لقد شهدت السياسة الامريكية موقفا متطورا بالنسبة للقضية الفلسطينية ولكن تلك السياسة ما زالت تراوح مكانها بحيث ان هذا الموقف لم يتمخض عنه اي حل للقضية الفلسطينية لغاية الان ,كما ان هذا الموقف تراه متناقضا احيانا مع نفسه والدليل على ذلك استخدام الولايات المتحدة حق النقض الفيتو في مجلس الامن عندما تم بحث اصدار قرار يدين الاستيطان في الاراضي المحتلة مع العلم ان الولايات المتحدة ضد الاستيطان الاسرائيلي في فلسطين ,ورغم الاهتمام العالي بخطاب الرئيس الامريكي اوباما الذي اعلن صراحة ان الدولة الفلسطينية المقبلة يجب ان تقوم على حدود عام 1967 مع تبادل الاراضي يتفق عليه الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي وان تكون منزوعة السلاح وكذلك اقامة حدود امنة ومعترف بها لكلا الدولتين ,الا انه اقترب من الموقف الاسرائيلي بشأن اعلان الدولة الفلسطينية في شهر ايلول القادم حيث قال ان جهود الفلسطينيين في تجريد اسرائيل من الشرعية ستنتهي بالفشل مضيفا ان التحركات الرمزية لعزلها في الامم المتحدة في ايلول القادم لن تقيم دولة مستقلة للفلسطينيين وفي هذا فأن اوباما يناقض نفسه وهو الذي اعلن سابقا ان الدولة الفلسطينية سترى النور في ايلول المقبل وهو يميل في ذلك الى قبول موقف نتنياهو في عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية وثني دول اوروبا عن ذلك .لا شك هناك مؤشرات متطورة في الموقف الامريكي بقله ان على اسرائيل ان تعمل بصورة جادة لاحداث سلام مستدام لان المجتمع الدولي قد سئم من هذه العملية التي تستمر بدون نتيجة وان حلم الدولة اليهودية لا يمكن ان يستمر عبر هذا الاحتلال المستمر ,لاكنه استدرك قائلا انه لا يمكن للولايات المتحدة او لغيرها فرض السلام ولكن التأخير في الوصول لاتفاق لن ينهي المشكلة وان الامر مرهون بالفلسطينيين والاسرائيلييين لاتخاذ خطوات صحيحة .ولم يكد ينهي الرئيس اوباما خطابه خرج علينا نتنياهو بلاءاته المعهودة ان لا انسحاب كامل الى حدود 1967 وان اسرائيل ستعترض على اي انسحاب الى حدود لا يمكن الدفاع عنها وان اسرائيل معنية بالاحتاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في اي اتفاق سلام ,وان امكانية اقامة دولة فلسطينية لا يمكن ان تأتي على حساب وجود اسرائيل وان حل قضية الاجئين يجب ان تتم خارج حدود اسرائيل والاعتراف بااسرائيل كدولة للشعب اليهودي.
ان خطاب الرئيس اوباما الذي القاه يوم امس، وخصصه للحديث عن منطقة الشرق الاوسط، والتحولات الرئيسية فيها، جاء مليئاً بالوعود حول دعم الاصلاح، واقتصاديات الانظمة الديمقراطية الجديدة في مصر وتونس، وبشرنا بنهاية قريبة لنظام الزعيم الليبي معمر القذافي، ووجه انذاراً الى الرئيس بشار الاسد بأن عليه ان يختار بين قيادة الاصلاح الديمقراطي او التنحي عن الحكم، ولم ينس حلفاءه في البحرين عندما طالبهم بالحوار مع المعارضة والافراج عن المعتقلين، وهذا كله كلام معروف سمعناه على لسان اكثر من مسؤول امريكي، ولكن السؤال هو حول الخطوات العملية لتحويله الى افعال على الارض.
نقول هذا الكلام الذي نعترف بانه ينطوي على لهجة تشكيكية، لاننا سمعنا مثله قبل عامين تقريباً في خطابه الاول في جامعة القاهرة، حيث وعدنا، وبكلمات بليغة ايضاً، بسياسة خارجية امريكية جديدة تقوم على العدالة والاخلاق، وبناء علاقات قوية مع العالم الاسلامي، والتزام مطلق بحل القضية الفلسطينية على اساس حل الدولتين ووقف كامل للاستيطان، فماذا جاءت النتائج؟... تراجعاً كاملاً عن كل هذه الوعود، وتبني جميع الاملاءات الاسرائيلية، وفشلاً في اقناع حلفائه الاسرائيليين بتجميد الاستيطان لمدة شهرين فقط .
الرئيس اوباما قال كل شيء ايجابي بكلمات معسولة منمقة حتى وصل الى القضية العربية المركزية فغير لهجته كلياً تجاه الشعب الفلسطيني، فقد توعد بان تصويت الجمعية العامة للامم المتحدة لصالح دولة فلسطينية لن يؤدي الى قيامها، وتبنى الموقف الاسرائيلي الرافض للمصالحة الفلسطينية، وطالب السلطة بالقبول بانسحاب تدريجي وتفهم بل وتنفيذ مطالب اسرائيل الامنية واحتياجاتها، وأصرّ على ضرورة اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة الاسرائيلية.
غاب عن اوباما، وهو الرجل الذكي، ان الغطاء الشرعي الذي تلتحف به اسرائيل لتبرير اغتصابها للارضي الفلسطينية هو قرار صادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة عملت الادارة الامريكية جاهدة على اصداره وتأمين الاغلبية له بكل انواع البلطجة والرشاوى. فلماذا يحق للاسرائيليين الذهاب الى الجمعية العامة لاقامة دولتهم ولا يحق للفلسطينيين ذلك؟ انها الانتقائية الامريكية، والدعم الاعمى لاسرائيل، والاحتقار الكامل للعرب والمسلمين.
خطاب اوباما المساند لاسرائيل، وانتقاداته الخفيفة لها المفتقرة للاسنان، هي التي دفعت بنيامين نتنياهو لاعتماد بناء 1500 وحدة سكنية في مستوطنات القدس الشرقية عشية القاء اوباما لخطابه. فهل هناك تحد ابلغ من هذا واشرس؟ حديث اوباما عن حدود الدولة الفلسطينية جاء ملغوما، لانه طرح في المقابل حصر المفاوضات المقبلة في قضيتي الامن والانسحابات التدريجية، واسقاط القضيتين الاهم وهما اللاجئون والاحتلال الاسرائيلي للقدس.
نستغرب ان يصر اوباما الذي يمثل دولة علمانية تشكل نموذجا في التعايش بين الاديان والثقافات والاعراق على يهودية الدولة الاسرائيلية، وهو الذي عانى واسرته طويلا من الممارسات والقوانين العنصرية الامريكية، وكان من ابرز الداعين الى تفكيك واسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. شبعنا خطابات منمقة، ووعوداً بالسلام، نريد من رئيس الدولة الاعظم، والحليف الاوثق لاسرائيل مواقف شجاعة تقدم حلولا لردع مصدر الارهاب وعدم الاستقرار في العالم وهو الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية والمقدسات العربية والاسلامية.
فاذا كانت الادارة الامريكية معنية باقامة الدولة الفلسطينية واعلانها في شهر ايلول المقبل فعليها ان تكون اكثر جدية والتزاما بدلا من المراوغة وعدم الضغط على اسرائيل ، واذا بقي الموقف الامريكي هكذا فاننا نسمع جعجعة ولا نرى طحنا.