يتقصى الباحث الفلسطيني في هذه الدراسة جانبا مهما من جوانب التجربة الإبداعية للكاتب الفلسطيني، كاشفا عن التكامل بين الشعر والرواية في تجربته من ناحية، وعن قدرة القصائد القصيرة عنده على التعامل مع القضايا الإنسانية الكبرى من ناحية أخرى. ومتأملا جماليات القصيدة القصيرة عنده وطبيعة بنيتها الشعرية.

إبراهيم نصرالله في قصائده القصيرة

مبدع يعرف كيف يُعيد للشعر حيويّته

نبيه القاسم

مدخل:
لم يختلف شعرنا العربي عن غيره في أنّه وصل إلى صورته الفنيّة البنائيّة المتكاملة في "المعلقات" عبر محاولات لم تتوقّف على مدار عشرات السنين، حيث كانت المناسبات المختلفة، الخاصة منها أو العامّة، أو مشاهد مثيرة للطبيعة المحيطة تمس شغاف أفئدة البعض وتُثير خيالهم وتدفعهم ليعبروا عمّا يتفاعل في دواخلهم، فتنطلق الكلمات الإيقاعية المتناغمة لتشدّ انتباه السامعين وتلقى استحسانهم فيطلبون المزيد ويُطالبون بالأفضل وبالجديد، ممّا كان يستدعي التجدّد دائما، ويضع الواحد في موقف التحدي الدائم مع نفسه ومع الغير. ومن الطبيعي أن تكون هذه الاستجابات الانسانية الداخلية في حالة الانفعال الطارئ أو الفرح الغامر أو الحزن الداهم سريعة البوح ولكنها قليلة الكلمات، خجلة في انكشافها على الغير، فتأتي على شكل كلمات معدودة مشحونة بالدلالات والمعاني على صورة "مَثَل" يُردده الناس فيما بعد أو "طرفة أدبية" يستسيغها السامعون ويروونها في مجالس السمر أو "مقطوعة شعرية" مموسقة أخّاذة بإيقاعها ومدهشة في معانيها وصورها، فتأخذ بالسامع في نشوة تُحرّك فيه العواطف والعقل، وتتركه إنسانا جديدا غير الذي كان من قبل. وقد أشار إلى مثل هذه الإبداعات خاصة في الشعر، العديد من مؤرخي الأدب العربي ونقاده وحافظيه مثل ابن سلام الجمحي بقوله: "لم يكن لأوائل العرب من الشعر إلاّ الأبيات يقولها الرجل في حاجته"(1)  والجاحظ الذي وافق ابن سلام في أنّ بدايات الشعر العربي تمتد إلى حوالي مائتي عام، على أبعد تقدير، قبل الإسلام(2). ومثل ابن رشيق الذي قال: "إنّ الشعر كله إنما كان رجزا وقطعا، وإنّه إنّما قُصّدَ على عهد هاشم بن عبد مناف وإنّ أول مَن قصّده مهلهل وامرؤ القيس، وبينهما وبين الإسلام مائة ونيف وخمسون سنة(3). وهذا يعني أنّ بدايات الشعر كانت مقطعات قيلت في مناسبات مختلفة وأن المهلهل وامرأ القيس هما اللذان سبقا غيرهما في كتابة القصيدة الطويلة.

القصيدة القصيرة وإشكالية المصطلح:
الأدب هو نتاج العصر الذي وجد فيه، وهذا يعني أنّ لكل عصر أدبه الذي يُعبر عن أبناء هذا العصر ويحمل همومهم وآمالهم، وينطق برغباتهم ويصوّر حالتهم، ويسعى لخلق واقع أفضل في المستقبل. لذلك لا جمود في الأدب لأنه ابن الحياة، فالتطوّر والتجديد والتمرّد على الواقع يشمل كل مناحي الحياة، وطبيعي أن يكون المبدع وخاصة الشاعر، هو الأكثر حساسيّة واستجابة لنداء الحياة، فمع كل إبداع يتجدد، ومع كل تجديد يزداد اندفاعه نحو ما بعد الجديد حتى ولو بدا للبعض أنه يحافظ على الموجود ويتحجر عند الموروث. هكذا كان الشاعر، أيّا كان انتماؤه، عبر العصور حامل شعلة التمرد والتغيير، وإذا كنّا اليوم نرُدّد مصطلحي "الحداثة" و "ما بعد الحداثة" للدلالة على التجدد والتغيير المستمرين تَبَعا لتجدّد وتغيّر العصر الذي نعيش فيه بهذه الوثيرة السريعة غير المعقولة، فإننا نتذكر أنّ مصطلح "الشعراء المحدثون" و "الشعراء المولدون" كان يطلق أيضا في العصر العباسي على شعراء خرجوا عن نمط التيّار المركزي.

والقصيدة القصيرة كما القصة القصيرة جدا كانتا من ثمار القرن العشرين الذي تميّز في نصفه الثاني بأنه شهد ثورة علمية فاقت كل تصوّرات الخيال الانساني، فكل عشر سنوات ثورة تقلب المفاهيم والحقائق وتأتي بالجديد من المخترعات التي تعمل بدورها على تغيير واقع الانسان، فما كان قبل سنتين غيره ما يوجد اليوم، وكان على الأدب، بكونه نتاج العصر، أن يتلاءم وهذا التغيّر السريع، فتعالت الأصوات لنبذ التفصيلات والمطولات في كل أنماط الحياة والأدب، والمطالبة بالإيجاز والاختصار وحتى بالرموز الدالة والإشارات الموحية، فأمهات الكتب والموسوعات والروايات والمجموعات الشعرية والعلمية والفلسفية والدينية وغيرها حُشرَت في أقراص تكفي ضغطة بسيطة لتعرضها على شاشة الحاسوب أمامك لتختار ما تشاء.

وكما في الأدب الغربي، أيضا في أدبنا العربي الحديث بدأنا نقرأ المقطوعات القصيرة في النثر والشعر تحت مختلف التسميات وإن كانت الغلبة للمصطلحين: "القصيدة القصيرة" و"قصيدة الومضة". وقد اختلف النقاد والأدباء في حداثية هذه القصائد، وهل هي صنيعة الأدب الغربي الذي ترك بصماته على مختلف الأجناس الأدبية التي نعرفها في أدبنا العربي الحديث، أم هي استمرارية للمقطوعات والمقطعات والقصائد القصيرة التي عرفها الشاعر العربي على مرّ العصور منذ الجاهلية!؟ فالدكتور عيسى قويدر العبادي يقول:" قصيدة الومضة هي إحياء أو إعادة صياغة لما نعرفه في شعرنا العربي القديم من المقطعات، ذلك الشكل من الصياغة الشعرية الذي عرفته العرب منذ نشأة الشعر عندهم، حين مثل مرحلة مهمة من مراحل تطوّره"(4) ويرى أن التطابق يكاد يكون تاما ليس في الشكل فقط "فبالإضافة إلى القصر القائم على قلّة عدد الأبيات أو الأسطر الشعرية مقارنة بالقصائد، فإنّ ثمّة قيمة بنائية أخرى مهمة، وهي خلو المقطعة والومضة من الاستهلال الذي كثيرا ما كان الشعراء يعمَدون إليه في رسم قصائدهم فصار لازمة من لوازم بناء هيكل القصيدة ونموذجها المعتمَد"(5). بينما الدكتور محمد غازي التدمري يربط بين الحداثة الشعرية وفن الومضة بقوله: "ومن هنا كانت عملية إبداع الومضة البارقة نوعا من المغامرة التي لا تُضمَن نتائجها إذا لم يتقن الشاعر سرّ اللعبة في تكوينها الداخلي والخارجي، وعرف كيف يوظف طاقات اللغة لخدمتها".(6)

التسمية "بالقصيدة القصيرة" مستمدة من مصطلح "القصة القصيرة" المختلفة عن "القصة الطويلة" بعدد صفحاتها، وكان منطلق التسمية من قصر أبيات القصيدة مقارنة بالقصيدة الطويلة. ومع تطوّر الحياة وتسارع الزمن عرفنا كما في الغرب "القصة القصيرة جدا" حتى وصل الهوس ببعض الكتاب/الشعراء أن يكتب بعضهم جملة لقيطة أو عبارة واحدة ويُسميها قصة مثل "حين مرّ الشاب تحت النافذة الشوكية تحسست العذراء نهدها الأيمن واختفت في عتمة البيت"(7)، أو جملة واحدة أو كلمة ويُسميها قصيدة، ويترك لخيال القارىء، إذا وجد، أن يحاول اتمام بناء القصة أو القصيدة التي تركها له هذا الكاتب/الشاعر.

إبراهيم نصر الله وأهميّة الشعر:
"الشعر ابن الحياة" هكذا يقرر الشاعر ابراهيم نصر الله. ويوضّح كلامه بقوله: الشعر في جوهره ليس ابناً للهزيمة أو للبشر المهزومين، بقدر ما هو توأم الروح الرافضة للهزيمة، أو الذاهبة لمطلقها الإنساني بزهو، لأنّ المرء حين يتخذ الهزيمة مسكناً له لا يُمكن أن يرى سوى جدرانها القاتمة، والشعر دائماً خارج هذه الجدران لأنه ابن الحياة(8). ومن هذه الرؤية الواضحة لدور الشعر وعلاقته بالإنسان، ولإيمانه بأن السؤال الجدير بالطرح هو: هل يعيش الإنسان أم يموت؟ انطلق ابراهيم نصر الله حاضناً حلمه الكبير بالآتي، رافضاً التسليم بالهزيمة التي يُعاني منها عالمه العربي والإنسان العربي، مجاهراً: لنبدأ من حلمنا أوّلاً!(9) لم يكن شاعرنا رقماً إضافياً في قائمة الشعراء التي طالت في عالمنا العربي في العقدين الأخيرين من القرن الماضي، ولم تكن قصائده أنّات قلوب حزينة وصرخات أفئدة مفجوعة ومارشات حرب ضاجّه بل كانت مختلفة عن كل ما عداها، تنساب هادئة متسللة مكتسحة خبايا النفوس وموقظة ما خمل من العقول مشعلة في مَن يلتقيها ناراً هادئة تأخذ بالتوهج والإتساع لتضيء العتمات الدفينة وتشد به ليخرج يغني للحياة ويسعى لتحقيق حلم الإنسان، حلمه الكبير بمستقبل فيه ينتصر الأنساني على الإنسان.

فابراهيم نصرالله لم يوهم نفسه يوماً ويخدعها، كان يعرف الواقع العربي ومدى إمكانياته، وكان يرفض الوقوف للبكاء على ما كان ويصرّ على المستقبل الذي يريد تحقيقه:
نمرّ على باب خيمتها
وهي تسأل عن خيمة خلّفتها
وفي الباب كان الجواد علامه
وما كان بالباب غير الخيام .. الخيام.. الخيام
فقالت: هي الحربُ..
هبّتْ إليها الخيول شمالاً !
ولكنني كنت لا أقدر البوحَ
إنّي رأيتُ الخيولَ على صفحات الجرائد
تدخل حرباً وحرباً وحرباً
ووجهك يقطر فوق الأسرّة
موتاً وقحطاً
لمَ الحزنُ .. قالت
أحادث نفسي
وحط على وجهها طائران من الدمع
ها نحن نرحل للشمس شرقاً
كأن المدائن هاربة!
قد نموت معاً
وابتسمتُ لها
نعيشُ معاً!(10)

وهو في منطلقه الشعري لم يخدعه الخارج فيحلّق في البعيد لينشد قصائده ملقياً بها حيث تستدعيها الأحداث وتصفق لها أكف الرجال، كما أنّه لم يتقوقع داخل ذاته حامياً إيّاها من فساد الأمكنة الخارجية ومَن فيها أو مكتفياً بنفسه يُنشدها ويُعزّى نفسَه بها. وهو نفسه يعترف أن "مسألة الشعر معقّدة ورحلة الشعر رحلة اكتشاف مستمر في مجاهل القارة السابعة، أي الإنسان، وأنّ التوغل هنا لا يحمل إمكانية العودة أبداً، إمّا أن تتلاشى، وإمّا أن تُواصل تقدمك، وعليك ألاّ تسأل في مسألة كهذه عن المسافة المتبقية، فإذا سألت، وكما يحدث في الحكايات، يكون موتك قد ابتدأ". ويحدّد طريقه أكثر: "وإن لم أسأل، ولا أستطيع أن أسأل، ولكنني أراقب ما يتبقى من قوّة في روحي، وأسعى لعبور طرق جديدة تكون أطول، وقد تكون أقصر، وهي تؤدي إلى الجوهر الذي أريد، لكنني أحاول أن تكون طرقي الخاصة"(11).

في مواجهة العالم:
إنطلق إبراهيم نصرالله ليواجه العالم برؤية راسخة وبرؤيا بعيدة يسعى لتحقيقها، لم تخدعه صعوبة الطريق وطولها، عرف درب الذين سبقوه واستفاد منهم، مدركاً كلّ تجارب الأفضل بينهم وواعياً لها، ولكنه مصر على عدم الالتفات إلى الخلف للبكاء على ما كان وللتفاخر والاعتزاز. فهو يُعلن بكل وضوح:

لاهثاً أركض
قاطعاً العمرَ بين سؤال وآخر
باحثاً عن إجابة أستريحُ على عتباتها قليلاً
لأواصل أسئلتي.(12) 

وهو لم يتوقف عن الأسئلة ولم يجد الجواب وسيظل يُواصل طريقه التي لا نهاية لها.

ومنذ البداية لم يتّخذ موقف البطل الفرد الذي يُقاتل طواحين الهواء ليقهرها أو تقهره، وإنّما كان واعياً أنه وحدَه يعجز عن تحقيق ما يُريد، ولهذا اختطّ لنفسه دربَ الجماعة والعمل الجماعي والهدف الجماعي، وأن يكون لهم الوطن الجميل:
ونحلمُ أن يُزهرَ العمرُ يوماً
ويكون لنا وطن رائع.(13)

إبراهيم نصرالله والتجريب في اللغة والرواية والقصيدة:
خاض ابراهيم نصرالله تجربة الإبداع وهو في كامل وعيه فاختار اللغة العامية بداية اعتقادا منه أنّها الأقرب للإنسان العادي وفهمه وتقبّله، فكتب العشرات من القصائد، لكنه سرعان ما أدرك أنّ اللغة العاميّة مع كل ما تتميّز به من خصوصيّات وجماليات إلاّ أنها تظل عاجزة عن الإحاطة بكل المعاني التي تتفتّق عن تجلّيات الإبداع، وهو نفسه يعترف قائلاً: "إنّ الفصحى تمتلك قدراً هائلاً من الفضاءات التي لا يُمكن أن تكتظّ أو تغصّ بأجنحتك مهما كانت كبيرة، هنا الإمكانية الفعلية لأن يخدم الشاعر اللغة ويطوّرها، وتطوّره، وهنا فعله الحقيقي، وظيفته وحلمه"(14). ورغم أنه يدين للغة العامية بالجميل وأنها أكسبته الكثير من التجربة وأنه يحتفظ بالكثير من خصائصها الجميلة في كتابته بالفصحى فهو يقول إنّ انتقاله من الكتابة بالعامية إلى الكتابة بالفصحى كان من أهم الخطوات التي قام بها، عن وعي أو دون وعي(15).

وككل مبدع أصيل يجد إبراهيم نصرالله نفسه في بعض المواقف عاجزاً عن ملاحقة الأفكار والقضايا الكبيرة التي تُشغله ويُريد التعبير عنها باللغة الشعرية، ويكتشف أن مساحة القصيدة والكلمة الشعرية مهما اتّسعت وتمدّدت تظل دون الذي يطمح إليه. وهذا ما يفسّر انتقاله لخوض تجربة كتابة الرواية التي يعترف أنها جاءت لعدم قدرته على التعبير عن التجربة التي شكّلت (براري الحمى)، روايته الأولى، من خلال الشعر(16). وتكرّرت التجربة الروائية أكثر من مرّة وذلك لأن الرواية كما يقول أوسع ولبّت حاجته للتعبير عن أحداث متقاطعة مع التاريخ بصورة أفضل من الشعر الذي لا يستطيع القيام بها(17).

وكما استفاد من خوض تجربة كتابة القصيدة العامية، هكذا استفاد أيضاً من خوض تجربة كتابة الرواية في كتابته للشعر حيث يُغني السّرد قصائده وبشكل خاص في "نعمان يسترد لونه" و "الحوار الأخير قبل مقتل العصفور بدقائق" وأكثر في "بسم الأم والإبن". وهذا الزخم الروائي الذي تجلّى في روايات ابراهيم نصرالله المتتالية ألقى ظلاله القوية على تجربته الشعرية أيضاً، فلم تعد القصيدة القصيرة والفكرة الواحدة هي التي يسعى إليها الشاعر، بل أخذت قضايا الإنسان الكبرى هي الهاجس المسيطر، ولم تعد مساحة القصيدة القصيرة كافية، فأخذت تتمدّد وتتسع وتتعدّى بأبياتها العشرات والمئات. ووجد الشاعر نفسه كلّما أوغل في الأعماق أكثر، كلّما حملت القصيدة أبعاداً أكبر وأخذت تصعد نحو التراجيديا وتنحو في اتّجاه دراميّ وملحمي كما تبدو واضحة في قصائد ديوان "الفتى النهر والجنرال".

الطريق إلى كتابة القصيدة القصيرة:
وكما اكتشف ابراهيم نصرالله أن اللغة العامية لا يمكنها استيعاب التجربة الشعرية المتدفقة فانتقل إلى اللغة الفصحى، وأن الشعر عاجز عن الإحاطة بكل جوانب القضايا الكبرى فانتقل إلى الرواية، وأن القصيدة الغنائية العادية غير كافية لتصوير ملحمة الإنسان الكبرى فكتب القصائد التي تتجاوز أبياتها المئات، فقد اكتشف، وكما اعترف هو بأنّه "في غمرة انهماكه في كتابة قصائد طويلة، نسي بعض الزوايا في نفسه، الزوايا المعتمة البعيدة، الدافئة والباردة أيضاً فوجد نفسه مندفعاً لكتابة قصائد مكثّفة لا يزيد طولها على خمسة أبيات"(18). وهكذا كانت تجربة الشاعر في خوض تجربة كتابة القصيدة القصيرة التي تعتمد على بنية الومضة السينمائية حيث إيلاء الإدهاش والمفارقة الأهمية القصوى. ولم تكن تجربة ابراهيم نصرالله مع القصيدة القصيرة تجربة عابرة وإنّما متجذرة تعمل على تأسيس نوع جديد من الشعر.

جاءت قصائد إبراهيم نصرالله القصيرة تلبية لحاجة وجدها ناقصة بعد كتابته للقصائد الطويلة، هذه القصائد القصيرة التي استطاع بها أن يطرح الفكرة التي يريد بكلمات معدودة وواضحة وشديدة الدلالة والإيحاء تصل بسرعة وقوة إلى المتلقي لتكشف أمامه جوانب وزوايا ومسارب ظلّت مجهولة له وغائبة عن إدراكه في قراءته للقصيدة الطويلة. هذه القصائد التي تأتي كومضة سريعة تضيء العتمة فتضع المتلقي أمام حقيقة جهلها، وتختفي لتلحقها ومضة ثانية وكشف جديد يزيد الإنبهار ويدفع لطلب المزيد. قصائد لا تهتم بتفاصيل الصورة ولا بشمولية المشهد الكبير وبانسياب العبارات المتدفقة المتداخلة، وإنما تهدف إلى الإدهاش والتّنبيه والحثّ على الإجتهاد ونبش التفاصيل الصغيرة في النفس الإنسانية بتركيز ومضة الإشعاع السريعة عليها لتعريتها بكل حدّة:
لأنّا اعترفنا أخيراً:
بأن البلادَ مراع
وهذي الهراوة راع
ونحن قطيعُ الشياه
لنشرب إذن
أيها الصامتون
- كعادتنا-
نخبَ كلّ الطغاه(19)

والشاعر بومضته السريعة المبهرة الشّادّة المُثيرة المحركة للعقل والعواطف الدافعة نحو التفكير والعمل، لا يُعطي المتلقي كلّ ما يُريد وإنّما يفتح شهيّته ويتركه ينتظر المزيد ولا يكف عن الإنتظار والطلب، فما الومضة إلاّ فاتحة تحتاج إلى الومضات بعدها، لا لتقولَ كل شيء وإنما لتزيد من التساؤل والطلب والإنتظار والتّلهف. قال الناقد إحسان عبّاس في تقديمه لديوان إبراهيم نصرالله: "في قصائده القصيرة استطاع إبراهيم أن يضع إطاراً واضحاً لظاهرة القصيدة القصيرة وأن يكون من أوائل الشعراء الذين استأنفوا انتباههم إلى قيمة هذه القصيدة وفاعليتها – بعد مضي سنوات تُقارب العقدين على ديوان "غضبة الهبباي 1965" للشاعر السوداني صلاح أحمد إبراهيم، وبأن القصيدة القصيرة اتخذت مع إبراهيم نصر الله بُعداً جديداً حين أُفردت في ديوان كامل "عواصف القلب"(20). ويذكر إحسان عبّاس أن العديد من الشعراء كتبوا القصيدة القصيرة لكنهم سرعان ما تراجعوا. ويجدر بنا أن نذكر تجربة نزار قباني مع القصيدة القصيرة وتخصيصه لها ديواناً كاملاً سمّاه "كتاب الحب" صدر سنة 1970، وهو يُقدّمه للقارئ باحتفالية واضحة حيث يقول: "(كتاب الحب) محاولة لكتابة القصيدة العربية بشكل جديد، وإلباسها ثوباً عصرياً ومُريحاً وعمليّاً، بعد أن أُرهق جسدُ القصيدة العربية طَوالَ عصور بأثواب مفرطة في طولها واتّساعها ورداءة قصّها".(21)

وهو يُحدّد وظيفة الشعر بقوله: "وظيفة الشعر أن يُعطيك بطاقة السفر.. دون أن يتدخل في تفاصيل الرحلة ومواعيد القطارات التي ستركبها، وأسماء الفنادق التي ستنزل فيها. وظيفة الشعر هي أن يضع أمامك الزجاجة والكأس .. ويتركك تسكر على طريقتك. وظيفة الشعر أن يضع في إصبعك خاتم سليمان.. وعليك أنتَ أن تستحضر المارد.. وتطلب منه ما تُريد من لبن وعسل وحوريّات."(22) ويؤكد "أن اللعبة الشعرية هي لعبة إشارات ضوئية. واللاعب الكبير فيها هو الذي يحتفظ بالقدرة على الصمت.. ويعرف متى يُلقي ورقة الدهشة"(23). ونزار قباني الذي أراد لكتاب حبّه أن يكون نشيد إنشاده يُوضّح "أن اللفظة الشعرية في كتابه هذا تُؤدي عمل جهاز الإضاءة الـ Flash في كاميرا التصوير.. ويصبح الشعر إضاءة سريعة عُمرها ثانية أو جزء من أجزاء الثانية. اللفظة الشعرية هنا.. برق.. ورفّة جفن.. والتماعة سيف. إنّها طيران عصفور".(24) كذلك كانت لسميح القاسم تجارب في كتابة القصيدة القصيرة منذ ديوان شعره الثاني "أغاني الدروب" الصادر عام 1964 وبشكل مكثف في ديوان شعره "ويكون أن يأتي طائر الرعد" الصادر عام 1969 ومن ثم على مساحات أكثر في ديوان "لا أستأذن أحداً" الصادر في لندن عام 1988. ومثلهما كانت للشاعر العراقي سامي مهدي والشاعر يوسف الصايغ والشاعر عز الدين المناصرة وغيرهم المساهمات المهمة والمؤثرة في ترسيخ القصيدة القصيرة كنوع جديد ومهم في الشعر العربي الحديث.

تميّز ابراهيم نصرالله:
صحيح أن سميح القاسم ومثله كثيرون كتبوا القصيدة القصيرة، وصحيح أن نزار قباني خصّص للقصيدة القصيرة ديوان شعر مستقل هو الأحبّ إليه، واعتبره نشيد إنشاده وقاموساً موجزاً وعصرياً للعشق ليرجع إليه العشاق ليتعلّموا منه كيف يقولون بكلمة واحدة ما كانوا يقولونه لحبيباتهم بكلمات(25)  . لكن تميّز إبراهيم نصرالله ليس في أنه خصص للقصيدة القصيرة ثلاث مجموعات شعرية، وإنّما تميزه في أن اختياره لنموذج القصيدة القصيدة جاء ليؤدي وظيفة لا تؤديها الأشكال الشعرية (أو الروائية) الطويلة(26)، كما يقول الناقد إحسان عباس. حيث يرى أن تخصيص ديوان كبير وقصائد طويلة لموضوع كبير قد لا يفي هذا الموضوع حقّه وتظلّ زوايا معتمة وأحوال مجهولة وأفكار لم تتضح بما فيه الكفاية، وهذا يستدعي المزيد من التركيز المكثف فجاءت هذه القصائد القصيرة المكثفة لتؤدي الوظيفة على أكمل وجه. يقول في قصيدته "قصيدة":
قبل أن يسقط القلب
في الأفق مروحة أو خريف
سأكتبها
قبل أن تصغر الطرقات
ويهرم فيّ الرّصيف(27)

اهتمام الشاعر في هذه القصائد النثرية تركز على التكثيف والتحديد والإبهار وإثارة العقل والعاطفة والخيال والإعتماد على الإيقاع الداخلي للفظ، لم يهتم الشاعر بتوزيع الأسماء وتنويعها وإنما نراه يعطي العنوان الواحد لعدد من القصائد، ويشعر المتلقي أن القصيدة الواحدة لا تنفصل عن التي سبقتها ولا تنتهي بغير التي تتلوها، حالة من الإبهار والجذب تأخذ بالمتلقي ليتنقل بين الزوايا المعتمة والأحوال المتشعبة والمعاني الباحثة عن صيدها لا ليضل الطريق ويفتقد البوصلة وإنما لتزول العتمة وتتوضح الأحوال ويفوز بغزالة المعنى.

قصائد قصيرة تتناول قضايا كبيرة:
تناول إبراهيم نصرالله في قصائده القصيرة أكبر القضايا التي تواجه إنسان عصرنا وخاصة العربي الفلسطيني. هذه القضايا التي ولجها في قصائده الطويلة التي تجاوز عدد أبياتها المئات ولكنه اكتشف أنه بحاجة لقول الكثير بعد، فوجد أن خلاصه يكون بمثل هذه القصائد القصيرة وكان طبيعيًا أن يكون شاغله الأول وضع إنساننا العربي في هذا الواقع العالمي والعربي الرديء، حيث أصبح مجرد تمسّك العربي بحلمه يعتَبر جريمة يُعاقب عليها:
أيّها النائم
ما دام الشرطي ساهراً
تحت شباكك
فإن كل ما تدخره من أحلام
سيمضي معَك إلى مكان واحد
هو القبر(28)

حتى أصبح الواحد يفرح إذا فقد رأسه:
أيها الصديق
لماذا تشكو كثيراً من صداع الرأس؟
هنالك مَن لا يشكو أبداً
من عدم وجود رأس له !!(29)

فالحاكم لا يرحم ولا يتفهم ولا يرضى بغير الخنوع التام:
أيها العسكري
مزيداً
من الدم
والطعنات
أين نيران سوطك؟
أين حنكتُنا . . .
في انتزاع الحياة؟!!(30) 

الحرية هي القضية الأولى:

ومقابل هذا الظلم والواقع القاتم ينطلق الشاعر مصرّاً على الحرية فتكون قضيته الأولى التي يُدافع عنها رغم إدراكه أن الموت يترصد به:
صرخت بي الموجةُ حين انطفأت فوق
الرمل
وفي عيني الصبية صارت ماء!!
أهرب يا هذا الشاعر
مقتلك الميناء(31) 

لكنه واثق يطلق كلماته في وجه الدنيا:
ساخراً كدم لا يجف
واثقاً كنهار يغيبْ
أطلق الشعرَ في صيف أعشابكُمْ
فهل من مُجيب؟!(32)

فهو يؤمن أن هذا قدر الشاعر أن يحمل صليبه ويُتابع درب النضال والحرية:
أعد لكم كل هذي الأغاني
كأني غداً سأموتُ وأتركُ قلبيَ خلفَ
الجسدْ
أعد لكم كل هذي الأغاني
كأنا سننشدها للأبد(33) 

ويتساءل بألم غاضب مثور:
أحياناً أتساءلُ
كم علينا أن نُقدم من شُهداء
لتحقيق أمنية بسيطة فقط
كأنْ نسيرَ في الشارع
واثقين من أن أحداً لا يترصدنا ؟!(34)

الموت هو المصير المحتوم وهو الشاغل وهو رديف الحياة
ولأن وضع العربي حالة مستديمة في ظل الواقع القائم، ولأن الحرية ستظل الحلم العربي الكبير والبعيد المنال فيظل الموت المصير المحتوم وقضية الشاعر الكبيرة. والموت هو شاغل الإنسان منذ وجد على سطح الكرة الأرضية لأنه أدرك أن هذه الحياة التي يحياها ستنتهي بالموت. وأن لا مهرب من هذا المصير، ورغم أن هذا الإنسان حاول بمختلف الوسائل أن يغافل الموت ويتحايل عليه ويتجاهله ويتعداه ويتحداه بالسخرية وحتى بإعلان الحرب عليه، إلا أنه كان يعترف بالهزيمة ويستسلم لهذا القدر مكتفياً بتأميل نفسه أن هناك ما له بعد هذا الموت من أمل في جنة النعيم أو حياة أخرى أكثر أمناً وهدوءاً وسعادة. وفي حالة إنساننا العربي، وخاصة، الفلسطيني أصبح الموت رديفاً للحياة، وفي كثير من الحالات مصير الفلسطيني الذي لا خيار له غيره، فإما يموت وإما يموت، وله حرية اختيار كيفية الموت ليس إلا.

ولهذا نجد الموت هو أغنية شاعرنا العربي المفضلة ونشيده المرافق في درب حياته:
واحسرتاه! أكذا أموت كما يجف ندى الصباح
يا موت، يا رب المخاوف والدماميس الضريرة
اليوم تأتي! مَنْ دعاكَ! ومَن أرادك أنْ تزوره؟(35)

وهذا الضعف المستسلم عند بدر شاكر السياب أمام الموت نجده يتحول إلى تحد وغضب في كلام فدوى طوقان في رثائها لأخيها نمر:
يا موت يا غشوم يا غدار
يا موت يا مجنون يا أعمى العيون-
يا أصم
يا قاصماً ظهري الضعيف لي لديك
ألف ثار، ألف ثار(36) 

لكن الموت ظل الفارض نفسه على فكر وإحساس الشعراء الذين تعاملوا معه بأساليب ورؤية مختلفة حتى أننا نجد بعض الشعراء جعلوه هاجسهم الدائم، وخصصوا له عشرات القصائد والأعمال، وكان موقف الشاعر الفلسطيني هو المتميز من الموت حيث لم يستسلم أمامه وإنما اتخذه محطة يعبرها لنشر الثورة وبعث الحياة الجديدة واعلان انتصار الحرية. وقد تميز الشعراء الفلسطينيون داخل إسرائيل بهذا التعامل المميز مع الموت، ويكاد يتحول عند سميح القاسم إلى محور أساسي في شعره يتجسد في أنماط وأشكال مختلفة، ويكون عنواناً لأكثر من مجموعة شعرية مثل: قرآن الموت والياسمين، الموت الكبير. وليس غريباً أن يُحاصر الموت فكر وقلب إبراهيم نصرالله وهو يشهد النكبات المتتالية التي ألمت بالشعب الفلسطيني والتي كان من مخلفاتها الموت الفردي والجماعي، وهو نفسه يشرح هذا الإحساس الخاص بالموت بقوله: "كان موضوع الموت يلح علي، وكنت قد شكّلتُ إطاراً غامضاً للتعامل معه بدءاً من حكاية قابيل وهابيل، حتى مذابح صبرا وشاتيلا والخروج من بيروت، لكننا في الكتابة لسنا أولئك الأشخاص الذين نكون خارجها. كل شيء انفجر دفعة واحدة ما أن كتبت الأبيات الأولى.(37)
سأبدأ هذا الصباح وأهتف:
عمتَ ظلاماً
سأبدأ هذا الصباح وأنسى مروركَ فيّ
وأنسى أفاعي خطاك التي تعبر الدم
أنسى..
وأستل قلبي حساماً.(38)

وعلى مدى ثلاثة أيام محمومة كتبتُ قصيدة من أطول قصائدي ذات الإتجاه الملحمي. وفي هذه القصيدة (راية القلب) حضر الموت الشخصي والموت العام، حضر الحب، وحضرت المجزرة، حضر عوليس، وعمر بن الخطاب ورحلة النبي عليه السلام إلى يثرب، وكان الحوار مع الموت صراعاً:
قال: ألقاك في البحر
قلت: ألقاك في البحر .(39)

وهو يصارعه بكل العنفوان:
قلت يا بحر نسق رماحَك، قد أقبل الموتُ
يا موت عُد
هنا الكائناتُ أتَت رضعت من حليب جموحي
ولم يك في الأرض قبلك حقد
قلتُ: فلتكن الحربُ يا موتُ فلتكن الحرب
قال: أنا الجزرُ
قلتُ: أنا المد.(40)

ويعترف الشاعر أيضاً بإدراكه أن الموت يستطيع أن ينفرد بالبشر واحداً واحداً ليمضي بهم إلى حيث شاء مُسَيّراً كان أم مُخيّرا. وإدراكه هذا جعله يخاف الموت ويُحاول الهربَ منه، فالموت يسكنه ويتملكه:
لم تكن صدفة
أن نكون من الطين - يا امرأتي-
وكذلك البيوت
ما فارق الدّار جدّي
إلا سمعناه يهمسُ:
شيء يوسوس بي.. ستموت.(41)

ويحاول الهرب إلى مَن يعتقد أنّ عندها الحماية:
أجيئك كي تودعيني لديكِ
لأني أخاف الفناء.(42)

ولا يجد أمامه بعد أن خذلته إلا الشارع والناس لعلّ هناك سيكون الأمان:
في البداية كنت أركض كالمجنون
وأنا أغلقُ المنافذ
في وجه كل شيء يحمل الموت
كنت خائفاً
إلى أنْ خرجتُ للشوارع.(43)

ويحاول أن يُعزّي نفسه بأن مجرّد وجود بشر يعيشون بعد أولئك الذين يقطف الموت أرواحهم يعني أن الموت لم ينتصر، أو لم ينتصر تماما.(44) فإشكالية الموت وسطوته تشكّل من كونه اختباراً لمصير ووجود الروح البشرية المفردة، ويعترف الشاعر أن زهوه بمن يعيش بعده من البشر ليس سوى ابتسامة أخيرة يُطلقها في محاولة لكي يكسب الموت بعض انتصاره. وإذا كان إبراهيم نصرالله في مطوّلته (راية القلب) قد تحدّى الموت وواجهه وأعلن الحرب ضدّه، إلا أنه وبعد معايشته الموت الشخصي والعام وإدراكه قوّة الموت وحتميته وأنّه يُشبه "نهراً بضفّة واحدة ليس إلا" أخذ يُروّض نفسه على الإعتياد عليه حتى لا يكون غريباً تماماً حين ياتي. فيستعيد كلام الميتين عنه وقد عرفوه عن قرب وطول معاشرة
إنّه معتم قليلاً .. لكنه طري
: إنّه أرقّ كائن عرفناه
: إنّه طيّب ربّما
 :كان عمري عشر سنوات
 :كان عمري عشرين
 :كان عمري مائة!

فقط لو كان أكثر عدلاً!(45)

فالموت قدر محتوم، ونهاية أكيدة فقد يأتي على غير توقع لأي إنسان فيأخذه إليه برقة وطيبة فينقاد إليه الشخص المُختار دون أي اعتراض، وفقط يشكو لنفسه عدم عدالة الموت في اختياره في غير أوانه المنطقي. هكذا بشفافية يضع الشاعر المتلقي أمام سؤال الموت والعدل ويدفعه للتفكير والتساؤل ولكنه لا يعطيه الجواب وإنّما يتركه ينتظر المزيد من الكلام والتساؤل والتفكير. ويُفلسف بعض مظاهر حياته ومسكنه وكأنّها ما كانت على ما هي عليه إلا لتهيئة الإنسان على اعتياد الموت:
لعلّنا لم نُعمّر هذه المنازل
بجدرانها السميكة
وأبوابها المحكمة
إلا لشيء واحد:
أن لا يكون القبر غريباً عنّا في النهاية.(46)

فالموت لم يعد هو الذي يخيف الشاعر وإنّما حالة الموات التي أخذت تسيطر وتزعج وتخيف وتهدّد، وأخذ الموت يتراءى للشاعر في صور متعدّدة يتآلف معها ويتصادق حتى غدا يأنس إليه ويجالسه ويستدعيه إليه للحوار ويدافع عنه:
ولنا عاداتنا الغريبة أيضاً:
مشاهدة التلفاز
إنجاب الأولاد
اجترار الموعد الأول مئات المرّات
تربية الدواجن والكلاب
ولا يعنيه ذلك
فلماذا نضيق بعادته الوحيدة تلك:
جمع الأرواح؟!(47)

ويميّزه عن غيره بأنّه:
رغم كل مساوئه
... مساوئه التي لا تُذكر
في النهاية
وحده الذي يلقاني
بوجه واحد.(48)

ووحده الذي لا ينسى:
لا ..
أنا لا أفكّرُ به
لكنه
أكثر وفاءً
إنه يُفكّرُ بي دائماً.(49)

وهو كالأم التي تَتفقّد أولادها لتطمئن عليهم:
هادئاً يمرّ على المقابر
كلّ ليلة
يتفقّد الميتين كأمّ
يُهدهدهم
ويعدهم باقتراب وصول
أحبابهم.(50)

وهو يُشبه الشاعر في إخلاصه وهو الذي يحفظ كرامته:
لا يحفظ كرامة الأمطار المتساقطة شيء
مثل الأشجار
هكذا يهمس الشاعر –
:لا يحفظ كرامة الشاعر شيء مثلي
يهمس الموت.(51)

وإذا تأخر في مجييه يُثير تساؤل الرجل المنتظر واستغرابه:
صباحاً يستيقظ الرّجل الحزين
يفتَحُ النافذةَ
يسأل امرأتَه:
أوَلم يأتِ بعد؟:
لا
لقد أمضى الليل وهو يطرقُ
بابَ جارنا السّعيد!(52)

وتتبلور العلاقة بينهما إلى درجة لا يترك فيها الواحد يد الآخر:
سوى لحظات قليلة
أجل .. قليلة جداً
قليلة .. لا تُذكَر
فأنا لم أحبّه
لكنني منذ رأيته وجهاً لوجه
لم أعد قادراً على تَرْكِ يده.(53)

وهو على يقين أن الموت قادم ولا مجال لإيهام نفسه بنسيانه له، فالموت موجود في كل شيء وكل مكان:
إنّه في الظلّ
إنّه في النور
إنّه في الشارع
إنّه في الحديقة
إنّه في الوردة
إنّه في المزهرية
إنّه في البيت.(54)

وطالما هو موجود وسيأتي مهما تأخر وصوله فلا يجد الشاعر ما ينهي به حديثه مع الموت وعنه سوى هذه الوصية المتواضعة:
سأقول إنّي ذاهب للنوم
عندما يأتي
لقد تعبت كثيراً
أرجوكم
ومهما حدث –
لا توقظوني
قبل يوم القيامة.(55)

جماليّة قصائد ابراهيم نصرالله:
لم تكن قصائد إبراهيم نصرالله مجرد وسيلة لطرح أفكار ورؤى لم يطرحها في قصائده الطويلة، وإنّما هي قطع فنية شاعرية تزخر، بالإضافة إلى الأفكار والرؤى والمواقف الإنسانية، بجمالية اللفظة المنتقاة والعبارة المسبوكة والصورة الأخّاذة والإستعارة الشّفافة:
ستنهار
هذي
السماء
إذا لم يضمّك زندي
تُعيدين هذا كثيراً
كأنّي أحبّك وحدي!!(56)

بهذه الكلمات البسيطة العاديّة يرسم الشاعر صورة الحبيبة التي لا يدعنا نحدّد هويتها، أهي امرأة أحبّها وسوف تنهار السماء وتنتهي الحياة إذا ما فشل في لقائها وتأخّر عن موعدها أم هي الوطن الذي يُشاركه في حبه الكثيرون؟ ومثل قوله في تصوير لحظة الإبداع للقصيدة التي تأتيه فجأة:
فجأة تقفز مبتهجةً
هاتفةً: إتبعني
هذه القصيدة إلى أين تمضي بي
في حظر التجوّل المزمن؟(57)

وصحيح أن هناك بعض القصائد التي تعتمد على الفكرة فقط وتفتقد للشاعرية مثل:
لا شيء يستطيع أن يعلو
مثل إنسان
ولا شيء يستطيعُ أنْ
ينحدر
أيضاً.(58)

لكنه ينجح في أن يجعل القارئ يرسم الصورة وحده ويلاحق المعنى المخفي الذي إذا نجح المتلقي في الوصول إليه ملك الدنيا بأجمعها:
ذلك الفارسُ المُنطلقُ في المقدّمة
هل يُحاول باندفاعه هذا
أن يظل متجاوزاً الفرسانَ خلفَه
أم يُحاول تجاوزَ فارس أبدي أمامَه
نحن لا نراه؟!(59)

وكقوله:
الحصانُ الراكض في البريّة
هل يعرف حجم البهجة
التي أثارها في الغبار؟!(60)

حيث يُقدّمُ لنا صورة جميلة متحركة أخاذة لاندفاع الحصان وبعثه للبهجة في الغبار المتطاير تحت وقع سنابكه، ولكنها تأخذنا بدلالاتها وإسقاطاتها إلى البعيد للبحث عن الحرية المفقودة والتي بحاجة لمَن يُحرّك الجماد السائد ويُذيب الثلج الرابض ويُشعل النيران المرجوّة لكي تتحقق. وأحياناً نراه يُفاجئ القارئ بعكس ما كان يتوقع قوله:
لو
كان
الموتُ
رجلاً
لَ..
لقتَلني.(61)
وكان القارئ يتوقع قول الشاعر: "لقتلته"

ويبدع الشاعر في اختيار الكلمات ورسم الصّور وجعل القارئ يتوه في عالم ساحر لا نهاية له في قصائده التي يُخصصها للمرآة، هذه المرآة التي تعرف كيف تكشف حقيقة الإنسان وتُعرّيه أمام نفسه بعيداً عن الخداع والزّيف والتّمويه:
الغريبُ الوحيد..
في غرفته الوحيدة
في المدينة الغريبة
قبل وصول الموتْ
توسّط مراياهُ التي ادّخرَها
ومات
كما لو أن العائلة كلّها حولَه(62)

فهو يكرر كلمة القريب – القريبة، الوحيد – الوحيدة، ليؤكد على وحدة الإنسان في هذه الحياة وعلى شعوره بالغربة، حتى الغرفة التي يجلس فيها تشاركه الغربة، فهي وحيدة أيضًا وغريبة. ويصوّر ازدياد الشعور بالغربة والوحدة عند الإنسان في توسّطه لمراياه الكثيرة التي تعكس صورته فيموت وهو مرتاح وكأن كل العائلة حوله بينما هو في الحقيقة وسط نفسه لا أحد معه، يموت وحيدًا غريبًا كما عاش في الغرفة الوحيدة الغريبة وسط المرايا الكاشفة لمأساته.
وحيث لا تجد المرأة المهمَلة غير مرآتها لتُؤنس وحدتها:
حيثما ذهبتْ
حملتْ مرآتها معها
المرأة الوحيدة(63)

هذه القصائد التي لامس فيها أرقّ الأحاسيس وأكثرها استجابة عند المرأة لنداءات الحياة الهامسة الدافعة بها الى طرد الشعور بالوحدة والإهمال في هذه الحياة:
أكثر من مرآة
هنالك في حقيبتها
أكثر من مرآه
تتأملها كلّ خمس دقائقَ
لتطمئنّ أنها
لم تزل شابّة(64)

فهي تجد في مَراياها التي تحملها ما يشدها للحياة ويعطيها الثقة بنفسها. ومثل قصيدة (شغب) التي ترسم صورة رائعة للفتاة التي تخلو بنفسها مع مرآتها للتمتع بجمال جسدها وهي خائفة أن تفضح المرآة سرّها ويكون هناكَ مَن يتلصص عليها. ومن الخارج، وعبر ثقب الباب ترصدها عين المحب العاشق الذي يُحاول أن يطمئنها بأن لا تخاف وتطلق عصافيرها كلّها:
ليس ثمّةَ حاجة للخجل
أطلقي عصافيرك كلّها أيّتها الفتاة
مراياك التي سترى كلّ شيء
لن تقول لنا شيئاً
نحن الذين نتطلّعُ إليكِ
من ثُقب
الباب.(65)

ومثل قصيدة (توق) التي تُشركنا بأرق أحاسيس الصبية الجميلة التي تُعاني بسبب فقرها ووضعها الإجتماعي من إهمال الرجل لها، فلا يُعير جمالها وأنوثتها أيّ اهتمام وإنّما اهتمامه ينصب فقط على مظهر فقر الصبيّة وبؤسها:
آه.. لو أنّ لمرآتي لسان
همست الصبيّة
وعند قدميها انطوت حزينةً
ملابسُها الرثة
آه ..
لو أن لمرآتي لسان
لربّما كان لي من زمن حبيب(66)

والمفارقة تُشكّل إحدى تقنيات ابراهيم نصرالله الشعرية المهمة في قصائده القصيرة حيث يُبدع في تكثيف اللحظة في وضعين متعاكسين متلازمين في قصيدة "خسارة":
وحاولت
ترتيب
يومي
فبعثرتُ قلبي(67)

فهو يوهم القارىء بأنه سيرتب مشاغله اليومية لتكون واضحة ومتتالية لا مفاجآت فيها، فيرتاح هو ومعه القارىء، لكنه يتركه في لحظة انتظار مع الوقفة التي يشغله فيها بالسطر الأبيض الخالي ناسيا قوله "وحاولتُ" التي فيها الرغبة بالمحاولة ولكن لا ضمان فيها، وقد تنتهي بعكس التوقع، ليفاجئه بقوله "بعثرت قلبي" وهكذا ينتهي السكون والهدوء والنظام الذي بدا لعيني القارىء لتتصاعد التوترات والتفاعلات والثورات التي تتصارع في قلب الشاعر ولا يملك القدرة على التحكّم بها، فهو في الوقت الذي حاول فيه ترتيب أعماله اليومية وتنظيمها عمل دون إدراك منه على إيقاظ قلبه وإثارته فانتفض وتبعثر في كل اتجاه. وتتجلّى المفارقة بكل جمالياتها وتقنيتها وفنيتها ودلالاتها في قصيدة "حياة":
يحدث أن يحدث
ما يحدث..
ويكون سكوت
يحدث أن لا يحدث شيء..
فأموت(68)

ففي تكراره للفعل (يحدث) يدخل القارىء في دوامة الفعل والحركة والتوقع والانتظار والتشوق لرؤية هذا الذي سينتج عن الفعل، لكنه يفاجئه بعكس كل ما توقع بقوله "ويكون سكوت"، فكيف ينتج عن الحدث السكوت وأي سكوت هذا الذي عناه! أهو سكوت الإنتهاء من العمل والحركة والخلود للراحة أم السكوت الناتج عن فشل العمل وتعثره فيكون التوقف والخلود إلى السكوت للمراجعة والتفكير والإستعداد واستئناف العمل!؟ لكنه بهذا "السكوت" يخدع القارىء أيضا، ففي السكوت قد تكون مختبئة الثورات والأفعال العظام، فلم يفقده الأمل والرغبة في تلمّس هذا الذي حدث . وهنا تكون المفارقة الأكبر والأصعب وغير المتوقعة التي مهّد لها بإيحاءات لا ينتبه إليها إلاّ مَن يملك موهبة الحدس الإلهية حيث قال "يحدث أن لا يحدث شيء" فتركه في خداع التوقعات والرغبات والآمال غير منتبه لقوله "أن لا يحدث شيء" ليفاجئة بقوله" فأموت" ويصدمه بالصرعة القاتلة بحدوث الحدث الجلل "الموت" بكل قسوته التي تترك القارىء في صمت عميق وذهول مربك ودوامة لا يعرف كيف يخرج منها. فآخر ما كان يتوقعه هو الموت .. فكيف جاء هذا الموت! وبأي حقّ! ولماذا في اللحظة التي كان ينتظر فيها صخب الحياة وتدفقها لمستقبل كله حركة ونشاط!!؟.

وتمثل قصيدة "أسطورة" النموذج الأفضل للمفارقة بين قصائد إبراهيم نصرالله القصيرة. ففي هذه القصيدة يثير فكر وخيال وتساؤلات المتلقي، وقبل أن يتمالك نفسَه يفاجئه بحقيقة غائبة عنه تُربك عقله وتضعه أمام علامة سؤال كبيرة:
شيء ما أغضب الغيمة
شيء ما لا نعرفه
كلّما مرّت من هناك
أمطرت للأعالى.
... ...
هكذا بهدوء
وُلِدَت الصحراء.(69)

الغيمة غاضبة. هكذا يخبر المتلقي ويضعه في حالة الانتظار للمزيد من المعلومات، لكنه يؤكد له أنه لا يعرف ما هو هذا الشيء الذي أغضب الغيمة، فيزيد من تساؤل المتلقي، وقبل أن يجد الجواب عن تسؤلاته يفاجئه بخبر آخر أن الغيمة " أمطرت للأعلى" فيصعقه بذلك، فكيف للغيمة أن تمطر للأعلى وهو يعرف وكل قوانين الطبيعة والحقائق تؤكد له أن الغيمة لا تمطر إلاّ للأسفل وتُنزل أمطارها على الأرض! ويدعه في شتات الفكر وحيرته يتيه مع فسحة الفضاء التي تركها له في السطر العازل ليفتح عينيه ويسلب عقله بحقيقة لا يُمكنه التعامي عنها بقوله: "هكذا بهدوء/ وُلِدَت الصحراء" فيفغر المتلقي فمه مبهورا متسائلا: حقا هكذا ولدت الصحراء.. إذ لو كانت الغيمة تمطر على الأرض لما كانت الصحراء.. وقبل أن يستعيد المتلقي وعيه ويرتب أفكاره، ينسحب الشاعر بهدوء تاركا متلقيه في حالة ما بين الشك واليقين والتساؤل: كيف تمطر الغيمة للأعلى !؟ أوهكذا تولد الصحارى !؟

الخلاصة:
لقد تناول الشاعر إبراهيم نصرالله في قصائده القصيرة العديد من القضايا الإنسانية التي هي همّ الإنسان الفرد حيث يكون، كما هي همّ المجموع. وفي قصائده القصيرة هذه سدّ ثغرات كانت في قصائده الطويلة، وأتمّ رسالة وضعها نصب عينيه، وفي قصائده القصيرة هذه أثبت إبراهيم نصرالله أن لا حدود لقدراته الإبداعية، ولا توقف في محطات تجاربه الشعرية، فهو دائم العطاء متنوّع، يمسك بناصية المفردة والعبارة، قادراً على خلق الصورة وإبداع الإستعارة على مختلف انواعها وخدع المتلقي ببساطة المفردة وقربها من مفرداته هو، ولكنها تأخذ به بدلالاتها وتداخلاتها وإيقاعاتها الساحرة فيكتشف عجزَه عن اللحاق بها والإتيان بمثلها ولا يجد نفسه المأخوذة إلا وهي تصرخ إعجاباً: إنّ منَ البيان لسحرا.

إبراهيم نصرالله في كل مراحل عطائه الإبداعية : شعراً ونثراً، استطاع ان يُعيد للكلمة هيبتها واحترامها وتقديسها، وأن يجعلها مطلب الإنسان العربي، لا ليتزيّن بها ويتباهى وإنّما لصَقل معرفته وزيادة حساسيّته ودفعه ليُدرك أنّ الكلمة كانت في البدء، والكلمة الباقية أبداً، والكلمة القادرة على التحريك والتثوير وبناء العالم الأجمل من جديد. إبراهيم نصرالله هو الذي عرف كيف ينتصبُ في واقع كلّه مهدد بالدمار والبوار والاندثار ليقول كلمته التي عملت عملها وتركت أثرها وأشعلت النيران بهدوء وذكاء.
إبراهيم نصرالله مبدع عرف كيف يُعيد للشعر حيويته.

 

هوامش

(1) ابن سلام الجمحي. طبقات فحول الشعراء. تحقيق محمود شاكر ، مطبعة المدني، ج 1 ص 26 القاهرة 1974.
(2) الجاحظ. الحيوان. دار إحياء التراث العربي . ج 1 ص 64 بيروت 1969.
(3) ابن رشيق القيرواني. العمدة . تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد. مطبعة السعادة، القاهرة 1963
(4) عيسى قويدر العبادي . قصيدة الومضة. الموقف الأدبي. دمشق. سوريا. ع 377. إيلول 2002
(5) المصدر السابق
(6) محمد غازي التدمري. الحداثة الشعرية وفن الومضة. البعث. دمشق. سوريا. 14.7.1991
(7) محمد نجيم. قصص قصيرة جدا. الناقد. ع 81. ص 21، آذار مارس 1995. لندن
(8) حوار للشاعر مع الكاتب أنطوان شلحت. الاتحاد. 16 شباط2001. حيفا
(9) ابراهيم نصر الله. الأعمال الشعرية. قصيدة "بين الماء والماء.. هذا حلمي". المؤسسة العربية للدراسات والنشر. بيروت. طبعة أولى 1994 ص12
(10) إبراهيم نصر الله . الخيول على مشارف المدينة. الأعمال الشعرية . ص13-14
(11) حوار للشاعر مع خالد زغريت. مجلة الجديد. تصدر عن دار الشروق للنشر والتوزيع .عمان. ع 13. ربيع 1997. ص 42

(12) إبراهيم نصر الله. شرفات الخريف 1996 (اندفاع 1)
(13) ابراهيم نصر الله. المطر في الداخل.(أزهار عدن) . الأعمال الشعرية. ص 140
(14) الجديد. مصدر سابق. ع 13. ربيع 1997. ص 43
(15) المصدر السابق. ص43
(16) الاتحاد. مصدر سابق. 16 شباط 2001
(17) المصدر السابق
(18) الجديد. مصدر سابق. ع 13 ربيع 1997 . ص 44
(19) ابراهيم نصر الله. عواصف القلب. دار الشروق للنشر والتوزيع. عمان 1989 ص 52
(20) احسان عباس. مقدمة الأعمال الشعرية لإبراهيم نصر الله. ص B
(21) نزار قباني. كتاب الحب. منشورات نزار قباني. طبعة أولى بيروت 1970. ص أ
(22) المصدر السابق. ص. ج-د
(23) المصدر السابق
(24) المصدر السابق.
(25) المصدر السابق. ص ص. و
(26) إحسان عباس. عواصف القلب نماذج من القصيدة القصيرة في الشعر العربي الحديث. جريدة الدستور 19.3.1993
(27) قصيدة " قصيدة".
(28) إبراهيم نصر الله. عواصف القلب . ص 133
(29) المصدر السابق. ص 172
(30) المصدر السابق. ص 78
(31) المصدر السابق. ص 7
(32) المصدر السابق. ص 9
(33) المصدر السابق. ص28
(34) المصدر السابق. ص163
(35) بدر شاكر السياب. أزهار وأساطير. منشورات دار مكتبة الحياة. بيروت. ص59/62-63
(36) فدوى طوقان. أمام الباب المغلق. منشورات دار الآداب. بيروت. طبعة أولى 1967. ص 26-27
(37) ابراهيم نصر الله. بحثا عن الصداقة المستحيلة من "راية القلب" حتى "كتاب الموتى والموت" . الاتحاد. 13 تموز 2001
(38) ابراهيم نصر الله. راية القلب. الأعمال الشعرية. ص 565
(39) المصدر السابق. ص575
(40) المصدر السابق. ص576
(41) ابراهيم نصر الله. عواصف القلب. ص 54
(42) المصدر السابق. ص 45
(43) المصدر السابق. ص 122
(44) الاتحاد. مصدر سابق. 13 تموز 2001
(45) ابراهيم نصر الله. كتاب الموتى والموت . 1998(مدائح)
(46) ابراهيم نصر الله. عواصف القلب ص 182
(47) ابراهيم نصر الله. كتاب الموتى والموت. (عادات)
(48) المصدر السابق (وضوح)
(49) المصدر السابق (وفاء)
(50) المصدر السابق (أمومة)
(51) المصدر السابق (صداقات)
(52) المصدر السابق (انتظار)
(53) المصدر السابق (لقاء)
(54) المصدر السابق (حياة)
(55) المصدر السابق (محاولة)
(56) أبراهيم نصر الله. عواصف القلب. ص 59
(57) المصدر السابق. ص 177
(58) المصدر السابق. ص 125
(59) المصدر السابق. ص 130
(60) المصدر السابق. 145
(61) ابراهيم نصر الله. كتاب الموتى والموت (أيضا)
(62) ابراهيم نصر الله . شرفات الخريف. (وحدة 3)
(63) المصدر السابق (وحدة 2)
(64) المصدر السابق (قلق)
(65) المصدر السابق (شغب)
(66) المصدر السابق (توق)
(67) المصدر السابق (خسارة)
(68) المصدر السابق (حياة)
(69) المصدر السابق (أسطورة)