إلى الشاعر المغربي محمد ميلود غرافي في ذكرى عبور المطارات الدولية وغيرها من أنواع الحصر
فَقَدَتْ عَيْنا أبي الفتح الإسكندري مَعْنى الأَلْوانِ
وَيوسُفُ في غَياهِبِ الجُبِّ يَصْرِفُها
( عِنْدَ مَنْبَعِ الدُّجْنَةِ
حَيْثُ وُجوهُ الإخْوَةِ تَتَزَوَّدُ بِالاكْفِهْرار)
إذْ رَآها أَحَدَ عَشَرَ لَوْناً
***
فَقَدَتْ عَيْنا أبي الفتح العُمق
كَمَنْ يَصْرَعُ المحَّارَ،
مُشَرِّعاً بابَيْهِ الصَّدَفِيَّتَيْنِ
الصَّدِئَتَيْنِ
المتَآكِلَتَيْنِ
وَقَدْ تَرَكَهُ مَهَبّاً لِرِياحِ الأَغْوارِ
وَيوسُفُ في قاعِ الخابِيَةِ
ما زالَ يَعُدُّ أَلْوانَ الماءِ الشَّفَّافِ
***
سَأَلَ الجُمْرُكِيُّ :
- ما اسْمُكَ ؟ وهل من وراء مجيئك أهداف ومقاصد؟
- أبو الفتح ساكِنُ الخيام والقصور
لا همّ لي إلاّ الأسفار وكلّ أنواع الحبور
ها أنا أطأ تراب بلدتك أيها السعيد
متّجها لبلدة جارك صاحب العيش الرغيد
- مكان إقامتك يا سحنة العبيد ؟
- أقيم في الحواضر والبوادي فأينما طرحتني النوى مطارحها ذاك مسكني ومقامي ... أحمل من الفواكه والمُلح كلاماً يخترق اختراق السهام والرماح.
أَجابَ وَظَهْرُهُ مُعْوَجٌّ كَقَوْسٍ لَنْ يُطْلِقَ سِهاماً،
اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الحابِلُ بِالنابِلِ
- اسم أبيك وأبنائك يا علقة العيون أيها السفاح ؟
- ...أَبو ابْنٍ لم أَلِدْه
رَدَّ مُتَمِّماً، مختبرا كياسة الجمركي
ومتفرسا الغرابة والاشمئزاز اللذين سكنا وجهه
- ... وابن أب لم يلدني
أضاف وَذَوِيُ الأسماءِ يُسْمَعُ في الأُفُقِ
هُناك،
حَيْثُ تُطْوى أَشِعَّةُ الشَّمْسِ المَقْرورَةِ
وَيَبْرُزُ نورُ قَمَرٍ مُتَوانٍ
لا نورَ لَهُ
وَلا مِنْه
***
- اخْلَعْ نَعْلَيْكَ
وَحِزامَكَ
وَزَنانيرَ عَشيرَتِكَ
وَنَظّاراتِكَ الطِّبِّيَّة
وَالشَّمْسِيَّة
بما فيها مُقْلَتَيْكَ
إلاّ رَبْطَةَ عُنُقِكَ
لأَنَّكَ سَتُشْنَقُ بها حَتْماً
أَيُّها الأَعْمى
قالَ الجُمْرُكِيُّ
- وَقَدْ اصْطَنَعَ رَبْطَةً لِحاجِبَيْهِ –
***
- اكْشِفْ عَنْ كُلِّ عَوْراتِكَ
الظاهِرُ مِنْها وَالباطِنُ
لِتَسْهَلَ المأْمورِيَّةُ
وَنَتَخَلَّصَ مِنْ هَذِهِ البَلِيَّةِ
الأَذِيَّةِ
الدَّنِيَّة
وَلِيَكُنْ في عِلْمِكَ أَيُّها الأَعْمى
إنَّهُ غَيْرُ مَرْغوبٍ فيكَ هنُا
وَافْعَلْ ما شِئْتَ
وَلَنْ يَشاءَ بنو ساسان إلاّ بما شِئْنا
أَسْوارُنا مَقْدونِيَّةٌ بِلْوٍن شَفافٍ
يا ابْنَ يَأجوجَ وَمَأجوجَ
يا سَحْنَةً بِلَوْنٍ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ أَلْوانُ جُلودِنا
***
- اقْلَعْ عَنْكَ جميعَ أسمائِكَ الَّتي حمَلْتَها وَسَتَحْمِلُها بما فيها المسْتَعارة
إلاّ تِلْكَ المَوْسومَة بِلَوْنِ الخزْيِ وَالعارِ
لَوْن السَّوادِ القاتمِ
الَّذي امْتَزَجَ بِدَمِكَ الملوّثِ أَصْلاً
وَغَدا وَشماً يَلْصقُ جَلْدَتَكَ
بَصْمَةً للتُّهْمَةِ
وَالغَباءِ
وَالاسْتِسْلامِ
***
- اقْلَعْ عَنْكَ ذِقْنَكَ وَكُلَّ اللِّحى
اللاهوتِيَّة
وَالمارْكسِيَّة
وَالنَّجْدِيَّة
لحى كُلّ المقامات
وَكَذَلِكَ القِبْطِيَّة - بِكُلِّ أَلْوانها -
لأَنَّها داخِلَ خِيامِكُمْ كُلّها سَواء.
***
- أَعْدِلْ عَنِ الحديثِ في صالاتِ المهْرَجاناتِ
وَكُلِّ أَنْواعِ الاجْتِماعاتِ
وَاللِّقاءاتِ
وفي كلّ الحَفَلاتِ
لا شَأْنَ لَكَ لا بالسجع ولا بِالاسْتِعاراتِ
ولا الخوضَ في مُلَحِ المقامات
تمثَّل بِفَضْلِ البَلاغَةِ وَاحْذُ حَذْوَها
يا مُفصّلاً بجميع العاهات
***
- .... ... ... !!!
هكذا عَلَّقْتُ مُحْتَجّاً
***
- اخْرَسْ
بِدونِ تَعْليقٍ
كَيْفَ لَكَ أَنْ تخوضَ في الحديثِ عَنِ الألْوانِ وَأَنْتَ لا لَوْنَ لَكَ
كَيْفَ لَكَ أَنْ تَقْرضَ الكَلِماتِ وَقَدْ تَلَّفْتَ القَوافي والأَوْزان تبّاً لك
هَكَذا قالَ الجُمْرُكِيُّ مُبَرِّراً كُلَّ الأَفْعالِ وَالأَقْوالِ
رَغْبَةً في العَيْشِ في أَمانٍ وَائْتِمانٍ
مُتمنّياً لأبي الفتح كل أنواع الهلاك
وَقَدْ جَحَظَتْ عَيْناهُ مِنْ شِدَّةِ الجَرَضِ
لابْتِلاعِهِ مُفْرَدَةً مِنْ كَلامِهِ المتَناثِرِ خَطَأً.
بَدَأَ يَسْعلُ مُسْتَعيراً نُباحَ الكَلْبِ
(وَقافِلَةُ الإسكندريّ ساكِنِ الخيامِ مُعَطَّلَةٌ)
في نُباحِ سُعالِهِ شَتْمٌ
وَأَمْرٌ وَمَنْعٌ
وَوَعْدٌ وَوَعيدٌ
***
قافِلَةُ ساكِنِ الخيامِ المشْلولَةِ
تحَرَّكَتْ إلى الوَراءِ
مُتَوارِيَةَ الخُطى بحْثاً عَنْ سَبيلِ مَأْواها الأَوَّلِ
غارِسَةً وَجْهَها في الرِّمالِ تارِكَةً إسْتَها عُرْضَةً لمهَبِّ رِياحِ السّمومِ
كَالنَّعامِ وَقْتَ القَيْظِ
قُلْتُ - أنا أبو الفتح -
وقد غَدَرَتْني الخدْعَة
وَقَد امْتُقِعَ وَجْهي
بَيْنَما كانَتْ أَلْوانُ سَحْنَتي التي وارَت الرِّمالِ، تَنْمَحي عَلى التَّوالي:
- بارَكَني أَبي خُدْعَةً
وَاخْتَلَسْتُ النّورَ مِنْ وَجْهِ يوسُف خُدْعَةً
وراوَغَ يوسُفُ امْرَأَةَ الحاكِمِ، عَنْ نَفْسِها، خُدْعَةً
وَخَدَعَتْني الجزيرَةُ و CNN و CIA و KGB وَمُكَوِّنو أُطُرِ دَرْعِيَّة
وُكُلُّ القَنواتِ
الظاهِرُ مِنْها وَالخفِيُّ
أنا الخادع المتنكّر
***
جاءَني صَوْتُ مُكَبِّر الصَّوْتِ مِنْ بَعيدٍ
مُعْلِناً إقْلاعَ الطائِرِةِ
بَيْنَما كانَتْ ابْتِسامَةُ الجُمْرُكِيِّ السَّودْاء تَفْتَرِشُ شَفَتَيَّ العارِيَتَيْنِ
وَظُنونُهُ تَسْكُنُ تَأْشيرَةَ الدُّخولِ الَّتي رَسمَتْها عَلى جَوازِ سَفَري هَيْئاتٌ لم تَكُنْ راغِبَةً في سَحْنَتي القابِلَةِ لِكُلِّ الأَقْنِعَةِ، المشْكوكِ فيها أَصْلاً
***
وَدَدْتُ الطَّيَرانَ مُحَلِّقاً فَوْقَ الصَّحاري وَالرَّوابي
مُخْتَرِقاً الجبالَ وَالبِحارَ
رَأَيْتُني عائِداً مِنْ حَيْثُ أَتَيْتُ كَسيرَ الجناحَيْنِ
وَجْهٌ بِدونِ عُيون
وَجَمالٌ بِدونِ وَجْهٍ
***
أُقْلِعَتْ مُقْلَتَيَّ
أَنا أبو الفتح ساكن الخيامِ مَرَّتَيْنِ
وَيوسُفُ في غَياهِبِ الجُبِّ يَعُدُّ الأَلْوانَ في سحْنَةِ الظَّلامِ
بَيْنَما كانَتْ وُجوهُ إخْوَتِهِ مُشْرِقَةً حَدَّ الدُّجْنَةِ وَهُمْ يُمارِسونَ لُعْبَتَهُم المُفَضَّلَة:
مَدُّ الحدودِ المقْدونِيَّةِ الَّتي اصْطَنَعوها دِرْعاً يَقيهِمْ مِنْ هُجومِ العمْيانِ وَهاجِري الخيامِ
بِسِياجٍ نفسيّ
وآخَر كَهْرَبائِيّ
بيزوس المحروسة، 9 مارس 2010