ما هو تعليقك على الحراك الذي تشهده المجتمعات العربية، والتي بدأت شرارته في تونس، ثم انتقلت إلى مصر، والآن في ليبيا واليمن والبحرين وسوريا؟ طبعاً هناك اختلاف في الأحداث في هذه البلدان. ما هو تقييمك الأولي لهذا الحراك غير المسبوق في التاريخ العربي الحديث؟
أعتقد أن ما يجري منذ مطلع هذه السنة، ربما هو أهم ما حصل في العالم العربي منذ قرون. هذه النهضة الجديدة، نهضة الحريات، المطالبة بالديمقراطية، الجرأة على التحرك، هذا ما كنّا ننتظره منذ صبانا. ولم نكن في الحقيقة نتوقع ونأمل أن يحصل كما هو الآن. ربما جاء مفاجأة، لكنها مفاجأة سارة. صحيح أن هناك معاناة وضحايا بالمئات وربما بالآلاف، لكنها في الوقت نفسه ولادة عالم عربي جديد له مكانته في العالم، وسيكون له دوره بين أمم العالم. كنا في غيبوبة واستفقنا. أنا لا أوافق الذين يتخوّفون مما سيحصل. شعوري أن ما حصل هو أمر مهم جداً وإيجابي للغاية. بدأ العالم العربي عطاءه للإنسانية، ربما أكثر مما أعطينا خلال القرون الخمسة الأخيرة. بدأ عصر جديد هذا العام في سنة 2011، بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. إنها بداية جديدة ولكنها بداية.
ما حصل في الأشهر الأخيرة هو بدايات في عدة دول. وما سيحصل ربما سيكون أعظم. الذي بدأ ستكون له نتائج لعقودٍ مقبلة في العالم العربي وفي العالم ككل. سيغيّر العلاقة بين العالم العربي وأوروبا وبين العالم العربي وإفريقيا. سيغير النظرة إلى العالم العربي ليس فقط من قِبل الغرب، ولكن أيضاً من قِبَل العرب أنفسهم. كنا في علاقة سيئة مع أنفسنا. كانت نظرتنا إلى أنفسنا نظرة عدم ثقة. كانت أحياناً نظرة ازدراء بالذات، ونظرة كره لها. وهذا بدأ يتغير.
هناك حادثة طريفة روتها إحدى الصحف الأمريكية إبان أحداث واعتصامات «ميدان التحرير» بالقاهرة. كان هناك راكب مصري في إحدى الطائرات وحين اكتشف الركاب بأنه مصري صفقوا له طويلا. انتقلنا فجأة من صورة العربي الإرهابي، العربي الذي يخيف، إلى العربي الذي يثير الإعجاب؟
بالفعل ما قام به التونسيون والمصريون وما قام به اليمنيون وما يحصل الآن في اليمن شيء رائع. كنت أشاهد أمس مظاهرة في صنعاء وكان هناك مغني متواجد يغني للمتظاهرين وكانت ردود الفعل رائعة كذلك. اليمن بلد فيه عشرات الملايين من قطع السلاح والمتظاهرون فيه لم يطلقوا رصاصة واحدة. كان أحدهم يقول: «أنا في بيتي الكثير من السلاح ككل اليمنيين لكن حين أجيء إلى الساحة العامة أجيء بلا سلاح، أجيء كمواطن يطالب بالديمقراطية» وهذا أمر رائع.
أنت تستلهم التاريخ كثيرا في كتاباتك. منذ ثورة غاندي نسى العالم بأن هناك طريقة مثالية لتغيير الأوضاع وهي النضال السلمي وكأن العالم يكتشف الآن بأنه بإمكان الشعوب أن تتحد وتخرج لتسقط الأنظمة بدون رصاصة واحدة؟
أعتقد أن ما يحصل الآن هو بالفعل حقبة جديدة من التاريخ، سيكون فيها النضال السلمي نضالا أساسيا. وربما يرتبط ذلك بوسائل الإعلام الجديدة مما يغني عن استخدام السلاح هو سلاح الإنترنت وسلاح الهاتف المحمول وسلاح "اليوتيوب". ويجعل للتظاهر مردود معنوي يُغني عن القنابل والرصاص. ما يحصل في العالم العربي هو علاقة جديدة بين المواطن والسياسة، علاقة تُغني عن العنف وتجعل العنف امراً نتخطاه تاريخيا. نحن قادرون على الاستغناء عن السلاح وهذا ما أعطاه العربي اليوم للبشرية.
كما قلت قبل قليل، استلهمت كثيرا التاريخ في كتبك، هل اللحظات الراهنة وهذا الحراك غير المسبوق والعجيب قد يلهمك في كتاب مستقبلي؟
بالتأكيد الرغبة في كتابة شيء عن ما يحدث الآن هي رغبة قوية. لا أعرف بالتحديد بأي شكل سيكون. هل سيكون على شكل روائي أو على شكل سرد تاريخي أو تحليلي؟ لا أعرف حتى الآن ولكن المؤكد أن أي كاتب يشعر بالرغبة في الاستلهام مما يحدث الآن في العالم العربي.
هل تشعر بالفخر والاعتزاز عندما ترى هؤلاء الشبان والشابات في عمر الزهور يخرجون ويتحدون الاستبداد ويكسرون حاجز الخوف الذي تملّك، الأجيال السابقة، آباءهم وأجدادهم؟
يمكن أن أقول لك إنني لم اشعر بالفخر والاعتزاز مرة في حياتي كما شعرت منذ بداية هذه السنة.