الأدب العمالي بالمغرب

أسماء نافع

في إطار أنشطتها الثقافية المتواصلة نظمت جمعية الكتبيين البيضاويين، بشراكة مع كلية الآداب و العلوم الإنسانية بنمسيك لقاءا ثقافيا دارت فصوله حول موضوع: "أدب الطبقة العاملة"، يوم الأربعاء 20 أبريل 2011، على الساعة الخامسة زوالا، في خيمة الندوات بمعرض الكتاب بساحة السراغنة وقد أدارت الباحثة "نادية شفيق" أشغال الندوة التي عرفت مشاركة ثلاثة قصاصين مغاربة "يوسف بورة"،"سعيد رضواني"،"محمد الكويندي"، الذين شاركونا انكساراتهم و طموحاتهم و آمالهم، و تجاربهم المنبعثة من فضاء عالم القاع، بالإضافة إلى مشاركة الباحثتين"سميرة مترجي"،و "الزوهرة صدقي بإلقاء الضوء على أدب مزجت كلماته بعرق من كتبوه، أدب تفوح منه رائحة الفقر و الكد و القهر ، رائحة القاع.

الورقة الأولى في هذا اللقاء قدمتها الباحثة سميرة مترجي، لرواية "جراح" ليوسف بورة عنونتها ب(جراح: قراءة بالذاكرة في حياة القاع و أناسها)، حيث اشتغلت الباحثة على الذاكرة و آليات اشتغالها، التي تسير وفق مسار تركيبي بسيط يقوم على التوقف الذي يشكل عتبة بين الغوص في السابق و التهيؤ للاحق، و التكرار باعتباره حلية كلامية تفيد التوكيد من جهة و التنبيه من جهة أخرى، ثم التقييم لبعده الأخلاقي الذي يحضر غالبا في ساعة التجربة الذاتية.

و قد حاول الكاتب في جراح النبش في حياة القاع حيث التهميش و الإقصاء من خلال ما عاشه و ما عايشه، فكان أن أجهد ذاكرته في الاسترجاع و الاستذكار ليسجل حياة أناس خالطهم حتى النخاع، أناس يعيشون خارج التاريخ في اللازمان و اللامكان.

 بعد ذلك  صرح يوسف بورة بأن كتابه "جراح" هو ملامسة خجولة لمغامرة الكتابة، التي اكتشف أنها من أصعب الأمور التي يقدم عليها  الإنسان خاصة إذا كان موضوعها يتطلب سبر أغوار الذات والغوص في متاهاتها، فقد غاص الكاتب في طفولته ومراهقته المشردة من خلال روايته "حقيقة دامعة"، لتأتي "جراح"، شاهدة على مرحلة شبابه، و ما طبعها من مراجعات فكرية وسلوكية كان محورها انفتاحه على عالم الكتاب و فضائه الرحب، متمنيا إتمام ثلاثيته السيرذاتية .

تحدت بعد ذلك الكاتب محمد كويندي، عن الصعوبات التي واجهت الأدب العمالي، و رأى أن هذا الأخير استوقفته إشكالية المصطلح، و اعتبر أن الكتابة هي إعادة توازن للحياة، التي نؤدي فيها جميعا أدوارا إما قسرا أو اختيارا، ثم أورد أمثلة عديدة لأدباء عمال استطاعوا قلب موازين الأدب و طبعوا أسماءهم بمداد امتزج فيه العرق بالدماء، من قبيل "زكريا تامر" الذي اعتبر أنه أثار ضجة في مسار القصة القصيرة، و "عبد الرحمن منيف" الذي أحدث طفرة في مجال الكتابة عن ثقافة الهامش، و يرى الكاتب أن كل مبدع يفكر فقط في اللغة لا يكتب، لذلك عليه أولا أن يفرغ مكنوناته عن طريق الكتابة ثم يتبعها بعملية التنقيح، ليختم بأن الكتابة شقاء كما هو الوعي عند كانط .

و اختارت الباحثة الزوهرة صدقي الحديث عن "المتاهات السردية " عنوانا لمداخلتها التي تمحورت حول المجموعة القصصية "مرايا" لسعيد رضواني، معتبرة أن الأعمال الفنية التي تلفت الانتباه إليها، هي تلك التي تعرف كيف تجمع بين المضمون و الشكل و اللغة في بوثقة محكمة بحيث ترقى فنيا إلى درجة يستحيل معها تخيل شكل آخر لكتابتها غير الشكل الذي ظهرت عليه .و القاص سعيد رضواني لم يطل علينا إلا بعد أن أحكم فن السرد و أحاط بخصائصه الفنية و الجمالية مما جعل قصصه جديرة بالمتابعة و القراءة، و ترى الباحثة أن القاص لم يتخذ المتاهة موضوعا أو فكرة في مراياه، بل اتخذ موضوعات و قضايا اجتماعية و نفسية من قبيل (الجنس، السرقة، الاغتصاب، الجشع، القتل، البطالة...)، موضوعا لمتاهاته السردية، فالمتاهة عنده تكمن في اللعب بالعوالم المتعاكسة المتصادية التي تدفع بالقارئ و منذ الوهلة الأولى إلى اتخاذ الحيطة و الحذر خشية الضياع في المتاهات السردية لمراياه و ذلك رغبة منه في إنتاج قصص مستفزة لا منومة.

تناول الكلمة بعد ذلك القاص سعيد رضواني ليبوح لنا بمكنونات الأديب العامل، الذي يقاوم في كل لحظة انشطارا محتملا، و كاتبنا يجهل كيف أصيب بلعنة الكتابة في بلد لا يقيم تماثيل لمبدعيه، بل تماثيله أجيال تناوبت على تقلد مسؤولية الثقافة فزجت بها في الدرك الأسفل، ليبقى المبدع وحيدا في حربه اليومية من أجل إثبات وجوده أمام أسرة تُحَمل قلمه و أوراقه وزر تدهور أوضاعه الاجتماعية، فيظل يتفتت حتى يتلاشى ثم يقال مات كاتب.

وفي ختام هذا اللقاء افتتح باب نقاش عميق حول الأديب العامل و ما قدمه من عطاءات لحقل الأدب.