اختار باب علامات من مجلة الطليعة كلمات سطرها المناضل عصام الدين حفني ناصف سنة 1939، وفيها يخاطب حذلقة المناورين على التاريخ ومؤلفي السرديات الملفقة الرجعية، ليخلص للقول بتحرير العقل في علاقته مع التاريخ. قول يبدو وكأنه صالح لراهن يومنا.

قانون لحماية المزورين

عصام الدين حفني ناصف

إعداد أثير محمد علي

 

تفكر الحكومة المصرية في حرمان كتّاب الشعب ومؤرخيه من حرية سرد شيئ من الحقائق المتعلقة بملوك مصر السابقين، وحرمان التاريخ من غيرة الغيورين الذين يزيفون زائفه ويستخلصون كريمه من خسيسه ويذودون عنه شرور المتطفلين والمرتزقة.

وهكذا يخلو ميدان الكتابة للذين يتبارون في عرض مقدرتهم على التزييف في سوق لا رواج فيها لغير الزائف، ويتسابقون إلى "المناقصة" في "عطاء" مسخ الوقائع إلى حد يبرز القبيح في صورة تحكي صورة الجميل، ولا يخجلون من هتك حرمة أمهم مصر المعذبة، ولا يتورعون عن بيع أخوتهم في سوق الرقيق، ولا يترددون عن تمزيق أنصع الصحائف من سفر الجهاد المصري والثورة المصرية ومكافحة الرجعية في مصر واستخدام ما أوتوا من قدرة على السفسطة في إفهام الشعب أن ما أبقوا عليه في سجل تاريخ مصر من الوصمات هي كل ما لهذا الشعب من مناقب ومحامد.

وكأن الوزارة لا يكفيها أن هؤلاء الذين طمس على قلوبهم فأمعنوا في العمل على طمس الحقائق، هؤلاء الذين يضيعون على الأمة آلامها ويهدرون ما أرهق من دمها، ويبيعون ماضيها وحاضرها ومستقبلها – كما فعل يهوذا بثلاثين من الفضة – لا يكفيها أنهم يتمتعون وحدهم بالمال الدنس والوجاهة الحقيرة والتكريم الخسيس لما أصابوا وما سيصيبون من المال الذي ينتقدونه في مصانع الكذب أجراً على شهاداتهم بغير ما يشهدون، وعلى اعتقادهم ما يراد لهم اعتقاده إذ يبدؤون بمخادعة أنفسهم مقدمة لخداع أمتهم، لا يكفيها ذلك كله فهي تسلحهم بهذا القانون الاستثنائي وتحميهم به من فضح تزويرهم وإعلان إثمهم.

رفقاً بالأمة يا صناع القوانين ودعوا للأمة فرجة من الهواء تتنفس منه.

(الطليعة، س5، ج3+4، بيروت، آذار ونيسان 1939)