الإهداء
إلى والدي:
محمد فتح الله
الغيم الذي لم يترجل، بعد، عن نخلته
إلى أمي و إخوتي، و زوجتي
و جميع أصدقائي
إلى الفراشات التي أودعت في رحلي
كل هذا العسل: زينب، و طه، و أميمة
مَطَرٌ عَالِقٌ بِنَوَاصِينَا
في الْبَدْءِ
بَدا لي أَنْ أَرْسُمَ شَكْلاً لِلْغِوايَةِ
تُفَّاحَةً، مَثَلاً، يَتَعَقَّبُها فُرْسانٌ أَشِدَّاءُ
يَنْحَرِفُونَ يَميناً
وَيَنْقَلِبُونَ شِمَالاً
وَتُفْلِتُ مِنْ بَيْنِهِمْ كُلَّمَا أَدْرَكُوهَا!
فَكَّرْتُ في أَنْ أَرْسُمَ شَيْئاً آخَرَ
نَهْراً مِنْ لَبَنٍ، مَثَلاً
تَمْتَدُّ عَلى ضِفَّتَيْهِ
أَرَائِكُ مِنْ ضوءٍ
و نَوَايَا مَقْرُونَةٌ بِالْبَهاءِ
عَلى ضِفَّتَيْهِ صَبَايا
يَغْطِسْنَ في طيَّاتِ النَّدَى
وَ سُكَارَى لا يَنْزلُِونَ إلى مَطَرٍ
عَالِقٍ بِأَصَابِعِهِمْ
و َوافِ الْمَرايا!
فَكَّرْتُ في شَكْلٍ آخَرَ لِلْغِوَايَةِ
أَنْ أَرْسُمَ بَحَّاراً وَ حُورِيَةً
يَنْزِلَانِ سَويًّا إلى مَطَرٍ عَالِقٍ
بِشَبَابِيكِ مَنْزِلِهِ الصَّيفيِّ
وَبيْنَهُمَا غَبَشٌ دَافِئٌ وَ فَرَاشَاتٌ
تَنْفُثُ شَيْئاً أَشْبَهَ بِالضَّوْضَاءِ!
فَكَّرْتُ في أنْ أَلْحَقَ بِالتُّفَّاحَةِ و ِالْبَحَّارِ
وَحُورِيَةٍ عَلِقَتْ
بِحَبَائِلَ مِنْ زَبَدٍ و لُهَاثٍ
لَكِنِّيَ انْزَلَقَتْ قدَمَايَ
إِلَى طَيَّاتِ النَّدَى
وَرَسَمْتُ أَرَاجيحَ مَائِلَةً
وَمَدائِنَ تَعْبُرُها الْعَادِيَاتُ ضُحىً
وَرُمَاةً يَنْتَبِهُونَ إِلى مَطَرٍ آخَرَ
عَالِقٍ بِنَوَاصيِنَا!
وَرَسَمْتُ مَسَاءً سَريعَ الْبُكَاءِ
جِداراً خَلْفَ جِدارٍ
وَمَاءً عَصُوفاً/ يَداً تَتَأَرْجَحُ
بَيْنَ الْمَعْنَى وَ الْلاّمَعْنَى!
فَكَّرْتُ في أَنْ أَرْسُمَ شَكْلاً آخَرَ لِلْغَرابَةِ
وِلْداناً، مَثَلاً، يَنْفُضونَ الْحِكايَةَ مِنَّا
ويَفْتَرِشُونَ بَقايا الْكَلامْ!
كَأَنِّيَ ذِئْبٌ يَشْحَذُ أَوْصالَهُ
هَلْ تَنْوي الإِقامَةَ بَيْنِي وَ بَيْنِي
بِالْقُرْبِ مِنِّي وَ مِنِّي
يَرْعاكَ نِصْفيْ
وَ تَرْعى نِصْفيْ
وَ حِينَ تَضِلُّ الْحَرْفَ إِلَيْنا
نَدُلُّ الْحَرفَ عَلَيكْ؟
أَوَّلُ نِصْفِيَّ هَباءٌ عالٍ
هارٍ
وَ مَاءٌ يَتوقُ إلى نَسْلِهِ!
نِصْفِيَّ الْآخَرُ دُخَّانٌ
يَتَمَلَّى سَوالِفَهُ
وَ يُلَمْلِمُها مُسْرِعاً
كُلَّما اقْتَرَبَتْ شُرْفَةٌ مِنْ ثُغاءِ الْأُنْثى!
بَيْنِي وَ بَيْنِي أَنْخَابٌ لِلطَّيْرِ
وَفَخٌّ لِلطَّيْرِ
نَافِذَةٌ لِلطَّيْرِ
وَراحِلَةِ الآباءِ الَّتِي يَمَّمَتْ
دَهْشَتي شَطْرَ الْحَائِطِ!
بَيْنَنا خُلْوَةٌ يَتَخَثَّرُ فيها
رَفيفُ الْكَلامِ
وَ حارِسُها
يَتَدَلَّى مِنْ رَغْوَتي شَيءٌ
أَشْبَهُ بِالظِّلِّ وَ آثارِ النَّدى
يَطْرَحُ بَعْضُنا بَعْضا في الْبَراري
وَ نَجْمَعُ أَشْلاءَنا عِنْدَ
بَوَّابَةِ النَّهْرِ مُبْتَهِجينَ
كَأَنَّ الرَّمادَ فَسائِلُ رُمَّانٍ
أَوْ رَذاذٌ أَخْضَرُ شَفّافٌ!
بَيْنَنَا أَلْواحٌ لاَ نَحْتَاجُ إِلَيْها
في حَرْبِنا ضِدَّنَا
ضِدَّ الآخَرِ مَحْمُولاً على خَطْوِي
فِي الطَّريقِ إِلى دَمِهِ!
بَيْنَنَا كرْمَةٌ
كُلَّما اقْتََرَبَتْ رِيحُهَا
مِنْ نَدَى امْرَأَةٍ
ضَجَّتْ فِي الْبَرَاري
عَصَافِيرُ زَرْقَاءُ
كَانَتْ دَانِيَةً مِنْ فَمِي!
بَيْنَنا رفْقَةٌ
وَ أَباريقُ مَنْثورَةٌ
زَبَدٌ لا يَذوبُ
تُحيطُ بِنا أَسْوارٌ عالِيَةٌ
وَلُهَاثٌ
كَأَنِّيَ مَوْصولٌ بِشَفَا امْرَأَةٍ
تَاهَتْ في رَفيفِ الْحَمامِ
كَأَنِّيَ ذِئْبٌ يَشْحَذُ أَوْصالَهُ
كُلَّما اقْتَرَبَتْ شُرْفَةٌ مِنْ مَلاءَتِنَا!
هَلْ تَنْوي الْإِقامَةَ بَيْني وَ بَيْني؟
مَساءٌ خَلْفيٌّ
خَلْفَ الْمَشْتى
والْفُرْنِ الْقَديمِ
وأَحْداقِ الْأَمْواتِ الْمَنذورةِ لِلْفَراغِ
وَلْفَ الْكَأْسِ
والنَّصِّ الْأَثَرِيِّ الْبَديلِ
يُكَفْكِفُ حِيطانَهُ الْواحِدَ تِلْوَ الْآخَرِ
مِثْلَ صَيْدٍ مُنْشَرِحٍ
طاعنٍ في السَّهْوِ
يَنُشُّ الرَّذاذَ على عَثراتِ اللَّواتي
حَمَلْنَ سُعالَ الْعَبيدِ إلى حَافةِ النَّهْرِ
مِثْلَ صَنَوْبَرَةٍ عَزْلاءَ، وَلُودٍ
نَامَتْ عَلى أَطْرافِ أَصابِعِها
نَخْوةُ النَّهْرِ و الْعَنْكَبوتُ
و نِسْوَةُ يوسُفَ
(حينَ تَناهى إِلى دَمْعِهِنَّ
دَبيبُ الْجُنودِ
و حُزنُ العزيزِ على بَلدٍ
تأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ جَوْفِهِ) !
خَلْفَ الْحَائِطِ حائِطٌ
خَلْفَ الْحَائِطَيْنِ غُبارٌ كَثيفٌ
رُعاةٌ يَخْتَصِمونَ طَوالَ الْعُشْبِ الْفَاصِلِ
بَيْنَ الضَّوْءِ و أَحْداقِ الْأَمْواتِ
خَواءٌ سَحيقٌ
يَليهِ خَواءٌ آخَرُ قَيْدَ التَّشَكّلِ
هَلْ أَخْطَأْتُ الطَّريقَ إِلى مَرْقَدي؟
بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ مَساءٌ للشَّوْقِ
يَنْثُرُ أحْبابَهُ وَأَراجيحَ
مَنْ سَقَطُوا في الطَّريقِ إليّْ
مَطَرٌ يَنْفُثُ مَطَراً
وَجِِياداً نافِرةً
وطَرا ئِدَ سَائِبَةً
و خِياماً
وأعْلاماً
وطُبولاً
و أَسْلاباً في كاملِ رَوْنَقِهَا
بَيْنَ الْحَائِطَيْنِ فراشاتٌ
( كانتْ بيضاءَ ) تُعَتِّقُ رِيحَ صَواحِبِها
و صَبايا يَتَوَكَّأْنَ عَلى نَهْرٍ جارٍ
يَتَسَلَّلْنَ إِلى شَأْنٍ آخَرَ
خَلْفَ الْمَشْتَى و تُفَّاحَةِ آدَمَ
يَرْقُصْنَ عَلى طَرفٍ مِنْ خَواءٍ
ويَنْصَرِفْنَ إِلى الْبَابِ
لا بابٌ بَينَ الْحائِطَيْنِ
وَ لا غيمٌ يَتَنَاهى إِلى دَمْعِكَ
مِثْلَ طَيْفِ صَنَوْبَرَةٍ عَزْلاءَ، وَلُودٍ
تَنَامُ عَلى أطْرافِ مَلاءَتِها
رَغْوَةُ الْقَلْبِ
لا طَيْرٌ يَرْمَحُ فَوْقَ رَأْسِكَ
لا قَنْصٌ
لا اشْتِهاءٌ
غُبارٌ فَقَطْ
و خَواءٌ سَحيقٌ
يَليهِ خَواءٌ آخَرُ قَيْدَ التَّشَكُّلِ
دُخَّانٌ أَثَرِيٌّ
يُدَحْرِجُ أَنْسابَهُ خَلْفَ الْكَأْسِ
هَلْ أَخْطَأْتُ الطَّرِيقَ إِلى مَرْقَدِي ؟
يَفْرِشُ لِي آخِرَ سَهْو ٍ فِي حَدائِقِهِ
ـ 1 ـ
في حَدائِقِهِ، بِالْقُرْبِ مِنَ الْغَيْمَةِ الزرْقاءِ التي انْتَبَذَتْ أَعْتابا أُخْرى؛ رَأَيْتُ يَدِي تَتََخَثَّرُ شَيْئاً فَشَيْئاً. رأيتُ بَقايا الْحُزنِ الْقديمِ تُهدهدُ ماءَ النهرِ الْقديمِ؛ وَ كانَتْ شَمْسُ الْخَريفِ تُلَمْلِمُ أنْسابَها و الْأَراجيحَ الْمَنْثورَةَ خَلْفَ لُهاثِ السَّبايا. رأيتُ يَدِي الأُخْرى تَتَدَحْرَجُ في طَمْيِ النَّهْرِ الْقَديمِ، هُناكَ، جِوارَ أبي؛ حَيْثُ الأَرْضُ تَخْلو مِنَ الْأَرْضِ، وَ الرِّيحُ مِنْ عُنْفُوانِ الرِّيحِ، وَ يَنْأى الْوَقْتُ عَنِ الْوَقْتِ. لا شَيْءَ، هُناكَ، غَيرَ غُرابٍ يَشُدُّ الرَّمادَ إلى الرَّمادِ الْمَرْصوصِ عَلى حافةِ الرُّؤْيا. غُرابٌ أَعْمى يَحُطُّ عَلى بَلَلٍ مِنْ بَقايا صَيْف ٍ قَديم ٍ يُجَلِّلُ أَرْدِيَةَ العَسَسِ!
ـ 2 ـ
الْغُرابُ الأعمى
طِينُ الْمَساءاتِ الأُولى
قُبَّعَةُ الْحَرْفِ الواصِلِ بيني و بيني
يَنْثُرُ رِيشَ الْكَلاَمِ
عَلَى مَوْجٍ مُبْهَمٍ يَطْلُعُ خِلْسَةً
مِنْ نَوايَا الْأَرْحَامِ
مُحتقِنًا
مُثْخَنًا بِالْحماقات وَ البَرَدِ!
ـ 3 ـ
الْغُرابُ الْمُبْهَمُ
يَسْتَدْرِجُ غَرْبَ النسوةِ الباقياتِ
إلى فَجْرٍ عَالٍ بالْكادِ يُرَى
بالْكادِ يَرى آثارَ الْهَديلِ
على شُرْفَةٍ غامِضٍ كَرْمُهاُ!
ـ 4 ـ
الْغرابُ الأعمى
يَحُضُّ النَّاسَ عَلى سَفَرٍ
ويَهيمُ قُبَيْلَ السُّراةِ على خَطْوِهِ
في خِيامِ الْبَدْوِ
يَسوقُ قَوافلَ مِنَ طَمْيٍ وحُروفٍ
يُناديني منْ تَجاويفِ اللَّيلِ
أنْ شُدَّ أَزْرِي
إِنَّ البدْوَ إذا رَكِبوا
وتَدَلَّتْ قَبائِلُهُم
من ثُقُوبِ بَنادقِهِمْ
وتَدَلَّتْ عَمائِمُهُمْ
من شُقوقِ فَصاحَتِهِمْ وخَناجِرِهِمْ
زَلَّتْ قَدَمُ الرِّيحِ في الْوَحَلِ !
ـ 5 ـ
الْغُرابُ الْمُبْهَمُ / ضَيْفي
يُرَتِّبُ آخِرَ سَهْوٍ لِلْمَوتى
يَنْثُرُ حُفْرَةً
حُفْرَتَيْنِ
ثَلاثاً أو أكْثَرَ في مَسيلِ الزِّحامِ!
ُيمَدِّدُنِي
يَفْركُ فَروةَ رَأْسي
وَ الْحُروفَ الَّتي في فَمي
بِقَليل ٍ مِنَ الظِّلِّ وَ الدُّخَّانِ
يُبَلِّلُنِي كيْ أَصِيرَ رَفيقاً
لِلْخَيْلِ والْعَتَباتِ الْحَرونِ
يَحُطُّ عَلى كَرْمةٍ
مِنْ بَقايا جُرْح قَديم
وَيَفْرِشُ لِي آخِرَ سَهْو فِي حَدائِقِهِ!
كَأْسٌ مِنْ رِيِحهِ
بدَّدَ ما في الدمَ منْ وطنٍ
وَبَقايا أسْلِحَةٍ وصَهيلْ
بدَّدَ ما في الصَّوتِ
مِنْ مَوجٍ وَنَخْلٍ وزادْ
بدَّدَ الشَّاهِدَ والتُّرابْ
هَدَّني وارْتَحلْ
مرَّ كالومْضِ يَسْحبُ في ذَيْلِهِ
أسْبابَ النفيرِ/ دَليلَ الحروبِ القديمةِ
زادَ الْمَسيرِ وثَوبَ الحدادْ
مرَّ كالْوَمْضِ محُْتَقِنا
واسْتَدارَ إلى حُزْنِهِ
يَسْتنفِرُ أشْياءَ القَبيلَةِ/ لَغْوَ الْخُيولِ
تُطاردُ ـ عَبْرَ الشُّقوقِ ـ صَهيلَ الْحُداةِ
وسَهْوَ القَوافي وفَيْروزَ الْمَساءْ
بدَّدَ ما في العَيْنِ منْ صَهَدٍ
وبَقايا أَمْتِعَةٍ وَدُروبْ
بَدَّدَ ما في اليَدِ مِنْ غَيْمٍٍ وَدُعاءْ
وَعَدا في اتِّجاهِ الْمَمَرِّ الأَخيرِ
إلى ظِلِّهِ
وارْتجلَ الْمَقامْ!
اِحْتِمالات
أُفُقٌ غائِم ٌ وحَواشيهِ مُثْقَلَةٌ بِالْغُبارْ
رُبَّمَا يَطْرَحُ النَّاسُ أَسْرارَهُمْ في الْحِياضِ
وَقَدْ يَنْثُرونَ ضَفائِرَهُمْ في الْهَواءِ
وينتظرونَ سنينَ لتُورِقَ أعقابُهُمْ !
الْغُبارُ الذي أثْقَلَ الْأُفُقَ الغَائِمَ
الغبارُ الذي لمْ يتْرُكْ مُهْلَةً للضَّوءِ
كيْ ينْسَلَّ إلى لَغْوِ النِّسْوَةِ
الغبارُ الذي هَجَرَ الحربَ
مُحْتَقِناً
واسْتَقَلَّ قَميصَ الطِّفْلِ
(الذي تَرْتِقُ النَّسْوَةُ إطْلالَتَهُ)
قدْ يقودُ النَّاسَ إلى دَهْشَةٍ
لا تَكْتَمِلُ الحرْبُ منْ دونِها !
الطِّفْلُ الذي دَلَقَ الإخوةُ بئْرَهُ
عَلَّ خُصْلَتَه
تَطْرَحُ سَهْواً آخَرَ
غَيرَ ما بَلَّلَ خَطْوَهُمْ
عَلَّ نَخْلَتَهُ
تَطْرَحُ دَمْعاً
يُجَفِّفُ كُحْلَ العَيْنِ
إذا ما الشَّيخُ أَفاقَ
ولم يَرْتَدْ بِئْرَهُ
أوْ يُلاقِ فَتاهُ الذي لنْ يَعودَ
إلى شَهْدِهِ مرَّةً أُخْرى
أبَدا
ًلنْ يَعودَ إِلى إِخْوَةٍ
هاموا خَلْفَ غَيْمَتِهِ
يَكْنِسونَ خُطاهُ ومَا سَيَكُونْ !
طوبى لِمَنْ يَصْهَلُ أَوَّلاً
ـ 1 ـ
طِفْلانِ يُهيلانِ الْغَمامَ عَلى نَخْلَةٍ
تُشْبِهُ امْرَأَةً
بِجَناحَيْنِ مِنْ عِهْنٍ وَغُبَارْ
النخْلَةُ
تَسْتَدِرجُ الطِّفْلَين إِلى رِيحِهَا
تَهَبُ الأَوَّلَ حزْمَةَ ضَوءٍ
تَهَبُ الْآخَرَ مسْحَةَ حُزْنٍ
تَطْرَحُ قَوساً و نَبيذا
عَلى أَطْرافِ الْغِيابِ
وتُنْشِدُ:
طوبى لِمَنْ يَصْهَلُ أَوَّلاً
هَكَذا تَبْدَأُ الْحَرْبُ الأُولى عادَةً!
ـ 2 ـ
بينَ الأَبْيَضِ و الأَََسْودِ
تَعدو المرافئُ
و الْعَتباتُ الْمَنقوعَةُ في الْبُكاءِ
يَطالُ الْحُطامُ مَدارِجَنا
والأُنْثى ذاتُ الرَّذَاذِ الْكَثيفِ
تُحَدِّقُ في كَفّي
الْأُنْثى الَّتي تُشْبِهُ نَخْلَةً
بِجَناحَيْنِ مِنَ حَكْيٍ وَ طِينٍ
تُحَمْلِقُ في شَارِبي و يَقيني
وتَدْفَعُني نَحْوَ الْحَائطِ
أَذْكُرُ أنَّ الْحَائِطَ كانَ أقْصَرَ
مِنْ أَنْفاسِ الأُنْثى ذاتِ الرَّذاذِ الْكَثيفِ
و أعْلى قليلاً مِنْ شارِبي
كانَ الْحَائِطُ
آخِرَ ليْلٍ يَتَوَسَّدُني بينَ الْخَيْطَيْنِ
و كانَ عليَّ الذَّهابُ
إِلى آخِرِ حزْمَةِ ضوءٍ
دونَ فُلْكٍ و أََسْلابٍ!
ـ 3 ـ
هَكَذا تَبْدَأُ الْحَرْبُ:
يَنْقَلِبُونَ إلَيْكَ، وَ يَنْقَلِبُونَ عَلَيْكَ
شِراعُكَ يَسْحَبُ في ذَيْلِهِ
مِزَقَ القَوْلِ/ راكِبَها
والْغُبارَ الذي تَهْجُرُ الخَيْلُ
دعني أُبَلِّلُ صَوْتَكَ
لسْتُ حزيناً
لأن الشُّهودَ تَداعَوا إلى الْبَابِ
يَغْتَسِلُونَ منْ البلحاتِ التي دثَّرَتْنا
ودانَتْ لنا ذاتَ خَوْفٍ
ولَسْتُ حَزيناً
لأنَّ الْمَضافَةَ فارِغَةٌ
والْبِلادَ تُريقُ النَّبيذَ
عَلى حَجَلٍ لا يَقودُ الرُّماةَ إلَيْنَا
ولَسْتُ حزيناً
لأنَّ القَوافِلَ
تَغْتالُ سَهوَ الْحُداةِ
على طَرفٍ من قَميصِكَ
دعني أبَلِّلُ خاصِرَةَ الوقْتِ
مولايَ،غَيْمُكَ لا يَسْتريحُ على وَجَعٍ
ولِساني يَشدُّ صَهيلَكَ في عَتمةِ اللّيلِ
هاتِ يداً واخْطُ نَحْوي
تَقَدَّمْ قليلاً، ودونَ حِجابٍ
بما يَقْتَضي الوَقْتُ منْ شَطحاتٍ
وما يعْتري القَوْسَ منْ شَبَقٍ أوْ زفيرٍ
و دَعْني أشُدُّ لِسانَك في عَتمةِ اللَّيلِ
لسْتُ حزيناً
ولسْتُ شَهيداً
كيْ يَنْثروا ما تَيسَّرَ منْ حَبقٍ
فَوقَ صَدْري!
دَعْهُمْ يَنْقَلِبُونَ عَليكَ
سَنُرْخي الشِّبَاكَ إلى آخِرِ هَمْزَةٍ
في جَوْفِ الْبَحْرِ
و نُطْلِعُ ما في الطِّينِ مِنْ وجَعٍ
نَفْرشُ لِلْوافِدينَ جَناحًا مِنْ بَهاءٍ
و آخَرَ مِنْ بَلَلٍ
وَسَيَنْقَلِبونَ إليكَ حفاةً
عَرايا في كاملِ سَهْوِهِم
يَرْعونَ الغبارَ
على أطْرافِ الضوءِ الواردِ
منكَ عَليكْ!
ـ 4 ـ
هَكَذا تَبْدَأُ الحربُ الْأُولى
هَكَذا تَنْتَهي عَادةً !
صُداعٌ نِصْفيٌّ
الرِّيحُ التي في يَدِي
والرَّمادُ الَّذي يَعْلو كَعْبي و يَقيني
يَنْتَبِذانِ جِوارَ أبي وَأَراجيحَهُ
يَلْهُوانِ قَليلاً
فَتَهْوي دِنانٌ و أَسْلابٌ وسُقوفٌ
تَسْقُطُ أَلْواحٌ
وَبَقايا أَلْويةٍ وَسَبايا
وأَقْنِعَةٌ شَتَّى
تَسْقُطُ كَفِّي مِنْ كَفِّي
في الطَّريقِ إلى حَجَلٍ وارفٍ
وَ وِصالٍ قديمٍ
تَسْقُطُ أُمِّي و الآخَرونَ
على طَرَفٍ من لهُاثي
أبي أيْضاً، وَ أَراجِيحُهُ
والدَّمُ
وَالْمَجَازُ الْكَثِيفُ
على حَافةِ السَّهْوِ
والشُّرُفاتِ التي أَوْغَلَتْ في الكَلامْ !
الرِّيحُ التي كانتْ في يَدي
تَرْمَحُ في الزِّحامِ
تَحَُطُّ قليلاً
ثمَّ تَطيرُ إِلَى بَدَدٍ مَوْصُولٍ
بِأَجْنِحَةٍ من حِدادٍ
ودُخَّانٍ ورمْلٍ
تُحَيِّيني مِثْلَ أيِّ غَريبٍ
تُدَغْدِغهُ الْعَثَراتُ الْقَريبةُ منْ قَمْحِهِ
بِمَناديلَ تَحْتَاطُ منْ عَتَباتِ الرِّثاءِ
تحََُطُّ
تَطيرُ
تُنَحّيني جانباً
وتُبَعْثِرُ ما في الزِّحَامِ
وَما بَيْنَنا مِنْ نَوايا ولَغْوٍ ولُهاثٍ!
الرَّمادُ الذي كانَ...يعلو كَعْبي ويَقيني
يتأبَّطُ شَاهِدَةً
وصَحائِفَ مُرتَجَلَةَْ
يَتَسَلَّلُ مِنْ خَيْمَةِ الأَسْلافِ
إِلى بَهْوِ المَْلِكاتِ
يَهُدُّ الخَيْلَ التي أَسْهَبَتْ
في الشَّرابِ ورَدْمِ الثقوبْ!
بِاعْتِبارِ ما سَيَكُونُ
ليلٌ أو شبهُ ليلٍ. رمادُ الحبرِ يجللُ أردانَ العمرِ. سوادٌ نادرٌ بينَ نسْلِهِ والنهرُ معلقٌ من أوداجهِ. لم يعدْ في اليدِ متسعٌ للكنايةِ
هو الآنَ يحطُّ الرِّحالَ،
هناكَ بينَ الخُطْوَةِ والرُّؤْيةِ
بين الرَّشفةِ والكأسِ
وما بينَ الحافةِ والولادةِ مِنْ شَبَهٍ
لمْ يترجلْ بعدُ عن نخلتِهِ
لكنَّ الرواةَ تَمَددوا مِثْلَ قَضيبٍ ذائبٍ
في مَعْطَفِهِ ماءٌ أو شبهُ ماءٍ
سائلٌ لزجٌ/ مدادٌ/ دمٌ أو أمشاجٌ فاسدةٌ
تبلِّلُ قيلولةَ الحدائقِ وأحْذِيَةَ الركْبانِ !
رأيْتُ أصابِعَهُ تَتَخَلَّلُ أطْرافَ القَوافِلِ
رأيْتُ الإسْورَةَ في يَدِهِ
كانتِ الريحُ أيْضاً في يَدِهِ
هو الذي أومأَ للعيرِ
أنِ ارْكُضي أيتُها العيرُ
هو الذي أومأَ للطَّيْرِ
أنْ تنثُرَ بعضاً من غيومِ المساءِ على قَدَمَيَّ
وأومأَ لِلْحِبرِ أن يَنْبشَ في الْحِدادِ عن سُلالَتِهِ
واخْتَفى بعْدَ حِينٍ، بَيْنَ الْخَطْوِ وما يُشْبِهُ الأَرْضَ
بينَ الطَّلْقَةِ وما يُشْبِه ُالرِّثاءَ
بيْنَ الوَصْلِ وما يُشبهُ انْعِطافَ الخَيْلِ
على الْخَيْلِ في خُلْوةِ الأَسْلافِ
رأيتُ سَوالِفَه في قُطوفِ النخْلِ
وأعْمِدةِ النُّورِ
في جُرْعَةِ الْنَّبيذِ الأُولى
في الْقُبلَةِ الأُولى
وفي أَنْسَابِ الكَلامِ الْمَرْصُوصِ
عَلى حَافةِ القَوسِ !
في يدِهِ مطرٌ
في ذُبالَتِهِ مَطَرٌ
جامِحاً يَخْطو في الْحِدادِ
وآخِرِ ما في القَنادِيلِ منْ عَبَقٍ وحَنِينٍ
وَحِينَ أَغْلقَ بَابَ الْحَكْيِِ
تَداعى الْمَوْجُ إِلى مِعْطَفي!
لم يَبْقَ سِواهُ
بَيْنَ الْوَصْلِ ومَا يُشْبِهُ
انْعِطَافَ الْخَيْلِ عَلى الْخَيْلِ
في خُلْوَةِ الْأَسْلافِ
سائلٌ لزجٌ/ مدادٌ/ دمٌ أو أمشاجٌ فاسدةٌ
تُبَلِّلُ قَيلولَةَ الْحَدائقِ وأَحْذيةَ الْمَوتى.
وَصَايَا
ـ 1 ـ
ثُقْبٌ في الْيَدِ
ثُقْبٌ في الْجِدارِ
وآخَرُ في الْحَكْيِ
كُنْ حذراً
ثَمَّةَ ظِلٌّ يتسلَّلُ من طِينِ الموتى
يوشِكُ أنْ يُحْدِثَ ثُقباً آخرَ في الحلقِ!
ـ 2 ـ
يَسْقُطُ غَيْمٌ مِنْ غَيْمٍ
على غَيْمٍ آخَرَ في سَريرِ الحُروفِ
وَيَبْكي حِرانَ الخَيْلِ
وشوقَ السبايا إلى عتباتِ النِّزَالِ
ويبكي...
صَدِّقْ حِكايَتَهُ
بالأَمْسِ فقطْ
كانَ لي عيناً في السَّماءْ!
ـ 3 ـ
في رَحْلِ المدينةِ ظِلٌّ
يأْكُلُ مِمَّا نعْجِنُ
يَرْشفُ مِمَّا نَعْصِرُ
يَلْعَبُ في باحَةِ الدَّارِ
مِثْلَ صبايا الدَّارِ تماماً
وحينَ تَميدُ الأرضُ بِنا
يَشْرَبُ حِبْرَنا كُلَّهُ
ويَقودُ الصَّهيلَ بَعيداً عنْ قَمْحِنا
كنْ كما أشْتَهي
ثَمَّةَ حَرْفٌ يَتَسَلَّلُ مِنْ رَحْلِ الْمَوْتى
يوشِكُ أنْ يَطمسَ بَحَّة الصَّوتِ!
ـ 4 ـ
دائماً
يَذْرعُ هَذا الشَّارِعَ وَحْدَهُ
أحياناً
بِرفْقةِ كَلْبٍ وَ سَيِّدَةٍ ولِجامٍ
لكنَّهُ يَتَفَرَّسُ في وَجْهِكَ طولَ الوقْتِ
كنْ حذرا
ينقصُ باقَتَهُ عطْرٌ آخرُ !
لَيْلٌ أَبَيَضُ
أَبْيَضُ
مثلَ ليْلٍ أَبْيَضَ
في ثَوْبٍ أَبْيَضَ
بِأَصابِعَ بَيْضاءَ منْ عِهْنٍ وذُهولٍ
وأَحْصِنَةٍ بَيْضاءَ لِكُلِّ الْعَابِرينَ
مَساءَ الْحَكْيِ على أَطْرافِ النَّفيرِ
أؤكِّدُ أنِّي رأيتُ حَماماتٍ بَيْضاءَ على كَتِفَيْهِ
وَ كَانَتْ ضَفيرتُهُ
سُلَّماً لِلْبُكَاءِ الْمُرِّ الذي يُزْهِرُ بَغْتَةً
ويَسيلُ عَبرَ الشُّقوقِ
و أَصْلابِ الطَّرائدِ
يُزْهرُ ثانيةً
فَتَفيضُ الْمَسافاتُ مِنْ لَثْغَةِ الأطْفالِ
ويَغْفو اللِّسانُ قَليلاً
عَلى حَافةِ الْوَقْتِ و أَعْجازِ الْكَلامِ!
أؤكِّدُ أنِّي رأيتُ الْبَحْرَ
قريباً من شَفَتَيْهِ و أَوْتارِهِ
يَتَرَجَّلُ عن غَيمِهِ وَزَوارقِهِ
يَخْلعَُ النَّعْلَ والْقَوْسَ
والشَّفَقَ الْبَائِتَ
يَغْسِلُ ماءَهُ
عِنْدَ مُفْتَرَقِ الْفَجرِ: بَيْنَ يَدَيَّ
ويَغْفو بِالْقُرْبِ مِنْ شَفَتَيْهِ!
و كَانتْ فَراشاتٌ بَيْضَاءُ
تَحُطُّ عَلى كَتِفَيْهِ
تَشُدُّ عَباءَتَهُ
تَنثُرُ زَهْرَ الرُّمَّانِ على سَرْجِهِ
تَنْحَني وتُقَبِّلُهُ
يَنْبُعُ ماءٌ منْ كُلِّ الْجِهاتِ:
هواءٌ عليلٌ. بُكَاءٌ. ثُغَاءٌ
هَدِيلٌ طَويلُ الضَّفائِرِ
يَغْمُرُني ماءٌ منْ كلِّ الْجِهاتِ:
هَبَاءٌ. ضَوْءٌ حَادٌّ
عُواءٌ طَويلُ الْأَظافِرِ
يَلْكَزُنِي مَاءٌ منْ كُلِّ الْجِهَاتِ
أُقَبِّلُهُ، و أًسَيِّجُ راحَتَهُ بِدَمٍ أَبْيَضَ
مِثْلَ لَيْلٍ أَبْيَضَ
في ثَوْبٍ أَبْيَضَ
وَمَضَارِبَ بَيْضاءَ
لِكُلِّ الْعابِرينَ شَهِيقَ الرُّمَاةِ
عَلى طَرَفٍ مِنْ هَديلْ!
عُزلةُ الْمُحارِبِ
لَيْسَ لي أَحَدٌ يَسْتَدْرِجُنِي
خارِجَ الْوَقْتِ والْخَارِطَةْ
وُيباغِتُني حتَّى أفقدَ شهوةَ النَّصِّ و الْبَدَدِ
يَحْضُنُني وأُدَثِّرُهُ بِبَقايا الضَّوءِ
وهَمْسِ الْخُيولْ
يَحْضُنُني وَأُسْرِجُهُ ونَسيرُ
وَرَمْلُ الْبيدِ يزيغ قليلاً
ثُمَّ يعودُ إِلى الْأَحْضانْ
يَشْهَقُ الصِّبْيَةُ منْ فَرْحَتِنا
ويُضيءُ المكانْ!
ليسَ لي أَحَدٌ
والْمَطايا تَخْذُلُني يارفيقْ
تَكْبو في مُفْتَتَحِ السَّرْدِ
مُشْرِعَةً خَيْمَةَ الأمْسِ لِلْفاتِحينَ
وخَيْلُ الزَّمانِ تَدوسُ القَصيدَ ونَارَ الْقَبيلةِ
َتْمسَحُ وقْعَ القَوافِلِ
شَكْلَ الْحُروفِ وَوَجْهي
أُحَدِّقُ في الْحَافِرِ
والنارُ تقودُ الأَصَابِعَ
والعابرينَ عَرايا إِلى خَيْمَتي
مِنْ ثُقوبِ الْمَساءْ
لَيْسَ لي أَحَدٌ يا رَفيقي
وَدَوْرِيَّةُ الْحُرّاسِ تُرخي أهْدابَها
وتنامُ على أطْرافِ الكَلامْ!
رَجُلٌ مُعَتَّقٌ
في اللَّيْلِ وأطرافِ الكلامِ
وَآخِرِ مَا فِي الْيَدِ مِنْ ثُقوبٍ
يَدُلُّ الطُّيورَ على وَطْئِها
ويقودُ الخيلَ إلى خَطْوهِ!
في الكلامِ الفاصِلِ بينَ مَدينَتَيْنِ
ناوَلَتْهُ الرِّيحُ مِعْطَفاً
وطَرْفَةَ أرْضٍ، وَأوْتادَ الخليلِ
قالتْ لهُ:
ثَبِّتِ المكانَ منْ حَوْلِنا
أريدُ أنْ ألهو قليلاً!
في النَّبيذِ الواصِلِ بينَ حَقيبَتَيْنِ
يَنْفُثُ رغْوَتَهُ
يَنْثُرُ سِيَرتَهُ وسَلاحِفَهُ
و يُمَجِّدُ النَّصَّ الذي لمَََْ يعْدِلْ هيبتَهُ بَعْدُ
والرِّجالَ الذينَ انْتَشَروا
قَبلَ أنْ يَنْتَصِروا أَوْ يَنْكَسِروا!
قَابَ كَأْسَيْنِ مِنْ ريحِهِ
في اليدِ خُطْوَتانِ إلى السَّهْوِ
وغيمةٌ تَسْتريحُ على سُعْلَةِ الْمَبْحوحِ
وَزَهْوِ القوافي
تَخْتَبِرُ الأَسْلابَ وطَوْقَ النَّجاةِ
وعَطْفَ الْخُيولِ عَلى قَسَماتِ الشُّهودْ !
في الْيَدِ قِنْديلٌ وامْرأةٌ
يَنْثُرانِ نوايا الوَصْلِ
وحُزْنَ الرَّواحِلِ في لَيْلِ المتاهْ
ينثرانِ الهباءَ على حافةِ النسكِ والبللِ
والمدنُ التي سقطتْ من حدائقِهِ
(حينما أسْرجَ غيمَهُ للعناقِ)
تَلُمُّ حقائبَهُ وتفيءُ إلى كَعْبِهِ العالي جدًّا!
في اليد كلُّ هذا الزفيرِ
وما خفقَ الماءُ في ُسرَّتِهِ!
عَلى مَرْمَى حَجَلٍ
دائما يَتَوَسَّدُنِي
دائما أَبْلو خَطَْوَه ُ
وأُسَدِّدُ رَغْوَتَهُ الأولى
في مَسيلِ الحُروب ْ!
في مَضافَتِهِ صَخَبٌ
صِبْيَةٌ ونباحٌ
زادٌ كثيرٌ وخَيْلٌ نافرةٌ
نِسْوَةٌ ونَبيذٌ عَلى مَرْمى حَجَلٍ منَّا
ومَعابِرُ مَصْفوفَةٌ بالْجِوارِ
زِحافاتٌ وَرُماةٌ عَلى حافةِ القَوْسِ والْبَلَلِ
لم يَكنْ في مَضافَتِهِ
لم يكن في عَباءَتِهِ!
دائما، في مَساءٍ كَهذا
وحينَ تَطيبُ الرِّيحُ
وتَعْدو الخَيْلُ الأَنيقَةُ
خَلْفَ لِحَاءِ النُّصوصِ
وحينَ تَتوقُ الصَّبايا
إلى السَّبْيِ بالْقُرْبِ مِنْ عَثْرَتي
يَتَدلّى مِنْ لَثْغَةٍ بالجوارِ
إِلى آخِرِ نَخْلةٍ في صَلاةِ الْجُنودِ
يَعُدُّ أصابِعَهُ وقبائلَهُ
والدروبَ التي دَلَّلَتْ سَهْوَهُ
يَنْفُثُ في الْجِرارِ بَقايا النَّفيرِ
وما فاضَ عنِ الطَّرائِدِ مِنْ هَمْهَمات ْ!
دائما يتوسدني
دائما أستعيرُ مَضافَتَهُ !
في نَفْسِي شَيْءٌ مِنْهُ
لَيْتَ لي يَدَهُ وعمامَتَهُ
والنُّدوبَ التي وشمتْ عمرَه وبلاغَتَهُ
والخيلَ التي شَطرتْ
ليلةَ العيدِ مُسْرِعةً
ليتَ لي خوفَهُ وعباءَتَهُ
وسريرَ مدائحِهِ
والشرابَ الذي بدَّدَ خطْوَهُ
والظِّلالَ التي ترتَدُّ إلى كُمِّهِ
كلما هبتْ ريحٌ أوْ رَنا شَجَرٌ
ليت لي موجَهُ
حين تنكسرُ الشُّطآنُ على حِبرِهِ
وتعودُ اللَّقالقُ منْ ميتةٍ
غيرِ شرعيةٍ
باعْتِذارٍ سَريعٍ وأجْنِحَةٍ منْ هباءٍ
تُبَلِّلُ ما في الحناجِرِ منْ فَرحٍ ونبيذْ
وحْدهُ
لمْ يَعُدْ مِنْ مَيْتَةٍ غَيْرِ شِعْريَّةٍ
لْمْ أَشَأْ أنْ أوقِظَهُ
كانَ يَرْنو إِلى يَدِهِ وعَباءَتِهِ
والنُّدوبِ التي غمرتْ عُمرَهُ وبلاغَتَهُ
حينَ دَبَّ الْحِبْرُ إلى قَوسِهِ
اِسْتدارَ إلى الْجِهَةِ الأخرى
وارتاح إلى مَجْدِهِ وسُلالَتِهِ
لم يَشأْ أَنْ يوقِظَني
لم أَشأْ أنْ أخْلَعَهُ
ربَّما كُنْتُ قاربَه
ربَّما كُنْتُ وجهتَهُ
أوْ كَانَ أنا أعبُرُ دَهْشةَ الْعابِرينَ إليَّ
عَلى عَجَلٍ!
مَقامُ السُّقُوطِ
كانَ يَنْبَغي لَهُ أنْ ينامَ
قبلَ أنْ تَسْقطَ الرِّيحُّ منْ عَلٍ
غيْرَ أنَّهُ الْتَفَتَ إِلى الْجِهَةِ الأُخْرى
وقالَ للمَرْأَةِ النَّافِرةِ دوماً
هُناكَ عَلى بَابِ الْقَصيدِ:
هاتِ ريحَكِ أيْضاً !
لَمْ تَكنْ رغْوتُهُ كافِيةً
كيْ تَزِلَّ أصابِعُهُ في فَتحاتِ الْمَضافَةِ
لم يُفرِدْ أغْصانَهُ بِما يَكْفي
ولم يُلَمْلِمْ أوقاتَهُ بَعْدُ
حينَ اجْتَمَعَتْ عَليهِ ريحَانِ!
ما كانَ ينْبغي لَهُ أنْ يرى ما رآه
الْخيلُ التي نَفَقَتْ هناك، قُرْبَ أشْجارِ اللوز
الأشْجارُ التي طَرَحَتْ نِسْوةً جَرْداءَ
بِتَجاعيدَ دانية عنْدَ مَدخلِ الْحَكْيِ
الطَّرائدُ التي حَنَّتْ لِلْقَنْصِ
الشُّهداءُ الذينَ اسْتَمَرّوا
في النِّزالِ بقُبَّعاتٍ أُخْرى
غيرِ التي رفعوا للتَّحِيةِ في أوَّلِ السُّقوطِ
الشُّعراءُ الذينَ نَثَروا الدِّيوانَ كُلَّهُ
وحُبَيْباتِ الصَّهيلِ على الضُّيوفِ
وغادروا الْغُرفةَ البيضاءَ
يسندونَ حَلاّجَهُمْ
الحلاّجُ الذي رافقَ محمود درويش
من مطارِ أثينا
إلى رصيفٍ شاغرٍ بالبيضاءِ
وعاد أدراجَهُ
حينَ لم يَطْلُبْهُ أحَدٌ للشَّهادَةِ
وعِنْدَ مدْخَلِ الْحَكْيِ
دَقَّ تَجاعيدَ الصبايا العابِراتِ
مضافةَ القلبِ وتلكَ التي في يَدي!
كان ينبغي لهُ أن ينامَ
قبلَ أنْ تَسْقُطَ الرِّيحُ
وما أخفى الكَلامُ في الكَلامِ
مِنْ كَلامٍ عنِ الكَلامِ
وما حَمَلَ الرَّذاذُ في الطريقِ إلَيْنا
منْ هَوامِشَ وأسلابٍ وحوافِرْ
غَيْرَ أنَهُ الْتَفَتَ إلى الْجِهَةِ الأُخْرى
وقالَ للمرأةِ النَّافِرةِ دوماً
هناكَ على بابِ القَصيدِ:
هاتِ ريحَكِ أَيْضاً !
هو الآنَ خَيْطُ دمٍ في جوربٍ مهْجورٍ
في الصَّفائِحِ التي تداولتْ وجهي واسْمَهُ
في عَتَباتِ المذابِحِ وأَسْبابِ الْمَديحِ
وما أخفى الموتى في المعاطفِ منْ حِرانٍ
قبلَ أنْ يَنْتَشِروا في مَدْخَلِ الْحَكْيِ
ِتَجاعيدَ دانيةٍ و حَنينٍ قديمْ !
أُفُقُ انْتِظارٍ
َيحْدُثُ أَنْ تَرْتَقِيَ الْمِدْراجَ
إلى آخِرِ غَيمَةٍ في حِذاءِ الْجُنودِ
وآخِرِ ما في الضَّفائِرِ
من رطبٍ وهَديلٍ
ولا تَستعيدُ هواءَكَ مِنْ فارسٍ
يَمْضغُ وَقْتَهُ
نَشْوانَ
تَضيقُ بِهِ الْفَلَواتُ
فَيَطْرَحُ بعضاً مِنْ ظِلِّهِ
ويقامِرُ في الأسْواقِ
بِهَيْبَتِهِ والصَّهيلْ!
يحْدُثُ أنْ تَحُطَّ وَحيداً
على قَمَرٍ مُعْشِبٍ
سابِحٍ في الْخوابي
صقيلٍ
يَنْثُرُ مِنْ كُمَّهِ أَطْيافَ الصَّبايا
وماءَ القُطوفْ!
يَحْدُثُ أنْ تَقودَ الرِّياحَ
إلى خَيْمَةٍ في الْجِوارِ
تُريقُ الدَّمَ والْبَهاءَ
على حافةِ الكأس ِ
توقِدُ شَمْسَ الْمَساءِ
وتشكو جفاءَ الضَّيْفِ
ولَيْلَ الْبَوارِ
تَلُمُّ دروبي وفاكِهَةَ الأَسْحارِ
وَتُسْلِمُ خَطْوي
لِلْغَيْمِ يُبَلِّلُ أَطْرافَهْ!
يَحْدُثُ أَنْ تَدُلَّ الْحِبْرَ عَلى لَغْوِهِ
وَتَشُدَّ الكَلامَ إلى جِذْعِهِ
وَتَظَلُّ وحيداً
وصبْحُكُ نافِلة
في خلاءٍ قديمْ!
رَجُلٌ مُؤَجَّلٌ
عاشقانِ وصمتْ
يمتطونَ مساءً رطبا
ويحكونَ عن حَرْفٍ مائِلٍ
يُخْفي في سُرَّتِهِ أسْبابَ النَّفيرِ
وحُزْنَ الرَّصيفِ على فارسٍ
يُلقي ظِلَّهُ جانِباً
ويُفَتِّتُ ما في اليَدِ مِنْ خَواءٍ
ويَمْضي إِلى غَدِهِ
أَشْيبََ الْخَطْوِ والْكَتِفَيْنْ!
قاتِلٌ وشهيدْ
يَنْظُرانِ إِلى أُفُقٍ عائِمٍ
وَحَنينٍ قَديمْ!
قَاتِلٌ يَتَحَلَّلُ ـ شيئا فشيئا ـ مَنْ وَحَلِ الْبَدْءِ
مِنْ هَمْزةِ الْوَصْلِ الوارِفَةْ
يَضَعُ التَّاريخَ وماءَ القُطوفِ الأولى
في غَيمَةٍ
يضعُ الْغَيْمَةَ في عَباءَتِهِ
ونُثارَ الصَّهيلِ على كَتِفِ الْبُرْكانْ !
شَهيدٌ على بابِ دفْتَرِهِ
يَصِلُ الماءَ بالْكَلِماتِ
وُيوقِدُ خَيْمَتَهُ
يَصِلُ الضَّيفَ بالحِبْرِ
والنَّخْلَ بالسَّردِ
والعَيْنَ بالرَّعشاتِ
ويُشْرِعُ سُرَّتَهُ لِلْخيولِ التي
تستقيلُ منَ الغَزَلِ العَسْكَرِيَّ
وَمِنْ بَلَحٍ لا سَماءَ لهُ في مَسَاءِ الْبِلادْ!
شهيدٌ على بابِ دفْتَرِهِ
يَسْتميلُ مساءَ النَّخيلِ
إلى صَدْرِهِ وأقاصي الْحُروبِ
وهمْسِ الحَوافِرِ في ليلةِ الْعابرينِ
إلى بَدَدٍ لايطيقُ الكلامْ!
حَدَائِقُ الْحَكِيمِ
لابدَّ أَنَّهُ فَكَّرَ طويلاً
قبلَ أنْ يُدْرِجَ مَوْتِي
فِي الْهَزيعِ الْأَخِيرِ مِنَ الْقَوْلِ
لابدَّ أنَّهُ أعَدَّ لي مرْجا أخضرَ واسعا
بهِ كَلأٌ رَطْبٌ
وَفَواكِهُ نَافِرةٌ
وَرِفاقٌ
وأرائكُ للضيوفِ
ونبيذٌ
وسجادٌ لِلْقِيَامِ
رُبَّما أَضافَ قليلاً منَ الموسيقى
وأقْلاماً يَتَوَكَّأُ عليها الْخَليلُ
كُلَّما هَدَّهُ دَرْسُ القَواعِدِ!
رُبَّما أطْلقَ أسَدا، هناك، قُرْبَ الْغَديرِ
وذئاباً ومَقالِبَ شَتَّى
وطُيوراً تَتَدَلَّى منْ كوةِ الضَّوءِ
تَنْتَعِلُ الضَّوءَ
وتَنْثرُ أوْراقَ الْحَكيمِ
كُلَّما أَدْرَجَ مَوتي في حُلْمِهِ!
رُبَّما دَانتْ لي لِحْيتُهُ
ودثَّرني بإِغْماضَتِهِ
وأَفاضَ عليَّ منَ النَّبيذِ ما يَكْفي
حَديقَةً منَ الشُّعراء
رُبَّما...
مَحا السِّياجَ الذي يُسْندً خلْوَتي
كُلَّما دَنا الْعُمرُ من شَهْدِهِ !
أَدْراجُ الْكَلامِ
لمْ يَعُدْ مُمْكناً أنْ أموتَ الآنَ
وبعْدَ مَتَمِّ الْحِكايةِ أَيْضاً
لابُدَّ أنْ أَبْقى
بعَْضَ الْوَقْتِ أو كُلَّهُ في حَدائِقِهِ !
أَرْسَلَ ريحاً رَخْوةً
وعَصافيرَ مُقْمِرَةً
وأعادَ الكَلامَ إلى جِذْعِهِ
لَمْ يَمْحُ السِّياجَ
كَما زَعَمَ الْعاذِلونَ
ولمْ يَعْرِضْ وجْهي
لِلْوقتِ يُقَشِّرْ أسْلافَهُ
لم يُبَدِّدْ جِيرانَهُ ، هَكَذا، عَبَثاً
في ظِلالِ الْخِطابِ و سَهْوِ الشُّهودْ !
أطْلقَ نَهْراً جَدْولاً رَقْراقاً
وسابلةً
وقَوافلَ دافقةً بالقَصيدِ
وسَيِّدةً خَضْراءَ تموءُ
تَمُدًّ غَسيلَ الْكَلامِ
إِلى أقْصى شُرفَةٍ في مَساءِ السَّبْيِ
دونَ مَعاطِفَ واقيةٍ
بِضَفائِرَ مَنْفوشةٍ
وحَنينٍ قُدَّتْ أطْرافُهُ
قَبْلَ أنْ تَسْتعيدَ الْحَرائِقُ لَثْغَتَها!
السَّيدةُ الخضراءُ التي حَطَّتْ بالجوارِ
قَريباً من نخْوتي ولُهاثي
رَفَعتْ سَقْفَ الْمَجازِ قليلاً
وبَعْثرَتِ الْمَرْجَ الأخْضرَ في طَرْفَةِ عَيْنٍ
قادَتْ خُطايَ إِلى آخِرِ شَهْقَةٍ
في أقاصي الْكَلامِ وَشَقَّتْ عَصايَ
تَداعى الْمَاءُ إِلى سُرَّتِي
وتداعى الْجُنْدُ
إلى أطْرافِ الكَلامِ الذي في يَميني
وتِلْكَ التي دَسَّتْ رغْوتِي
في لِحاءِ النَّخيل ْ!
لا بُدَّ أنْ أرْحَلَ الآنَ
لمْ يَعُدِ المرْجُ الواسِعُ أَخْضَرَ مِثْلما كَانَ
لم تَعُدِ الرِّيحُ طَيبةً
والْمَضارِبُ آمنةً
قال: لا .. بدَّ أن أبقى بعْضَ الوقْتِ
أَوْكلَّهُ في حَدائِقِهِ!
غَيْمَةٌ زَرْقَاءُ
الليلةَ
أَسْحَبُ ظِلّي إلى شُرْفَتِها
أمُرُّ بالحديقةِ أوَّلاً
أقْطِفُ غيمةً زرقاءَ
ورابيةً ومعارجَ للكلامِ
أمرُّ بالحَلاقِ كي أرمِّمَ صوتي
وأعْدِلَ قامَتِي ويَقِينِي
أحَيِّي جَارَنا الْقَديمَ ونَاقَتَهُ
والطُّيورَ التي تَحْرسُ كَرْمةَ والِدي
والْمَوجَةَ الَّتِي أَرْضَعَتْنِي اللُّهَاثَ كُلَّهُ
دُفْعَةً واحِدَةً !
أمرُّ بِالْحَديقَةِ ثانيةً
نَسيتُ اللِّحافَ والكُحْلَ
والصِّبْيَةَ الذينَ يَشْغَلونَ أَصَابِعَنا بالْقَوافي
ويَنْصَرِفونَ قُبَيْلَ الرُّواةِ
بِلا بَلحٍ تَتَدَلّى سَوالِفُه ُ
نَسيتُ أن أشكُرَ الدَّهْشةَ
التي حَمَلَتْ
خُطايَ إلى أَقاصي النَّشيدِ !
اللَّيْلةَ
يَنْبُتُ لي سَهْمٌ جديدٌ
وريشٌ جَديدٌ
وكَعْبٌ عالٍ جداًّ جداًّ
وتَفيضُ يَدايَ بالدَّمْعِ والنَّبيذِ
وما بَينَْنا من فاكهةٍ ولغوٍ وزحامٍ
أُقَبِّلُ الرَّصيفَ
والدَّمَ الْعَابِرَ أَرْحام السَّرْدِ
أَمُدُّ الصَّهيلَ إِلى آخِرِ انْعطافٍ للبَدْوِ
على قارِعَةِ النَّفيرِ
وأعْتابِ الْعَمائِمِِ
أمُرُّ بالْحَانةِ التي غَرفْتُ منها برْداً كثيراً
( حتَّى ارْتَخى العُواءُ الأحْدَبُ في دمي
على كُرْسِيٍّ هَزَّازٍ بِالْجِوارِ)
آخُذُ جُرْعَتَيْنِ
ونَزْلَةَ دَمْعٍ وسَحاباً خَفيفاً
وأمْضي إلى شُرْفَتِها!
الليلةَ
يَنْسَحِبُ الرُّماةُ
إلى جِذْعٍ آخَرَ لِلْكَلامِ
ويَنْتَبِذُ الشُّعراءُ قَوساً
آخَرَ للسَّهوِ الْجَمِيلِ
وتَنْأى بِي كَرْمةُ والِدي
والطُّيورُ التي تَرْتِقُ أطرافَ اللُّهاثِ
كُلَّما تحَلَّلَ الوقْتُ في دمي!
أقطفُ غيمةً زَرْقاء
وَرَابيةً ومَدارجَ لِلْكَلامِ
وأمضي إلى شُرْفَتِها
وآخِرِ ما في الْعُمرِ مِنْ خَلاءٍ!
مَقامُ الْحُبِّ
تُغْلِقينَ الأبْوابَ والثُّقوبَ
وتُرْخينَ السَّتَائرَ، والضَّفائرَ
ومَا في الدَّمِ من ثُغاءٍ!
حتْما لَنْ تَهْدَأَ الْمَرْأَةُ التي بَانَتْ في القَصيدَةِ
لنْ يَدخلَ " غيفارا " ثانيةً
لَنْ أَدْعُوَ الْجَفلى إلى سَهْوي وَنَشيدي
لَنْ أُضْطَرَّ إلى الْغَزْوِ
حِينَ تَفْتَرِشينَ النَّهْرَ الْواصِلَ بَيْنَ غُرْبَتَيْنِ
و تَمْتَدُّ يَداكِ إلى بَلَحاتي
أَوْ يَسَّاقَطُ مِنْ سَوالِفها
بَعْضُ ضَوءٍ وشهيقٍ
لن ألْمَسَ الصَّهيلَ ثانيةً
حِينَ تَطْرَحِينَ الْغَيْمَ والْأَوْلادَ
ومَاءَ الْوَرْدِ على عَتَبَاتِ اللُّهَاثِ
هاتِ الطَّبْلَ، و الليلَ
والْكُحْلَ الذي تَضَعِينَ كُلَّهُ
وَمَا أَوْدَعْتُ في رحْلِكِ
مِنْ رقْصٍ ذاتَ انْكِسارٍ
هاتِ مَا في الدِّنانِ مِنْ قَصيدٍ
وأَراجِيحَ، وحُزنٍ قَدِيمٍ
وَلا تَدَعي النَّهْرَ الذي تَفْتَرِشِينَ
مَوْصُولاً بِِسُرَّتي
قَدْ يَهيجُ الْحَكْيُ
فَيَنْفَلِتُ الشُّعَراءُ مِنْ رَحْلي ثَانِيةً
وأنْتِ تُرْخينَ ما في الدَّمِ من ثُغاءٍ
عَلى جَبِينِي وضِفافي
قدْ يَهيجُ الْحَكْيُ ويَنْأَى بِي
النَّهْرُ الْفَاصِلُ بَيْني وبَيْني
إلى غَبشٍ تَتَدَلّى مِنْ سَنابِكِهِ
الْفَراشَاتُ التي أودَعَتْ
في رَحْلي كلَّ هَذا الْعَسَلِ!
وَقْعُ الْحَافِرِ على الْحَافِرِ
شَخْصٌ ما.. ذابَ في هَذا الْمَكان
دونَ طلقةٍ، طبعا
ودونَ لفافةٍ أو غيمةٍ في اليدِ
شخصٌ ما.. كانَ يَشْرَحُ
لِلْمَوجِ معنى الْغَرَق!
الدمعةُ ذاتُها
بقايا الحِنْطَةِ على حافةِ السَّبْيِ
بقايا الرغيفِ على حافةِ الكلامِ
بقايا الكلامِ على عتباتِ الرّعاف
الرقصةُ ذاتُها
وقعُ الحافِرِ على الحَافِرِ
وما بينهما من حَنينٍ وشُهودٍ
رعْشَةُ القميصِ وانْزياحُ اللسان
رغوةُ صاحبي، و اسْتِدارَتُه ُ
بعينين شاهقتين ونَهْدٍ مهْموزٍ
وشيءٍ منَ الدهْشَةِ و السُّعال !
الدهشةُ ذاتُها
كُلَّما دثَّروه أشاحَ بِنَخْلَتِهِ
كيْ تَمُرَّ العواصِفُ آمِنَةً
كُلَّما لَمْلَموا سَهْوَهُ
ذابَ ثانيةً ... في هذا الْمَكانْ!
تَناظُرٌ
للْحرائِقِ أن تَرْتَدَّ إلى أولِ لثْغَةٍ
في دمي ودفاترِ أطفالي
وتُبَلِّلَ ما في الحناجِرِ
من صخبٍ وهتافْ
للحرائق أن تمتدَّ إلى آخرِ شرفةٍ
في مساءِ السَّبايا وطينِ الحروفْ
وتُبَدِّدَ ما في الموائدِ منْ خُطَبٍ
ونوايا
وأرْغِفَةٍ
وشُهودْ
للْحرائقِ سَهْوُ الْخُيولِ تُباغِتُها الدَّعواتُ
ولي شهوةُ الرِّيحِ يَنْتابُني
زهْوُ الْفَاتحينَ بِبَارِقَةِ الْوَصْلِ
في خَطْوِ السَّبايا وصَوْتِ النَّفير ْ!
سَريرُ الْهُدْنَةِ
الآنَ فقطْ
أودَعْتُ فيكم جُنوني
وأسبابَ التّيهِ في بَددٍ لا يبدِّدُني
أودعْتُ رحيقي في صُلْبِكم
والحريقةَ في دمكم
فَتَنَاثَرْتُمْ في الرَّحيلِ دروباً وأمشاجاً
وتَشَظَّيْتُمْ أَشْتاتاً
وخَرائِطَ مخلوعةَ الْأَطْرافِ
تَخِيطُ الرِّيحُ سَوالِفَها
واللِّسانَ الَّذي لَمْ يُهَيِّئْ، بَعْدُ
فَصاحَتَهُ لِلْجِدالِ
وبارَكْتُ أَسْلابَكُمْ
وَسَباياكُمْ
وَسُلالَتَكُمْ
والنَّبيذَ الّذي تَدْلَقونَ عَلى كَعْبي
والسَّيفَ الّذي تَرْفََعُونَ على نَسْلي
والْكِتابَ الّذي بلَّلَهُ
سَيِّدٌ أحمقُ مِنْ عَشيرتِكُمْ
أَوْدَعْتُ حروفي في لَغْوِكمْ
فَتَدَلّى الرُّواةُ من الْمُعْجَمِ الرَّعَوِيِّ
إلى جُبَّتي
وتَدَلّى الرُّماةُ بِلا فَرحٍ
يَكْنِسونَ زوايا الْعَيْنِ مِنَ الرَّمدِ
الآنَ فقطْ
أدْرَكَتْني الْحِكايةُ
والرِّيحُ والأمْطارُ
سِلالُ الموتِ/ سَريرُ الهدنةِ/ راحِلَتي
والْبِحارُ التي نَبَعَتْ مِنْ دَمي
والرُّماةُ الّذين يَرُشُّونَ ناصِيتي
وخِيامَ البدْوِ
وليلاً ينوءُ بِحاملِهِ وشارِبهِ
أَدْرَكَتْني الْقَوافلُ والأسْلابُ
نَثَرْتُ جِرارَ الْقَبيلةِ للشَّمْسِ
والْعابِرينَ إلى بَددٍ لايُبَدِّدُني
أودعْتُ حِراني في خَطْوِكُمْ
وَلُعابي في نسْغِكُمْ
فَتَنَاثَرْتُمْ فِي الْحُرُوبِ نَخِيلاً وَأَقْواساً
وَمَطَايَا مُرْسَلَةً
وَطَوائِفَ مَنْفُوشَةً
وخَلَعْتُ نِعَالِي ومَلامِحَ أسْلافِكُمْ
وانْكَمَشْتُ وَراءَ خُيوطِ الْمَجازِ
أفَتِّتُ هيبتَكُمْ
الآنَ فقطْ
أركَبُ صَهْوتي
أصِلُ الْحَرْبَ بالْحِبرِ
واللّيلَ بالرّاوي
والنّبيذَ بِشارِبِهِ
أُكْملُ دَوْرَتِي وأَعُودُ إِلَى حُجُبي !
هَكَذَا يَرْقُصُونَ
( 1 )
ها... قدِ اكْتَملَ السَّردُ
وهَبَّ الأسلافُ إلى الرَّقْصِ ثَانِيةً
لا نَبيذٌ وَلا نِسْوةٌ بِالْمَدينَةِ
يَفْسخْنَ لِحَاء الْكَلامِ
كَمَا يَفْعَلُ الْغُرَباءُ بِأَسْمائِنا
لا غَيْمٌ يَعْقُبُ أَقْواسَهُمْ
لاَ لَيلٌ وَ لاَ شَمْسٌ
رَمْلٌ نَاعِمٌ
وَرَذاذٌ خَفيفٌ فَقَطْ!
ها هُمْ يَرْقُصُونَ فُرادَى وَمَثْنَى
يَلْتَئِمُونَ و يَنْفَصِلُونْ
يَنْقَبِضُونَ ويَنْبَسِطُونَ
وَقَدْ يَهْرَعُونَ إلى نَبْعٍ بالْجِوارِ
فَيَغْتَسِلونَ
(كَما يفْعلُ الْقُرْصَانُ مَسَاءَ الْحَكْيِ)
يَحْتَجِبُونَ وراءَ الظِّلاَلِ قَلِيلاً
ثُمَّ يَذُوبُونَ فِي الرَّقْصِ ثَانِيةً!
( 2 )
ها... قَدِ اكْتَمَلَ السَّرْدُ
لاَ لَيْلٌ يُؤْوِينَا
لاَ مَطَرٌ طَارِئٌ
يَتَخَثَّرُ مِثْلَ دَمٍ مَهْجُورٍ
عَلَى حَاشِيةِ اللِّسَانِ
ولاَ أَبَدٌ مُقْلِقٌ
نَحْرُسُ نَسْلَهُ في الْبَرَارِي الْكَظِيمَةِ
لاَ نَخْلٌ يَنْمُوُ خَلْفَكَ بَغْتَةً
وَحْدَكَ في الْخَلاءِ الْغَامِرِ
تحرس مَا حَفَرَ الْبَرْقُ
في الْحَلْقِ مِنْ صَهَدٍ!
( 3 )
ها... قَدِ اكْتَملَ السَّردُ
اِحْمِلْ أباكَ الَّذي اهْتَرَأَ الرَّعْدُ
بَيْنَ يَدَيْهِ وَ ذابَتْ سَنَابكُهُ
خُذْ رُمْحَكَ والْحَقْ بِي
في الْمَسَاءِ الْخَلْفِيِّ لِلْحَكْيِ
بَيْنَ الرَّذاذِ وَمَا يُشْبِهُ الدُّخَّانَ النَّاعِمَ
حَيْثُ الْمَوْتَى يَعْدونَ صَوْبَ مَرافِئِهِمْ
مُنْهَكينَ كَأَنَّ جَحَافِلَ طَيْرٍ
تَأْكُلُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
و خُطَاهُمْ وَ مَا يَشْتَهُونَ
كَأَن الرعَافَ يُبَاغِتُهُمْ مِنْ جَدِيدٍ
أَوْ هَكَذَا يَرْقُصُونْ!
خُذْ لَوْحَكَ وَالْحَقْ بِي
في الْمَسَاءِ الْخَلْفِيِّ لِلْحَكْيِ
حَيْثُ تَهِيمُ الْقَوافِلُ فِي غَبَشِ امْرَأَةٍ
تَرَكَتْ أَغْصَانَكَ تَبْلَى
بَيْنَ الرَّذاذِ وَمَا يُشْبِهُ الدُّخَّانَ النَّاعِمَ
لاَ وَقْتَ لِلسَّرْدِ يَا ضَيْفِي
خَلْفَكَ يَنْمُو شَجَرٌ كاتِمٌ
أَمْرَدُ بِذِراعَيْنِ مِنْ لَهَبٍ
لا سَمْتَ لَهُ
خَلْفَكَ
تَتَشَظَّى سَبايا الْبَدْوِ الْمُنْعَطِفاتِ
على بَلَحِ الأَسْلاَفِ
إِلَى سَقْفَيْنِ:
حُطَامٌ عَالٍ جِدا حَدَّ اللُّهَاثِ
وَ دُخَّانٌ بَاهِتٌ يَتَخَثَّرُ فِي مَشْيِهِ
خَلْفَكَ وَابِلٌ
بَعْدِيَ وَابِلٌ
بَيْنَنَا حُجُبٌ وَ رَصَاصٌ
بَيْنِي وَ بَيْنِي مُنْعَطَفٌ زَائِغٌ
هَاتِ قَوْسَكَ
خُذْ فَرَسِي
هَلْ نُحَارِبُ ثَانِيَةً
يَا أَبَانَا الذِي احْتَرَقَ الرعْدُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؟
شاعر من المغرب
كتبت هذه النصوص بين سنوات 1990 و 2010، عبر أمكنة متنوعة، شملت مدن مراكش، و الرباط، و الفقيه بن صالح، و خريبكة، و الخميسات، و الدار البيضاء، و أزيلال، و مكناس و خنيفرة