هوذا الشمل يلتئم ، مرة ثالثة ، كما وعدنا ، شمل كتاب القصة ، نقادها ، دارسيها ، قراءها ، ومحبيها ، وقد توتفدوا من المغرب غربا ، الى عُمان شرقا ، ومن سوريا شمالا ، الى اليمن جنوبا ، مرورا بمصر وتونس وفلسطين والعراق والكويت والبحرين ، ليلتقوا في الاردن واذ تحتضن عمان احتفاءنا بالقصة مرة أخرى ، فإنما انطلاقا من رغبة صادقة في أن تكون عاصمة القصة العربية ، وهو ماكان أعلن عنه بلا تردد في غير مناسبة ، ابدت فيها امانة عمان الكبرى الجهة المنظمة للملتقى مايبدو انحيازا لفن ادبي راسخ الجذور ، متين البيان ، يواصل دربه من بين فنون الكتابة الأخرى ، بثقة تليق به.
هذا ماقالته القاصة والكاتبة بسمة النسور مديرة ملتقى عمان الثالث للقصة والذي تنظمه
مديرية الثقافة في امانة عمان الكبرى وتحت رعاية رئيس لجنة امانة عمان الكبرى المهندس عمار غرايبة جامعا القاصّين والمثقفين الذين قدموا من شتى الأصقاع ، معلنين شغفهم بهذا الفن الأدبي المتجذر في أعماق الإبداع والكتابة .. فكان بحق ملتقى إبداعيا تجلت فيه أجيال القصة العربية فمن الرواد الى القاصين الشباب .. الى أعلام القصة ومريديها ونقّادها ..
وألقت الكاتبة والروائية أمينة زيدان كلمة اتحاد الادباء والكتاب العرب مرحبة بهذا الحدث الثقافي الهام ، فيما القت الدكتورة هند ابو الشعر كلمة اتحاد الأدباء والكتاب الأردنيين مرحبة بالضيوف العرب ومؤكدة على اهمية هذا الملتقى الاحتفائي بجنس ادبي مهم هو القصة القصيرة .
كان الملتقى يتألق .. على متن النصوص التي صهرت التجربة الحياتية في بوتقة إبداعية تجلت في فن القصة القصيرة التي كُتبت بأكثر من قلم وصيغت بأساليب شتى .. أغنت الذائقة المعرفية .. و أشرعت النوافذ بوجه أقلام لم يتسن لنا لقاءها الا ضمن الحيز الورقي او الالكتروني .. وهما بالتأكيد حيزان لا يغنيان رغم كل ايجابيتهما عن اللقاء الحقيقي الذي يولّد تلاقحا معرفيها حضاريا يتجاوز آفاق الكتابة .. الى آفاق الحياة .. بكل ألوانها .
إكليل وفاء ومحبة لـغسان كنفاني
لم يقتصر الملتقى على القراءات القصصية للمشاركين من شتى البلدان العربية فقط والتي توزعت على الجلسات الصباحية في مركز الحسين الثقافي الذي يعد صرحا ثقافيا جضاريا لتصميمه الأنيق واحتوائه لكل الفعاليات الثقافية والفنية ، وجلسات مسائية في بيت تايكي المؤثث بحميميته ، بل حمل الذاكرة الإبداعية العربية وراح يحتفي بالراحل غسان كنفاني مبدعا عربيا حفر بأظافره ورسم بدمه خريطة إبداعه الذي بقي متوهجا حتى هذا الوقت المتأخر من الغياب .. فكانت أصبوحة احتفائية سلطت الضوء على منجزه الإبداعي المتنوع بين القصة القصيرة والمسرح والنقد ، و شارك في هذه الندوة الاستذكارية الأستاذ نزيه أبو نضال مسلطا الضوء على شخصية غسان كنفاني المبدع مضمنا قراءته بعض النصوص التي حملت مفاتيحا لقراءة شخصيته من خلال شخوصه والأحداث التي تضمنت نصوصه على امتداد منجزه الإبداعي ، أما الدكتور محمد عبيد الله عميد كلية الاداب والفنون في جامعة فيلاد لفيا فقد تميز بورقته الموسومة ( غسان كنفاني ونقد القصة القصيرة ) التي قدمها عن غسان كنفاني الناقد الساخر والقاسي بنقده والمبدع الملتزم حيث ربط فكرة الإبداع بالالتزام وان الأديب الثوري هو ثوري بإبداعه أيضا وليس على الورق فقط ، مع الاحتفاظ بالمقاييس الإبداعية بما يليق بالفكر الثوري . فيما تحدث الدكتور حسين جمعة عن بدايات كنفاني مسلطا الضوء على العلاقة بين حياته وبين إبداعه مستشهدا ببعض النصوص التي أكدت على متلازمة هذه العلاقة وأهميتها واثرها في منجزه .
كان غسان كنفاني حاضرا بكل ألقه وشعث أيامه يقص علينا حكاية .. لم يقدر له أن يكملها بحبره .. فكان حبرنا .. يرسم ملامحه بمرايا المحبة والوفاء .. من جديد .
تكريم محمود الريماوي .. تكريم القصة القصيرة
لم انتبه او بالأحرى لم يثر انتباهي شيء في الرجل الستيني ... الذي يجلس بقربي لأعرف انه الشخصية المكرمة في هذا الملتقى والذي قرأت اسمه على بروشور الملتقى ورأيت صورته المكبرة في مركز الحسين الثقافي ! ذلك لأن المبدعين الحقيقيين لايحسنون ارتداء وجوه غير وجوههم وجلودهم الكالحة بفعل الخيبات العربية .ولم أتأكد من انه هو نفسه الشخصية المكرمة الا بعد أن سألته سؤالا أردته أن يكون عابرا : غدا سيكرمونك ماذا أعددت لهذا اليوم ؟ فكان جوابه تأكيدا على بساطته وعفويته : أعددت ورقة صغيرة .. وقلبي مثقل ومرتبك .. لا أجيد الحديث عن نفسي .. أنا كاتب .. فقط
وكان يوم الاحتفاء الذي أعده الملتقى احتفاء بالريماوي. فقد كانت كلمة القاص والروائي المبدع طالب الرفاعي مبهرة بالقدر الذي جعلنا منصتين له لانعد حبات الوقت منتظرين انقضاءه كما يحدث في المحاضرات واللقاءات الرسمية .. كانت فصول حياته تكتنز بالكثير من الحكايا وربما العبر .. ويضاف الى ذلك تلقائيته في الكلام الخارج من القلب لا من الورقة ليدخل الى القلب مباشرة .. ومثل طفلة .. تنصت للحكايا التي تحب .. أنصت اليه .. وهو يروي فصولا من علاقه بالريماوي حين عملا معا في الصحيفة ذاتها في زمن ما فالريماوي لم يكن قاصا فحسب بل هو كاتب سياسي بامتياز له باع طويل في تحليل وقراءة المشهد السياسي في أكثر من صحيفة عربية وعلى امتداد عقود من الزمن .. لذا كانت تجربته غنية ومعطاءة ومتجددة ولعل الذين تناولوا هذه التجربة بمنظار إبداعي كانوا أكثر الماما بجوانبها فقد اكد الناقد د . عمر العسري في ورقته التي اختصر منها الكثير بسبب ضيق الوقت مشيرا الى التقنية السردية التي اشتغل عليها محمود الريماوي في قصصه حيث كان حريصا على اكتشاف الحياة اليومية بالواقعة الأدبية مع الاحتفاظ بواقع التخييل لذا كان كان عالمه القصصي يحاكي الواقع وان الحدث القصصي بالنسبة له حكاية تتشكل على ارض الواقع ليعاد تشكيلها على الورق وفق مقتضيات القصة القصيرة ، ويموضع الريماوي شخصياته ضمن منظور أحادي متطور باستمرار للوصول الى معرفة استقرائية ضمن الواقعة القصصية .
أما الناقد د. لؤي حمزة فقد كانت ورقته عن خصوصية الحقل في السردية العربية (محمود الريماوي سحر القصة القصيرة ) مشيرا الى بناء المتن لدى الريماوي حيث أن المتن اللغوي لديه يتأسس على طبيعة اللغة خارج النص القصصي ويشكل هذا سمة من سمات الريماوي لإنتاج مفارقة اقرب للشجب في مواجهة التباس المواقف وحيرة الأضداد ، فقصة الريماوي تنشأ في الخارج في رحابة التجربة الإنسانية
اما د. مريم جبر فقد تناولت رؤية نقدية تحليلية في تقنيات القصة لدى الريماوي مشيرة الى سلاسة النص وسهولة الأداء وتشكيل المشهد القصصي من الحياة اليومية بالإضافة الى المفارقة في أسلوب الريماوي بالإضافة الى قدرة الكاتب على تحويل اللقطة العابرة الى مشهد قصصي يضاف الى ذلك اللغة المحملة بالكثير من الإشارات والمعاني .
اما محمود الريماوي فقد كان آخر المتحدثين عن تجربته وكان حديثه مواكبا لفلم توثيقي سجل الكثير من منعطفات حياته مع كتاب ومبدعين ومؤسسات ثقافية اشتغل فيها على امتداد سنواته ، وأشار الى البدايات وغواية القراءات الأولى على محدوديتها التي ابتدأت بالصحف في وقتها .. مؤكدا ان الصحافة هي التي فتحت له الآفاق على القصة ، وبعد حفل التكريم منح الريماوي درع الإبداع تأكيدا على حضوره العربي في القصة القصيرة وتكريما له .. وللقصة القصيرة معا .
قراءات قصصية برائحة عمون
كلما سمعنا ب (عمون) يقفز الى أذهاننا وبلا مناسبة الكاتب الساخر حد الوجع علي السوداني لكثرة مايردد هذا الاسم بمحبة وكأنه يحمله تعويذة في قلبه .. جمعتنا عمان اذن ... ورحنا نقرأ أحزاننا المكفنة بالورق .. والدامية بالحبر لا أذكر على الإطلاق اننا قرانا قصة بيضاء .. ولم يسلم من ذلك حكاية لطفية الدليمي الغرائبية بطقوسها الحميمة ..
- لطفية الدليمي
او دوران سليمان المعمري المستديم او قصة محاسن الحمصي المترفة بحسرتها.. أو فئران سهيل الشعار او قصص وفاء خرما القصيرة جدا والعميقة جدا أو جدران أماني الفلسطينية اسمها هكذا اجمل .. أو قصص د. محمد ابراهيم الحزينة أو أي من القراءات التي رافقتنا على امتداد أيام الملتقى . ذلك لأن الكاتب العربي مايزال قابعا تحت سطوة خيبة أوطانه التي بدأت تنفض القيود عن جسدها الفضي .. لتسترد صوتها وحنجرتها .. حرية تلو أخرى وعلى صهوة الشهداء الفاتنين وهم يؤثثون لنا وطنا جديدا .. يكون لنا فيه حصة من الفرح كما الحزن .. ومن الانعتاق كما الاختناق صمتا ..
لابد وأنا أتحدث عن هذا الملتقى أن اذكر أسماء كل من حضروا