حينما قررنا بمدينة خريبكة المغربية، المعروفة بثنائية الفوسفاط والهجرة بشقيها،القانوني والسري، إضافة مهرجان دولي متخصص في ثقافة الفيلم الوثائقي، لم يكن الأمر من باب، توليد مهرجان آخر، لينضاف الى سلسلة المهرجانات الموجودة في بلادنا، بل الأمر يتعلق بمشروع ثقافي أتى ضمن سياقات علمية وثقافية مختلفة .إن الغاية من مهرجان دولي للفيلم الوثائقي بهذه المدينة التي ولدت من رحم الفوسفاط، وصنفت ضمن خانة المدن العمالية، والتي عاشت فترة زمنية طويلة تناضل من اجل أن يصبح لها كهامش جغرافي ذلك الفعل / الحدث الثقافي لتمارس أقلامها الثقافية وفي كل المجالات، حياة ثقافية داخل محيط المدينة، الذي نخرته الهجرة وكبدته العديد من المآسي، وان كانت بعض النماذج من الهجرة ناجحة وايجابية، وعادت بالنفع المادي والاجتماعي عليها، لكن هذا لا يعني أن العديد من الفئات رهنت مصيرها، بهذه الهجرة، مما عمق الجرح لدى العديد من الأسر التي اكتوت بفعل هذه الهجرة .مدينة خريبكة التي اكتوينا بحبها وعشقها لحد النخاع، أردنا ومن خلال هذا المشروع المولود من رحم جمعية مولودة وآتية من عالم المجتمع المدني، المؤمن بدور المبادرة الثقافية الحرة والمستقلة، والمنحازة للإنسان المغربي في شموليته الثقافية والحضارية المتجذرة في كل الحقب التاريخية التي قطعناها،بكل نقط ضعفها وقوتها، لكن وحدها الثقافة هي تلك الأداة التي وبجانب مكونات أخرى، من الممكن اليوم أن نوظفها في الدفاع عن ذواتنا، في خضم عولمة مخيفة ومرعبة وعلى الرغم من بعض عناصرها الايجابية، والتي ينبغي ألا تخفي الغابة الكبرى التي يعد البعض لرمينا فيها، هذا البعض المتحكم في كبريات الشركات العالمية، والتي تريد تشيئ وتبضيع وتضبيع الإنسان كانسان خلقه الله وكرمه فوق هذه الأرض .هنا، إذن، تطفو الى السطح قيمة الثقافة والفن بشكل عام، ومكون السينما بشكل خاص،وثقافة الفيلم الوثائقي بشكل اخص،حيث الكل اليوم يؤكد أن الصورة هي أداة من أدوات فضح هذه العولمة المرعبة والمخلخلة لكينونة الإنسان.فبالصورة الآتية من عالم ثقافة الفيلم الوثائقي سنعبر عمن نحن ؟ وماذا نريد من هذا العالم ؟ وكيف ينبغي أن نعطي لثقافة الفيلم الوثائقي مساحته الطبيعية ليقول قوله؟ وكيف يمكن أن نتحاور مع ذواتنا ومع الآخر بواسطة هذا المكون الفني والثقافي ؟بل بواسطته يمكن أن نساهم في تصحيح صورتنا لدى الآخر، الذي نمط صورتنا وخزنها لدى وعي ولا وعي المتلقي، في خانة العنف والتطرف والتخلف الخ؟.من هنا اقتحمنا هذه المغامرة الثقافية، وعانقنا كل همومها، في أفق أن نقول قولا بسيطا ومركبا في الآن نفسه،نحن من قبيلة عشاق ثقافة الصورة أولا وأخيرا، وما بين الأول والثاني، وبواسطة هذا العشق للصورة الذي اكتوينا به، نريد أن ننشغل بها انشغالا معقلنا، نقصد توظيف هذا العشق لثقافة الصورة في النافع والصالح، بل في الأنفع والأصلح، المنحاز للإنسان كانسان، الرافض لكل مظاهر العنف والتطرف والإقصاء والتهميش،من هنا تأتي أهمية الحاجة الى هذا الشكل التعبيري الفني، الذي لا زال يقاوم في بلادنا من اجل نزع بطاقة تعريفه الفنية عوض النظر إليه كمساحة زمنية توظف في سد الفراغ فقط سواء في التلفزيون أو غيره من بقية الوسائط الإعلامية الأخرى. بثقافة الفيلم الوثائقي، إذن، نصحح تصوراتنا وتمثلاننا حول ذواتنا وحول الأخر، بها أيضا نتحاور ونكسب ثقافة مبنية على عمق التأمل والتحليل والتفكيك والتصحيح وتقبل الآخر، كما أن هذا الآخر عليه أن يعرفنا كمنظومة ثقافية وجمالية وعلمية وحضارية وإنسانية، لا كمجرد سوق تفنن في نهبها استعماريا، وشدها إليه دوما من اجل ترويج بضاعته، وإيجاد حلول أزمته في ما نصدره إليه كمنتوج خام. من هنا وفي اعتقادي المتواضع تأتي الحاجة الى ثقافة الفيلم الوثائقي كمشروع ثقافي وفني وجمالي وإنساني نريد من خلاله أن ندافع عن ذواتنا ونتحاور بهدوء وبحكمة.