في ظل تقوقع “اسرائيل” وهي تبحث عن ذاتها بجدار يرسم إطار حدودها الإقليمية، تطل علينا اليوم بمشروع يهدف الى نقاء دولتها “ضمنياً” باليهودية، ولكن ثمة أسئلة تقف أمام تلك الأطروحات “الإسرائيلية”، عن أي نقاء يتحدثون؟ وهل سيُجنبها هذا النقاء معركة صراع الأضداد الاجتماعية الداخلية؟ أسئلة حجمها اكبر من حجم عقلها التلمودي، وحيثياتها تدور في فنجان يبحث عن زوبعة خالية من خليط ثقافي ينخر جسم كيانهم. فالأجدر بـ”إسرائيل” ان تُفعِل مطبخها السوسيولوجي للبحث عن مستقبلها، وليس التطرق الى اسلوب يجسد عنصرة اجتماعية في واقع “اسرائيلي” عصي على الاندماج الثقافي.
ان طرد العرب –كمقايضة- من اطار اطروحاتهم لن يكون الحل الامثل، ولن يكون عصاً سحرية ترمي بظلالها على المجتمع “الإسرائيلي”. فالنقاء لن يكون بطرد هؤلاء، ولن يكون الحل الامثل لمعضلة “اسرائيل” الداخلية. صحيح ان دولة الكيان تلعب على وتر الحس القومي المغلف بالتلمود باستهدافها مدينة القدس وشد الحبل في إطار المسجد الأقصى، كاسلوب يوحد الاطياف الداخلية في لون واحد، في إشارة إلى أن عرب الداخل وفق عنصرهم القومي يشكلون عائقاً أمام صوغ معادلة يهودية توحد ثقافة الضد الداخلية. ولكن عن أي توّحدٍ تبحث “إسرائيل”؟ وما هي المعادلة التي توحد عناصرها المبعثرة؟، فلو بحثنا في كينونتها الداخلية، لوجدنا أن هذا الكيان لا يعيش ضمن اطار دولة، ولا وحدة لغوية، ولا وحدة ثقافية تجمعهم، ولا حتى وحدة تاريخية تدعم مصيرهم المشترك.
الناظر لدولة الكيان “المُستوردة” يجد انها تفتقد العامل الحدودي، واللغة ركيكة متشظية “اسرائيليا”ً، والثقافة خليط غير متجانس، والتاريخ مبعثر يأكله الليل دون فجر يجدده، اما المصير المشترك فهو الذي تبحث عنه “اسرائيل” لتجميع تناقضاتها الداخلية، وأعمدتها الاجتماعية المتآكلة. لو نظرنا الى ما وراء عقلية الفرد “الاسرائيلي” لوجدنا انه يفتقد عنصر الدولة في مخيلته الانتمائية، ويعيش حالة مخيالية ترتبط بالمجتمع الاصلي الذي آتى منه، مجسداً انتماء يتجه الى اطار المجتمعات الخارجية، المصدرة للعنصر “الإسرائيلي”، أكثر من انتمائه الى بقعة الكيان المستورد.
بناء على هذه التخبطات الفكرية التي يعيشها الكيان الاسرائيلي، فإن الأخير مهتم بديمومة وتضخيم عدوه الخارجي، ولا يستطيع العيش بدونه، ذلك لانه يستعمله كشماعة لتوحيد أطرافه الاجتماعية المتشظية، ليكون قالباً واحداً في وجه عدو يؤهله لصوغ بصيص نور موحد يجتمع في أطيافه تجانس انتمائي فكري مؤدلج.
ما يعني ان البروباجاندا “الإسرائيلية” تحاول دائماً تضخيم عدوها الخارجي- ليس لانه عدوها - بل لانه طوق نجاة يسرع في تشكيل لحمتها الداخلية، حيث ان هالة الخوف المتراكمة جراء هذا العدو تجعل من الفرد “الإسرائيلي” موحداً ثقافياً، ضمن إطار الدولة المُستورِدة لذلك العنصر، لمجابهة هذا العدو، ونحن نتذكر ما فعلته “إسرائيل” حينما حاربت اندماج اليهود في المجتمعات الاوروبية عن طريق اخافتهم بالهولوكوست ومعاداة السامية، كطريقة لتوريدهم الى فلسطين، وها هي اليوم تعمل بنفس الفكر السابق ولكن بهدف مغاير لدمج المجتمع ضمن مصير وتجانس مشترك على الارض التي استوردته.
ان المهاجرين الروس، والبالغ عددهم مليون مهاجر، مثالاً، يشكلون عائقاً امام الاندماج المصيري المشترك للمعادلة المنوي صوغها “اسرائيلياً”، فالعقلية الروسية عصية على الاندماج في اطار “الاسرلة” المجتمعية، حيث يعتبرون انفسهم جالية مقيمة في “اسرائيل”، وليس مواطنين. فالمافية الروسية تنخر جدران المشروع المنوي احداثه، فمناطق مثل تل أبيب، وايلات تمثل معقلاً مافيوياً، وكأنها دولة في اطار دولة، وقد نشرت أرقام في الصحف “الإسرائيلية” تقول أن 82 % من “الإسرائيليين” يؤكدون أن الوضع الإجرامي في “إسرائيل” يزداد سوءاً، هذا إضافة إلى أن انها تحتل المرتبة السابعة عالمياً في مجال إجرام المراهقين، وهذا ما أكده سفير أمريكا في “إسرائيل”، من خلال برقية أرسلها لوزارة الخارجية الأمريكية والشرطة الفيدرالية في العام 2009، أن الجريمة المنظمة في الداخل “الإسرائيلي” هي التي تهدد “إسرائيل”، لان جذورها عميقة للغاية.
أمام تلك الإشكاليات والمعضلات الاجتماعية السريالية والفسيفسائية نطرح أسئلة جوهرية على طاولة الاستيراد “الإسرائيلية”: ماذا ستفعل دولة الكيان بمعضلاتها الداخلية ان تصالحت مع من حولها؟ ومتى ستنتهي من خزعبلاتها الإعلانية بطرد العرب من إطار لوحتها السريالية الفسيفسائية؟ وهل يوجد فكر “إسرائيلي” موحد؟ ولماذا “إسرائيل” تخالف واقع العولمة(العالم قرية صغيرة) في ظل تقوقعها الداخلي المتشظي؟ وهل ستبرر طاولة الاستيراد تقوقعها خلف الجدار بحجة اشعار الفرد “الاسرائيلي” انه يعيش في اطار دولة لها حدود- ولو لفترة محددة - من اجل خلق المصير المشترك الذي تبحث عنه!
كاتب فلسطيني مختص بالشئون الإقليمية
بيت لحم – فلسطين