تسالم الأدباء والساسة ممن يقدِّر مكانة الأديب ودوره في المجتمع، على أن الكلمة سلاح فعّال في ساحة المواجهة الثقافية منها والعسكرية، ولا تخلو معركة عسكرية من قاعدة فكرية وثقافية وأدبية إليها يستند المحارب، فالقوة البدنية التي كانت عليها البشرية في بادئ نشأتها تطورت إلى مهارة في المعدات العسكرية ومهارة في الخطط العسكرية وتطور في الأسلحة حتى صرنا في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين نعيش عصر الرعب النووي حيث الأسلحة النووية وهي مبلغ ما وصلت إليه العقلية العسكرية حتى اليوم، ولا نعلم ما يخفيه المستقبل، ولكن مع كل هذا التطور والطفرات الجنونية في التسليح العسكري، فإن الكلمة تظل هي السلاح الناجز على طول الخط وإن كانت هي الأخرى لحقها ما لحق الماكنة العسكرية من تطور وتجدد، غير أن البارز من كل هذه الحراك على صعيد الكلمة، عمودياً وأفقياً، أن حقل الشعر لازال يحتفظ برونقه وتأثيره الفاعل على النفوس وفي تجييش العساكر وتحشيد الأمة خلف القائد السياسي والعسكري، على أن سلاح الشعر خضع هو الآخر في استخداماته إلى التطور، فصار الشعر يلقى في المحافل مجرداً أو مزوقاً في أغنية أو أنشودة وطنية أو حربية، وقد صار من التصاق كلمات الشاعر بالأغنية أن تنسب القصيدة المغناة إلى المغني أو المغنية دون الشاعر، فيقال قصيدة المغني فلان أو المغنية علاّنة مع أنها لشعراء معاصرين أو سابقين.
ومن المفارقات الفكهة أن الكلمة المقفاة أو المنثورة خضعت هي الأخرى لحسابات الحرب والسلم، فتزهو في فترة وتخبو في فترة أخرى، ويكثر النظم في عصر وتحت سلطة معينة ويقل تحت سلطة أخرى، ولكن من الواضح من خلال معاينة مؤشر النظم خلال القرون المتمادية أن الشاعر هو الآخر يخضع لنظام التوازن العسكري أو توازن القوى بين معسكرين متصارعين أو سلطتين متنافستين، وهذا ما نلاحظه بشكل جلي في النظم الخاص بالنهضة الحسينية لما تمثله الحركة الحسينية في مسار التاريخ الإسلامي والإنساني من قبّان في ميزان الصراع بين عصائب الحق وأحزاب الباطل، وهذا التوازن يعد عاملاً مساعداً على التحشيد الفكري والثقافي والأدبي، وبخاصة لدى الأديب الشاعر الذي يرى في أجواء توازن القوى بين جبهتين أو حكومتين فرصة طيبة تنفتح فيه قريحته على نظم ما يريد وما يرغب فيه، بل وقد يصبح في مثل هذه الأجواء جزءاً من الماكنة العسكرية عبر سلاح القلم والقافية فيشخذ شاعريته ويركب أمواج البحور بسفينة القوافي دون خوف أو وجل، من هنا يعد الكم المنتج من الأدب نثراً أو نظماً ونوعيته مؤشراً يساعد الباحثين على فهم الفترة التي عاشها الأديب والتأثير الذي تركته التحولات السياسية على يراع الناثر وقريحة الناظم.
والقرن الثالث عشر الهجري الواقع في الفترة (1786-1883م) أنتج أدباً غزيراً في شقيه النثري والشعري، مثَّلَ في أحد أوجهه توازن القوى بين دولتين متنافستين حكمتا شرق العالم الإسلامي وغربه، فمن جانب الشرق الدولة القاجارية وفي الغرب الدولة العثمانية، وفي ظل هذا التوازن العسكري والسياسي نما الشعر الحسيني بنسخته العربية بشكل كبير على مساحات جغرافية واسعة.
هذا الموقف الأدبي الذي عاشه الأديب في القرن الثالث عشر الهجري يطلعنا عليه الأديب الدكتور محمد صادق الكرباسي في الجزء الأول من "ديوان القرن الثالث عشر" الذي صدر مطلع العام 2011م عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 514 صفحة من القطع الوزيري وهو يقود مركب التحليل والنقد للقصائد الحسينية في هذه الفترة.
فأل الأرقام!
يمتلك التراث الشعبي لكل مجتمع بخزين من التقاليد والأعراف يؤمن بها البعض ويرفضها البعض الآخر، وهي في مجموعها لا تعدو أن تكون موروثات اصطبغت مع مرور الزمن وتعاقب الأجيال بصبغة القدسية حتى أصبحت تقليداً أو ربما عقيدة، ولذلك نجد بعض المجتمعات التي تدخل في دين جديد تخلط تقاليدها مع تعاليم الدين كمظهر من مظاهر تقديس الموروث وإن كان مخالفاً مع العقيدة الجديدة أو لا يتناسب مع الفهم البشري لمفردات الحياة اليومية.
ومن الموروثات الشعبية "الفأل والتشاؤم بالأرقام"، فتشعر بعض المجتمعات بالارتياح من رقم معين وتتشاءم من آخر، ولعلَّ هناك شبه إجماع على أن الرقم (13) هو من أسوأ طوالع الأرقام، تتحاشاه المجتمعات المتمسكة بالموروث الشعبي وتقفز عليه بشتى الطرق إن وقعت في شباكه.
وربما يتساءل المرء: ما علاقة القراءة التي نجريها على كتاب الجزء الأول من ديوان القرن الثالث عشر الهجري بالرقم 13؟
والتساؤل تنقشع سحبه إذا ما عرفنا أن المؤلف الدكتور الكرباسي استهل تقديمه لهذا الديوان بمقدمة وافية عن ظروف هذا القرن وعلاقتها بالإنتاج الشعري العمودي الخاص بالنهضة الحسينية، ممهداً لذلك بقراءة رقمية للموروث الشعبي حول الرقم (13) المتماثل مع القرن الثالث عشر الهجري، لأن التشاؤم بالرقم (13) يأخذ مديات أوسع تصل إلى التشاؤم على مستوى الزمان والعصر بحساب السنين والقرون، وهو في قراءته يلفتنا إلى بعض العادات والتقاليد التي تحط من هذا الرقم المسخوط عليه في الذهنية الشعبية، ولا علاقة لهذا الموروث بالتقدم العلمي لأن الموروث يظل موروثا وإن بلغت المجتمعات شأواً كبيراً في عالم المعرفة، فعلى سبيل المثال:
- الطابق 13 في أي عمارة سكنية يكون سعره بيعاً أو تأجيراً أرخص من غيره عند الغرب.
- لا يجلس البعض في الغرب على مائدة طعام تحمل رقم(13).
- يتحايل البعض على الرقم (13) بكتابته على النحو التالي: 12+1.
- في الموروث الفارسي فإن المنجمين يعتبرون اقتران يوم 13 فروردين مع 13 من الشهر العربي هو يوم نحس لاقتران الشمس والقمر ويعتقدون أن العمل يجب أن يتوقف في هذا اليوم.
وهناك أمثال كثيرة لدى جميع الشعوب القديمة منها والتي تعيش بين ظهرانينا بما يخص الرقم (13) أو بعض الأيام، ولكن مجمل القول أن التشاؤم من رقم أو يوم يعود في منشئه إلى حادثة، كتشاؤم البعض من يوم الأربعاء لأنَّ الله أخذ قبيلة عاد في يوم نحس مستمر هو يوم الأربعاء كما يقول تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ. إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ. تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ. فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر: 18-21)، وهو صحيح من حيث الحدوث كما روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع) (مجمع البيان: 9/190)، ولكن لا يعني هذا مطلق يوم الأربعاء فهو يوم منحصر بقوم أو مجتمع وإلا فإن على الحياة أن تتوقف كلياً لأننا لو قسّمنا حوادث الأيام والدهور النحسة التي مرت على البشرية على أيام الأسبوع والشهر والسنة لحق لنا أن نعيش خارج مدار الزمن وأن تتعطل ماكنة الحياة، ولكن الأمر ليس كذلك وكما يقول الفقيه الكرباسي: (إن النحوسة والشؤم ليسا أمرين متعلقين بالأوقات والأيام من جهة، ولا بالأرقام من جهة أخرى، وإنما يتعلقان بالأفعال، فما النحوسة إلا من عمل الفرد نفسه أو من يرتبط به)، كما أن تقسيم الأيام وأعمالها ومستحباتها ومكروهاتها إنما هي من باب تنظيم عمل المرء حسب الأوقات، ولا يعني ذلك عدم وجود النحس لأن حياة الإنسان تدور بين قطبي الخير والشر وخاضعة لطاعة الرحمن أو طاعة الشيطان، فالخير من عمل الإنسان والشر من عمله أيضا، فكلٌ وما جنت يداه، نعم هناك ما يساعد على دفع الأوقات النحسة مثل التصدق وصلة الرحم واحترام الكبير والعطف على الصغير وتلقي الناس بصدر رحب ووجه بشوش وكلمة طيِّبة، وقد ورد عن الرسول الأعظم محمد(ص): (منْ سرَّه أن يدفع الله عنه نحس يومه فليفتح يومه بصدقة يذهب الله بها عنه نحس يومه، ومن أحبَّ أن يذهب الله عنه نحس ليلته فليفتح ليلته بصدقة يدفع الله عنه نحس ليلته) (بحار الأنوار: 47/52).
وخلاصة المقال في هذا المقام كما يؤكد المؤلف، أنَّ: (ما ورد في بعض الروايات في نحوسة الأيام والساعات والأرقام وإعطاء الرسول(ص) وآله بعض الحلول، فإما أن بعض هذه الروايات ضعيفة السند، أو مربكة النصوص، أو أن بعضها جاء لتنظيم حياة الإنسان)، كما أن الرقم (13) بحد ذاته يحمل ذكريات عطرة، ففيه من شهر رجب ولادة الإمام علي بن أبي طالب(ع) في بطن الكعبة، وفي عام 13 من البعثة كانت هجرة الرسول(ص) إلى المدينة التي شكَّلت منعطفا في حياة البشرية، والقائمة تطول.
قرن العطاء والانتشار
وفي قراءة متأنية لواقع الأدب الحسيني المنظوم الذي توزع على سني القرن الثالث عشر الهجري، نكتشف مع المحقق الكرباسي أن هذا القرن يحمل البصمات التالية:
أولاً: الكم الهائل من القصائد والمقطوعات وبالقوافي كافَّة.
ثانياً: على غير العادة فإن قافية الراء صارت هي مطية الشعراء كبديل عن قافية الدال، وتأتي بعدها بالتتابع قوافي اللام والميم والنون والباء، مع دور ضئيل لقوافي الظاء والشين والغين التي تعتبر من القوافي العصية والتي غالبا ما يهملها الشعراء.
ثالثاً: في المقابل فإن الشعراء لم يركبوا أمواج البحور الخليلية كلها حيث اقتصر الأمر على البحور المتداولة كالطويل والكامل والبسيط والوافر والرمل والخفيف والسريع والرجز والمتقارب.
رابعاً: تعد قصائد القرن 13 من الطوال حيث بلغ بعضها أكثر من 150 بيتاً، وتوزعت في أغراضها بشكل عام على الرثاء ثم المديح ثم الولاء ، وحسب رأي الشيخ الكرباسي: (القصائد والمقطوعات بشكل عام جاءت محبوكة أكثر من قبلها مما يعني أن الشعراء استرجعوا عافيتهم وأعادوا إلى الشعر قواعده وأصوله).
خامساً: وفي الوقت الذي بلغ عدد القصائد نحو ستمائة قصيدة ومقطوعة ارتفع بالمقابل أعداد الشعراء ليصل إلى نحو 150 شاعرا توزعوا على العراق والبحرين والحجاز ولبنان وإيران، وفي العراق توزعوا على النجف الأشرف وبغداد وكربلاء المقدسة، وللبنان خصوصية كما يراها الدكتور الكرباسي: (ففي لبنان يشير البنان إلى جبل عامل جنوب لبنان، والعامليون وإن هجروا جنوبهم إلا أنهم لم يهجروا ولاءهم فأينما كانوا نظم شعراؤهم في أهل البيت(ع) وبخاصة الإمام الحسين عليه السلام)، وبالمجمل فلا غرابة أن يضم هذا القرن نحو عشرة أجزاء من دائرة المعارف أي بأكثر من ثلاثة أضعاف عن ديوان القرن الثاني عشر الهجري الذي بلغ ثلاثة أجزاء.
وهذه القفزة الملحوظة في عدد القصائد والشعراء لها عواملها، ولعلَّ من أهمها:
أ. زيادة عدد نفوس البشرية قرناً بعد آخر.
ب. انطلاق الأدب الحسيني بشطريه المنثور والمنظوم منذ القرن الثاني عشر الهجري، مع سعي مشهود لتوثيقه واستنساخه وخروجه من إطاره المحلي وانفتاحه على البلدان والشعوب الأخرى، مما أخرجه من حافظة الصدور الخاضعة لمد وجزر الذاكرة والنسيان إلى حافظة الكتب مع تطور أنماط الإستنساخ والطباعة.
ج. وساهم الاستقرار الأمني بشكل عام في نمو الأدب وازدهاره، وبخاصة أن المنطقة الإسلامية بجانبيها الشيعي والسني عاشت توازنا في القوى بين السلطتين القاجارية والعثمانية ساهم بشكل كبير على النظم والإنشاء والإنشاد والتدوين والنشر، بل استطاعت القصيدة الحسينية أن تتجاوز حدود توازن القوى ولاسيما في القرن الرابع عشر والخامس عشر الهجرين، وهذا ما ساعد بشكل كبير على خلق جبهة إصلاحية في بلدان عدة تتخذ من شعار الإصلاح الحسيني عنواناً.
د. تمتاز المدرسة الامامية بطبيعتها الانفتاحية وهي تتقبل النتاجات النقلية والعقلية بما فيها الأدبية من كل المدارس الفقهية الإسلامية وغيرها، لأنها في الأساس ترجع في خزينها إلى مدونات السنة النبوية وما تركته مدونات أهل بيت النبوة، ولذلك فإن إنتاجها من الأدب غير منغلق يتقبله الآخر ذي الفطرة السليمة من غير معوقات مذهبية أو عقد نفسية، من هنا صح القول كما يقول العلامة الكرباسي: (بأن التشيع ليس بمذهب عقائدي ضيق بل هو حضارة إنسانية جذورها مرتبطة بالسماء وتعتمد المعرفة والعلم في عالم الفكر والتقنين والتطبيق).
فنون لا جنون
أشيع في الوسط الأدبي والفني أن الفنون جنون، ولم يبتعد قائلها عن مركز الحقيقة كثيرا، لأن بعض الفنون جنون، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن الجنون هو الخروج عن حد المألوف، ففي الوسط الثقافي جنون، وفي الوسط الفني جنون، وفي الوسط التشكيلي جنون، وفي الوسط السياسي جنون، وفي الوسط الأدبي جنون، وهكذا في كل وسط بشري، لكن بعض الجنون فن جديد يتذوقه بعض ويستهجنه بعض آخر إلى أمد معين ثم يألفه بعد حين.
بيد أنَّ المقولة تتراجع على استحياء خجلى عندما تقترب من ماء مدين الشعر، ففنونه إبداع وإبداعه فنون، وإن أصابه الجنون فهو إدواري لا دائمي، إلا شعر "الكلمات المتقاطعة" الذي يسمى عند المتشاعرين شعرا فهو في عالم القصيدة العمودية جنون دائم وإن ذاد قائلها أو سقى حين صدر الشعراء عن عيون القوافي.
ومن إبداعات الشعر فن التصدير أي رد عجز البيت على صدره، وهذا الفن لا نجده متكاملا مستوفيا لغرضه إلا في القصيدة العمودية، فيكون البيت في القصيدة كالقمر في قلب السماء، ومن ذلك قول الشاعر محمد علي بن محمد آل كمونه المتوفى عام 1282هـ، من قصيدة من 44 بيتاً من بحر الكامل، ومطلعها:
ما بالُ عَيْنِكَ بعدَ كَشْفِ غِطائها *** قَذفَ الأسى إنسانها في مائها
ثم يصل بيت الشاهد:
عن كربلا وبلائها سَلْ كربلا *** سَلْ كربلا عن كربلا وبلائها
ومن ذلك قول الشاعر صالح بن مهدي الكواز المتوفى عام 1290هـ في مرثية له في الإمام الحسين(ع) وأنصاره، من بحر الخفيف:
أينَ حبِّي إنْ لم أمُتْ لكَ حُزناً *** أين حزني إنْ لم أمُتْ لكَ حُبًّا
ومن حق الشاعر الكواز أن يتساءل عن موضع حبَّه وحزنه داعياً الآخر إلى النظر في واقعة كربلاء، لأن النبي موسى(ع) ترك مصر وقد ورد ماء مدين خائفاً يترقب يبحث عن ملاذ من سطوة فرعون وجنوده، فيما أن الحسين(ع) ترك المدينة وورد كربلاء مع أهل بيته وأنصاره بحثاً عن الخلاص لأمة محمد(ص) التي استنجدت به، فصدر موسى(ع) عن مدين بزوجة وعيال ونبوة، وصدر الحسين(ع) عن المدينة المنورة برؤوس أبنائه وأصحابه شارباً كأس المنية في عرصات كربلاء، وقد أحسن الشاعر الكواز في تصوير ثنائية موسى والحسين عليهما السلام من قصيدة من 42 بيتا من بحر الكامل ومطلعها:
باسْمِ الحُسينِ دعا نعاءِ نعاءِ *** فَنعى الحياةِ لسائر الأحياءِ
حتى يصل موضع الشاهد:
لَمْ أنسَ إذْ تركَ المدينةَ وارداً *** لا ماءَ مدينَ بلْ نجيعَ دماءِ
قد كان موسى والمنيةُ إذْ دنَتْ *** جاءتهُ ماشيةً على استحياءِ
ولهُ تجلّى اللهُ جلَّ جلالُهُ *** في طورِ وادي الطفِّ لا سَيْناءِ
وهناكَ خَرَّ وكلُّ عُضوٍ قد غدا *** منهُ الكليمُ مُكَلِّمَ الأحشاءِ
رؤية أرمينية متَفتِّحة
لأن القرنَ مليء بالقصائد الحسينية فإن الجزء الأول من ديوان القرن الثالث عشر اقتصر على قافية الألف والباء في 68 قصيدة للشعراء حسب الحروف الهجائية: إبراهيم حسن قفطان (1279هـ)، إبراهيم صادق العاملي (1284هـ)، باقر إبراهيم العطار (1235هـ)، حسن أحمد المحسني (1272هـ)، حسن محمد التاروتي (1250هـ)، حُميد إبراهيم آل نصار الشيباني (1225هـ)، راضي صالح القزويني (1285هـ)، سالم محمد علي الطريحي (1293هـ)، صادق محمد الاطيمش (1298هـ)، صالح مهدي الكواز (1290هـ)، عباس علي السكافي (1276هـ)، عبد الباقي سليمان العُمَري (1278هـ)، عبد الحسين أحمد شكر(1285هـ)، عبد الحسين قاسم محيي الدين (1271هـ)، عبد الحسين محمد علي الأعسم (1247هـ)، عبد الرضا حسن الخطي (ق 13هـ)، عبد الله أحمد الذهبة (1277هـ)، عبد الله أحمد القطيفي (ق13هـ)، عبد الله علي الوايل الاحسائي (1300هـ)، عبد المنعم محمد الجدحفصي (بعد 1201هـ)، عثمان عبد الله المولوي (ق 14هـ)، علي عبد الحسين الأعسم (1244هـ)، علي ماجد الجدحفصي (1208هـ)، قاسم محمد علي الهر (1276هـ)، لطف الله علي الجدحفصي (بعد 1201هـ)، محسن حسن الأعرجي (1227هـ)، محمد جعفر الأدهمي (1249هـ)، محمد عبدالله الخطي (1203هـ)، محمد عبدالله الشويكي (1254هـ)، محمد بن علي آل عصفور (قبل 1216هـ)، محمد مال الله أبو الفلفل (1261هـ)، محمد مال الله (ابن معصوم) القطيفي (1271هـ)، محمد بن علي آل نصار الشيباني (1292هـ)، محمد علي بن حسين الأعسم (1233هـ)، محمد علي بن محمد آل كمونه (1282هـ)، مهدي داود الحلي (1289هـ)، مهدي مرتضى بحر العلوم (1212هـ)، موسى جعفر الطالقاني (1298هـ)، وهاشم حردان الكعبي (1231هـ).
وإلى جانب هذه الأسماء اللامعة من الشيعة والسنّة الذين نقشوا قوافيهم على حائط النهضة الحسينية، فإن هذا الجزء اختتمه مؤلفه بمقدمة باللغة العربية للأديب السوري، الدمشقي المسكن، الأرمني الديانة، الدكتور أواديس بن أرشاوير استانبوليان المولود في مدينة حلب عام 1373هـ (1954م)، الذي وجد أنه: (بالدم الطاهر.. أسس الإمام الحسين مدرسة الشهادة والإباء ورفض الذل، بروحه العظيمة.. أنار درب الشرفاء الساعين لقول الحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بقلبٍ امتلأ إيماناً.. تقدَّم إلى مذبح الشهادة مختاراً طائعاً).
وهكذا كما يضيف الدكتور استانبوليان: (تدفقت عواطف كل من قرأ أو سمع مأساة كربلاء.. دموعاً تملأ المُقل.. وقصائد شجى تملأ النفس.. وألحانَ حزنٍ يعزفها القلب.. تشكو إلى الله ظلم الغاشمين وقهر الجبابرة الحاكمين، من هذه النفوس الممتلئة بالعاطفة الصادقة تدفقت هذه القصائد الرائعة). إن القصائد التي جمعها وحققها العلامة الشيخ محمد صادق الكرباسي تمثل رحلة كما يؤكد الدكتور استانبوليان: (رحلة.. في فضاء القلب والتاريخ والتقوى تتدفق عن حياة الحسين ودرب جهاده.. أوليس الحسين مصباح الهدى.. وسفينة النجاة.. وإمام خيرٍ.. ويُمنٍ.. وعزٍّ.. وفخرٍ.. وبحر علم وذخر؟).
نعم.. إنه مصباح هدى وسفينة نجاة كما قال جده محمد بن عبد الله(ص) الذي بعثه الله رحمة للعالمين كلَّ العالمين.
باحث وأكاديمي عراقي، الرأي الآخر للدراسات، لندن