يتناول الناقد هنا أحدث أعمال جميل عطية ابراهيم «شهرزاد علي بحيرة جنيف» كاشفا عن دلالات العناصر الكرنفالية فيها، وعن عالمين متقابلين فيها احدهما عالم ألف ليلة، والآخر عالم جينيف وآليات العولمة.

كرنفالية صاخبة وحوارات موحية

في شهرزاد علي بحيرة جنيف

فتحي أبورفيعة

في أحدث أعمال جميل عطية ابراهيم شهرزاد علي بحيرة جنيف روايات الهلال، دار الهلال، القاهرة، كانون الأول/ديسمبر 2006 تحيلنا ثنائية الدلالة في عنوان الرواية، علي الفور، الي عالمين متقابلين ومتباعدين ـ ليس فقط من حيث الزمان والمكان ولكن أيضا من حيث الثقافة والهوية والموروث الفكري. شهرزاد بما توحي به من سحر الشرق ودفئه، وأساطير ألف ليلة وليلة ولحن كورساكوف الخالد، وجنيف مدينة قصر الأمم المتحدة، المحفل العالمي لقضايا العولمة، وسويسرا بجبالها الباردة، وجنيف ببحيرتها الساكنة التي بقدر ما لها من جمال وقدرة علي أن تبعث في النفس من راحة وهدوء وبهجة، يمكن أيضا أن تكون باعثا علي الحزن والكآبة. وسيكون لكل من هذين الجانبين تجلياته عبر النص، وستتولد عن التفاعل بين عناصر كل منهما لوحة كرنفالية بديعة وصاخبة ليست بطلتها شهرزاد، كما قد يتبدي الأمر للقارئ لأول وهلة، لكنه مغترب صعيدي من نجع البطوطة، أحد نجوع صعيد مصر (الوجه القبلي). وهو وان كان يحمل الكثير من صفات المؤلف نفسه، لكنه يكتسب في الرواية شخصية مركبة بالغة العمق ومتعددة الأبعاد تجعله يضارع بل وينافس الشخصيات الأسطورية التي حفل بها العمل الأم الذي تستمد منه الرواية روحها وهو حكايات ألف ليلة وليلة.

السطر الأول في شهرزاد علي بحيرة جنيف إعلان موقف عن أهمية الذاكرة والتاريخ في حياة المرء والأمة: أثقل ما يحمله المسافر معه عند الرحيل الذكريات. الذكريات هي صاحبة الوزن الزائد علي الطائرة. الذكريات هي التي تقصم ظهري عند مغادرة أرض المطار. الفصل الأول في الرواية الذي يبدأ بهذا الاعلان يحمل عنوان حكاية رسمها جني ويرويها مغفل زمانه. وهو عبارة عن مفتتح أو مدخل عن أهمية السرد أو الحكي باعتباره تسجيلا للذاكرة الفردية والجماعية. وحينما يروي البطل لصديقته الانكليزية احدي حكايات الماضي التي يحتفظ بتفاصيلها مخطوطة، تشدها الحكاية، وتطلب منه أن يبيعها إياها. لكنه يرفض بقوة. حكايات نجع البطوطة ليست للبيع. هذه حكاية من حكايات جدي، وكان يغنيها علي ربابة وتستغرق ألف ليلة. هذه الحكايات كلها في رأسي. حكاياتي هي أنا. وهذا الاعلان القوي عن التمسك بالذاكرة والهوية والتراث هو موضوع أثير في فكر جميل عطية ابراهيم، يعطي مشروعه الروائي فرادته وجديته

شهرزاد البحيرة ـ اختصارا ـ تضم 30 مقطوعة سردية نشر معظمها علي مدار العامين الماضيين كقصص قصيرة مستقلة. ورغم هذا التجزؤ، فهي تنتظم حول الموضوع الأساسي الذي حدده لها المؤلف في عنوان الرواية وهو شهرزاد علي بحيرة جنيف. وتدور وقائع الرواية بين شخصيات رئيسية أهمها الراوي ابن نجع البطوطة، وصديقته الانكليزية كريستينا، وشهرزاد، وأختها دنيا زاد، وثري عربي يصفه الراوي أحيانا بأنه أمير نفط، وأحيانا ثري خليجي يطارد دنيا زاد للايقاع بها، ويعثر عليه مقتولا وقد شنق نفسه في قصره الضخم في جنيف. ومن خلال تفاعل الراوي مع هذه الشخصيات الرئيسية ينسج المؤلف/ الراوي/ الصحافي حكاياته عن الواقع العالمي ومكانة العرب في هذا الواقع مستندا الي موقعه في محفل قصر الأمم حيث تصنع القرارات الدولية. وهو في كل هذه التفاعلات يخلط الواقعي بالأسطورة، ويبرع في تخييل الأحداث مؤسسا بذلك، كما قال عن حق الناقد الكبير ابراهيم فتحي في تعقيبه المنشور علي آخر صفحات الرواية واقعية سحرية عربية متميزة المنابع والأهداف، وتحاول استكشاف موقعنا الخاص ضمن الوضع البشري بأكمله في عولمة اليوم .

ولعله من خلال إطلالة سريعة علي هذه الشخصيات الرئيسية يمكن للقارئ أن يضع يده علي الخط الرئيسي للرواية، وأن يستخلص ما أراد المؤلف أن يعبر عنه من أفكار عبر تفاعل هذه الشخصيات، رغم ما سيكون في هذه الاطلالة السريعة من غبن واجحاف بروح القص الفريدة التي تميز بها هذا العمل البديع من أعمال جميل عطية ابراهيم.

صعيدي نجع البطوطة يعمل صحافيا في جنيف حيث حاضري يتسلل نقطة نقطة مخلفا الوحدة وراءه والمستقبل لا يبشر بخير. ويقول في مكان آخر: زهقت وقرفت من البقاء في جنيف ومن تتابع أحداث العالم. تمزق الشرق الأوسط ورأيت دماءه تنزف من موقعي بفعل ضربات جهنمية متنامية. زاد الفقر في العالم وسقطت كل المزاعم عن الرخاء القادم. لا شعار الصحة للجميع بحلول عام 2000 تحقق، ولا تم القضاء علي الفقر في العالم، كما قيل. صعيدي نجع البطوطة مثقل بذكرياته وبحكايات الأجداد. في نجع البطوطة، في زمن قديم، تمرغ حمار في التراب حتي ارتوي، ثم طار وتعلق بصاري المديرية وهات يا نهيق . يحزنه أن الناس نسيت حكاية حمار الغيط، وضاعت تفاصيل غضبته وأسباب نهيقه من ذاكرة الناس. لم يلتفت أحد من المؤرخين أو حتي مدرسي الكتاتيب الي هذه الحكاية وسبب النهيق. حكاية حمار نجع البطوطة، كما يقول الراوي، أسطورة مفقودة. يأخذ صعيدي نجع البطوطة علي نفسه عهدا بأن يكون احياء أسطورة حمار نجع البطوطة مهمتي في الأعوام القادمة.جدي الشيخ أبو علامة سجل لنا تفاصيل الحكاية، وشجار العمدة مع الحمار، وأحاديث حفيدته من زوجته الثالثة مع الحمار. ويقرر أن تكون رسالته في قادم الأيام هي ترتيب أوراق جده الشيخ أبو علامة.

كان لا بد من الاشارة السريعة الي هذه الحكاية من حكايات صعيدي نجع البطوطة لأنها كانت مدخل الراوي الي الغوص في حكايات شهرزاد، ومقارناته ومقارباته بين حكايات الشرق وحكايات الغرب، وأساطيرهم وأساطيرنا، وكيف يفكرون وكيف نفكر نحن. ومن خلال لوحاته الثلاثين التي يلونها سحر هذه الحكايات ومفارقاتها سيبهج جميل عطية ابراهيم قارئه بوقائع غريبة وصاخبة في أسلوب يتنوع بين السخرية والتندر والادانة يعبر من خلاله عن كل حالات الأمل والاحباط والحزن والفرح والمتعة واللوعة في عالم كرنفالي صاخب أشبه بموالد المشايخ والقديسين أو بحلقات السامر الممتعة التي ميزت ليالي الأفراح الشعبية في سالف العهد والأوان. لا بأس من الاشارة هنا الي أن تعبير الشكل الكرنفالي في السرد يعود الي المفكر الروسي ميخائيل باختين، وهو شكل يتميز بالتحرر من القيود والحقائق السائدة والنظام القائم، ويحتفي بكل ما هو شعبي وعادي، ويتيح لأبطاله تلقائية التعبير والتصرف. ومن عناصر الكرنفال عند باختين الضحك والمهرجون والتندر علي الواقع، وهو ما يحفل به الكثير من وقائع شهرزاد البحيرة ، كما سنري في اللقطات السريعة التالية.

من خلال ابن نجع البطوطة سنتعرف علي زميلته كريستينا الانكليزية، وعلي مفارقات ممتعة عن خلفيتهما ورؤيتهما للأمور. فهو ابن النجع بحكاياته عن الجن والحمير والعنزات الطائرة، وهي المترجمة الفورية التي تتقن خمس لغات حية. درست شكسبير في بلدها ودرست الأدب الروسي في موسكو. حمار نجع البطوطة الذي طار حكايتي أنا، والرجل الذي تحول الي عنزة من مخلفات صباي، وأشباح شكسبير وسقوط الاتحاد السوفييتي تخصها هي. من كثرة كلامه عن الحمير وترديد عبارة حا... حا ، سألته يوما ماذا تعني هذه العبارة. قال لها: مفردة من لغة الحمير، وتعنى: تقدم يا حمار!! وبينما يرتب لسهرة مرحة مع صديقته كريستينا، تفاجئه بأن صديقة لها طار قطها من الشرفة ومات، وزميلتها في ورطة كبيرة، واتصلت بالسلطات، وهناك مصاعب في دفن الجثة. وطلبت منه مرافقتَها الي صديقتها لتأدية واجب العزاء. ويجد ابن نجع البطوطة نفسه في ورطة: العزاء في موت قطة واجب، قطة قفزت من الشرفة وأنهت حياتها لسبب غامض، والعزاء واجب الليلة، لا بأس. دعتني الي الصعود معها لمواساة صديقتها وتقديم العزاء ، لكنني اعتذرت. رفضت تقديم العزاء في قط لا أعرف اسمه أو كنيته، كما أنني لا أعرف صديقتها، ولا يجوز التطفل علي الناس ليلا دون سابق معرفة .

تبلغه كريستينا ذات يوم من لندن، حيث كانت تغطي أحد المؤتمرات بأن شهرزاد في جنيف، وأنها في مأزق وتنهي المكالمة علي عجل. يبدأ في رحلة البحث عن شهرزاد التي جاءت الي جنيف تسترجع أوراقها الضائعة وحكاياتها التي لا تتمتع بأي حماية مادية بعد مئات السنين. ربما جاءت أيضا للدفاع عن شهريار الذي امتلأت الصحف بصوره وتحتها اعتراف بقتل سبع فتيات. يقول ابن نجع البطوطة: ليحاكم شهريار أمام محكمة جنائية دولية. لا تهمني أمور شهريار، ما ذنب المسكينة شهرزاد؟ تحل بجنيف أيضا دنيا زاد شقيقة شهرزاد بحثا عن أختها. يطارد دنيا زاد ذلك الثري العربي المريب، والذي يعثر عليه مشنوقا في قصره. يركز المؤلف علي هذه الشخصية بشيء من التفصيل باعتباره رجلا ديدنه الجري الي الوراء، والرجوع الي حياة وحشية في ثوب عصري. رجل لا يهمه سوي تسهيل عمل شركاته العابرة للقارات، وتحويل العالم الي غابة حتي يتسق الواقع مع الشرائع قبل أن تهب موجات الثورات من جديد . وفي مكان آخر يقول: رجل ثري لا بأس، لا علاقة لنا بخزائنه ، مصيبتي أنه لا يتركني في حالي ويعتقد أن العلم والفهم يمكن شراؤهما من الأسواق مثل الأحذية والملابس الداخلية.... الفهم عتبة روحية بعيدة عن حسابات الدولار ، عتبة لا يدركها رجل فناطيس الجاز ولا كل رجال فناطيس الجاز ورجال الشركات العابرة للقارات المحملة رؤوسهم بالجاز.

يتآمر الثري العربي علي شهرزاد ويبلغ ابن نجع البطوطة ذات يوم: يجب التخلص من هذه الفتاة. تحملتها كثيرا. فسدت أعمال ابن عمي شهريار بسببها. وها هو في الحبس، والكل يعلم، لا ذنب له في جريمة مقتل الفتيات. شهرزاد يجب أن تموت. أخيرا تثبت براءة شهريار من قتل الفتيات اللائي يتبين أنهن قتلن في عملية انتحار جماعية أعد لها جيدا ونفذت بدقة.

في دراسة مهمة عن ألف ليلة بعنوان (ألف ليلة وليلة، غيبوبة القص، غيبوبة الاستماع، تأليف حسن حميد، المجلس الأعلي للثقافة، مصر، 2006، ص 110)، يقول المؤلف ان شهرزاد التي جعلت من الكلام معادلا جميلا للحياة، أي التي جعلت من الكلام حبل نجاة لها ولبنات جنسها، كانت قادرة علي اعادة شهريار الي الروح الأنثوية بعدما فر منها طويلا، أو تحيَّدها طويلا، والي جوهر الوجدانية الصافية بعدما نسيها تماما، والي جمال الحضور الاجتماعي عبر رحلة الجسد الأنثوي، كما أعادته الي الخلود ليبقي شاهدا علي الارتداد من العمي الي المعرفة، ومن القتل والدموية الي الصفح والأنسنة البعيدة في نبلها وسموها ومرامي غاياتها . و شهرزاد البحيرة رواية عن الكلام والقص ومواجعه ومباهجه. ولذلك اختار المؤلف شهرزاد، أميرة القص العربي، ليعبر من خلالها عن الخطر الذي يتهدد الذاكرة القومية. جاءت شهرزاد الي جنيف تبحث عن شهريار، وتنقذه مرة أخري بعد أن أنقذته منذ مئات السنين من نفسه وأنقذت منه الآلاف من بنات جنسها.

جاءت لتنقذه من قضية مرفوعة ضده بقتل سبع بنات في قصره في جنيف. لكن الراوي يشعر بالحزن والخوف علي شهرزاد التي لم تعد شهرزاد الأسطورة. وحينما يستنطقها تسكت عن الكلام. يتساءل الراوي: شهرزاد لها ألف حكاية وحكاية، هل توقفت عن ولادة الحكايات وأصبحت تتسولها من الدجالين في آخر الزمان؟ صمت شهرزاد مصيبة. نكبة وحلت بالعالم العربي. رجوتها ولا فائدة .لقد ملت دائما، في تناولي لأعمال سابقة لجميل عطية ابراهيم أن أعقد مقارنة بين بطله الرئيسي وبين سقراط الفيلسوف لما يجمع بين هؤلاء الأبطال وسقراط من قدرة علي الحوار وطرح الأسئلة والبحث عن الاجابات التائهة والعويصة، ولما تميز به الحوار السقراطي من ميزتين هامتين: أولاهما الالمام بموضوع الحوار، وثانيتهما النزعة الفكرية التي غالبا ما تسم طبيعة الحوار وتدفع به الي طريق الكشف عن أفكار وايحاءات جديدة تثري الحوار والمناقشة، فضلا عما عرف به سقراط نفسه من حكمة وفطنة وسرعة بديهة مشوبة بالفكاهة والسخرية. وكان سقراط، وفقا لما ذكره أفلاطون، حكيما في وحدته، لكنه كان في حاجة الي الحوار لبلورة أفكاره وتطويرها خدمة لأفكاره وأداء لواجبه المدني.

وفي شهرزاد البحيرة هناك حضور قوي لسقراط جميل عطية ابراهيم، لغة وفكرا، وتنتثر في أنحاء الرواية أقوال سقراط المعبرة والعميقة والساخرة: شهرزاد معها حق، مجاراة الوهم تصنع الواقع ؛ شعار الساسة منذ الخليقة الي الحرب العالمية الثانية وعصر العولمة: كل الخيارات مفتوحة، وهذا شعار يصلح للرقص كما في السياسة ؛ حكاياتي هي أنا ؛ ليت العمر يمتد بي وأشهد سقوط دولة عظمي أخري ؛ كلنا يرتدي لباس المهرج في لحظة ما .سقراط جميل عطية ابراهيم هو أيضا مهرج . ومن أجمل الحكايات التي تتضمنها شهرزاد البحيرة ، حكاية الراوي الذي استدعاه الأمن السويسري لمساعدته في البحث عن طفلة صغيرة كانت كلما شاهدته تهلل فرحا قائلة: المهرج، المهرج. وكان الراوي يسعد بفرحة الطفلة وينطلق في الرقص والتصفيق في ايقاعات متناسقة علي نغمات الرق وهز الشخاليل التي كان يحملها دائما في حقيبته. انتهت الرقصة، ابتسمت والدتها، قالت : شكرا ، اقتربت مني الطفلة ، قالت: شكرا سيدي المهرج. صرخت فيها والدتها، قالت: عيب.

ابتسمْت. قالت لي السيدة معتذرة مرة أخري: البنت لا تدرك معني الكلمات.
قلت: لا بأس . ويبرر الراوي سعادته بما حدث:
أقطن هذا العقار منذ عشر سنوات، وهذه أول كلمات أتبادلها مع الجيران. سعدت برقص الطفلة ولم تضايقني البتة كلمة المهرج . فتحت لي هذه الطفلة باب الكلام مع الجيران ولم أعد وحيدا .
يستعين البوليس السويسري بالراوي في العثور علي مكان الطفلة من خلال مهرجان طبل وزمر يقوم فيه الراوي بدور المهرج، حتي اذا سمعته الطفلة من مكانها الذي كان البوليس قد حدده بالتقريب فانها ستنادي عليه. وقد حدث وتم انقاذ الطفلة المخطوفة.

في ختام عملية الانقاذ يعتذر مدير الشرطة للراوي عما سببه له من ازعاج، ويقول له: اذا رأيت منع نشر الصور وأنت في لباس المهرج، حققت لك ذلك. المنع من سلطاتي. ويرد الراوي: لا داعي للمنع يا سيادة المحقق. صعب علي كاتب المطالبة بالمنع. هذه ليست أسرار دولة، القضية صلبها التهريج والدق علي الرق، كرنفال، وكلنا رقصنا. تحاملت علي نفسي وهرجت وانتهي الأمر. دققت الرق ورقصت متخفيا. قادتني أيامي في جنيف للتهريج ودق الرق في الطرقات، صفحات حياتي مضت، وهذه آخر مهمة لي، وأتممتها في لباس مهرج. أرسلت اشارات وتسلمت اشارات. وظيفتي مهرج في نهاية العمر. لا بأس. كلنا نرتدي لباس المهرج في لحظة ما .

في حوار دال بين الراوي وشهرزاد يسألها: في أي يوم نحن الآن وأين نحن؟ قالت كما تردد دوما: في نهاية الربع الأخير من اليوم الثامن في زمن صناعة الغابة بواسطة العولمة . يستجليها المزيد: في ظلام الليل؟ تقول شهرزاد: الأمر كذلك. الشمس غابت ولم تطلع بعد. والفجر لم يشهد صياح الديك، ونغمات دائرة في الأفق لم تستقر في أذن أحد، من يلتقطها نجا ومن أهملها هلك. وتسكت شهرزاد عن الكلام المباح، لكن تحذيرها يبقي ساطعا أشد ما يكون السطوع في قلب الظلمة الحالكة التي تلف عالم القرن الحادي والعشرين.