إشراقات المشهد المسرحي المغربي ومفارقاته: الحصاد المسرحي لـ2006
أهم ما تميزت به سنة 2006 في المسرح المغربي، استمرار انتظامات الشأن المسرح وهذه الانتظامات لا تخرج عن السياق العام لانتظام الشأ الثقافي باعتبار المسرح هو رأس الرمح في هذا الشأن الثقافي العام، لأنه مجال الديمقراطية والحرية والإبداع في تواصل تام مع معطيات المجتمع وشروط انواجده التاريخي، حيث يوجد المجتمع المغربي الآن وهنا في خضم انجدابات داخلية وخارجية مما يفرض عليه في هذا الخضم الحفاظ على مقومات كينونته بما في ذلك قيمه وإعادة إنتاجها والاستجابة للاشتراطات التي يفرضها عليه تحقيق انتمائه لهذا العصر الموسوم بعصر التدفق المعرفي والمعلوماتي..الذي تحدد وفرته سياسة العولمة التي من سماتها التوحد والتنميط مع منطق علاقات الإنتاج الجديدة كمجتمع للاستهلاك ولعل هذه أعلى مراحل الاندماج في النمط الكولونيالي الجديد. حيث لا قيم تسود غير التواكل، مما يطرح سؤال كيفية إعادة إنتاج قيم هذا المجتمع بما يعنيه معنى إعادة الإنتاج في فرض نوع من التوازن بين هذه القيم والقيم الجديدة المسنودة بمجموعة من المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحدد هوية الانتماء ومن هنا انجذبات الممارسة المسرحية باعتبار المسرح هنا قيمة ثقافية وحضارية ينتجها المجتمع انطلاقا من تمثله لذاته وانبثاقا من هويته مما يعني أنه فعلا مسرحا وطنيا، لكن، هل يتماثل شرطه في الوجود هنا مع ما تأتى به مقتضيات الانتظام المشار إليها والتي هي سمة من سمات حضور التدخل السياسي لإجراءات هذا الانتظام في الشأن، إذ لم توجد سياسة الدعم إلا وفق استراتيجية إيجاد تقليد مسرحي سنوي يرتكز على التشغيل من جهة والترويج المسرحي وشيوعه بما يعادل ثلاثمائة يوم في السنة على الأقل وهي تغطية يمكنها أن تجعل من الإنتاج المسرحي يمس أكبر شريحة في المجتمع. غير أن منطق هذه الاستراتيجية في سياسة الدعم تبقى محصورة في بعدها الاستهلاكي، وهذا البعد يجد مصداقيته في محدودية ترويج العروض المسرحية بالمغرب ويعطي الممارسة المسرحية استمرارها وتواصلها المنشود، غير أن آليات تفعيل هذا البعد موقوف التنفيذ حيث لا نجد في أحسن الأحوال أن العروض المسرحية المدعمة والمنتجة فعليا لا تقدم حتى في سقف ما هو مطلوب منها عشرة عروض على الأقل وهذا راجع من جهة للفرق ذاتها ومن جهة ثانية لوزارة الثقافة الراعية لهذا المشروع الذي هو مشروع يستجيب لمطلب المسرحيين لأنه لا يعقل أن تواصل مندوبيات وزارة الثقافة المتواجدة في كل ربوع الوطن هذه المهمة، إضافة لعدم تفعيل آليات التنسيق بين الوزارة المعنية ووزارة الداخلية خاصة المديرية المكلفة بالمجالس الجهوية والجماعات المحلية المنتخبة وكذلك بين هذه الوزارة ووزارة التربية الوطنية وكتابة الدولة المكلفة بالشباب وهنا مكمن قوة استراتيجية سياسة الدعم وهذا الارتقاء بها من منطق العرض <عرض الإنتاج المسرحي وترويجه> الى تحديد اختيار جمالي فني يساعد على إعادة إنتاج القيم الوطنية والحفاظ على الهوية أمام استشراء منطق الاستهلاك الفني الذي يفرضه منطق العولمة والذي أصبحنا منخرطين فيه على مستوى السوق المفتوحة وما يفرضها من منافسة قد لا نكون في مستوى مواجهتها أو حتى التحكم فيها بما يتوفر لدينا من إمكانات حالية والتي نجد استراتيجية سياسة الدعم تترك لها الباب مشرعا دون حماية للذوق الفني التواق للبحث عن هويته أمام هذا الزخم الذي لفرز منتجات سوق العولمة في ميدان الفرجة المسرحية، كما أن شروط الفرجة أساسا يفترض وجود هذه الذات والتي تبقى كامنة في تعدد وتنوع فرجاتنا الثاوية خلف هويتنا أعتقد أـن هذا التفاعل بينهما يسن من قوانين خاصة في مجال سياسة الدعم والإنتاج الثقافي وحتى في السينما هو ما يجعل المشهد المسرحي في بلادنا يبدو متعثرا ومتدبدبا إضافة للتكوين الثقافي العام والفني خصوصا لدى بعض الممارسين المسرحيين والذين لا يشدهم لهذه الممارسة إلا نازع التشغيل والحاجة اليومية زيادة على كون الوعي السياسي أصبح يتبلور في الاقتناع بالمحافظة على المكاسب وهذا ما يتجلى في نزعات البحث عن زعامات وريادات وهمية. وضمن هذا السياق أشير الى وجود إشراقات واضحة لدى المسرحيين المغاربة تجلت في المهرجان الوطني الثامن للمسرح الاحترافي الأخير والذي أبان مبدعونا على تمكن مهني وفني يستجيب لمتطلبات مرحلة الانجدبات هاته ويسايرها بوعي مثل عروض مسرحية نوستالجيا، والريح، وشمعة والبسايطية. وفي نفس سياق الانتظامات نجد الاهتمام بالتغطية الصحية والتي أكدت الاستجابة لمطلب يراعي حق المبدعين وكل المبدعين دون اعتبار لحساسيات الزعامة والريادة وهذا ما يتم فعلا على أمل أن يستكمل هذه التغطية بالجانب الاجتماعي وتسهيل مأمورية التنقل. وإن كانت سياسة الدعم المسرحي قد ساعدت على تحريك آلية الإنتاج فإنه أرفقت بدعم الترويج المسرحي والتي أضافت آلية جديدة لإسعاف الإنتاج المسرحي المدعوم أو غير المدعوم على تحقيق نسبة مهمة في المشاهدة المسرحية وتلقي العرض. غير أن الاعتوارات المشار إليها في عدم تفعيل الآلية الإدارية جهوية واقليميا لم تكن في المستوى وبقيت فعلا اعتوارات تحول دون بلوغ المرجو من إستراتيجية سياسة الدعم والترويج بالإضافة لإغفال آلية التنسيق وتفعيل الاتفاقات والتعهدات على المستوى الرسمي. وضمن هذا الاتجاه تحاول كتابة الدولة في الشباب العمل على إرساء تجربة مسرح الشباب من خلال آلية المهرجان الوطني لمسرح الشباب وهذه المحاولة لازال يحكمها منطق البديل عن مسرح الهواة، الشيء الذي يجعلها تمثل رد فعل أكثر من الفعل ذاتها، فبالقدر الذي تنخرط فيه هذه الوزارة في هموم هذا الإرساء تتجاهل مسرح الهواة بتاريخه الحافل بالعطاء والإشراق حيث كان بحث يمثل الوجه المضيء للممارسة المسرحية المغربية فإن كانت إرادة الزعامات والريادة والاستفراد هي التي تعطل تاريخه فإن هناك إرادة الحفاظ على إشراق المسرحي المغربي وذاكرته وانفتاح شرايينه على التجارب الإنسانية وما يمثله القطاع الشبابي في بلادنا والذي هو فترة الفورة العطاء حيث تأكد ذلك وبالملموس عندما كان حضور مسرح الهواة هو الحضور القوي للمسرح المغربي ولعل غياب أو تغييب هذه التجربة قصرا وضمن منطق التجادبات الذي أعطى الركود للحركة المسرحية وعدم وجود أصداء لها حاليا سببا من أسباب هذا الركود وكتابة الدولة في الشباب غير معفية وغير بريئة في فهمها الجديد هذا والمتمثل في التناسي وترك الحبل على الغارب بل إنها تتحمل المسؤولية في مآل مسرح الهواة، لأن الطرف الآخر يعلق كل تصرفاته اللاديمقراطية والساعية بوعي أو بغير وعي لوأد هذا المسرح ولأنه لا يكفي أن نجد بديلا عن مسرح الهواة بإيجاد مسرح الشباب فأهلا وسهلا بمسرح الشباب لكن في حضن مسرح الهواة لأنه مسرح شبابي بالدرجة الأولى. وغير بعيد عن تجربتي مسرح الشباب ومسرح الهواة المأسوف عليه نجد تجربة المسرح الجامعي تتواصل بانتظام بأكادير والدارالبيضاء وبدماء جديدة وبانفتاح على التجارب الدولية . وفي إطار مهرجانات المسرح بالمغرب هذه السنة تواصلت انتظاماته على مستوى المسرح الاحترافي بمراكش وفاس تحت مسؤولية المكتبين الجهويين لفرعي مراكش وفاس وفي مدينة يعمل المسرحيون على إرساء تجربة مهرجان المسرح المغاربي خلال شهر ماي من كل سنة حيث كانت هذه السنة الدورة الثانية.وقد توجت هذه السنة تجربة المسرح المدرسي التي تواصلت داخل المؤسسات طيلة عشرين سنة بتوقيع شراكة بين جمعية تنمية التعاون المدرسي والمعهد الدولي للمسرح المتوسطي بمدريد حيث جاءت هذه الشراكة ثمرة لجهود في الانخراط في برنامج المعتمد والذي تميز بمشاركة مسرحية مغربية في المسرح المدرسي بتمثيل فرع الجمعية لبناية البرنوصي التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالدارالبيضاء الكبرى، للتجربة المسرحية المدرسية المغربية في ثقافة السلام بالمهرجان الدولي بمدريد خلال شهر نونبر 2006. كما تواصل مهرجان المسرح الأمازيغي الذي يأتي في ظل التنوع والتعدد الثقافي واللساني للمغرب، وقد عكست هذه التجربة وبعمق الوجدان المغربي وأحاسيسه الناشدة المساهمة في بناء صرح ثقافة وطنية ديمقراطية وتعتبر مجهودات رواد هذا المسرح نتيجة لما تبلور لديهم من تجارب في المسرح المغربي عامة الشيء الذي مكنهم من التعبير عن هذه الأحاسيس والمشاعر في عمق ثقافتنا الشفاهية بالخصوص. أما على مستوى الإصدارات التي تواكب هذه الممارسة المسرحية صدر كتاب حول المسرح للدكتور سعيد الناجي، وكتاب المسرح والتراجيديا للدكتور عبدالواحد بنياسر وهو في الأصل أطروحة جامعية، وكذلك صدر في مجال المسرح المدرسي كتاب المسرح مدخل لقراءة النص الدرامي لسالم اكويندي، وكتاب أصول التخييل المسرحي مقاربة أنتروبولوجية للمسرح والثقافة الشعبية، وعلى مستوى النصوص فقد صدر للمؤلف الزبير بن بوشتى نص درامي في كتاب النار الحمرا، والمؤلف الشاب محمد زيطان نصان مسرحيان في كتاب، وللأستاذ عبدالهادي عبدالمطلب عشرة نصوص مسرحية في كتاب يخص المسرح المدرسي وصدر مسلسلا في جريدة النهار المغربية كتاب الدكتور عبدالكريم برشيد والذي حظي بتكريم هذه السنة بمهرجان المسرح بدمشق رفقة الممثلة المقتدرة ثريا جبران. إن هذه الدينامية التي يعرفها المسرح المغربي خلال هذه السنة تنبئ بعودة الحيوية للمسرح المغربي استشرافا لما كانت عليه هذه الممارسة وإن كانت إستراتيجية سياسة الدعم والترويج قد أعطته بعض الانتعاش فإن هذه الإستراتيجية يجب أن تتوجه نحو إرساء جمالي تذوقي نوعي يعيد استقطاب الجمهور والاستجابة لحاجياته في مرحلة الحراك الاجتماعي والثقافي الذي يعرفه المغرب حتى يتم الرفع من مستوى هذه الذائقة الرفيعة وبالتالي بلوغ اختيارات أنسب يكون لها أكبر الأثر على ما يعرفه الإنتاج الدرامي والتلفزي والذي يمس أكبر شريحة من هذا الجمهور لأن الارتقاء بالتذوق الجمالي في الفرجة الدرامية يبدأ من المسرح وقد عبر الجمهور المغربي عن هذه الاختيارات كلما كان الإنتاج المسرحي في أفق هذه الانتظارات ولعل الجهود المبذولة على مستوى وزارة الثقافة ووزارة الشباب ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والأجهزة النقابية والإدارية للمسرح الاحترافي ومسرح الشباب والمسرح الجامعي والمسرح المدرسي بكل مكوناتها تعمل على إعطاء صورة مشرقة لمشهد المسرحي المغربي لاستئناف مرحلة عطائه الخصب والتي كانت حتى نهاية القرن الماضي من سنوات الثمانينات والتسعينات وكل سنة ونحن نأمل أن نعيد وصل تقاطعات تاريخ المسرح المغربي.
أهم ما تميزت به سنة 2006 في المسرح المغربي، استمرار انتظامات الشأن المسرح وهذه الانتظامات لا تخرج عن السياق العام لانتظام الشأ الثقافي باعتبار المسرح هو رأس الرمح في هذا الشأن الثقافي العام، لأنه مجال الديمقراطية والحرية والإبداع في تواصل تام مع معطيات المجتمع وشروط انواجده التاريخي، حيث يوجد المجتمع المغربي الآن وهنا في خضم انجدابات داخلية وخارجية مما يفرض عليه في هذا الخضم الحفاظ على مقومات كينونته بما في ذلك قيمه وإعادة إنتاجها والاستجابة للاشتراطات التي يفرضها عليه تحقيق انتمائه لهذا العصر الموسوم بعصر التدفق المعرفي والمعلوماتي..الذي تحدد وفرته سياسة العولمة التي من سماتها التوحد والتنميط مع منطق علاقات الإنتاج الجديدة كمجتمع للاستهلاك ولعل هذه أعلى مراحل الاندماج في النمط الكولونيالي الجديد. حيث لا قيم تسود غير التواكل، مما يطرح سؤال كيفية إعادة إنتاج قيم هذا المجتمع بما يعنيه معنى إعادة الإنتاج في فرض نوع من التوازن بين هذه القيم والقيم الجديدة المسنودة بمجموعة من المواثيق والمعاهدات الدولية التي تحدد هوية الانتماء ومن هنا انجذبات الممارسة المسرحية باعتبار المسرح هنا قيمة ثقافية وحضارية ينتجها المجتمع انطلاقا من تمثله لذاته وانبثاقا من هويته مما يعني أنه فعلا مسرحا وطنيا، لكن، هل يتماثل شرطه في الوجود هنا مع ما تأتى به مقتضيات الانتظام المشار إليها والتي هي سمة من سمات حضور التدخل السياسي لإجراءات هذا الانتظام في الشأن، إذ لم توجد سياسة الدعم إلا وفق استراتيجية إيجاد تقليد مسرحي سنوي يرتكز على التشغيل من جهة والترويج المسرحي وشيوعه بما يعادل ثلاثمائة يوم في السنة على الأقل وهي تغطية يمكنها أن تجعل من الإنتاج المسرحي يمس أكبر شريحة في المجتمع. غير أن منطق هذه الاستراتيجية في سياسة الدعم تبقى محصورة في بعدها الاستهلاكي، وهذا البعد يجد مصداقيته في محدودية ترويج العروض المسرحية بالمغرب ويعطي الممارسة المسرحية استمرارها وتواصلها المنشود، غير أن آليات تفعيل هذا البعد موقوف التنفيذ حيث لا نجد في أحسن الأحوال أن العروض المسرحية المدعمة والمنتجة فعليا لا تقدم حتى في سقف ما هو مطلوب منها عشرة عروض على الأقل وهذا راجع من جهة للفرق ذاتها ومن جهة ثانية لوزارة الثقافة الراعية لهذا المشروع الذي هو مشروع يستجيب لمطلب المسرحيين لأنه لا يعقل أن تواصل مندوبيات وزارة الثقافة المتواجدة في كل ربوع الوطن هذه المهمة، إضافة لعدم تفعيل آليات التنسيق بين الوزارة المعنية ووزارة الداخلية خاصة المديرية المكلفة بالمجالس الجهوية والجماعات المحلية المنتخبة وكذلك بين هذه الوزارة ووزارة التربية الوطنية وكتابة الدولة المكلفة بالشباب وهنا مكمن قوة استراتيجية سياسة الدعم وهذا الارتقاء بها من منطق العرض <عرض الإنتاج المسرحي وترويجه> الى تحديد اختيار جمالي فني يساعد على إعادة إنتاج القيم الوطنية والحفاظ على الهوية أمام استشراء منطق الاستهلاك الفني الذي يفرضه منطق العولمة والذي أصبحنا منخرطين فيه على مستوى السوق المفتوحة وما يفرضها من منافسة قد لا نكون في مستوى مواجهتها أو حتى التحكم فيها بما يتوفر لدينا من إمكانات حالية والتي نجد استراتيجية سياسة الدعم تترك لها الباب مشرعا دون حماية للذوق الفني التواق للبحث عن هويته أمام هذا الزخم الذي لفرز منتجات سوق العولمة في ميدان الفرجة المسرحية، كما أن شروط الفرجة أساسا يفترض وجود هذه الذات والتي تبقى كامنة في تعدد وتنوع فرجاتنا الثاوية خلف هويتنا أعتقد أـن هذا التفاعل بينهما يسن من قوانين خاصة في مجال سياسة الدعم والإنتاج الثقافي وحتى في السينما هو ما يجعل المشهد المسرحي في بلادنا يبدو متعثرا ومتدبدبا إضافة للتكوين الثقافي العام والفني خصوصا لدى بعض الممارسين المسرحيين والذين لا يشدهم لهذه الممارسة إلا نازع التشغيل والحاجة اليومية زيادة على كون الوعي السياسي أصبح يتبلور في الاقتناع بالمحافظة على المكاسب وهذا ما يتجلى في نزعات البحث عن زعامات وريادات وهمية.
وضمن هذا السياق أشير الى وجود إشراقات واضحة لدى المسرحيين المغاربة تجلت في المهرجان الوطني الثامن للمسرح الاحترافي الأخير والذي أبان مبدعونا على تمكن مهني وفني يستجيب لمتطلبات مرحلة الانجدبات هاته ويسايرها بوعي مثل عروض مسرحية نوستالجيا، والريح، وشمعة والبسايطية. وفي نفس سياق الانتظامات نجد الاهتمام بالتغطية الصحية والتي أكدت الاستجابة لمطلب يراعي حق المبدعين وكل المبدعين دون اعتبار لحساسيات الزعامة والريادة وهذا ما يتم فعلا على أمل أن يستكمل هذه التغطية بالجانب الاجتماعي وتسهيل مأمورية التنقل. وإن كانت سياسة الدعم المسرحي قد ساعدت على تحريك آلية الإنتاج فإنه أرفقت بدعم الترويج المسرحي والتي أضافت آلية جديدة لإسعاف الإنتاج المسرحي المدعوم أو غير المدعوم على تحقيق نسبة مهمة في المشاهدة المسرحية وتلقي العرض. غير أن الاعتوارات المشار إليها في عدم تفعيل الآلية الإدارية جهوية واقليميا لم تكن في المستوى وبقيت فعلا اعتوارات تحول دون بلوغ المرجو من إستراتيجية سياسة الدعم والترويج بالإضافة لإغفال آلية التنسيق وتفعيل الاتفاقات والتعهدات على المستوى الرسمي.
وضمن هذا الاتجاه تحاول كتابة الدولة في الشباب العمل على إرساء تجربة مسرح الشباب من خلال آلية المهرجان الوطني لمسرح الشباب وهذه المحاولة لازال يحكمها منطق البديل عن مسرح الهواة، الشيء الذي يجعلها تمثل رد فعل أكثر من الفعل ذاتها، فبالقدر الذي تنخرط فيه هذه الوزارة في هموم هذا الإرساء تتجاهل مسرح الهواة بتاريخه الحافل بالعطاء والإشراق حيث كان بحث يمثل الوجه المضيء للممارسة المسرحية المغربية فإن كانت إرادة الزعامات والريادة والاستفراد هي التي تعطل تاريخه فإن هناك إرادة الحفاظ على إشراق المسرحي المغربي وذاكرته وانفتاح شرايينه على التجارب الإنسانية وما يمثله القطاع الشبابي في بلادنا والذي هو فترة الفورة العطاء حيث تأكد ذلك وبالملموس عندما كان حضور مسرح الهواة هو الحضور القوي للمسرح المغربي ولعل غياب أو تغييب هذه التجربة قصرا وضمن منطق التجادبات الذي أعطى الركود للحركة المسرحية وعدم وجود أصداء لها حاليا سببا من أسباب هذا الركود وكتابة الدولة في الشباب غير معفية وغير بريئة في فهمها الجديد هذا والمتمثل في التناسي وترك الحبل على الغارب بل إنها تتحمل المسؤولية في مآل مسرح الهواة، لأن الطرف الآخر يعلق كل تصرفاته اللاديمقراطية والساعية بوعي أو بغير وعي لوأد هذا المسرح ولأنه لا يكفي أن نجد بديلا عن مسرح الهواة بإيجاد مسرح الشباب فأهلا وسهلا بمسرح الشباب لكن في حضن مسرح الهواة لأنه مسرح شبابي بالدرجة الأولى.
وغير بعيد عن تجربتي مسرح الشباب ومسرح الهواة المأسوف عليه نجد تجربة المسرح الجامعي تتواصل بانتظام بأكادير والدارالبيضاء وبدماء جديدة وبانفتاح على التجارب الدولية . وفي إطار مهرجانات المسرح بالمغرب هذه السنة تواصلت انتظاماته على مستوى المسرح الاحترافي بمراكش وفاس تحت مسؤولية المكتبين الجهويين لفرعي مراكش وفاس وفي مدينة يعمل المسرحيون على إرساء تجربة مهرجان المسرح المغاربي خلال شهر ماي من كل سنة حيث كانت هذه السنة الدورة الثانية.وقد توجت هذه السنة تجربة المسرح المدرسي التي تواصلت داخل المؤسسات طيلة عشرين سنة بتوقيع شراكة بين جمعية تنمية التعاون المدرسي والمعهد الدولي للمسرح المتوسطي بمدريد حيث جاءت هذه الشراكة ثمرة لجهود في الانخراط في برنامج المعتمد والذي تميز بمشاركة مسرحية مغربية في المسرح المدرسي بتمثيل فرع الجمعية لبناية البرنوصي التابعة للأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بالدارالبيضاء الكبرى، للتجربة المسرحية المدرسية المغربية في ثقافة السلام بالمهرجان الدولي بمدريد خلال شهر نونبر 2006.
كما تواصل مهرجان المسرح الأمازيغي الذي يأتي في ظل التنوع والتعدد الثقافي واللساني للمغرب، وقد عكست هذه التجربة وبعمق الوجدان المغربي وأحاسيسه الناشدة المساهمة في بناء صرح ثقافة وطنية ديمقراطية وتعتبر مجهودات رواد هذا المسرح نتيجة لما تبلور لديهم من تجارب في المسرح المغربي عامة الشيء الذي مكنهم من التعبير عن هذه الأحاسيس والمشاعر في عمق ثقافتنا الشفاهية بالخصوص.
أما على مستوى الإصدارات التي تواكب هذه الممارسة المسرحية صدر كتاب حول المسرح للدكتور سعيد الناجي، وكتاب المسرح والتراجيديا للدكتور عبدالواحد بنياسر وهو في الأصل أطروحة جامعية، وكذلك صدر في مجال المسرح المدرسي كتاب المسرح مدخل لقراءة النص الدرامي لسالم اكويندي، وكتاب أصول التخييل المسرحي مقاربة أنتروبولوجية للمسرح والثقافة الشعبية، وعلى مستوى النصوص فقد صدر للمؤلف الزبير بن بوشتى نص درامي في كتاب النار الحمرا، والمؤلف الشاب محمد زيطان نصان مسرحيان في كتاب، وللأستاذ عبدالهادي عبدالمطلب عشرة نصوص مسرحية في كتاب يخص المسرح المدرسي وصدر مسلسلا في جريدة النهار المغربية كتاب الدكتور عبدالكريم برشيد والذي حظي بتكريم هذه السنة بمهرجان المسرح بدمشق رفقة الممثلة المقتدرة ثريا جبران.
إن هذه الدينامية التي يعرفها المسرح المغربي خلال هذه السنة تنبئ بعودة الحيوية للمسرح المغربي استشرافا لما كانت عليه هذه الممارسة وإن كانت إستراتيجية سياسة الدعم والترويج قد أعطته بعض الانتعاش فإن هذه الإستراتيجية يجب أن تتوجه نحو إرساء جمالي تذوقي نوعي يعيد استقطاب الجمهور والاستجابة لحاجياته في مرحلة الحراك الاجتماعي والثقافي الذي يعرفه المغرب حتى يتم الرفع من مستوى هذه الذائقة الرفيعة وبالتالي بلوغ اختيارات أنسب يكون لها أكبر الأثر على ما يعرفه الإنتاج الدرامي والتلفزي والذي يمس أكبر شريحة من هذا الجمهور لأن الارتقاء بالتذوق الجمالي في الفرجة الدرامية يبدأ من المسرح وقد عبر الجمهور المغربي عن هذه الاختيارات كلما كان الإنتاج المسرحي في أفق هذه الانتظارات ولعل الجهود المبذولة على مستوى وزارة الثقافة ووزارة الشباب ووزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي والأجهزة النقابية والإدارية للمسرح الاحترافي ومسرح الشباب والمسرح الجامعي والمسرح المدرسي بكل مكوناتها تعمل على إعطاء صورة مشرقة لمشهد المسرحي المغربي لاستئناف مرحلة عطائه الخصب والتي كانت حتى نهاية القرن الماضي من سنوات الثمانينات والتسعينات وكل سنة ونحن نأمل أن نعيد وصل تقاطعات تاريخ المسرح المغربي.