيار الديمقراطي، الحداثة، التنمية البشرية والمستدامة، والمشروع المجتمعي الجديد حتى، والقفز في نفس الوقت على المكانة التي يجب أن تحظى بها الثقافة في مسار مثل هذا، والدور الحاسم الذي يمكن أن تضطلع به فيه. ومن ثم، سبق لي أيضا أن ناديتُ إلى قلب للمعادلة يسمح باعتبار الثقافة كأولوية، كقضية تستحق أن تحتل مركز الصدارة في النقاش الوطني العام'. وأعرب اللعبي عن اعتقاده أن 'الوقت قد حان بالنسبة لكل المتفاعلين في الساحة الوطنية (أصحاب القرار السياسي، أحزاب، نقابات، منتخبين، مقاولين، فاعلين جمعويين، وبالطبع مثقفين ومبدعين) أن يحددوا بكل وضوح موقفهم إزاء الحالة المزرية لواقعنا الثقافي ويدلوا بآرائهم حول الإجراءات الواجب اتخاذها لمعالجة الوضع. وبهذا الخصوص، اقترح صاحب النداء جملة من الخطوات من بينها: وضع مخطط استعجالي لمحاربة آفة الأمية، وتكوين لجنة علمية عليا لتقصي الأوضاع والحاجيات في ميادين التعليم والثقافة والبحث العلمي، وإطلاق تصميم لتغطية الحاجيات الثقافية الأساسية ولا سيما في مجال البنيات التحتية، وإنشاء مركز وطني للفنون والآداب، وإنقاذ الذاكرة الثقافية الوطنية، وتأسيس وكالة لإشعاع الثقافة المغربية بالخارج.
وفي السياق نفسه، وجه الشاعر صلاح بوسريف رسالة مفتوحة إلى وزير الثقافة، مما جاء فيها: 'اسمح لي أن أعبِّر لك عن ألَمي العميق، وهو ليس أَلَماً سعيداً على أية حالٍ، كون المواعيد التي نعتقد أننا نَضربها مع المستقبل، من خلال رهاناتنا الثقافية، المثَقّف هو مَنْ يُؤَجِّلُها، كُلَّما أتيح له أن يكون في موقع القرار، وليس رَجل السلطة الذي عادةً ما يكون واضحاً في اختياراته، وله مواقف لا يتَنَكَر لها'. وأرجع بوسريف الوضع الذي توجد فيه الوزارة إلى غياب الشفافية فيها وفي نشر الكتب وفي تمثيلية المثقفين وغيرهم، وفـي اللقاءات العربيـة والدولية وفي المهرجانات، وفي دعوات المشاركة في المعرض الدولي للكتاب، وفي اختيار أعضاء اللجان المختلفة، وفي طبيعة الأشخاص الذين أصبحوا وَرَثةً لجملة من المهام، التي تُوكَلُ لَهُم، رغم عدم صلة البعض منهم بما يجري في أرض الثقافة.
في دائرة التكريم
بعيداً عن السجالات وقلق الأسئلة، احتفت عدة منظمات ثقافية مغربية بأسماء وازنة في مجالات الفكر والإبداع، وبهذا الصدد نشير إلى الاحتفالية الخاصة التي نظمها اتحاد كتاب المغرب في 'المكتبة الوطنية للمملكة المغربية' بالرباط للكاتب والباحث كمال عبد اللطيف، بمساهمة عدد من أصدقائه المفكرين والنقاد، ومن بينهم: عبد الله ساعف، سعيد بنسعيد العلوي، عبد السلام بنعبد العالي، عبد الإله بلقزيز، محمد وقيدي، نور الدين أفاية، نجيب العوفي. وكان اللقاء فرصة للوقوف عند المجالات الفكرية التي أبدع فيها المحتفى به، وهي الفلسفة اليونانية والأنثروبولوجيا الثقافية والعقد الاجتماعي والفلسفة السياسية الحديثة. كما استحضروا دراسة كمال عبد اللطيف عن شخصية 'سلامة موسى' الذي رام فتح الفكر العربي المعاصر على الدرس الفلسفي وإعادة النظر في العديد من المفاهيم. ومن مفاجآت اللقاء اكتشاف الوجه الآخر للمحتفى به هو وجه الأديب، حيث قرأ نصا أدبيا بعنوان: 'اليد الأخرى من مواجع الدماغ المسلية'، اعترف فيه بأنه كان يجهل الوظائف الكبيرة التي تقوم بها اليد، ولم يعرف قيمتها إلا حينما توقفت يده اليمنى عن الحركة وسقط القلم من بين أنامله، ولم يستطع التقاطه، وأدرك التمييز الذي كان يقيمه بين اليمنى التي تقوم بالدور الكبير، واليسرى التي توظف عند الحاجة.
وقام 'نادي الكتاب بالمغرب' بتكريم الشاعر والباحث محمد السرغيني خلال فعاليات 'مهرجان فاس المتوسطي للكتاب' الذي احتضنته مدينة فاس أواسط عام 2010 تحت شعار 'أصوات ومسالك متوسطية'. وخصص المهرجان لشيخ الشعراء المغاربة جائزة تقديرية اعترافا للخدمات الجليلة التي أسداها للثقافة والإبداع وللبحث الجامعي بالمغرب. وتكريماً ووفاءً للمسار العلمي للباحث في علم الاجتماع محمد جسوس وتعريفا بأعماله، نظمت 'مجموعة الأبحاث والدراسات السوسيولوجية' بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط ندوة علمية حول موضوع 'السوسيولوجيا والمجتمع: قراءة في كتابات ومسار محمد جسوس'. وأكدت الجهة المنظمة أن المحتفى به يعتبر بمثابة علامة فارقة في تاريخ السوسيولوجيا المغربية، بالنظر إلى الدور المتميز الذي لعبه منذ نهاية ستينات القرن الماضي في تكوين أجيال عديدة من السوسيولوجيين، وبصفة خاصة في انفتاح الجامعة المغربية الناشئة على مقاربات نظرية وممارسات ميدانية جديدة سمحت بتأسيس خطاب سوسيولوجي متميز بعقلانيته ونزعته النقدية من جهة، وبحرصه على التقيد بالاشتغال في حدود العلم ووفق ضوابط ومقتضيات كانت بدورها في طور التأسيس، ساهم محمد جسوس بحظ وافر في تقعيدها وترسيخها.
ومن الشخصيات الثقافية الأخرى التي كانت موضع احتفاء خلال 2010، الباحث الدكتور عباس الجراري الذي أقيم على شرفه بمسرح محمد الخامس في الرباط عرس فني تراثي، باعتباره مؤسسًا للبحث الأكاديمي في فن 'الملحون'، بحضور نخبة من كبار الفنانين والجامعيين والإعلاميين. وبمدينة آسفي، نظم أيضا حفل تكريم للشخصية نفسها. وتخللت هذا الحفل الذي نظمته جمعيتا 'الحاج محمد بن علي المسفيوي لطرب الملحون' و'جمعية الشباب للموسيقى بأسفي' أمداح نبوية مشرقية ومغربية وقصائد في فن الملحون برعت في أدائها عزفا وإنشادا نخبة من المواهب الفنية المحلية. على صعيد آخر، أصدر 'المركز المغربي متعدد التخصصات للدراسات الاستراتيجية والدولية' كتابا بعنوان 'النهر الخالد' تكريما للأستاذ عباس الجراري. ويتضمن الكتاب، الصادر باللغتين العربية والفرنسية، شهادات قدمت في حق الأستاذ الجراري على هامش 'المنتدى الثالث حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي' الذي نظم أواخر عام 2009 بمدينة فاس بمشاركة شخصيات مغربية وأجنبية.
واحتفى 'نادي الهامش القصصي' في مدينة زاكورة بالقاص أحمد بوزفور من خلال إطلاق اسمه على ملتقى للقصة القصيرة، باعتباره أحد روادها في المغرب (من أعماله 'الغابر الظاهر' و'النظر في الوجه العزيز' و'صياد النعام'). كما كرم الملتقى القاصة مليكة نجيب التي رأت في هذه المبادرة التفاتة لكاتبة تنتمي إلى الهامش، قذفتها الرياح حافية الاتجاه إلى محطة بالمركز صدفة. وقد صدرت للكاتبة عدة مجموعات قصصية من بينها: 'الحلم الأخضر'، 'لنبدأ الحكاية'، 'السماوي'، 'وانفجرت ضاحكة'.
وفي رواق 'باب الرواح' بمدينة الرباط، نظم اتحاد كتاب المغرب وبيت الشعر في المغرب حفلا تكريميا للفنان التشكيلي عبد الله الحريري، حمل عنوان 'جماليات الكتاب المغربي'، وشارك فيه مجموعة من الأدباء والنقاد والفنانين بشهادات في حق الحريري تقديرا لعطاءاته التشكيلية والحروفية، فضلا عن مساهماته في مجال النشر والكتاب بتصميم وإنجاز أغلفة كتب مغربية وملصقات مختلفة. كما اشتمل الحفل على قراءات شعرية قدمها الشعراء عزيز أزغاي ومراد القادري وإكرام عبدي وحفصة البكري الأمراني وعلي البزاز.
واحتضنت دار الثقافة 'محمد المنوني' بمدينة مكناس، ضمن 'المعرض الجهوي للكتاب'، احتفالية تكريمية لأستاذ الأجيال بالمغرب الناقد والباحث الدكتور حسن المنيعي، نظمها 'المركز الدولي لدراسة الفرجة' و'جمعية الباحثين الشباب في اللغة والآداب بمكناس' و'المديرية الجهوية' لوزارة الثقافة بهذه المدينة. وتمحورت أعمال الندوة التكريمية حول مواضيع: النقد والمسؤولية، والممارسة النقدية بين الحقلين الأكاديمي والثقافي، والنقد والأجناس الأدبية، والنقد ونقد النقد، شارك فيها عدد من النقاد والباحثين. كما وقع الدكتور حسن المنيعي أحد إصداراته الصادرة عن 'المركز الدولي لدراسة الفرجة'. وفي المدينة نفسها احتفت 'المديرية الجهوية للثقافة' بالمبدع والباحث الدكتور عبد الرحمن بن زيدان من خلال تقديم وتوقيع كتابه الأخير 'التشكيل المغربي بلغة الذاكرة'، وشكل هذا الاحتفاء مناسبة لإبراز قيمة هذا المؤلف الذي يعد ثمرة تفاعل إبداعي لناقد استطاع أن يغوص في عالم الفنون التشكيلية بمكناس والاشتغال على الذاكرة من خلال إبراز معالم هذا الفن لدى مجموعة من الفنانين الذين جمعهم فضاء مكناس الجغرافي بينما اختلفت رؤاهم وتوجهاتهم التعبيرية عن تاريخ وحالات هذه المدينة التي ألهمتهم.
وفي المجمع الثقافي 'الحرية' بمدينة فاس، نظم مجلس المدينة وصحيفة 'الإنماء' حفل تكريم للكاتب محمد أديب السلاوي بمشاركة عدد من الكتاب والنقاد والصحافيين رفقاء الكاتب في مسيرته الإعلامية والثقافية والسياسية، واعتبر المشاركون في الحفل أن السلاوي من بين الكتاب المغاربة القلائل الذين يتميزون بالشمولية، إذ تتعدد اهتماماته بين الصحافة والأدب والنقد المسرحي والتحليل السياسي الاجتماعي. كما كان الحفل مناسبة للمؤلف لتوقيع بعض إصداراته الحديثة: 'التشكيل المغربي البحث عن الذات' و'السلطة المخزنية، تراكمات الأسئلة'. وكرمت وزارة الثقافة خلال المهرجان الوطني للمسرح في دورته الثانية عشرة بمدينة مكناس علمين من أعلام الفن المغربي هما الممثلة فاطمة وشاي والممثل والإعلامي عبد العظيم الشناوي. كما كانت الممثلة أمينة رشيد موضع تكريم خلال الدورة الخامسة لمهرجان المسرح الجامعي الذي نظمته جامعة محمد بن عبد الله بمدينة فاس.
وفي مدينة مراكش، كرم المهرجان الوطني للفيلم وجهين سينمائيين مغربيين هما: الممثل الراحل العربي الدغمي (الذي اشتهر بأدواره المتعددة في مجموعة من المسرحيات والأفلام المغربية والأجنبية منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي حتى قبيل رحيله عام 1994) والمخرج محمد عبد الرحمن التازي صاحب عدة أفلام: 'البحث عن زوج لامرأتي، 'للاحبي'، 'باديس'، 'جارات أبي موسى' وغيرها. واحتفى المهرجان الوطني للفيلم التربوي في مدينة فاس بالممثل عبد القادر مطاع. وكرم مهرجان سينما بلدان البحر الأبيض المتوسط في تطوان الممثل محمد بسطاوي بجانب وجوه فنية أجنبية.
جوائز محلية وعربية وعالمية
كانت 2010 أيضا سنة تتويج عدد من الأدباء والمبدعين والفنانين المغاربة بجوائز رفيعة، منها ما هو محلي ومنها ما هو دولي: فقد منح 'بيت الشعر في المغرب' جائزته العالمية 'الأركانة' للأديب الطاهر بن جلون تقديراً لموهبته الشعرية التي كانت سابقة لاهتمامه بالسرد، وكذلك عرفاناً لانشغاله بالدفاع الفكري عن القضايا الإنسانية النبيلة المتمثلة في الحرية والكرامة والحوار بين الحضارات. ولتقريب جمهور الأدب من الوجه الشعري لبن جلون، أصدرت المؤسسة الأدبية المذكورة كتابا بعنوان 'ظلال عارية' يضم مختارات من أشعاره ترجمها من الفرنسية إلى العربية الناقد خالد بلقاسم.
وحصل الشاعر محمد بنيس على 'الجائزة المغاربية للثقافة' التي تسلمها من الرئيس التونسي بمدينة القيروان بمناسبة اختتام فعاليات الاحتفال بهذه المدينة العريقة عاصمة للثقافة الإسلامية لسنة 2009. وحظي بنيس بهذا التتويج تقديرا لمجمل إنتاجه الشعري والفكري والنقدي. ونال ثلاثة مثقفين مغاربة ثلاث جوائز من لدن مجلس وزراء الشباب والرياضة العرب، ضمن احتفاليات الدوحة عاصمة للثقافة العربية 2010، ففي صنف القصة القصيرة حصل سعيد الأمين على الجائزة الأولى ومصطفى البقالي على الجائزة الثالثة، وفي صنف البحث العلمي حصل مصطفى الصالحي على الجائزة الثانية. وفي الإمارات العربية المتحدة، نال الباحث المغربي محمد الملاخ 'جائزة الشيخ زايد' فرع (المؤلف الشاب) عن كتابه 'الزمن في اللغة العربية: بنياته التركيبية والدلالية'. ومن إمارة الشارقة، أعلنت دائرة الثقافة والإعلام عن جوائزها الخاصة بالإبداع العربي، إذ منحت الجائزة الأولى في مجال النقد للناقد المغربي محمد تنفو عن دراسته 'القصة القصيرة المغربية: المعايير الجمالية والمغامرة النصية'. وفي أبوظبي، تسلم القاص لحسن باكور جائزة القدس للقصة القصيرة عن نصه المعنون بـ'المصعد'، وسبق للأديب نفسه أن حصل على جائزة دبي للإبداع عن روايته 'شريط متقطع من الضوء'.
وفي العاصمة الفرنسية، منحت جامعة 'باريس أويست نانتير لا ديفانس' الدكتوراه الفخرية لعالمة الاجتماع والأنثروبولوجيا المغربية الأستاذة رحمة بورقية، اعترافا بجهودها في مجال البحث في العلوم الإنسانية وانخراطها في المجتمع المعاصر. أما في مجال الخط العربي، فقد فاز أربعة خطاطين مغاربة بجوائز المسابقة الدولية الثامنة لفن الخط العربي التي أقيمت بأبوظبي والتي نظمها مركز الأبحاث والفنون والثقافة الإسلامية التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. والفائزون هم على التوالي: جمال بنسعيد وعبد الصمد محفاظ ومحمد المعلمين ومحمد تافراوت. وعلى مستوى الفن التشكيلي، حصل الفنان عفيف بناني على جائزة 'اللوحة الذهبية' التي تمنحها 'الجامعة الوطنية للثقافة الفرنسية' سنويا لأحد الأعمال الإبداعية المتميزة على الصعيد الدولي. وحملت اللوحة الفائزة اسم 'المدرسة البوعنانية'.
وفي بيروت، أعلن الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) عن تقديم منح لدعم 54 مشروعا واعدا، من ضمنها ثلاثة مشاريع مغربية، فقد فاز في مجال الأدب كل من الشاعر طه عدنان ومؤسسة 'بيت الشعر في المغرب' إلى جانب 15 فائزا آخر، فيما فاز في مجال البحث والتدريب وبرامج التعاون الثقافي الشاعر محمود عبد الغني إلى جانب ثمانية فائزين آخرين. في مجال الفن السابع، أحرز فيلم 'عند الفجر' للمخرج جيلالي فرحاتي جائزة أحسن سيناريو في مهرجان دبي السينمائي، كما كانت جائزة التصوير من نصيب فيلم 'البراق' لمخرجه محمد مفتكر في نفس التظاهرة. وفاز فيلم 'المنسيون ' للمخرج حسن بنجلون بجائزة أفضل سيناريو خلال الدورة الرابعة للمهرجان الدولي للفيلم العربي في مدينة وهران بالجزائر. وتوج فيلم 'وداعا أمهات' للمخرج محمد إسماعيل بجائزة أحسن إخراج في الدورة الثانية للمهرجان الدولي للسينما والسمعي البصري لبورندي. وفاز السينمائي المغربي بوجمعة راسورانس بجائزة 'الإيمي أواردز لأحسن ديكور لسنة 2010' عن الفيلم الوثائقي 'وكالة المخابرات الأمريكية السرية باكستان الوجه الخفي' الذي أنتجته القناة التلفزيونية 'ناشيونال جيوغرافيك بارك'، وجوائز 'الإيمي أواردز' هي جوائز أمريكية، تسلمها أكاديمية الفنون والعلوم التلفزيونية التي تكرم كل سنة أفضل البرامج وأفضل المهنيين بالتلفزيون الأمريكي، وتعادل تلك الجوائز جوائز 'الأوسكار' في السينما.
على المستوى المحلي، دار سجال حول 'جائزة المغرب للكتاب' برسم دورة 2010، فقد جرت العادة أن يتم الإعلان عن نتائجها خلال اليوم الأول من معرض الكتاب في الدار البيضاء، إلا أن وزارة الثقافة شذّت عن هذه القاعدة، وأرجع متتبعون ذلك إلى تسريب نتائج مداولات لجان التحكيم إلى الرأي العام الثقافي والإعلامي قبل الإعلان الرسمي عنها. كما أثير جدل حول أسباب حجب جائزتي الشعر والترجمة، بل إن شاعرا اعتبر أن إقصاءه من تقييم مجموعته الشعرية المرشحة للجائزة يعود إلى موقف اتخذته منه كاتبة عضو في لجنة الشعر، وهي ـ للتذكير ـ مطلَّقته. وجاءت النتائج على النحو التالي: في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، منحت الجائزة مناصفة لكل من: كتاب 'بين الزطاط وقاطع الطريق: أمن الطرق في مغرب ما قبل الاستعمار' لعبد الأحد السبتي، وكتاب 'من النهضة إلى الحداثة' لعبد الإله بلقزيز. وفي مجال الدراسات الأدبية والفنية، منحت الجائزة مناصفة بين العملين الآتيين: 'في معرفة الخطاب الشعري' لإسماعيل شكري، و'استبداد الصورة: شاعرية الرواية العربية' لعبد الرحيم الإدريسي البوزيدي. بينما قررت لجنة السرود والمحكيات منح الجائزة لرواية 'حيـَواتٌ متجاورة' للكاتب محمد برادة. فيما قررت لجنة الشعر حجب الجائزة لدورة 2009، وكذلك الأمر بالنسبة للجنة الترجمة.
من جانب آخر، كانت جائزة 'الأطلس الكبير ـ المغرب' (التي تمنحها المصالح الثقافية الفرنسية بالرباط لكتاب مغاربة) في دورتها السابعة عشرة من نصيب الكاتبين محمد الواكيرة عن روايته 'لينافووابل' (المسكوت عنه) ومحمد العامري عن ترجمته لـ'كتاب الضحك والنسيان' لميلان كانديرا. وفاز الباحث المغربي عبد السلام شدادي بـ'جائزة ابن خلدون سنغور 2010 للترجمة في العلوم الإنسانية' لترجمته من العربية إلى الفرنسية كتاب'سيرة ابن خلدون الذاتية' (التعريف بابن خلدون شرقا وغربا)، والجائزة من تنظيم 'المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم' و'المنظمة الدولية للفرنكفونية'. أما بخصوص جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب (دورة 2010)، فقد جاءت نتائجها على النحو التالي: جائزة الرواية: فاز بها رشيد بوغانم عن روايته 'جسر العواصم'؛ جائزة القصة القصيرة: فاز بها مناصفة كل من: أيمن قشوشي، عن مجموعته القصصية 'Plagiat'، وتوفيق باميدا عن مجموعته القصصية 'عينان مفتوحتان في الظلام'، فيما نوهت بالمجموعة القصصية 'البياض' لوئام المددي؛ جائزة الشعر: فاز بها نزيه بحراوي، عن مجموعته الشعرية 'مزاج الإوزة'، فيما نوهت لجنة الشعر بالمجموعة الشعرية 'أشياء آبقة من رؤيا' لمحمد العزوزي؛ جائزة المسرحية: فازت بها إيمان بوقايدي الغزاوي، عن مسرحيتها 'حبوب منومة'.
ومنح 'بيت الشعر في المغرب' جائزة الديوان الأول للشاعر يونس الحيول عن ديوانه 'الموت بكل خفة' الصادر عن وزارة الثقافة ضمن سلسلة 'الكتاب الأول'. وبررت لجنة التحكيم اختيارها هذه المجموعة لجمالية لغتها الشعرية ولما تزخر به قصائدها من صور مبتكرة تنم عن اطلاع وتمثل لتجربة الحداثة الشعرية. وآلت 'جائزة أحمد بوزفور للقصاصين الشباب بالوطن العربي' التي ينظمها نادي الهامش القصصي في زاكورة (جنوب المغرب) إلى الكاتبة المغربية نوال الغنم، فيما كانت الجائزة الثانية من نصيب الكاتب العراقي عمار يحيي، والثالثة من نصيب الكاتبة السورية ربا حاكمي. وبلغ عدد النصوص القصصية المشاركة في المسابقة 145 مساهمة من الوطن العربي وخارجه. وفاز الأديب المغربي الشاب نجيب طبطاب بـ'جائزة محمد الوديع الأسفي للشعراء الشباب' في دورتها العاشرة. وحسب بلاغ لـ'جمعية أسيف لحماية التراث الثقافي والمعماري' التي تنظم هذه المسابقة بدعم من وزارة الثقافة، فإنها توصلت بتقرير لجنة التحكيم التي ترأسها الشاعرة ثريا ماجدولين والتي منحت الجائزة للشاعر المذكور عن أضمومته 'عقارب الكلمات'. وضمن جوائزه السنوية، منح 'المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية' جائزته التقديرية للباحث إبراهيم أخياط. كما سلم الجائزة الوطنية للفكر والبحث إلى الباحث الصافي مومن، والجائزة الوطنية للإبداع الأدبي إلى كل من فؤاد أزروال والحسن زهور، والجائزة الوطنية للترجمة إلى كل من العربي مموش وعمر أفا وإبراهيم شرف الدين.
حرقة الفراق
بألم وحسرة كبيرين ودعت الساحة الثقافية المغربية خلال عام 2010 عددا من وجوهها البارزين في مجالات الفكر والأدب والفن والإبداع. فبعد حياة حافلة بالإنجازات الفكرية والفلسفية رحل المفكر محمد عابد الجابري مخلفا وراءه العديد من المؤلفات القيمة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر: 'نحن والتراث'، 'الخطاب العربي المعاصر'، 'بنية العقل العربي'، 'في نقد الحاجة إلى الإصلاح'، 'مدخل إلى القرآن'، 'فهم القرآن'... والمتتبع لمسيرة الرجل يلاحظ أنها لم تقتصر على رصد قضايا أكاديمية بلغة العارفين وبرؤية عقلية مجددة، بل إنها شملت مجموعة من الإشكالات المتعلقة بمجالات الفكر والإسلام والتربية والسياسة وغيرها. فإلى جانب وقوفه طويلا عند قضية الهوية العربية، وكذا العولمة في الساحة الفكرية العربية، ورصده الواقع العربي مع استحضار مقولات لابن رشد وابن خلدون وماركس، نجده يتمحص ويحلل عددا من المفاهيم الإسلامية (كمفهومي دار الإسلام ودار الحرب، والخلافة والإمامة والأحكام السلطانية والجهاد والشهادة والعقل والإيمان والحجاب...) كما يدلي بدلوه في معنيي الإرهاب والمقاومة. وكان الجابري كذلك منشغلا بسؤال جوهري لخصه في العبارات التالية: 'كيف يمكن للفكر العربي المعاصر أن يستعيد ويستوعب الجوانب العقلانية في تراثه، ويوظفها توظيفا جديدا؟'.
كما رحل الروائي إدمون عمران المالح صاحب 'المجرى الثابت' والذي عُرف بحرصه الدائم على إدانة الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية، كما أنه ـ وهو اليهودي الذي لم يتنكر لهويته وانتمائه ـ اشتهر بمساندته كفاح الشعب الفلسطيني. ويتذكر الكثيرون كيف أنه تسبب ـ قبل بضعة شهور من وفاته ـ في إحراج منظمي ندوة دولية أقيمت بمقر 'المكتبة الوطنية' في الرباط حينما هاجم طريقة توظيف موضوع محرقة اليهود على عهد النازية (المعروفة بـ'الهولوكوست') لأهداف سياسية وإيديولوجية تخدم 'إسرائيل'.
والتحق بالرفيق الأعلى المرحوم أحمد عبد السلام البقالي الذي يعتبر من رواد روايات الخيال العلمي والقصة البوليسية في المغرب والعالم العربي، ومن إبداعاته بهذا الخصوص 'الطوفان الأزرق' و'أماندا وبعدها الموت'، كما خلف الراحل أعمالا شعرية ونصوصا مسرحية وأخرى موجهة للأطفال، بالإضافة إلى اشتغاله على ترجمة نصوص أدبية من الريبرتوار العالمي.
كما ودع الحياة الشاعر منير بولعيش بعد إصابته بمرض عضال، مخلفا وراءه ديونا يتيما يحمل عنوان 'لن أصدقك أيتها المدينة'.
ورحل إلى دار البقاء كذلك القاص المختار ميمون الغرباني وذلك على اثر حادثة سير مفجعة، ومن أبرز إنتاجات الراحل المجموعة القصصية الموسومة بـ'فتنة المساءات الباردة'.
ولبى نداء ربه الأستاذ عبد اللطيف بنمنصور، أحد أبرز أعلام فني المديح والسماع في المغرب ومن رواد الموسيقى الأندلسية ومن المجددين في هذه الفنون التراثية، حتى استحق لقب شيخ المادحين والمسمِّعين والمنشدين المغاربة.
وتوفي أيضا الفنان حسن عريس خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي، والذي عمل مخرجا مساعدا في العديد من الأفلام المغربية والأجنبية، كما أخرج مسرحيات من الريبرتوار العالمي، ومثّـل في المسلسل التلفزيوني 'العين والمطفية'، وخاض تجارب في إخراج أفلام قصيرة وصل عددها إلى ستة، من بينها 'خيانة'، 'اختطاف'، 'بانوراما'..
وانتقل إلى دار البقاء الصحافي والناقد السينمائي نور الدين كشطي على اثر حادثة سير مفجعة، لمّا كان عائدا من مدينة مارتيل (شمال المغرب)، بعد مشاركته في مهرجانها السينمائي.
وتوفيت الممثلة عائشة مناف بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وكانت طيلة فترة مرضها محاطة بتعاطف العديد من الفنانين وعموم الجمهور، خاصة وأن مرضها تزامن مع بث القناة الثانية المغربية لمسلسل 'احديدان' الذي شاركت فيه والذي حظي بنسبة مشاهدة عالية.
كما فقدت الساحة الفنية المغربية الفنانة التشكيلية المهاجرة سعدية بيرو التي وافتها المنية بمدينة الصويرة عن عمر يناهز 47 سنة بعد مرض مفاجئ. وقد عُرفت الفنانة الراحلة التي عاشت عدة سنوات في ألمانيا، بأسلوبها الذي يجمع بين التعبيرية والتجريدية.
عن (القدس العربي)